بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
أصبح (محمد صلاح) لدى معظم المصريين وأنا أيضا هو البسمة والفرحة، ولا أبالغ حين أعترف أنني أحيانا وعندما يقترب مني الضيق أو اليأس ألجأ إلى اليوتيوب وأشاهد محمد صلاح وتألقه وإبداعه مع فريق ليفربول الذي اشتهر في مصر والعالم العربي بوجود صلاح الفتي المكافح ذو الشخصية المتوازنة والقادم من (نجريج) إحدي قري محافظة الغربية.
إنه مثال للنجاح والإصرار وعلينا جميعا خاصة الشباب الانتباه إليه، لقد أصبح أيقونة يقلده ويعشقه الصغار والكبار في مصر ومعظم دول العالم .. واعتدنا دائماَ على سماع صراخ المعلقين وإشادتهم بالشاب المجتهد الخلوق ومنها: (شنو هذا يا صلاح .. أنت أروع من خوفو ومنقرع .. أنت من كوكب آخر .. سلطان الكورة الإنجليزية وفخر الكرة العربية)، وكذلك هتافات الجمهور البريطاني: (مو صلاح .. مو صلاح) بل والتغني بالفرعون المصري ويسأل البعض ما هذا؟، والاجابة: إنه العمل والاجتهاد والدخول في المنظومة العلمية والعملية أصبح (محمد صلاح) مثال للتألق يجب دراسته ليكون لدينا آلاف من أمثال صلاح في كل المناحي.
تلك كانت أفكاري حين كنت عائدا من صالون ثقافي وسط القاهره للسيدة (ريتا بدر الدين)، وكان الحديث عن الرؤية المستقبلية لمصر وأثر العلم والتعليم .. كنت قد اعتليت بدايه كوبري 6 اكتوبر من ميدان عبد المنعم رياض متجها عائدا إلى مصر الجديدة، كانت الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل وعلقت مهللا وبصوت عالي وأخذت أردد: ( شنو هذا يا مصريين .. انقذنا يا خوفو .. أرشدنا يا منقرع)، وبنفس طريقة (رؤوف خليف) المذيع التونسي أكرر: (شنو هذا يا مصريين)، الكوبري يا سادة متوقف يمشي كسلحفاة بعد سن المعاش والعربات متراصة تزحف ببطء، ماذا يفعل كل هؤلاء اننا بعد منتصف الليل.
وتذكرت أنه نفس الحال صباحآ وظهرا ومساءا، لقد شاهدت ساعة الذروه في كل بلاد العالم بل ومعظم الدول العربية، إنها ساعة خروج الموظفين والمدارس فقط ! ، ماذا يفعل المصريون ومتي يعملون، ومن يعمل؟، وأخذت أحدث نفسي البعض يعمل لكن الغالبية تجري علي الكباري وتستريح علي المقاهي وتأنتخ علي شبكات التواصل التي أصبحت عامل فاعل في التباعد، فالتهنئه رسالة، والمواساة تليفون، والدعوات على الفيس بوك، وحتى الأبناء وقد وضع كل منهم جهازه أمامه يأخذ منه كل ما يحتاجه من معرفة وأحياننا يأخذ الابن النصيحة والمعلومة من (بابا جوجل) بديلا عن الأب الفعلي .. إنه خلط استشري وأصبح يشكل خطراً .. وفقط ينظر كل منا للآخر مستفسرا ماذا حدث؟.
علينا أن نعرف فيما تستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، فإنها كالسكين تستخدم للذبح الحلال وتستخدم كذلك في القتل وباسم الدين فيما حرمه الله ورسوله، ومرات لتسريب عادات وأساليب مثل ما يحدث مع المثلية، علينا الانتباه والفرز والعمل المخلص والمتقن فما نراه من زحام طوال ساعات الليل والنهار لهو خير دليل على عدم اهتمام البعض منا بقيمة العمل، فلنستيقظ وكفانا تراخي وانتظار للإجازات والتي أراها أصبحت لكل مناسبة فيعيش البعض منا في إجازة طويلة يتخللها بعض أيام العمل.
العجيب دائما وبكل ثقة يسأل البعض عن الإجازات والحوافز بل وزيادة المرتبات ومنهم من يندهش الآن من ارتفاع الأسعار، نعم وأنا معك يا سيدي لكن انظر حولك علي العالم وما يحدث وماذا قد يحدث؟، وانظر أيضا علي حجم العمل البعض يعمل أكثر من خمسة عشر ساعة يومياَ ولكنهم العاملون في شركات المالتي ناشيونال، أما الكثيرون فهم يطالبون فقط بما لهم ويتناسوا ما عليهم، انظر إلى الكباري والزحام وأنت تتأ كد مما أقوله، المصريون غالبيتهم في الشوارع في كل الأوقات والبعض يعمل ويشعر بغبن ويحاول علي شبكات التواصل ويحدث اللغط وعدم البصيرة.
