بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
كعادتي أبحث دائماً عن كل ما هو جديد من أفلام سينمائية أو وثائقية أو برامج حوارية، ومنذ يومين أخذت أبحث عن ما هو جديد وظهر أمامي لقاء لمذيعة ومبدعة وممثلة ومنتجة قديرة أعرف قدرها منذ الثمانيات، كنت انتظر موعد برنامجها لأتفرغ للمتعة العقلية، إنها العظيمة (أوبرا وينفري) الأمريكية السوداء ذات الأصول الأفريقيه والتي أصبحت من أهم نساء الإعلام الحقيقي.
أتذكر حين كنت أتابع برنامجها الشهير وانتظره بشغف وإحدي المرات وجدتها تستعين بمقولة من الكاتب والرسام اللبناني العملاق (جبران خليل جبران)، أعجبت وزاد تقديري لها وبثقافتها الموسوعية العابرة للقارات مندهشاً متذكراٍ لبعض العلاميات الجميلات لدينا الطيبات وعياً وثقافة، ولكن كثيراً تطل علينا أسماء تحفر موقعها في سجلات العظماء ومنها ( باربارا والتز) و( لاري كينج) وكذلك (وولف بليتزر) و( كريستيان امنبور)، وفي مصر (همت مصطفي وآمال فهمي وأماني ناشد وأخريات.
وهنا أسجل لماذا اخترت (أوبرا جيل وينفري) لأكتب عنها وعن لقائها بأسطورة أخرى وكيف يتم اختيار الضيوف عند أمثال (أوبرا وينفري)، بعد أن أصبحت من أهم مائة شخصية مؤثره في العالم، وصاحبة أهم برنامج حواري يتابعة الملايين في كل بقاع العالم، نعم فقد استضافت كثير من عظماء العالم في كل المناحي ومنهم علي سبيل المثال (جورچ بوش ودونالد ترامب والأمير هاري ونلسون مانديلا والملكه رانيا ملكة الأردن الشقيق)، والتي حين شاهدتها تتحاور مع أوبرا، كنت فخور جدا بوعي واستنارة وذكاء سيدة تمثل نساء العرب بتلك الصورة المشرفة.
وأتحدث اليوم عن لقاء ابهرني بين (أوبرا وينفري) والممثلة القديرة والمنتجة (فيولا ديفيس) بعد أن كتبت الأخيرة كتاباً بعنوان (وجدتني ) تتعرض فيه إلى مشوار حياتها الدرامي والبائس الفقير والملحمي، والذي تعرض من خلاله النجمه (فيولا) مشوار حياتها بكل صدق وشفافية، وهى الحاصلة على جائزة الأوسكار وجائزة (إيمي) و(توني) مرتين وأصبحت أول ممثلة سوداء تحصل علي التاج الثلاثي للتمثيل، ووصفوها في بيان أنها من أكثر الممثلات والمنتجين الأمريكيين تأثيراً في عصرها.
والملفت والعظيم هو أنها تفتخر بالمعاناة فقد كانت سبباً فيما وصلت إليه، وصنفت من عظماء التمثيل في العالم وكتبت اسمها بحروف من دهب، لقد هالني ما ترتديه من ملابس شديدة التواضع، فهي تدرك أنها لا تأخذ قوتها من الملابس والعربات وإنما هى بنجاحها تضيف للأشياء قيمة، فمازال منديل (أم كلثوم) وعصا (شابلن) وسيجار(تشرشل) يمتلك قيمتة من شخوص مستخدميه وحتي بعد أن تركوا الحياة.
لقد تحدثت نجمة النجوم السيده السمراء (فيولا) وكتبت تفتخر بمشوار من الفقر والقهر والمعاناة وكيف كانت لا تستحم لعدم وجود ماء ساخن وكيف كانت تتبول في ملابسها هى وشقيقاتها ويبتعد عنها التلاميذ في المدرسة من بشاعة الرائحة، وكيف كانت أمها مغلوبة على أمرها تعاني مع زوج يقتله الفقر، وكيف كانت الفئران تشاركها السرير ومع ذلك كيف عشقت التمثيل والتحقت بالمدرسة ثم أتمت دراستها للمسرح والتمثيل عشقها، وقررت أن تخرج غضبها من واقعها الأليم في أدواراً تتقمصها وتتعايش معها وتخرج طاقتها وصدق تقمصها في إبداع جعلها من أعظم نجوم هوليود.
هالني بساطة وصدق الحوار والحديث الصادق مروراً بالتحرش البدني وكما حدث مع (أوبر) في سن الثالثة عشرة وهي بمنزل جدتها، وقد حدث أيضا مع (فيولا) من أحد جيرانها كبار السن، ولكنها إرادة الانتصار على الواقع مهما كان قاسياً عنيفا، إنه الحوار مع سيدة الإعلام في العالم ونري كيف كانت تطرح الأسئلة وتستمع بعد إلمام بكل سطر كتبته (فيولا)، إنها مثال لبراعة الاستماع والمهنية وعرض مسيرة النجاح من القاع إلى قمة التألق بالجهد والتوازن العقلي، فهل للبعض أن يتعظ ولست محتاج لعرض نماذج لنجاح أصاب أصحابه بخلل وعدم توازن وتصرفات حمقاء تفتقد للمنطق والوعي .. شكرآً أوبرا وألف شكر فيولا العظيمة.
