بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
سألنى صديقى المشاكس عن علاقة تخفيف قيود الرقابة القانونية و المجتمعية بالحوار الوطنى ؟ و هل هناك ارتباط بينهما ؟
قلت لصديقى تخيل لو أن الشئون المعنوية بوزارة الدفاع لم تكن شريكا فى إنتاج مسلسل (الاختيار) ، كنت ستجد هجوما ضاريا على المسلسل هذا العام ، و اتهام صناعه بالتعاطف مع محمد مرسى لأنه ظهر فيه فى موقع الخائف من سطوة الجماعة و ليس المقتنع بما تقرره . و كنت ستجد بعضا من الأصوات التى استهجنت هذا قد أطلقت مدفعيتها الثقيلة ، متهمة المسلسل بالترويج لمظلومية مرسى و ربما بالترويج للجماعة ، برغم ما كشفه المسلسل سواء من خلال الأحداث أو من خلال التسجيلات عن الجماعة .
و بالتالى فرفع يد الذين نصبوا أنفسهم حماة للوطن و للشرف و للاخلاق – و كل ما تريد اضافته من مترادفات – هؤلاء الذين يدخلوننا فى معارك وهمية مع كل المختلفين ، و يوزعون صكوك الوطنية ، و يصمون كل صوت متفرد بأشبع الصفات و يتهمونه بأقذر التهم لابد من إسكاتهم قبل الحوار و أثنائه .
أذكر على سبيل المثال ماتم مع فرقة مسرحية قدمت عرضا عن سليمان خاطر ، و اتهمهم شخص ما – لاسباب لا نعلمها – بإهانة القوات المسلحة ، و عندما تم التحقيق مع الفرقة اصدر مجموعة من المسرحيين بيانا ناشدوا فيه السيد الرئيس التدخل للعفو عن أعضاء الفرقة و إحالة الأمر للجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة لتبيان إذا كان بالعرض إهانة أم أن الأمر محض افتراء . و لكن أحد السادة الإعلاميين تلقف البيان فى برنامجه ليصف مصدريه و كل من وقع عليه بأنهم يدافعون عن من هم ضد مصر و قواتها المسلحة . و لم يكلف نفسه مشقة الاعتذار عندما لم تثبت التهمة على الفرقة.
أجاب صديقى المشاكس : و إذا حدثت تجاوزات فعليا ؟
قلت : و ما المشكلة ؟ من المؤكد انك ستجد صوتا شاذا أو ربما اثنين ، و الرد عليهم بلا اتهامات أو تسفيه أو تخوين سيخرس كل الألسنة ، و مادمنا لا نخاف شيئا فلنفتح كل النوافذ . و أضفت فى اقتناع تام أن التجاوز لن يستمر ، قد يحدث فى البداية لكن اتساع مساحة التعبير ستنهى التجاوزات ، كما أن اتساع مساحة التعبير ستكشف المعوقات و المشاكل و فاضحة لكل فساد ، و بالتالى فإن مميزاتها و فوائدها أكبر من عيوبها بكثير . و لا يجب أن يوقفنا التخوف من التجاوزات عن فتح كافة النوافذ. وليكن شرطا أساسيا من شروط الحوار أن يسمع كل منا للآخر و يناقشه فى هدوء و احترام و بلا تسفيه أو تشكيك .
و أضفت لصديقى : انظر إلى شاعرنا الكبير صلاح جاهين ماذا قال عندما قامت مظاهرات الطلاب عام 1968 و هو من مؤيدى عبد الناصر و العاشقين له ، فلم يتهم هؤلاء الطلاب بأنهم ضد الوطن و يعملون لمصلحة خصومه ، برغم أن مصر وقتها كانت تعيش فى ظل الهزيمة العسكرية و تسعى إلى إزالة آثار العدوان ، و إنما نشر فى مربعه بجريدة الأهرام ( لسان حال الدولة ) رباعية تقول :
لولا اختلاف الرأى يا محترم
لولا الزلطتين ما الوقود انضرم
و لولا فرعين ليف سوا مخاليف
كان حبل الود كيف اتبرم ؟ عجبى !!
