كتب : محمد حبوشة
تساءل كثير من خبراء التمثيل: هل التمثيل هو الدراما، أم فن الإتقان والمهارة والجمال، سواء كان فعلا أو أداء أو تقليدا أو تقمصا أو تجسيدا؟ والجواب: نعم، هو ذلك كله، مثل أي فن آخر، يحتاج إلى المهارة الفنية والإتقان، لكن كي نميزه من بقية المهن الحرة التي تتوخى الإتقان وتعنى بالجمال، ولا تخلو من المهارة مثل (النجارة والحدادة والسمكرة والخياطة والحلاقة)؛ فلا بد أن نضيف إليه المعنى (أو الغاية العليا لهذا الفن)، والمبنى (المقدرة على البحث، وإعادة خلق الشخصيات والنماذج البشرية)، بعيداً عن الابتذال والاستسهال والتقليد والتكرار الذي يعتبر آفة فن التمثيل بخاصة، وألد أعداء الإبداع بعامة، والذي يُطلق عليه مصطلح (كليشيه – cliche) أو (ختم: كليشة) بالعربية الدارجة، كما تعني: (التقنية) بالفرنسية، والطابع أو القالب بالتركية، وكل ما له علاقة بالأقوال المأثورة والعبارات والأفكار والصيغ المبتذلة المكررة، وهى في المسرح لا تعني إلا شيئا واحدا هو: النمطية والاستنساخ الأعمى، إن لم نقل التنفيذ السهل للأفعال الصعبة، وهذا هو الفرق بين المهارة الفنية في الإبداع والمهارة التقنية في الحرفة.
وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع النجمة المتألقة (روبي) واحدة من الممثلات التي تعنى بالمهارة الفنية والإتقان في الأداء وتبعد تماما عن (الكليشية) في مختلف حالاتها التمثيلية، فتراها تتنوع في ألوان التجسيد عبر موهبة آسرة – بغض النظر عن كونها مطربة مثيرة للجدل – وهى في هذا تدرك إن أخطر شيء يمكن أن يواجه الممثل، هو تجسيد الحالات المتكررة كثيرا في الحياة وفي الدراما، مثل: الاعتراف بالحب، الخوف، السرقة، التحية، الدهشة.. لكن كيف تحصن (روبي) نفسها من الوقوع في (الكليشة) والتقليد، وكيف تبتكر تعبيرات جديدة لهذه المشاعر/ الأفعال؟، هذا هو سؤال الفن الذي يشغلها طوال الوقت فهى تفكر جيدا فيما ستقوم به قبل الدخول إلى (البلاتوه) لتجسيد شخصية جديدة.
نعم روبي تلجأ إلى التفكير العميق الخلاق، بعيدا عن كل ما هو سهل ورقيع، واستنباط أو خلق حالات وأفكارا إبداعية جديدة نابعة من الموقف والظرف المعطى، وطبيعة الشخصيات والأحداث الموجودة في النص؛ لا أن تختار المعروف والمستهلك لدينا وتقذفه في وجه المشاهد!، فهى مؤمنة بعبارة ترد كثيرا في كتب (ألف ليلة وليلة) وكتب التراث القصصي الشعبي (الفولكلور): (يجب على الممثل أن يحرك خياله الإبداعي، وألا يسمح لنفسه بأن يخر مغشياً عليه كلما فوجئ بشيء أو صدم به!)، فهل يعقل من وجهة نظرها أن ينحني – بنفس الطريقة – كلما أراد التعبير عن الاحترام لأسياده، أو أن يركع على ركبة واحدة ويقدم وردة حمراء كلما أراد البوح بالحب مثلا، أو أن (يبحلق) أو يزأر أو يبكي أو يتأتئ أو يتألم أو يغضب كما يفعل أشباه الممثلين في المسارح والأفلام والمسلسلات التلفزيونية الهابطة.!، قد يضطر إلى ذلك في بعض الأعمال (التاريخية مثلا) التي يفرضها الظرف المعطى أو البيئة التاريخية، لكن ثمة في حياة الناس نماذج إنسانية لا نهاية لها، ولكل نموذج طابعه الخاص، ويستطيع الممثل الموهوب؛ بل يتوجب عليه، أن يضيف أفعالا وحالات إنسانية جديدة، يقدمها بشكل أفضل وأصدق وأعمق؛ إذا حاول البحث عنها في الواقع أو في خزان ذاكرته الانفعالية كي يعيد إنتاجها من جديد.
تملك (روبي) القدرة الفائقة في التجسيد الدرامي والمقدرة على إيجاد تيار شعوري داخلي من الانفعالات والمشاعر ثم عكس هذا التيار من خلال أدوات التعبير لديها كممثلة، وهى الصوت والوجه والجسد.. لكنها قبل البدء باستخدام تلك الأدوات تقوم بقراءة النص قراءة جيدة ومعرفة فكرة النص وهدفه والاقتناع بأهمية هذا الهدف ثم قراءة ما بين السطور والدلالات العميقة للنص، وتقوم بتتبع الشخصية التي ستتعامل معها وتتعرف على دورها في الأحداث ودورها في خدمة فكرة وهدف النص واكتشاف مبرر أو دافع أو هدف وجودها وأفعالها وكلامها، ومن ثم يقوم بتحليل الشخصية بعد جمع المعلومات والمعطيات التي تحصل عليها من: كلام الشخصيات عنها، ثم تستخلص أبعادها، صفاتها، طباعها، أفكارها، عصرها، وربما تعود إلى مصادر تاريخية تدعم أفكارها حول العمل الذي تدخله.
