كتب : محمد حبوشة
في مقال له بجريدة الدستور بتاريخ 15 مايو 2022: تحت عنوان (خيل الحكومة.. غالى والتلاوى وشظف العيش)، يقول الكاتب (علي سعدة): ألف باء إنعاش اقتصاد أي دولة هو زيادة دخل الفرد فيها (أجور ومعاشات) ليتمكن الفرد وأسرته من زيادة استهلاكه ومشترياته، لذلك نرى ارتفاع مستوى الدخول في كل البلدان المتقدمة اقتصاديا بلا استثناء وسعيها الدائم لتخفيض عبء الضرائب على المواطن (كما حدث أخيرا في إنجلترا بتخفيض ضريبة القيمة المضافة من 2% إلى 5% فقط)، وفي مصرنا الحبيبة، ورغم كوارث تبعات كورونا، فإن معدل النمو بها لا يقل عن 7% وهو رقم تحسدنا عليه معظم الدول الكبري التي لا يتجاوز الرقم عندها الـ2%.
يتساءل (سعدة) لماذا إذن تتدنى عندنا أجور العاملين في مصر؟، ولماذا تنهار المعاشات ولا تتناسب إطلاقا مع ما يستحقه ويحتاجه المواطن الشريف ليواجه صعوبات المعيشة وقسوة المرض وارتفاع أسعار العلاج والدواء في سنه الكبيرة، خاصة أن تجربة التأمين الصحي الشامل لا زالت تعاني من البيروقراطية الشديدة؟.
تقول السفيرة ميرفت التلاوي، الوزيرة الأسبق للتأمينات الاجتماعية، إن المشكلة تكمن في سوء إدارة موارد المعاشات الضخمة، وإنها أثناء فترة توليها مقاليد الوزارة استثمرت موارد التأمينات في ثلاث شركات استثمارية ناجحة بنسبة الربع، وهى أول شركة للاتصالات عام 79، وشركة حديد الدخيلة، ومجمع الألومنيوم بقنا، وكانت الأمور تسير إلى الأفضل إلى أن جاءت قوانين الخصخصة وبيع القطاع العام.
قررت الوزيرة شراء باقي الـ 75% من شركة الاتصالات وجعلها شركة مساهمة لأصحاب المعاشات، وراهنت على أن ذلك سيزيد دخل المواطن عند بلوغه سن المعاش عن راتبه الأصلي لأنها شركة تحقق أرباحا بالمليارات.. تقدم أحد المستثمرين بعرض لشراء شركة الاتصالات بمبلغ مليار و700 ألف جنيه، فتقدمت الوزيرة بعرض 2مليار جنيه، لكن الحكومة آنذاك رفضت وباعت الشركة للمستثمر بل وأجبرتها على بيع حصصها في الشركات الأخرى الناجحة.
أصابع الاتهام تشير لوزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي بأنه استولى على المعاشات وأضافها لميزانية الدولة، والحقيقة التي ذكرتها وزيرة التضامن السابقة (غادة والي) تنفي مسألة الاستيلاء هذه، بل وأكدت سيادتها أن أموال المعاشات موجودة بالكامل دون أي انتقاص.
ولو قرأنا قانون التأمين والمعاشات رقم 79 لسنة 75 سنجده ينص صراحة على أن كل فوائض صناديق التأمينات تحول مباشرة إلى بنك الاستثمار القومى، أى إلى وزارة المالية، وذلك لتمويل الموازنة الاستثمارية للدولة، وهنا لم يكن هناك شىء ليستولى عليه الوزير عندما ضم الصناديق إلى وزارة المالية، الحقيقة أنه ضم عجز هذه الصناديق إلى عجز الموازنة حتى لا تتأخر المعاشات على المؤمن عليهم تنفيذا لاحكام القانون، حتى الحكم الذي صدر في يونيو الماضي بحبس الوزير الهارب بطرس غالي ثلاثين عاما، كان لسبب آخر تمامًا، وهو تورطه في تمويل انتخابات الحزب الوطني من خزينه الدولة.
