بقلم : محمود حسونة
العمل مع كبار النجوم حلم الكثير من الفنانين والمؤلفين والمخرجين الساعين للوصول بأعمالهم إلى أكبر قطاع من الجماهير والتعريف بإمكاناتهم الفنية والإبداعية لمن لا يعرفهم من المختصين، ولكن الأحلام أحياناً تتحول إلى كوابيس، وما تتخيله وسيلتك لتحقيق هدفك والوصول إلى المكانة المبتغاة قد يصبح وسيلة لإسقاطك في الهاوية، وبأقل تقدير قد يجرك إلى الخلف خطوات أو يعطل مسيرتك ردحاً من الزمن أو يشوه صورتك عند من عرفك من خلال أعمال سابقة مبدعاً حقيقياً وفناناً ملتزماً، وهو ما يتحقق عندما يكون النجم الكبير أنانياً، يستخدم الآخرين كمجرد أدوات للتخديم عليه وبروزة نفسه.
النجم (محمد رمضان)، أصبح النموذج الذي لا يحتذى، فهو من النجوم الذين يهدمون ولا يبنون، يهدم بالبلطجة التي نجح في نشرها بين الأجيال الناشئة وها نحن نجني الحصاد، عنف وقتل أمام الجامعات، وسنج ومطاوي مخبأة داخل الملابس لإشهارها في وجه الصديق والحبيبة والأخ والأهل، يهدم في الفن بالابتذال والتسطيح والمط والتطويل وإثارة الملل وتقديم أعمال تدور في فلك بطل أجوف القيم وبلطجي السلوك ودموي التعامل، وبجانب كل ذلك مغرور كمن يمثله، لتجد أن النجم والشخصيات التي يجسدها كأنهما وجهان لعملة واحدة، يتكاملان ويتوحدان لإفراز نماذج هدامة، ولعل آخرها الذي لن يكون الأخير هو شخصية (ماهر عاشور) في مسلسل (المشوار)، الذي تحول من أمل لمخرجه الكبير والمتميز عبر تاريخه (محمد ياسين)، إلى كابوس، بسبب تدخلات البطل الذي يسعى دوماً لتفصيل الشخصيات والأعمال على مقاسه، وبما يتوافق مع قناعاته بأن تحقيق الذات لا يكون بالكفاح ولا بالعمل الجاد بقدر ما يكون بالبلطجة كما شاهدنا في أعمال سابقة له، وبالفهلوة واللصوصية كما في مسلسله الأخير، الذي لم يكن سوى دراما هزيلة مفككة، وشخصية البطل يدور حول نفسه في دائرة مغلقة لا يخرج منها سوى في الحلقة الأخيرة بنهاية غير منطقية، تحول اللص الفهلوي في دقائق إلى شاب وطني يحمي آثار مصر ويهتف (تحيا مصر) بعد أن مارس النصب والاحتيال على باقي شخصيات المسلسل على مدار الـ 30 حلقة باستثناء دقائق معدودة في نهاية الحلقة الأخيرة، صدمت المشاهدين وخلقت لدى الواعين يقيناً بأن هذا الرجل اتخذ الفن وسيلة لنشر قناعاته غير السوية ولتحريض الشباب على كل ما يفسد الأفراد والمجتمعات.
(المشوار)، اسم تتخيله لمسلسل يحكي قصة كفاح، ولكنك تفاجأ به قصة شاب يحقق حلمه بامتلاك الفيلا بحديقة وحمام سباحة بالسرقة التي تحولت إلى فهلوة عبر الاتفاق غير المقنع مع الشرطة وتسليمها الآثار التي سرقها هو وزوجته وجاب بها مصر شمالاً وجنوباً هروباً، والغريب أن يكون متفقاً مع الشرطة وهى التي تلاحقه معظم الوقت وتستجوب المحيطين به مراراً، في تعامل صارخ من صناع المسلسل مع المشاهدين على أنهم سذج بلهاء يصدقون كل افتكاسات (محمد رمضان) باعتبار أنه مؤلف النص الحقيقي وليس (محمد فريد) الذي كتب من قبل (هذا المساء) وشتان ما بين العملين، وباعتبار (رمضان) أيضاً مخرجه وليس الكبير (محمد ياسين) الذي من أفلامه (محامي خلع، دم الغزال، الوعد)، ومسلسلات (الجماعة1، موجة حارة، أفراح القبة)، وكلها أعمال تتنافى مضموناً ولا تتوافق شكلاً مع (المشوار).