قال صديقى المشاكس : لكى يكتمل الحوار و يشارك فيه الجميع لابد و أن تنقله وسائل الإعلام . فكيف نضمن حيدة هذا النقل و الدولة تحتكر وسائل الإعلام جميعها تقريبا؟
قلت له : هذا هو السؤال الأهم ، فالدولة منذ فترة قصيرة استولت على معظم القنوات التليفزيونية ، و ذلك – فيما اعتقد – بناء على فهم خاطئ منها لإعجاب السيد الرئيس بإعلام الفترة الناصرية ، و فات الدولة أن الظروف اختلفت عن عصر عبد الناصر، و أن ما كان يصلح فى عصره ربما لا يصلح الآن . فالقنوات أصبحت الآن تنطق بلسان واحد ، و فات الدولة أن التنوع يخلق المنافسة نحو الأجود و الأنفع ، و إن وجود قنوات متعددة – داخل توافق وطنى – سيقضى على الاحتكار بكل أمراضه ومنها هؤلاء الملكيين أكثر من الملك .
و الاستغناء عن ملكية القنوات ليست بدعة ننادى بها ، فلقد اكتشفت الدولة بعد تجربة قاسية أن احتكار الإنتاج الدرامى من خلال شركة ( المتحدة للخدمات الاعلامية ) المملوكة لها قد أضر بها و سبب لها خسائر و لهذا قامت بعدة تغييرات فى المستويات العليا لتلك الشركة ، وفتحت القيادة الجديدة الباب أمام انتاج القطاع الخاص فى رمضان الماضى ، فكانت النتيجة تقديم أعمال أفضل – من حيث التنوع و من حيث الجودة – من سنوات الاحتكار .
و إذا كان السيد الرئيس قد أعلن بنفسه طرح بعض الشركات و المؤسسات المملوكة للدولة بل و للقوات المسلحة أيضا لمشاركة القطاع الخاص فمن باب أولى أن تتاح المحطات التليفزيونية أيضا للقطاع الخاص مرة أخرى، على أن تستمر القنوات العامة الأرضية تحت الإشراف الحكومى المباشر على أن تسعى لتطويرها ضمن خطة لتطوير مبنى ماسبيرو بدلا من إهماله .
إن الحوار الوطنى ليس عملية موسمية تنتهى بانتهاء جلسات الحوار ، بل عملية مستمرة و دائمة ، و ما جلسات الحوار إلا بداية لها ، فتلك الجلسات ستكون لها قرارات و توصيات ، و لن تنفذها الحكومة وحدها ، بل سنتشارك جميعا فى تنفيذها ، و بالتالى تستلزم ( جميعا ) هذه أعمالا فنيه و ثقافية تحث الناس على التنفيذ أو لنقل المشاركة ، و كما قال السيد الرئيس أن مسلسلا واحدا يفوق مئات الساعات من المحاضرات . و لكى يتم إنتاج هذه الأعمال يجب إتاحة الفرصة لكل الأصوات . بالاضافة الى أن الدولة فى الفترة القادمة فى أشد الاحتياج لمقياس صحيح لاتجاهات الرأى العام و نبض الشارع بعيدا عن شبكات التواصل الاجتماعى التى تمتلئ باللجان الإلكترونية ، و أعتقد أن أفضل قياس هو مدى إقبال الجمهور على أعمال معينة سواء درامية أو برامجية ، و منها نقيس ردود الفعل و نعرف توجهات الرأى العام ، و نكتشف مايؤلم الناس و ما يتمنونه .
و من التنوع الناتج عن الاختلاف ، و من الرأى و الرأى الآخر سيكون هناك حوار وطنى ثرى و مفيد يبنى جمهورية جديدة نطمح كلنا لأن تصبح بداية لتاريخ جديد نرى فيه حبال الود و قد انبرمت .