بقلم : عمرو زويته
قدم (محمد هشام عبيه) وجبة ثقيلة ومبتكره فنيا على مستوى الفكرة والكتابة ، خاصة وهو أول عمل فنى كبير له ، لأول مرة نشاهد الإرهاب من خلال دراما إنسانية ، ليست من خلال المواجهات الأمنية فقط ، أو فى التتبع المخابراتى وجمع المعلومات ، أو التوهان وراء مصادر التمويل والدعم ، بل من خلال رصد تجربة إنسانية بالغة الألم والمرارة يتكشف من خلالها مقدار العبء النفسى الهائل من خلال معايشة واقع مروع لكل ماعداه ، مما أتاح للمخرجة (كاملة أبو ذكرى) أن تدهشنا كعادتها برؤية بصرية وإحساس مختلف فى قسوته ومرارته لدرجة طلوع الروح فعلا.
منطقة لم يدخلها أحد من قبل فى حدود علمى ، الفكرة جيدة وأتاحت فرص كبيرة لاستعراض إمكانات باقى عناصر العمل الفنى للتواجد الخلاق ، اختيار أماكن التصوير كان أهم عوامل نجاح المسلسل لأنه أعطى فرصة كبيرة لكاميرا (نانسى عبد الفتاح) أن تقدم لوحات درامية وتكوين كادرات تعكس الشعور بالألم والمراة ، ساهمت فى وصولها إلى أحاسيس المشاهد موسيقى (تامر كروان).
الأداء التمثيلى
كان متميزا خاصة أداء (منه شلبى) فى شخصية (روح)، بل كان أداءا استثنائيا وصلت فيه حد التوهج والإبهار، دون تشنج أو إدعاء ، استطاعت أن تظهر كل صراعها الداخلى ومأساتها الموزعة بين زوجها وحبيبها الذى قادها إلى مصير كارثى تحاول الخلاص منه دون جدوى وبين ابنها المريض الذى يحتاج إلى رعاية طبية خاصة وبين طمع صديق زوجها (أبو أسامة/ عمر الدسوقى) فيها ، بأداء تعبيرى شديد الروعة والجمال ، العين لديها كانت تعبر عن أعمق نقطة بداخلها دون ان يكون هناك نص مكتوب ، وأكدت انها صاحبة موهبة استثنائية عابرة للقلوب.
(أحمد السعدنى) أيضا كان دور (عمر الدسوقى) إختبار كبير له ونجح فى اعتقادى فى تحقيق نقله نوعيه له على مستوى الأداء والتشخيص ، استطاع أن يبرز تناقض الشخصية القوية الطموحة فى القيادة على مستوى التنظيم الجهادى وبين ضعفها فى الرغبة للوصول إلى (روح) زوجة صديقة الذى رفضته زمان بكل اشمئزاز ، يريد المزيد من القوة ليدارى ضعفة وخسة وسائلة ، لدرجة أنه أرسل (أكرم/ محمد حاتم) صديقه وزوج (روح) لمهمة مسلحة هو يدرك أنه لن يعود منها إلا قتيلا لتصبح (روح) فريسة سهلة المنال.
(إلهام شاهين) فنانة كبيرة لكن دورها لم يكتب بعناية فظهرت شخصية (منال/ أم جهاد) كشخصية ميلودرامية فى تطرفها وعنفها بغرض ضمان أكبر قدر من الرفض والإدانة لها ، هنا أيضا خطأ إخراجى فى تورط العمل فى المبالغة فى الآداء. مشهد جلد امرأة مذنبة بعنف مبالغ فيه مع رد فعل جسدى بليد من المذنبة كان مشهد غير موفق وغير متوازن ، المبالغة حتى فى غرفة نومها مع زوجها القيادى الداعشى (الشيخ نصار/ جلال العشري) بهذا التهتك الذى لايتسق مع قائدة ميليشيا جهادية ، وأيضا فى طريقة عرض نفسها للزواج من قائد جيش الخلافة (أبو أسامه عمر الدسوقى) بعد موت زوجها مباشرة بهذه الفجاجة الذى لايتناسب مع قائدة فيلق (الخنساء) المسلح ، خاصة وشبح الهلاك للرقة ولدولة الخلافة أصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط فى أيدى الأكراد.
