(يامه القمر على الباب) .. تحكي قصة حب (فايزة والموجي)، ولحنت بسبب (أعواد البرسيم)
كتب : أحمد السماحي
من الأغنيات الخالدة التى أصبحت جزءا حميما من تراثنا الغنائي، أغنية (يامه القمر على الباب) التى مازالت تتردد على مسامعنا حتى الآن رغم تقديمها منذ حوالي 65 عاما، والأغنية حدوتة حب طاهر برئ، وحكاية عطف وتوسل، وقصة غزل ولهفة، ودقات قلب لفتاة ريفية أحبت في استحياء ولكنها تخشى أن تبوح بسر حبها، وتحاول أن تشرك أمها في مشكلة قلبها وتطلب منها النصيحة والرأي في خجل ودلال، والبنت بوصفها لحبيبها بأنه (قمر) انما توضح مقدار شوقها له ورغبتها فيه.
هذه هي حدوتة الحب التى نظمها الشاعر (مرسي جميل عزيز)، وصاغها أنغاما جميلة الموسيقار محمد الموجي، وروتها بصوتها العذب الحنون المطربة (فايزة أحمد)، للنظم قصة وللأنغام قصة وللترنيم قصة ثالثة فتعالوا بنا نعرف (حدوتة) هذه الأغنية كما رواها صناعها في عدد من مجلة (الكواكب) عام 1958 .
في البداية يقول الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز: عندما طلب مني الأستاذ حسين فوزي مخرج فيلم (تمرحنة) وضع أغنيات الفيلم، عدت إلى الزقازيق واتجه تفكيري إلى تكملة حدوتة أغنية (مال الهوى يامه) التى لحنها كمال الطويل وغنتها صباح والتى ضمنتها الروح المصرية على جو رومانسي، وفكرت أن أخفف من الرومانسية إلى حد ما وأبين الشعبية أكثر، وظللت الليلة الأولى دون أن أكتب كلمة واحدة، وفي الليلة الثانية ظللت حتى العاشرة مساء دون أن أخط حرفا واحدا وخطر خاطر في رأسي فلبست ملابسي ونزلت إلى الحقول.
وهناك بجوار إحدى السواقي جلست وعدت بحياتي إلى الوراء عندما كنت أقضي معظم يومي في الحقول استمع إلى الأغنيات الريفية الجميلة، وقفزت إلى ذهني فجأة هذه الأغنية : (فايت على بابنا عينه لقلتنا، حنكه يمص القصب قصده يحدثنا).
واختمرت في رأسي فكرة أغنية (يامه القمر على الباب) وكتبت المطلع وعدت إلى المنزل، وأسرعت بالأتصال بالموجي في القاهرة وألقيت على أسماعه ما كتبت وابديت له مخاوف من كلمة (يامه)، ولكنه أخبرني أنه سيقوم بعمل جو ثاني لهذه الكلمة حتى تكون بعيدة تماما عن (يامه) التى في أغنية (مال الهوى يا مه مال).
وطلب مني أن أكمل الكلام، وسيقوم هو بتلحين كل ما أمليه عليه، ولم تمض نصف ساعة حتى اتصل بي الموجي واسمعني المذهب، وسمعته الكوبليه الأول، ثم مرة ثانية اتصل بي الموجي واسمعني لحن الكوبليه، واسمعته الكوبليه الثاني ثم الثالث، وفي اليوم التالي كنت في القاهرة استمع إلى فايزة أحمد وهي تردد كلمات الأغنية.
وعن ظروف صنع اللحن يقول محمد الموجي: عندما أخبرني حسين فوزي بأن فايزة أحمد هى التى ستقوم بأداء جميع أغنيات الفيلم اشترطت عليه أن يكون مرسي جميل عزيز هو الذي يكتب الأغنيات، وليلة وضعي اللحن اتصل بي مرسي في حوالي الساعة الحادية عشر واسمعني المطلع وقال لي: انه مش عاجبه، وخايف من التشابه في كلمة (يامه) ولكني أكدت له أن الكلام هايل ومدهش.
وأسرعت بإقفال السكة قبل أن يرد مرسي، وأخذت أدندن على العود وعدت بحياتي إلى الوراء، وتذكرت أن الكلام الذي كتبه (مرسي) ينطبق تماما على ما كان يحدث بيني وبين البنت الفلاحة – الملاية – أي التى تحضر لنا الماء، فقد كنت أحبها وكانت تحبني ولكننا كنا بعيدين عن بعض بسبب تقاليد الريف، وتذكرت هذه النغمات الرقيقة التى كنت أخرجها من (عود البرسيم) عندما كانت تردد هذه الأغنية التى تقول : (بس قولوا لأمي طب وأنا مالي، طيب يا غزالي، قاللي عايز بوسة، قولتله دهده، طيب يا غزالي) وكانت تغنيها بصوت عذب جميل.
وتذكرت أيام كنت أذهب إلى الترعة وأجلس تحت النخلة وبجواري ربطة من أعواد البرسيم استعملها كصفارة تخرج منها نغمات رفيعة كانت تشجيني، كل ذلك خطر على بالي وأنا أدندن على العود، وكانت كلمة (يامه) هى العقدة ولكن بما أنني فلاح ابن فلاح فأنا أعرف قيمة كلمة (يامه) عند الفلاحين ووفقني الله على إبرازها في ثوب جديد.
ويستطرد الموجي: في الساعة الثانية عشر مساء اتصلت بمرسي واسمعته ما لحنته، فقال لي : (عال .. كمل)، وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عدت واتصلت به مرة أخرى وأمسكت زوجتي المطربة (أحلام) بالسماعة وغنت له الكوبليه الأول، وفي اليوم التالي حضر مرسي وألقى بين يدي الكوبليه الأخير وفيه غيرت اللحن على ألا أخرج عن الأصل، والواضح الجلي في هذا اللحن هو (الناي) الذي يتخلل مقاطع الأغنية، وأنا أعتقد أن (عود البرسيم) هو الذي خلق هذا اللحن.
أما المطربة فايزة أحمد فتقول عن غنائها للأغنية: عندما أسمعني مرسي كلمات الأغنية ضحكت ولما سألني ضحكتي ليه قولت له أن هذه الأغنية تنطبق علي في فترة من فترات حياتي، فقد كنت في السادسة عشر من عمري، عندما أحببت ابن الجيران حبا شديدا، وكنت أقف في الشباك انتظر مروره بفارغ الصبر، وعندما كنت أراه قادما يبتسم كنت أتوارى عن نظره في خجل، وكنت أرد عليه تحيته في ود وحب، وقد (قفشتني) والدتي ذات مرة وأنا أحييه من النافذة وكانت علقة سخنة، واضطررت لمصارحتها بحبي له وأنه طالب ويريد الزواج مني، وكان لهذا التصريح أثر سيئ فقد حرمت من الخروج أو حتى من النظر من الشباك وراح حبيب القلب مني.