ومن خلال متابعتي لها كممثلة تحمل موهبة كبيرة، أرى أن (روبي) تحرص باهتمام وتركيز على الاستماع لوجهة نظر المخرج في أهميتها ودورها في الأحداث وفي العرض، والأسلوب الأمثل الذي يراه المخرج في تقديمها وأدائها، وأية معلومات أو ملاحظات يمكن أن يقدمها المخرج للممثل عن الشخصية، ما يجعلها تحدد تصورا واضحا عن الشخصية والأدوات والأساليب التي ستستخدمها في التمثيل وما يمكنها أن تضيفه من خيالها ومشاهداتها وتجاربها الشخصية وقراءاتها.. ليضفي ذلك على الشخصية العمق اللازم لتأكيدها، وبهذا تسعى لأن تكون واقعية الأداء بلا مبالغة أو برودة مشاعر، بل تبدو صادقة الأداء بالكلمة والحركة والانفعال، فالصدق وحده الذي يخلق تجاوبا لد ى المتفرج.
ولدت روبي في حي المنيرة بمدينة القاهرة، ولم تتصور يوما أن تصبح مغنية أو ممثلة، كون والديها أرادا لها أن تصبح طبيبة، وفي مدرسة الحويتي قضت المرحلة الأساسية في التعليم، لكنها في عمر 16 عاما، تحدت والديها وأصبحت عارضة، ودرست في كلية الحقوق بجامعة بني سويف، إلا أنها لم تكمل تعليمها بسبب مواجهتها بعض المشاكل في الكلية، وشاع أنها كانت تحضر الامتحانات بملابس مثيرة وغير لائقة لدخول الحرم الجامعي، لذا منعها حراس الجامعة من الحضور، وتميزت روبي بأنها تمتلك أكثر من موهبة فهي مغنية وممثلة وراقصة أيضا، ومنذ منذ بداياتها أثارت الأزمات بمظهرها الجريء المختلف عن نجمات جيلها، فهي موهبة لا جدال عليها وجمال لافت ومختلف مع كثير من الأزمات.
وبعد أن سنحت الفرصة لروبي بالظهور الفني، قاطعها والدها وبعض أقاربها، لكن أمها كانت الوحيدة في صفها وشجعتها، وبدأت مسيرتها مع (رومانوف) عام 1997، لتنتقل بعدها إلى عالم الإعلانات وتظهر في العديد منها، إلا أن جمالها وإثارتها دفعا إليها العديد من الفرص التالية، فعملت كمقدمة برامج على القنوات المصرية، ظهرت روبي بعدها في عدة مشاهد في فيلم (فيلم وثائقي) من إخراج محمد أمين عام 2000، وعرفت حينها باسم (رانيا حسين) اسمها الحقيقي، ثم عملت في عام 2001 مع المخرج يوسف شاهين، في فيلم (سكوت ح نصور) الذي تدور أحداثه حول حياة فتاة ثرية (لعبت روبي دورها) تقع في حب سائقها الخاص.
قررت روبي بعد (سكوت ح نصور) خوض تجربة الغناء، فصورت أول كليباتها عام 2003، بعنوان (أنت عارف ليه)، وحمل توقيع كل من الملحن الشهير محمد رحيم والمخرج الكبير الدكتور شريف صبري، أثار هذا الكليب جدلا واسعا في الشارع المصري والعربي في تلك الفترة، كونها تظهر فيه بملابس الرقص الشرقي، وهو ما لم يعجب المجتمع العربي، إلا أنه يمكن القول أن هذا الأمر قد ساعدها في صعود سلم الشهرة بسرعة.
لم يتوقف التعاون بين (روبي وشريف صبري) بعد الكليب بل أكملا العمل معا فأطلقت كليبها الجديد (ليه بيداري كده) عام 2004 الذي لم يكن أفضل من سابقه، بل تعرض للكثير من الانتقادات، وعلى ظله اتهمت روبي بأنها لا تمت للغناء بصلة، بل تخرج إلى الشاشة كفنانة استعراضية لا أكثر، وفي نفس العام شاركت أيضا في فيلم (سبع ورقات كوتشينة) الذي لعبت فيه أيضا دور البطولة، والذي اعتبر مثيرا جدا ومنع من العرض في الكثير من الدول العربية مثل سوريا، وصنف كأسوأ فيلم لعام 2004، ومع ذلك فقد اقتبست منه مشاهد كليبها الثالث (أنا عمري ما استنيت حد) والرابع الذي حمل عنوان (غاوي)، وأصدرت عدة أغاني أخرى من الفيلم في ألبوم واحد حمل اسم (ابقى قابلني).