المشكلة تكمن في الاستثمار الأمثل لموارد التأمينات، وحلها لا بد أن يكون سريعًا للغاية حتى لا يشعر المواطن المحال للمعاش بأنه أصبح مثل (خيل الحكومة) يجب قتله بعد خوار قوته ومجهوده.. إنه يعاني من الموت البطئ أمام عجزه ومرضه وحاجته لأولاده ليموت مستورًا وهو يدعو من قلبه على كل من لم يقدروا شيخوخته من الناحية الإنسانية على الأقل.
وفي ظل الأزمات الطاحنة التي تقع على رقاب هؤلاء البسطاء من أبناء هذا الوطن يظهر لنا موقف إنساني يضرب المثال والقدوة على أن مصر بها أناس يبغون الخير لوجه الله تعالى، فبحسب موقع (جريدة الوطن) وقعت عيني على هذا الفيديو الذي التقى فيه أحد المحررين برجل سبعيني وزوجته لا يملكا حق الأجرة، ما جعله يضع لافتة على زجاج سيارته منذ قرابة العامين (الركوب مجانا لأصحاب المعاشات عظماء مصر)، حيث وجد في الميكروباص الذي يعمل عليه سائقًا، وسيلة لتقديم يد العون لغير القادرين خاصة كبار السن، بينما فضائياتنا الغارقة في التفاهة تغض الطرف عن أمثال هؤلاء الذين كرسوا ما تبقى من حياتهم في سبيل خدمة أصحاب المعاشات الذين يعانون شظف العيش ولا تحنوا عليهم أيدي جمعيات كنز المال في أعمال تحت بند الخير.
السيد علي السيد رزق، يبلغ من العمر 67 عاما، يعمل سائق ميكروباص بمحافظة السويس منذ 35 عاما، وذلك قبل أن يقرر توصيل غير القادرين مجانا بالإضافة إلى كبار السن من السيدات والرجال رأفة بحالهم وهو الذي أطلق شعار: (أي حد ممعهوش فلوس بيركب، والستات الكبار كمان بتركب ببلاش) – حسبما ذكر في حديثه بفيديو (الوطن) الذي غلب في بساطته معظم برامج التوك شو وغيرها من برامج التفاهة والسطحية – حيث يروي (عم السيد) أنّه كان يعمل سكرتيرا بإحدى المدارس قبل أن يترك التربية والتعليم، ويعمل سائقا في السويس، وكانت مبادرته الطيبة لكبار السن تخفيفًا عليهم أعباء التقدم في العمر على حد قوله: (ساعات بلاقي الجو حر والناس الكبيرة ماشية في الشارع وعزة نفسهم بتمنعهم يقولوا للسواق وصلنا معناش فلوس).
وعلى الرغم من زيادة أعداد غير القادرين التي تتوافد على ميكروباص ابن محافظة السويس يوميا، إلا أن ذلك لم يثنيه عن توصيلهم مجانا حبا في الخير قائلًا: (العربية اللي بتجيب 100 جنيه يوميا، بركة ربنا بيبعتهالي أنا 300 جنيه، وباخد الثواب من عند ربنا)، وأكد رجل الخير السويسي الشرف: (لازم اليافطة اللي على العربية تفضل موجودة)، هي وصية (السيد) لأبنائه حتى بعد وفاته، مناشدا أصحاب السيارات الأجرة تبني هذه المبادرة ورفع العبء عن غير القادرين: (لازم نساعد بعد ونخاف على بعض، وأصحاب العربيات لازم يعرفوا إن رزقهم هيزيد) بحسب حديثه.
