كتب : محمد حبوشة
بدأ الجدل حول مسلسل (من شارع الهرم إلى) مبكرا مع إطلاق الإعلان الترويجي الأول له، وظهرت فيه راقصة مصرية، تقوم بدورها الفنانة (نور الغندور)، تحاول خطف زوج كويتي من أسرته طمعا في أمواله، وهو ما اعتبره البعض إساءة لسمعة نساء مصر، فدشنوا (هاشتاج) للمطالبة بمنع عرض المسلسل، وردا على هذا الهجوم، خرجت (نور الغندور) لتدافع عن العمل، داعية الجمهور إلى الانتظار حتى يبدأ عرضه ثم الحكم عليه، ومع بداية العرض عادت الانتقادات مرة أخرى، بينما اكتفت نور بنشر صور من كواليس التصوير واحتفال فريق عمل المسلسل بانتهاء التصوير وبنسب المشاهدة المرتفعة التي يحققها العمل، وعلقت: (بعدكم ما شوفتوا شيء والتقيل قدام).
وبدأت أحداث المسلسل المثير للجدل ما بين اتهامات بهدم القيم والأخلاق والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع الخليجي منذ سنوات وإشادة بتقديم نماذج واقعية تعيش في المجتمع، وواصل مسلسل (من شارع الهرم إلى) تصدره لـ (التريند) عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية شهر رمضان، بل وحتى قبل بداية عرضه، وأثار العمل عاصفة من الاستياء والهجوم لدى الجمهور الكويتي، الذي اتهم صناعه بالإساءة للمجتمع، وتقديم سلوكيات دخيلة عليه ولا تتفق مع الدين أو العادات والتقاليد والقيم السائدة فيه، وأطلقوا نشطاء (هاشتاج) رفض مسلسلات الفسق والفجور، مطالبين بوقف المسلسل، وهو المطلب الذي دعا له عدد من نواب مجلس الأمة الكويتي والحقوقيين، متسائلين عن كيف تم السماح بتصوير عمل يسيء للكويت؟.
وفي ردها، أعلنت وزارة الإعلام الكويتية: (اللغط المثار حول أحد الأعمال التلفزيونية التي تبث من قبل إحدى المحطات هى من إنتاج شركة غير كويتية، وأنه لم تتم إجازة العمل من قبل وزارة الإعلام، كما أنه تم تصويره خارج الكويت ويعرض على منصّات خارج البلاد، وذكرت تقارير إعلامية أن الوزارة قررت اتخاذ اجراءات لمحاسبة كل من شارك في مسلسل (من شارع الهرم إلى) من موظفي الوزارة دون إذن رسمي، كما أصدر وزير الإعلام الكويتي الدكتور حمد روح الدين، توجيهاته لكل قطاعات الوزارة بعدم التعاقد أو استضافة أي من المشاركين في المسلسل المثير للجدل.
من جانبها، حذفت منصة (شاهد) الحلقة السابعة من المسلسل بعد الهجوم الواسع الذي شنه الجمهور بسبب مشهد ظهرت فيه الفنانة (ليلى عبد الله)، وهو الذي تم تشبيهه بمشهد الفنانة (منى زكي) في فيلم (أصحاب ولا أعز)، الذي أثار لغطا من قبل، ثم أعادت المنصة عرض الحلقة بعد حذف المشهد، لكن الأمر لم يتوقف عند الحد من الهجوم على العمل وعاد ليثير غضب ناشطين سوريين، بعدما ظهر الفنان (محمد الرمضان) الذي يؤدي دور (نزار)، وهو ويوضح لأمه أن زواجه من سورية على زوجته الأولى ليس بسبب رغبته فيها، بل لأنه (أحب أن يستر عليها ويقيها من برد الخيام والجوع)، وهو ما اعتبره البعض عنصرية، وانصب هجومهم على مخرج العمل (المثنى صبح)، وهو (فلسطيني – سوري)، والفنانة الفلسطينية – السورية (روعة السعدي)، التي تؤدي دور الزوجة الثانية.
ظني أنه من الناحية الفنية، اعتبر متابعون الجدل الذي صاحب العمل منذ بداية الإعلان عنه لم يكن مفاجئا لصناع المسلسل، بل إنهم عملوا على تقديم عمل يثير عاصفة من الجدل على مختلف الأصعدة، فالشخصيات التي يتناولها كلها مأزومة وتعاني أزمات نفسية وأخلاقية حادة، وتوارت بشكل كبير الشخصيات السوية التي يمكن أن تحقق التوازن في الطرح، كذلك الطرح اتسم بالجرأة وتجاوز المألوف في الدراما الخليجية، وهو أمر ليس جديدا على مؤلفته الكاتبة (هبة مشاري حمادة)، التي قدمت أعمالا مثيرة للجدل، منها (دفعة القاهرة، دفعة بيروت، سراي عابدين) وغيرها من أعمال تضعها دائما في خانة الاتهام بتشويه التاريخ على جناح دراما ساذجة.
