رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ترهل وضعف في الكتابة والإخراج .. ماذا يحدث في الدراما المصرية ؟!

كتب : محمد حبوشة

ما أن ينطلق الموسم الدرامي في رمضان حتى نشهد في الحلقات الأولى حالة من التشويق والإثارة التي تجذب الانتباه في باديء الأمر، وبمرور الحلقات وصولا إلى منتصفها نشهد حالة من الترهل، وتبدأ عيوب ضعف الكتابة في الظهور مقرونة بحالة من الترهل، فضلا عن مهزلة نطق الشباب بسبب الاستخفاف بأداء غالبية الممثلين، ولا إعطاء مسؤولية للأدوار الثانية والكومبارس على عكس الماضي، حيث كان الكومبارس لا يقل قيمة عن كل فريق العمل، اليوم نجد باستمرار تلعثم وجوه شابة لا تعرف أصول النطق، والحوار على مستوى الممثلين الشباب، بحيث لا نفهم ماذا يثرثرون، وما ينطقون؟، وبذلك تتوه الفكرة ويتشتت العمل والكلام، رغم أن البطولة في غالبها تكون لهم، وكل الحوارات كتبت لهم، ودورهم في العمل أساسي، وهذا يشكل حالة مؤسفة حاليا ومربكة للحضور الفني وضعفا كليا في المستقبل خاصة بعد رحيل نجوم الصف الأول عن الدنيا أو بسبب كبر العمر!

وإذا تحدثنا عن أفكار الأعمال المأخوذة بمجملها من السينما الهوليودية والدراما الأمريكية والتركية وغيرها فحدث ولا حرج على جناح السذاجة في معالجة الفكرة وتنفيذها، ناهيك عن الإخراج السيئ، وعن الأداء نلحظ ارتباكا واضحا في حياة الشخصيات التي غالبا ما تكون خارج تجسيد الدور بحجة أن الممثل  يؤدي بطبيعته، وهذا نوع من الغباء الفني بامتياز، نظرا لجهل البطل لطبيعة التمثيل والفن، حيث يأتي بطريقة أداء لا علاقة لها بالتمثيل، وللأسف هذا ما هو حاصل عند غالبية شباب الدراما المصرية الحاليين، كما أننا نجد أن غالبية الوجوه النسائية الشابة وبعض الذكور لا تعمل على عمق الأداء بقدر الشكل والصورة، ولا تعرف النطق السليم، وتعيش سرعة لفظية مخيفة لا نفهم ماذا تقول؟

معروف أن النطق في التمثيل لا يقل قيمة وأهمية عن حركة الجسد، والدراما ليست نسخة بترداد الكلام عن الشارع بقدر ما هى مفردات واضحة تدل على فهم لأصول المهنة والعمل، والأهم أن نفهم الحوار كي نفهم الحدث – يعني لا أن نتحدث والسلام كما حاصل – ولعلنا نجد في العمل الواحد أن الوجوه القديمة رغم عدم البطولة كلها تلفظ الكلمات بمسؤولية، تنطق بما يسرع فهمنا، تجسد الكلام مع إيحاءات الجسد وايماءات الوجه والنفس، وهذا شبه مفقود عند الجيل الحالي في الدراما المصرية، وتلك معضلة يتحمل مسؤوليتها المخرج، والمعاهد والجامعات المعنية بفن التمثيل في مصر، والنجومية الكاذبة المعتمدة على علاقات خاصة مع المنتج، وغياب النقد!

الجمهور تثاءب كثيرا من ملل الدراما

اللائحة قد تطول كثيرا عندما نتحدث عن عيوب مسلسلات هذا الموسم الرمضاني، لكنى سأختصر العدد وألخصه في الأكثر سوأ على مستوى الكتابة والأداء والإخراج المتدني، وهى بالمناسبة تمثل حالات صارخة لابد لنا معها من وقفة لعدم تكرارها، لكن في البداية لابد لي أن أشير إلى نقطة غاية في الأهمية، وهى أننا لا نشعر على الإطلاق بعنصر الوقت، حيث نصحو فجأة في كل عام على دخول رمضان، ومن ثم تبدأ حالة الفوضى والعشوائية تدب في ساحة الدراما بغرض اللحاق بالموسم الأكثر مشاهدة، وهو ما يصحبه العجلة والتسرع، وترتيبا عليه تخرج غالبية الأعمال مسلوقة لأنها لم تأخذ الوقت الكافي، وبالتالي تخرج في غالبيتها سيئة بل هى نسخة مزعجة ومتشابهة بفكرتها وبانفعالاتها وبافتعالاتها وبالشكل والمضمون البصري، وبعضها لا يصلح للعرض وللنقد.