والسؤال لماذا لا نجد مثل تلك الشخصيات لدي بعض أنصاف المواهب والنجوم؟، لماذا الادعاء والتخفي خلف مجوهرات وعربات بل وصل الأمر للطائرات والتخفي بمساحيق الجمال والعدسات والنحت والشفط والكذب، وكأنها تقدم عرض زواج لرجل ثري ساذج ينتظر أن يكون بجوارها وهى بالطائرة وعلي الباخرة وداخل اللنش وبالحفلات وتحمل الشنطة في يديها التي يقدر سعرها الطيبين، وعلي شبكات التباعد (مأنتخين) ويعلق أحدهم الشنطة بمائة ألف دولار وفقط، الباشا يقف ويبتسم ببلاهة فهو من دفع .. كيف بالله عليكم أن تكون تلك أحوال معظم نجوم المرحلة التي سيطرت عليها السذاجة العقلية؟، فكيف لمبدع حقيقي أن يفتخر بماله وليس بما سيتركه من فنون حقيقية تخلد اسمه ويفتخر بها أحفاده ولم نتعظ من مشوار (الأيام) للعظيم (طه حسين)، ولا مشوار ملك الكوميديا (إسماعيل ياسين) ولا مشوار( نجيب الريحاني)، ولا أطمع أن يكون عرف أو قرأ مشوار (شارلي شابلن) وكم عاني وكافح وتشرد وطرد من أمريكا، ولكنها سذاجة بعض نجوم المرحلة العجيبة التي لا يقرأ النجم فيها إلا ما يعرض عليه وغالبآً لا يستوعبه، إنه الفرق بين (أوبرا وينفري) العقلي والمعرفي، وكذلك النجمة الحقيقية ( فيولا ديفيس)، وكلتاهن لا يمتلكن لا البياض ولا الجمال ولا العدسات الملونة!، انهن يمتلكن العقل والثقافة والوعي.
يا سادة المال يأتي وبكثرة في حراسة العقل والوعي فا (أوبرا وينفري وفيولا ديفيس) كلتاهن مؤسسات مالية متحركه ويقدمن الأموال للإنتاج والمسرح والتبرعات للسود والمحتاجين ومناصرة الأقليات وحقوق المرأة، ولدي (أوبرا) محطة تليفزيونية ومجلة، وقد اعتبرت (أوبرا) من أغني نساء القرن العشرين وأسست مؤسسة الأسرة (من أجل حياة أفضل)، وساهمت في جامعتها بولاية (تينيسي) وكثير من التبرعات، وناضلت ضد العنف والتحرش بالأطفال وتبرعت بالملايين لمناصرة حقوق المرأه والأطفال.
ثم كيف كان الانتماء للأسرة وكيفية التعامل والتحدث بكل التقدير والاحترام عن الأب والأم والعائلة رغم الفقر، وهنا تأكيد لما أكتبة دائما:إذا كنت تستطيع أن تنتمي وتجل وتحب أمك ووالدك وأسرتك وأصدقائك فأنت بالحتمية تستطيع الولاء والانتماء لبلدك وأضك وعرضك .. وللأسف لدينا بعض نجوم مرحله النفخ ونفخ المال الأجوف لبعض العقول التي يميزها الخواء والنتيجة (نجم لكل مواطن) وامتهنت الكلمة، وأندهش كيف تختار نجمة ساذجه لعمل لكاتب كبير؟ أعتقد في الغالب لن توافق فهي تريد عمل تجد نفسها متواجدة في كل الصفحات وتستطيع أن ترتدي فيه كل الملابس والمجوهرات التي أحضرها الطيب، ولعل ما فعلته (منة شلبي) والنجمة (إلهام شاهين) في مسلسل (بطلوع الروح)، وكذلك (دينا الشربيني) في(مشوارعزة)، والمتألقة (حنان مطاوع) في (وجوه) يجعل بعض النجوم السذج يستيقظون فلدينا نجوم حقائق أعرفهم وافتخر بهم.
مصر تنطلق والإبداع والتنوير والثقافة هما الإنارة الأمامية، ولا يجب أن تكون الفنون والإبداع خلف ما تقوم به الدولة، وعليه مصر في أشد الحاجة إلى إبداع واعي يكرس للانتماء وينير العقل ويجعل مصر في مصاف الدول الكبرى، فكيف بالله عليكم أن يتم إنتاج ثلاثون عمل درامي وأكثر، وبرامج للضحك تصرف عليها الملايين، وفقط نحتفي بخمسة أعمال تخاطب العقلاء؟، إنها دعوة لتنمية الوعي بقيمة الإبداع والفنون الواعية .. مصر تنطلق وتستحق.
مقالات جميلة تسرد جمال وأهمية دور الوعى الأنسانى ليحدث الفرق عبر عشرات السنين….
يسعدنى أن تنشر مقالاتى فأنا أهتم بنشر الثقافة الأنسانية والوعى الأنسانى في مصر والوطن العربي…