والحقيقة أنه حين تختل الموازين ويختلط الحابل بالنابل تكون النتيجة كما نرى ونشاهد هذه الأيام من صخب متصاعد، منذ طرح (البرومو) الأول لمسلسل (من شارع الهرم إلى)، وقبل أن نخوض في التفاصيل لا بد أن نتوقف عند اسم المسلسل، الذي كان (من شارع الهرم إلى المسيلة)، لكن استقر صناع المسلسل على حذف كلمة (المسيلة)، وهى منطقة كويتية، خشية غضب أهالي المنطقة أو إطلاقهم حملة ضد المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي، وإدخال العمل في (متاهات)، وعلى جانب آخر ثار الجمهور المصري بعد رؤية (البرومو) وانطلقت حملة واسعة ضد (من شارع الهرم إلى) المتهم بالإساءة للمرأة المصرية، بعدما استنتجوا الخط الدرامي، الذي يفيد بوجود راقصة مصرية تسعى لهدم أسرة كويتية من خلال الإيقاع بالزوج في أحضانها، قامت تلك الهوجة رغم أن هذه التيمة الفنية تحديدا ليست بالجديدة على المسلسلات الكويتية، بل وحتى المصرية، وأضحت مكررة منذ سنوات، وإذا لم يكن الطرف (الدخيل) امرأة مصرية فقد تكون مغربية أو تونسية، وهذه صورة نمطية مؤسفة فعلا، يتعمد بعض صناع الدراما في دول الخليج تصديرها، وتنطوي على مغالطات عديدة، ولا مجال لسردها حاليا.
لكن ورغم المعطيات الأولى السالفة الذكر، أرى أنه لا بد أن يتحلى منتقدو العمل بالقليل من الروية والهدوء؛ إذ من غير المنطقي الحكم على مسلسل بأكمله واختصاره في إعلان دعائي مدته دقيقة واحدة!، دون إغفال (شطارة) صناع (من شارع الهرم إلى) في جذب المشاهدين وإثارة انتباههم وحماسهم للعمل من خلال أحداث تتسم بالسخونة والحبكة الدرامية التي من خلالها نجح هؤلاء في الوصول لمبتغاهم من خلال خلق ضجة حول مسلسلهم، الذي استفاد كثيرا مما يحدث حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي من جدل ونقاشات وحتى تراشق لفظي، ولكن السؤال الذي لم يخطر ببال الكثيرين، وبالأخص من المصريين المندفعين تجاه ما شاهدوه – ولا ألومهم في ذلك – هو: هل هذا (التهييج) بريء، خاصة في الظرف الحالي؟، هل هى المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه المناوشات بين صناع الدراما والمشاهدين في الوطن العربي؟.
الجواب واضح لا يحتاج لشرح، لقد وجد هؤلاء في مشهد الراقصة المصرية في العرض التشويقي لمسلسل (من شارع الهرم إلى) كنزا ثميناا في ظرف مفصلي، لا سيما أن الوجوه الموكل إليها صناعة دراما اللعب على وتر (الإلهاء) فشلت فشلا ذريعا أمام المشاهد الذي يتوق لدراما حقيقية تعكس الواقع المعاش ، وهو الذي أصبح لايكترث به المشاهد المصري اللهم إلا بعض أعمال تعد على أصابعع اليد الواحدة رغم منافسة أكثر من 30 مسلسلا في موسم رمضان الحالي، وهنا نسأل مجددا: من المتهم الرئيسي بالإساءة للمصريين في الواقع؟، هل هي مسلسلات تلفزيونية بمضامين سخيفة، أم صناع الفشل الدرامي من موسم إلى آخر؟
كنت قد عزمت ألا أعلق على المسلسل إلا حين أشاهده كاملا، ولن أنجر لحيل المنتجين الفنيين في تسويق أعمالهم، ولكن بعد مشاهدة 26 حلقة أستطيع القول أن المسلسل لا يسئ لمصر أو الكويت أو سوريا، ربما جاءت المعالجة بجرأة على غرار (مسلسلات الجرأة الاجتماعية السورية) التي تطرقت لموضوعات أكثر حساسية من مسلسل (من شارع الهرم إلى)، خلال فترة العقدين الماضيين، ومع أنها تعد معالجة سطحية بمفهوم الدراما الحديثة فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تختل العلاقات الضاربة في جذور التاريخ بين الشعبين المصري والكويتي بسبب مشاهد سطحية؟، وأيضا تثير حفيظة السوريين الذين نجحوا في التطرق إلى موضوعات أكثر حساسية من هذا المنسلسل الذي أثار حفيظتهم.