يدهشني ما يحدث على شبكات التباعد الاجتماعي حين يكتب البعض وهو جالس ومأنتخ و يتحدث عن (صلاح)، فيقول مثلاً (صلاح) لا يلعب في المنتخب كما يلعب في ليفربول، فهو متناسي مع من يلعب ومن المدرب ونوعية أرضية الملعب، إنما هو يتكلم بمنطق العالم بعلوم اللعبة والمدرك لما يفعله (صلاح) وقيمة هذا الشاب الذي أبهر العالم وأبهر الشعب الانجليزي العريق، وتمسك به النادى وأعطاه أكبر مرتب في تاريخه وارتفعت صوره على أكبر العمارات والمباني في العالم، وتغني الشباب باسمه وخدم اسم مصر كأعظم سفير أو وزير خارجية.
والأعظم أنه خدم الاسلام وحسن من صورة المسلمين بحسن أخلاقه وإنسانيته، ولكن يبقي المتحذلق ينتقد كائن النجاح وبسمة المصريين والعالم (مو صلاح) الذي يفعل الخير لمصر والمصريين دون أن يتكلم (صلاح) الذي يعتبر الأكثر عطاءً وتبرعاً في عام 2022، كيف بالله عليكم أن لا نحتفي ونفتخر بهذا الشاب الخلوق الناجح الذي جعل اسم مصر يتردد كثيراً في معظم ملاعب كرة القدم.
كفانا تحطيم في الرموز إننا في مرحله تهتم فيها الدولة مشكورة ببناء وإصلاح البنية التحتية ويبذل مجهود كبير مجهد ومكلف في عمل مشاريع كبيرة لخدمة المواطن ومن يتجاهل ذلك فهو فاقد للبصر والبصيرة، دعونا ننطلق والدولة تدرك قيمة بناء الإنسان.
فقد قال أحد المستشرقين: (إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فلديك ثلاث وسائل: هدم الأسره وهو بتغييب دور الأم، وهدم التعليم عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية وأظهره مهان وقلل من مكانته واجعل الطلاب تحتقره، اكتب (للسينمائيين والكتاب) وإذا أردت أن تسقط القدوات والرموز عليك باسقاط العلماء والناجحين، اطعن فيهم وقلل من شأنهم شكك فيهم حتي لا يستمع أحد لهم ولا يقتدي أحد بهم، وهذا ما يفعله بعض الطيبين عقلاً مع رمز النجاح وبسمة مصر صلاح الأصيل .. اتقو ا الله في رجل جعلني أتابع الكرة منذ ظهوره فلم أكن أعرف لا الفرق ولا اللاعبين إلا الأهلي أحمر والزمالك أبيض، وأتابع فقط فريق مصر القومي وأرفع العلم وليفربول بعد أن أصبحت من جمهور صلاح العظيم واعرف قدره.
لماذا أصبح البعض منا عدواني كاره للنجاح للآخر وأصبحت الحوادث علي سطح المشهد وتذاع وتصور بفجاجة ولا إنسانيه؟، هل تعرف أن الإنسانيه قبل الأديان، كن إنساناً وتعامل معي بصفات الإنسان بالرحمة والمودة والتآخي .. ماذا حدث للمصريين ! مقولة ( جلال أمين) الكاتب والمفكر العظيم، لقد حضرت الستينيات والسبعينيات والثمانييات وإلى الآن لم أشاهد هذا الأداء العدواني اللا إنساني عند البعض، لنا أن نواجه تلك الظاهرة العجيبة وأري كثيراً من الناس مندهشين كيف تقتل وتذبح ابنة صغيرة في الشارع أمام الجامعة والبعض يصور فقط ولا يتقدم خمسة رجال لمنع الشاب المتهور من فعلته القاسية والمدمرة.
لقد كنا نتباهى بأخلاق المصريين والريف والحارة المصرية، وكما قدمتها السينما التلاحم والرجولة صفة مصرية متجذرة كنا نفتخر بها وندعي أننا لسنا كالغرب الناس بلا مودة ولا عواطف ولا مروءة، ولكني أيقنت الآن وأعتقد أنه اللاعب الأساسي لما وصلنا إليه، إنها شبكات التباعد وخاصة الفيس بوك، الكل يدلو بدلوه ويدعي المعرفة بكل مواطن الأمور ومنها أن صلاح الذي سقط علي الأرض حزناً ونحن في ماتش الذهاب لكأس العالم في روسيا وجاءت ضربة الجزاء وكان سبب أن نذهب لكآس العالم بروسيا بعد ثلاثين عاماً من محاولات بائسة، لكنهم بعض عتاة التدمير للناجح وهو تخصص لبعض المصريين.
الدول تبني وتتقدم وتزدهر فقط بالعمل والاجتهاد والبحث حتى نشارك في ركاب الحضارة ونصبح فاعلين ولسنا مفعول به، ولنا في الصين عبرة، فبعد إن كانت تعيش على زراعة الأرز أصبحت بالعمل والعلم والإخلاص والاتقان في مصاف اهم الدول العظمى .. مصر تستحق أن تقف وسط عظماء الدول فهي عظمى بتاريخها وماضيها وتستحق أن تكون كذلك بحاضرها ومستقبلها إنها دعوة للعمل وأعمال العقل.. مصر تستحق.