واحتراما لتاريخ تربينا عليه وللفن المصري نشير إلى أنه على الدراما المصرية التروي في التنفيذ ولا داعي للهاث في سرعة استهلاكية توصل إلى التكرار والفشل، والاعتراف أن الزمن تغير، والظروف الاجتماعية والإنتاجية تغيرت كليا، وللأسف كل ما يقدم وقدم في الأعوام القليلة الماضية بغالبيته لا يشبه تاريخ مصر وحضارتها وحالتها وأناسها، بل لا يشبه تاريخ الدراما المصرية وقيمتها وتميزها، رغم أننا نشهد تطورا مزهلا على مستوى التقنيات والجرافيكس وغير من مواصفات قياسية في صناعة الدراما، لكن الكثير منها اليوم تدعي اللهجة ولكن بتصنع وصراخ، وخارج روح المحروسة المعروفة بخفة دمها ومزاجها الذي يميل للسلطنة والاستمتاع بالفن.

وهو ما نلمسه واضحا جليا  خلال تصور الحارة والقرية والمدينة حتى الكومباوندات التي تصور فيها غالبية الأعمال حاليا، فلا هى تبرز قيمة كل بيئة بمضومنها الثري الذي يداعب الخيال، ولا هى تهتم بديكور مناسب للأحداث الدرامية، فقط  تصبح الحارة مجرد ديكور جمالي، والريف لا يخرج عن كونه ينافس المدينة في عشوائيتها وتقززها، وفوق كل ذلك تقدم المرأة المصرية بنمطية مخيفة، متسلطة، حاكمة ومستبدة وتصرخ باستمرار، لا بل مسترجلة تضرب زوجها، وفاسدة وتساهم بخربان البيوت، ومجرمة في المافيا!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: أين المرأة المصرية المناضلة، والمثقفة، والمتفانية، والمربية، والمتفوقة في كل المجالات؟!

وقبل الإجابة لابد لي من التذكير بأن الدراما هى انعكاسات الواقع.. أليس كذلك يا من تقومون بصناعتها؟!.

ومن باب النقد المحب المطلوب في الدراما المصرية وتحديدا المسلسلات المطلوب ابتعادها عن التهريج المفتعل والصراخ الدائم وتقليد الأتراك، وأعمال المافيا والجريمة والجنس العبيط، ينبغي علينا العودة إلى الأصول في فهم الواقع المصري بكل تناقضاته ومشاكله.. مصر غنية في كل شيء حتى في المشاكل الاجتماعية التي تصنع روايات، لا بل صنع منها أهم الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التي تمثل تراثا فنيي غنيا وملهما، وعليه يصبح على العاملين في الدراما المصرية الاستفادة من تاريخ مصر الجميل والسلبي معا، ومن تاريخ الدراما بجماليات لا تزال تؤثر فينا، وأن يتصالحوا مع مصر وشارعها لا أن يعلنوا حبها قولاً لا فعلاً والنتيجة أعمال تشوه ما يتغنون به عنصريا دون قيمة أو هدف أو رسالة تجدى.

انطلقت منافسات الدراما الرمضانية، التى يتنوع محتواها هذا العام ما بين الدراما الوطنية والأكشن والبوليسى والكوميدى والتراجيديا، وكعادة كل عام، تثير بعض الأعمال المعروضة جدلا كبيرا بين المتابعين باختلاف أذواقهم، خاصة فى عصر السوشيال ميديا، الذى جعل تلك الأعمال أكثر عرضة للنقد، بل وللسخرية اللاذعة أيضا فى بعض الأحيان، وفى السطور التالية نرصد لكم بعض الأعمال الدرامية التي أثارت جدلا وضجيجا دون طحن خلال ثلثي الموسم من عرضها فى شهر رمضان 2022.