وتقديري الشخصي أن اللوم كل اللوم لا بد أن يوجه إلى صناع الدراما المصرية، فهم من أسهموا في تكريس تلك النظرة من خلال تركيزهم الفج والمخزي في الآونة الأخيرة على تلك النوعية من الأعمال التي لا تمت لأبناء المحروسة بصلة، ولا تعبر عن واقعهم ولا أحلامهم، أعمال فنية رديئة تجعلنا نترحم على أيام العملاق (أسامة أنور عكاشة ، محفوظ عبد الرحمن، مصطفي محرم، يسري الجندي، كرم النجار، محمد جلال عبد القوي، وإسماعيل عبد الحافظ)، وغيرهم من المبدعين الذين اشتهروا بالمسلسلات العائلية الهادفة، القريبة من المجتمع المحلي ونبضه، رغم أن المفارقة العجيبة تكمن في صدى أعمالهم، الذي كان يأسر كل بيت عربي.
ومع كل مامضى لابد لي من الإشادة بالفنانة العراقية (هدى حسين) التي ولدت بالكويت وتحسب عليها أيضا، حيث لعبت دور الدكتورة عبلة (هدى حسين)، وما يدور داخل هذه الأسرة المكونة من أطباء (هم أبناؤها)، تتباين طباعهم وتفاصيل حياتهم، وتبدأ قصة العمل بدخول راقصة إلى هذا المنزل محاولة فرض قوانينها وسيطرتها على هذه الأسرة، لتتوالى الأحداث في طابع اجتماعي مشوق، وربما أظهرت الحلقات الثلاث الأولى بعضا من القضايا التي تتواجد في كثير من المجتمعات، ومنها المجتمع الكويتي، وأبرزها قضية الخيانة الزوجية، وجرائم الشرف، والرجل الناعم، وهو ما أحدث جدلا بين الكويتيين الذين تباينت ردود أفعالهم تجاه عرضها، وتسليط الضوء عليها من خلال عمل درامي.
وكان مشهد محاولة قتل أحد أبناء الدكتورة عبلة بسبب علاقته مع امرأة متزوجة أحد المشاهد المثيرة للجدل، فضلا عن دور (الرجل الناعم) الذي جسده الفنان أحمد إيراج، وهو طبيب تجميل، والحوارات التي ظهر فيها بحديثه عن الغيرة، واستنكاره قتل الزوجة بسبب الخيانة، واستنكاره أيضا للباس زوجته المتستر أثناء التواجد على شاطئ البحر، وهو ما استنكارا نيابيا، حيث قال النائب حمدان العازمي (إن هذا العمل يدعو للرذيلة، والانحطاط)، وأضاف العازمي في تغريدة عبر حسابه على (تويتر): هذه الأعمال الهابطة لا يمكن أن تنسب إلى الكويت حتى لو عرضت على منصات وقنوات خارجية.. وعلى وزير الإعلام التحرك فورا لإيقاف ترخيص الشركة المنتجة لهذا المسلسل.
ورغم الانتقادات الواسعة التي تعرض لها مسلسل (من شارع الهرم إلى)، فقد أشاد آخرون به، معتبرين أنه عمل يحاكي الواقع، ويعرض قضايا لأشخاص موجودين في المجتمع تستحق تسليط الضوء عليها، وهذا هو من وجهة نظري الشخصية ما يستحق المشاهدة، فلا أنكر أن المسلسل جاذب للغاية على مستوى الأداء ناهيك عن القصة وملابساتها وقربها أو بعدها عن الواقع، لكنه لفت نظري من خلال أداء بارع للفنانة هدى حسين.
جدير بالذكر أن مسلسل (من شارع الهرم إلى)، من تأليف هبة مشاري حمادة، وإخراج المثنى صبح، وإنتاج شركة (Eagle Films Production) للمنتج اللبناني جمال سنان، ويشارك فيه نخبة من الفنانين من عدة جنسيات عربية، منهم: خالد البريكي، نور الغندور، مرام، محمد الرمضان، إيمان الحسيني، ليلى عبدالله، نور الشيخ، فرح الصراف، والسورية روعة السعدي، وغيرهم، وللإنصاف فإن صناع العمل قد نجحوا في إثارة انتباه المشاهد العربي لمسلسل ناله كثير من الجدل رغم محدودية تأثيره كعمل درامي متقن وبجودة عالية على غرار مسلسلات مثل (الاختيار، العائدون، جزيرة غمام، بطلوع الروح، راجعين ياهوى، فاتن أمل حربي، ملف سري) في مصر وأيضا مسلسلات (كسر عظم، مع وقف التنفيد، جوقة عزيزة) السورية، وهى الأعمال العربية التي حظيت بمشاهدات عالية في كعكة رمضان 2022.