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا لاتوسع الجمعيات التي تروج لأعمال الخير عبر الفضائيات نشاطها في تغطية احتياجات أبناء المعاشات المنسيون من خدمات كريمة تحفظ ماء وجوههم التي هدها التعب، وذلك إلى جانب خدماتهم التي يقدمونها في القرى والمناطق النائية لتوفير مسكن كريم ومياه للشرب وغيرها من أوجه الخير التي يتشدقون بها، وذلك من خلال صندوق خاص لإعانة أصحاب المعاشات على قضاء حوائجهم، وكذلك الحال مع المستشفيات التي يمكن أن تكفل لهم رعاية صحية مجانية بدلا من الصرف على إعلانات مستفزة تصرف عليها الملايين، ونفس الأمر ينطبق على البريد المصري والبنوك التي تهدر ملايين الجنيهات في الصرف على الإعلانات .. أليس أصحاب المعاشات هم على رأس قائمة (المعافرين) في معركة الحياة القاسية والذين يزيد عددهم في مصر عن 10 ملايين مواطن يفتقدون أبسط وسائل العيش الكريم؟!.
يقينى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة يضعون فى اعتبارهم وعقولهم هذه الشريحة المهمة والمخلصة ويعالجون أخطاء حكومات سابقة تلاعبت بأموال المعاشات بل وإضاعتها وعدم الاستثمار فيها بشكل يعود بالنفع على أصحابها، لكن مطلوب من الحكومة إذن أن تعطى ملف المعاشات أهمية وأولوية فى الأيام القادمة ترسيخا لمبدأ العدالة الاجتماعية والعيش الكريم لأن أصحاب المعاشات ليسوا مواطنين من الدرجة الثالثة والرابعة، وماينطبق على فئات وشرائح أخرى ينطبق عليهم لأن الجميع بنص الدستور مواطنون مصريون مهما تفاوتت درجاتهم الوظيفية ومستوياتهم الاجتماعية .
فمن غير المقبول أن يتقاضى الموظف والمواطن فى مصر راتبا قد يصل إلى 6 وربما يتجاوز إلى 10آلاف جنيه أثناء عمله الوظيفى الذى يمتد إلى أكثر من 30 عاما ثم يفا جأ بعد إحالته للمعاش أن هذا المبلغ وهو بالأمانة ليس كبيرا، ويستوجب أن يعمل بجواره عملا إضافيا إما سائق تاكسى أو توك توك أويخلق لنفسه فرصة عمل حرة حتى يستطيع تدبير احتياجاته المعيشية اليومية فى ظل غلاء فاحش لايتوقف عند حد وارتفاع رهيب فى أسعار فواتير الكهرباء والغاز والمياه وماشابه ذلك، يقابله انخفض فى مستوى الدخل والذى لايستطيع من خلاله تدبير شئون حياته، ولك أن تتخيل أن أكثر من 10 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات يحصل نفس المواطن على 2000 جنيه وكسور كمرتب فى 30 يوما برغم أنهم أفنوا زهرة عمرهم فى خدمة بلدهم ..ألا يستحقون الآن أن يعيشوا حياة كريمة تليق بهم بعد أن أفنوا عمرهم فى خدمة الوطن ..أتعشم أن تختفى مواجع أصحاب المعاشات من أهالينا فى كافة أنحاء الجمهورية وأن يجدوا يدا حانية تشعر بآلامهم ومطالبهم المشروعة ونحن على أعتاب بزوغ نجم ( الجمهورية الجديدة) التى يسعى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتأسيسها فى الأيام المقبلة والتى شعارها أنه لن يهان مواطن مصرى واحد فيها، على أن تتبني فضائيات الغبرة حملة موسعة من الآن في هذا الصدد لتخفيف عبئ الحياة على أصحاب المعاشات.
ومن هذا المنطلق أقترح أن تبحث الحكومة طريقة غير تقليدية وخارج الصندوق، وليس عيب أن نقلد ونحاكى نموذجا أوروبيا أو غير ذلك يضمن لهذه الفئة أن تعيش فيما تبقى من عمرها القليل حياة كريمة مستورة، كما وأقترح أيضا أن يحصل المحال للمعاش على راتبه الوظيفى كاملا دون اقتطاع أجزاء منه بل والسعى لزيادته حتى يستطيع أهالينا الذين أحيلوا لسن التقاعد مواجهة أعباء المعيشة التى لاترحم.. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.