بقلم : محمود حسونة
(نفتح الشباك أم نغلق الشباك؟)، على رأي الكاتب الراحل (لطفي الخولي) في مسرحية (القضية) والتي جاءت على لسان الفنان الراحل أحمد الجزيري كشاب قروي ساذج كان متهماً بالإطلال على جاره بفتحه للشباك، وغرمته المحكمة جراء هذه الجريمة ليفاجأ بقضية ثانية وغرامة ثانية نتيجة ارتكابه جريمة غلق الشباك ليصرخ في قاعة المحكمة (يا ناس، يا هووه، أقفل الشباك ولاّ أفتح الشباك؟)، ثم يوجه صراخه للبواب الذي حضر المحاكمة: يا عم عبده.. افتح الشباك ولاّ أقفل الشباك، ويغادر قاعة المحكمة ضارباً كفاً بكف: يا خلق الله حد يقوللي: (أفتح الشباك ولاّ أقفل الشباك؟).
نحن اليوم بدورنا نصرخ (نفتح أبوابنا على العالم أم نغلقها)، نصرخ ونحن ندرك أنه لم يعد بالإمكان غلق الباب ولا الشباك، بعد أن أصبحت كل الأبواب والنوافذ مفتوحة سواء أردنا أم لم نرد، فالغلق إجراء من الماضي لا يصلح للحاضر الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة فعلاً لا قولاً، وبعد أن كان الفتح في الماضي يسمح بدخول الهواء ورياح التمدن النسيمة، أصبحت اليوم العواصف العاتية تصل إلى غرف نومنا ليس من الباب ولا من الشباك، ولكن عبر الفضاء ووسائل الاتصال التي ضمنت التواصل بين الناس في جهات الأرض الأربع، وأصبحت الوسيلة الوحيدة الصيام عن استخدام كل ما هو تقني، ما يتبعه الخروج عن دائرة الزمن والخروج من الحياة.
التكنولوجيا أصبحت مفردات أساسية للحياة، بها يتواصل الناس وعبرها تدار المؤسسات، ومن خلالها تعقد الصفقات والاجتماعات وتتخذ القرارات المصيرية، ولذا لم يعد لدى الإنسان خيار الغلق، وليس أمامه سوى التسلح بأسلحة القيم والمبادئ ليدفع بها عن نفسه آثار العواصف العاتية الآتية من هناك، محملة بغبار وأتربة لا أخلاقية، تفسد الصالح وتنزع الجذور، وتترك كل شخص يواجهها وحيداً حتى لو كان يعيش وسط مجتمع مزدحم أو أسر كبيرة. أنت وأنا لم يعد مهماً أين نعيش، إنما المهم كيف نواجه وما هي أسلحتنا للمقاومة؟!
طوفان الشذوذ الجنسي الذي يجتاحون به العالم، ويسعون إلى فرض الترحيب به على الجميع، تجاوز أمر الدفاع عن أقلية خرجت عن الطبيعة التي فطر الله عليها الإنسان، وتجاوز أمر كونه دفاع عن حقوق مجتمع الميم كما يسمونه، وتجاوز ما يقبله العقل والمنطق وما تسمح به قيم الحرية التي ينادون بها ويستخدمونها سلاحاً مسلطاً على رقاب كل من يخالف إرادتهم السياسية والأخلاقية، وأصبح هدف وغاية ووسيلة لتشويه الإنسان وللتقليل من التكاثر وتجفيف منابع الانجاب أملاً في أن يصيبوا البشرية بالعقم الجماعي الذي يحد من عدد سكان الكوكب فتسهل السيطرة عليه، ولذا يتبنون الغرائز الشاذة ويطلقون لها العنان لتتحكم في السلوك البشري وتحول الإنسان إلى كائن أدنى من الحيوان، بعد أن كرمه الله عز وجل ليكون سيد الكوكب وسيد المخلوقات.
انفلَتوا أخلاقياً ودافَعوا عن الانفلات في العلاقات بين الرجل والمرأة باسم حقوق الانسان، وكانت النتيجة أن شاخت مجتمعاتهم وتشوهت نفسياتهم، واليوم يزدادون انفلاتاً باسم الدفاع عن حقوق الشواذ والذين يسمونهم مثليين تأدباً وتوقيراً، واليوم يريدون استغلال التكنولوجيا التي اقتحمت كل بيت لنشر الشذوذ، وتحويل الشواذ من فئة منبوذة مرفوضة تمارس تجاوزها على الطبيعة في الخفاء، إلى فئة تتسيد وتعلم وتنشر سلوكياتها بين البشر وتغير من ملامح الإنسان الذي ظل محافظاً على قيم السماء على مر العصور. وكأن اليوم هو بمثابة اليوم الفصل بين قيم الحق وقيم الباطل، وبين الإنسان الطبيعي والانسان المشوه، واليوم الذي سيتحول فيه فعل ما حرم الله هو السلوك المحمود !!.