(محمد حاتم) فى دور (أكرم) لم يقنعنى أداؤه بصورة كبيرة وللحق أن دوره هو الآخر لم يكتب بعناية، فلم يقنعى بتحول شخصيته من مبدع فى عالم الدعاية والإعلان إلى إرهابى بهذه البساطة ، وأيضا لم أقتنع أن زوجته وحبيبته (روح) لم تستطع أن تكتشف تحول شخصيته نحو التشدد خاصة وأنهم كانوا يعيشوا حياة منفتحة بعيدة كل البعد عن التمسك بسلوك المتدينين من تحرر وشرب خمور وسهر صاخب ، فكيف يتم تغيير البطل من أقصى الانفتاح إلى أقصى الجمود والانغلاق والتطرف دون أن تشعر به زوجته ، لم يقدم العمل مبررا موضوعيا بخديعة الزوجه والحبيبة للسفر معه إلى أرض الخلافة ، خاصة ولديهم طفل مريض بالهيموفيليا وهناك مخاطر كبيرة على حياته لأنه يحتاج إلى رعاية طبية خاصة ، وأظن أن إضافة هذا البعد الدرامى كان لزيادة العبء النفسى على البطلة (روح) دون داعى وعلى حساب منطقية الأحداث.
وحين وصلوا إلى أرض الخلافة أراد أن يفاجئها ليخفف عنها أثر الصدمة فأهداها زجاجة خمر، فكيف للذى يضحى بحياته ويقدمها طواعية لحساب إيمانه بمعتقد دينى بهدف إعلاء دين الله وتمكين دولة الخلافة فى الأرض ويسعى لطلب الشهادة ثم يتصرف على هذا النحو من ارتكاب كبيرة محرمة بهذه البساطة ، هذا خلل فى البناء الدرامى هدفه إبراز تناقض الإرهابى على حساب المنطق وموضوعية بناء الشخصيات وحبكة العمل ، أعتقد أن هذا راجع لذهنية الإدانة المتعجلة حتى يضمن أكبر قدر من الرفض وهو ليس محتاج لكل هذا ، فالإرهاب بفضل الصورة الرقمية قدم نفسه للدنيا على أنه أقبح وجه عرفته البشرية ، كان ينبغى عدم التورط فى المبالغة والاكتفاء بتطور الشخصيات فى انتهازية مواقفهم لحظة الحسم أو التراجع وتعديل المسار.
كان هناك أخطاء فى عدم الإجادة لمخارج الألفاظ بالعربية ، خاصة حين يتعلق الأمر بتلاوة آية أو حديث ، طريقة الوضوء لم تكن سليمة ، لكن أى عمل لايخلو من الهنات والضعف ولاينال هذا من قيمة وجودة العمل.
مشاهد النهاية كانت أعلى درجات النضج الفنى ، لحظة الانهيار فى فيلق (الخنساء) لم يتبقى سوى (أم جهاد) ومساعدتها فقط بعد موت الفيلق داخل مقر المعسكر، حيث وجدت (أم جهاد) أنها أمام اختيارين لاثالث لهم ، إما التسليم أو الموت فقررت أن تسلم بينما مساعدتها قررت أن تقاتل بقلب كاره للحياة وبمنطق يقين الشهادة الرافض لفكرة زوال الدولة ، وهذا هو مصير التابع عادة، فى حين (أم جهاد) القائدة حين دخلت فى اختبار إما الحياة أو الموت اختارت الحياة على أبدية النعيم ، وهو نفس موقف قائد جيش الخلافة وهو يتفاوض مع (المنتصر) على التسليم وافق على أن يضحى بتسليم أربعة مقاتلين لديه مطلوبين شاركوا فى أحداث ارهابية فى فرنسا دون أن يمنح نفسه أية فرصة للتفكير فى مقابل أن يخرج هو وكل المقاتلين بسلاحهم سالمين.
هنا انتهازية الفكرة المتمثلة فى القادة المحركين للأحداث ، كان هذا كافيا دون التورط فى المبالغة والإدانة الخطابية المباشرة ، وعلى الطرف الآخر هو تطور موقف أكرم دراميا الذى بان له كارثية المسار وهمجية الفكرة بعد أن قام قائد مجموعته بقتل الطبيب غدرا وبدم بارد وهو الذى أنقذه من الموت وقتل الطفل المختطف لإحضار الطبيب، ساعتها قرر الخروج من صلاة الجماعة معهم وكأنه تمرد على فكرة البيعة وتنصل من كل تبعاتها دفعة واحدة وإقرار بتصحيح مساره ، فقام بتصفيتهم جميعا وكأنه يصفى ويغتال الفكرة داخل عقله ووجدانه الذى قامر من أجلها ، والأحلى والأجمل هو خروج (روح) من الكابوس المرعب من الرقة وهى تستقبل نور شمس جديدة وتنزع نقابها وتتخلص منه كأنها تنزع واقعها المرعب وتستفيق على أمل الخلاص من هذا المصير المروع، ويكتسى وجهها نورا مشرقا متألقا فى ضوء النهار ببهجة الخروج!.