ويبدو أن (محمد ياسين قد خدعته نجومية (محمد رمضان)، وخدرته وعوده بالالتزام بتعليماته كمخرج، ليقع في الفخ الذي وقع فيه من قبل السيناريست (عبد الرحيم كمال) الذي تألق في كل أعماله وآخرها (جزيرة غمام)، ونال من صورته عمل واحد قدمه مع (محمد رمضان) وهو (زلزال) والذي صدمه إجراء تغييرات انقلابية في النص ولم يجد أمامه من مفر للحفاظ على اسمه سوى التبرؤ من المسلسل، والتقدم بشكوى إلى نقابة المهن التمثيلية، والندم على اليوم الذي فكر فيه أن يتعامل مع (محمد رمضان) ومخرجه إبراهيم فخر.
المخرج (محمد ياسين) لم يتخذ نفس الخطوات، ولكنه رفع اسمه من على المسلسل مخرجاً بعد الحلقة العاشرة وقبل أن يكون مشرفاً عاماً لأسباب خاصة به، ولكنه خشي أن يحسبه الناس عليه مخرجاً فآثر مسمى غير مسبوق وغير معروفة مهامه، والتزم الصمت ولم يرد على استفسارات وتساؤلات الصحفيين مؤثراً السلامة والخروج من التجربة بأقل الخسائر.
قد يكون (محمد رمضان) عندما قرر أن يقدم (المشوار) حاول السير على نهج النجم والعملاق عادل إمام في (أحلام الفتى الطاير) وخصوصاً أن كلاهما يلعب على تيمة الهروب، وهى تيمة ثرية درامية حولها (رمضان) وفريق عمله إلى تيمة فقيرة، فالأحداث محلك سر، والمواقف مفتعلة ولا يتقبلها عقل، والحوار مكرر وممل، والحلقات قصيرة وفقيرة، والايقاع مترهل، والنجم تملكه الغرور حتى أصبح من نسيج شخصيته، فتجد (ماهر عاشور) يتحرك أمام الكاميرا في لحظات انكساره مغروراً متعالياً ولسان حاله يقول (يا أرض انهدي ما عليك قدي)، والعدوى أصابت شريكته في البطولة (دينا الشربيني/ ورد) لتظهر في دور خادمة وأظافرها أظافر هانم متفرغة لتربيتها وإنفاق الغالي والثمين عليها، ناهيك عن أدائها الباهت الأقل وعيا بأبعاد الشخصية من أعمالها السابقة.
الخاسرون في هذا المسلسل كثر، وعلى رأسهم المخرج والمؤلف والبطلة، ولعل الرابحين الوحيدين هما (أحمد صفوت وندى موسى) في دوري مغني المهرجانات والعالمة، والخاسر الأكبر هو (محمد رمضان) الذي انفض الناس من حوله، وبعد أن كان مثيراً للصخب والضجيج في (رمضان)، مر من دون أن يحس به أحد، ولم يتلق سوى عبارات الذم والنقد على مواقع التواصل، ورغم ذلك فلن يتغير (محمد رمضان) حتى يتلاشى فنياً، وسيظل راكباً دماغه صانعاً للأزمات مستغلاً للآخرين حتى النهاية، ولعل أغنيته الأخيرة (تنطيط) التي يوجه بها رسالة لغيره، جديرة به أكثر من الآخرين، سيظل يتنطط حتى تأتيه النهاية مهرولة، وكذلك أغنيته السابقة (بلالين) تناسبه أكثر ممن استهدفهم بها، بعد أن أصبح بالوناً منفوخاً على آخره وقد حان وقت (فرقعته)!.
mahmoudhassouna2020@gmail.com