قبل سنوات بدأت تطل علينا عناصر شاذة في بعض الأعمال الفنية، وكنا نشاهدها بامتعاض أحياناً وبنفور أحياناً وبسخرية أحياناً أخرى، واليوم فرضوا علينا منصات لا تعرض إلا ما يتضمن تجميلاً للشواذ، وعلى رأس هؤلاء منصة (نتفليكس)، وأصبحت مهرجاناتهم الفنية لا تمنح جوائزها إلا لمن يروج للشذوذ، وجاءت الطامة الكبرى بإطلال (كيري بورك) رئيسة المحتوى الترفيهي لشركة (ديزني) لتعلن أنها أم لاثنين من المثليين وأن الشركة تنوي تحويل وإنتاج 50 في المئة من شخصياتها الكرتونية إلى شخصيات مثلية الجنس كمحاولة لدعم المثليين والمتحولين جنسياً ومزدوجي الهوية المثلية.
تخيلوا، ديزني!!، تلك التي شكلت وجدان أجيال وشكلت ملامح أجيال وسحرت الأولاد ونالت إعجاب ورضا الأهالي، ومع أعمالها سرح الصغار بخيالهم حلماً بسندريلا، وعاشت البنات تفاصيل التضحية من أجل الحب، تقرر اليوم أن تكون نصف شخصيات أعمالها شواذ، تخيلوا هذه الشركة بدأت في تنفيذ هذا المخطط الخبيث منذ الثمانينات، وكان أول أعمالها الذي تضمن شخصية شاذ قدموه بشكل غير مباشر في (الجميلة والوحش) بشخصية (لوفو)، صديق (غاستون) الذي يمثل الشخصية الشريرة في الفيلم، تسللت إلى عقول الناس رويداً رويداً واليوم خلعت برقع الحياء لتعلن أن نصف شخصياتها ستكون شاذة، وبدلاً من أن تدرس مديرة المحتوى الترفيهي للشركة أسباب ودوافع شذوذ ابنيها، قررت أن تجعل أبناء العالم شواذاً وأن تنشر هذه الرذيلة على كل الكوكب.
ورغم أن نسبة الشواذ في العالم تتراوح ما بين 2،و3 في المئة، فإن ديزني لم تعلن أنها ستضمّن أعمالها شخصيات شاذة بنفس النسبة، ولكن قررت أن تفتح بالوعاتها على العالم بنصف شخصيات أعمالها من الشواذ. القضية لم تعد اقناع الناس بقبول الخارجين عن الطبيعة بينهم، ولم تعد القضية الدفاع عن حقوق فئة أغضبت الخالق وأثارت اشمئزاز الخلق، بل أصبحت القضية نشر الشذوذ ومنح هذه الفئة حق أن تكون عالية الصوت وقوية الإرادة أمام باقي البشر، الذين يتم حرمانهم من حريتهم في رفض التجاوز لصالح منح المتجاوزين حرية مطلقة في العبث بكل الثوابت.
(ديزني، مارفل، نتفليكس)، أدوات في يد صناع القرار على الكوكب لنشر الشذوذ وتجميل القبح وتشويه الفطرة الانسانية، ولأن الغلق لم يعد متاحاً ولا مستساغاً فلا وسيلة سوى التربية التي أصبحت فعلاً صعباً، وزرع القيم النبيلة في نفوس الأبناء مهما استلزم ذلك من وقت وجهد، وإحياء خلق الأجداد، وهي أمور ستعجز الأسرة عن حملها وتستلزم جهود وزارات التربية والتعليم والثقافة والأوقاف والشباب، وجهود مؤسسات الإعلام وشركات الانتاج الدرامي والسينمائي ودور المسرح، وذلك إذا كانت لدينا النية في أن نظل أسوياء ونسلم الأمانة لجيل سوي، أما إذا كانت الإرادة أن نتحول إلى مجتمع عولمي، فلنترك الأمر معهم ونسير كما القطيع إلى الحظيرة التي ينشئونها لأولادنا.