بدأت علاقتها بشريف صبري تسوء ونشبت عدة خلافات وفضت علاقة العمل بينهما، وبعدها بثلاثة أعوام، أطلقت ألبومها الغنائي الثاني (فين حبيبي)، وتلاه ألبوم (مشيت ورا إحساسي) الذي ضم ما يزيد عن عشر أغان، ثم عادت في عام 2008 إلى ساحة التمثيل، وشاركت في عدة أفلام منها (ليلة البيبي دول) و(الوعد)، وأطلقت في نفس العام أغنيتها الشهيرة (يا الرموش) التي حازت على إعجاب عدد كبير من المتابعين، وفي عام 2011 شاركت في فيلم (الشوق)، أما في عام 2013 فقد شاركت في فيلمي (الحفلة، والحرامي والعبيط) مع عدد من النجوم الكبار، بالإضافة إلى عدة أفلام تالية منها (يوم مالوش لازمة – 2015، وفيلم (الكنز) بجزأيه في عامي 2015 و2019، و(عيار ناري)، و(حملة فرعون)، و(شلة ليمون)، و(شغل خواجات) في عام 2021، ومؤخرا في عام 2022 كانت ضيفة شرف على فيلم (برا المنهج).
أما في الدراما التلفزيونية فقد تألقت (روبي) في أعمال كثيرة فقد نجحت في أول بصمة لها في الدراما أن تضع قدميها بقوة، وتحوز على نسب مشاهدة لم تحظى بها النجمات الكبيرات أو العائدات إلى الشاشة، وليس هذا فقط بل أنها من أكثر الفنانات التى لفتت الأنظار إليها، فرغم أن مسلسل (بدون ذكر أسماء) هى التجربة التلفزيونية الأولى لها، إلا أنها أثبتت أنها ممثلة مخضرمة لديها خبرة كبيرة في العمل الدرامى، فقد ظهرت في العمل لا تختلف كثيرا عن شكل أبناء الشوارع الحقيقيين ليس في مظهر الشعر (المنعكش) أو الملابس المتسخة للغاية ولكن في طريقة الحديث ودعائهم للزبائن من أجل شراء الفل منهم، والذى يكون في الأغلب يحمل قدر كبير من المجاملات من أجل كسب عطف الآخرين، ومن مسلسلاتها المهمة أيضا (سجن النسا – 2014، رمضان كريم – 2017، أهو ده اللي صار- 2019، شقة 6 – 2021، ورانيا وسكينة 2022.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقديرواحترام للفنانة (روبي) المعجونة بالموهبة (لوليتا) الأغنية المصرية، التي أغوت أجيالًا، وأغضبت أجيالًا، وأثارت الرغبات واللعنات بأغنياتها ورقصاتها، التي تبدو اليوم محملة بالنوستالجيا والمشاعر اللطيفة، وبدت لنا ممثلة من طراز رفيع المستوى حيث أدت أدوارا متنوعة عزفت فيها على أوتار مشاعر كل كفتاة مصرية عادية من حي شعبي تنتمي للطبقة الوسطى، بمفرداتها ولهجتها وإيماءاتها وآراؤها التي تنتمي لهذه الطبقة، فضلا عن الهالة الأسطورية التي كانت تحيط بها في الأداء الصعب، وكأنها قادمة من كوكب آخر لتجسد الفتاة البسيطة اللطيفة، السمراء ذات العيون الفرعونية، صاحبة الجمال المصري الأصيل، التي تجيد التمثيل والغناء، والتي تختلف عن كل النجمات.. وكل الفنانات.. ليس لها طبيعتهن ولا هوايتهن.. إنها تفضل أن تبقى وحدها تسمع موسيقى أو تقرأ كتابا، على أن تلبى دعوة حفل، أو تذهب فى زيارة ما، وكأنها تربأ بنفسها عن المجتمع، وهى فى الحقيقة أسمى وأرقى من المجتمع كله.
هكذا رأيت روبى النجمة الموهوبة فنانة ومطربة ونجمة وممثلة، لكن ما يميزها أنها إنسانة شفافة.. عادلة.. نقية.. متسامحة.. صادقة مع ذاتها ومع الجميع، أعطاها الله الحب فأحبها كل الناس.. منحها النجاح فصارت دائما ناجحة فى تحقيق ما تختاره.. نجحت فى الغناء.. وفى السينما.. وفى التليفزيون لأنها طوال الوقت تجدد من ذاتها وتحرص على اختيار أدوارها حتى وإن كانت الأدوار قدمت في أعمال سابقة، ويبدو تطور روبي الذى يحدث من عمل إلى آخر، يؤكد أنها بعد ذلك العمل تحديدا ستكون لديها نقلة فنية ونوعية مختلفة في مستقبلها الفنى المقبل، فهذه الفتاة ذات الملامح المصرية السمراء الصميمة التي تبدو وكأنها نقشت نقشاً على أحد جدران المعابد في الكرنك أو أبيدوس، إنها باختصار هى تلك الفتاة التى ذاع صيتها بعد أن قدمت مجموعة من الأغانى والأفلام والمسلسلات على جناح إبداع لا ينتهي أبدا.