فاتن أمل حربي

فاتن أمل حربى

معلوم أن أفكار وتصريحات مؤلف المسلسل إبراهيم عيسى، تضعه فى مرمى النيران، كل عمل يقدمه دائما ما يُحدث بلبلة وزوبعة، قدم برامج أثار خلالها الكثير من الجدل بمواقفه ورؤيته، لم يقترب إبراهيم عيسى من الدين فى برامجه فقط، لكنه اشتبك أيضا مع الدين فى كتاباته للسينما، فأفلامه السينمائية الثلاثة، محورها الرئيسى هو الدين الإسلامي، ولأول مرة فى الدراما يظهر الكاتب إبراهيم عيسى بعد إثبات نفسه كمؤلف وسيناريست كبير فى السينما من خلال مسلسل (فاتن أمل حربى) للنجمة نيللى كريم، والعمل كان من المتوقع أن يثير الجدل بسبب أن إبراهيم عيسى من المنصفين للنساء فى المسلسل، وهذا ما جعل الرجال فى حالة عنف معه، وأن نيللى كريم من الممثلات اللائى لهن أعمال ناجحة وإبراهيم عيسى يخوض الدراما التليفزيونية للمرة الأولى.

نيللى كريم بطلة مسلسل (فاتن أمل حربي) طلبت من خلال الأحداث حضانة المطلقة لأطفالها حتى لو تزوجت بآخر!، وتدور أحداث المسلسل الجديد حول خوض بطلته معركة اجتماعية بينها وبين القانون الجديد للأحوال الشخصية، إذ تطلب حضانة المطلقة لأطفالها بعد الطلاق حتى ولو تزوجت برجل أجنبى لاحقا، على الرغم من حالة الجدل تلك إلا أن المسلسل ينصف اجتماعيا بامتياز إذا ما تجاوزنا حالة البلبة التي أثارها أحد المحامين من الغاوين للشهرة.

توبة

توبة

فى رمضان 2021، اكتشف الجمهور أن مسلسل (ملوك الجدعنة) بطولة عمرو سعد ومصطفى شعبان، إخراج أحمد خالد موسى، الذى قيل إنه تأليف عبير سليمان عن فكرة كتبها محمد سيد بشير، مأخوذ عن فيلم (سلام يا صاحبي) (1987)، تأليف صلاح فؤاد وإخراج نادر جلال، وبطولة عادل إمام وسعيد صالح، ويبدو أننا بصدد اقتباس جديد أحداث نفس البلبلة، حيث توحى أحداث مسلسل (توبة)، بطولة عمرو سعد ودياب وأسماء أبو اليزيد وماجد المصري، للمخرج أحمد صالح، أنه مأخوذ، من فيلم (المشبوه)، تأليف إبراهيم الموجى وإخراج سمير سيف، وبطولة عادل إمام وسعيد صالح (أيضاً) مع سعاد حسنى وفاروق الفيشاوي؛ حيث إن البطل فى العملين، سواء (ماهر) فى الفيلم أو (توبة) فى المسلسل، يهرب من ماضيه إلى مدينة أخرى بورسعيد لكن الماضى يطارده، بينما شقيقه سعيد صالح فى الفيلم أو أخوه من أمه دياب فى المسلسل، هو الذى يغويه للعودة إلى الإجرام، والغريب أن المسلسلين (توبة، وملوك الجدعنة) من إنتاج صادق الصباح، وصورت جميع أحداثهما فى لبنان، رغم أن الأول تدور أحداثه فى الحارة المصرية، والثانى فى بورسعيد أيضا!.

سوتس

سوتس

عندما يرتبط عمل فنى باسم السينارسيت والمنتج محمد حفظى، يتوقع الجميع أن يبلغ الهجوم على المسلسل أشده، والسبب أن أفلام حفظى إما إنتاج مشترك فيقدم من خلالها طبيعة خاصة حتى لو على حساب الوطن، أو يقوم بتمصير أعمال فنية مثلما حدث فى فيلم (أصحاب ولا أعز) الذى قامت ببطولته منى زكى، وكان لا يمثل أخلاقنا ولا عاداتنا، فكان الجمهور على موعد مع مسلسل ربما يكون مختلفا كثيرا عن طبيعة الأعمال التى تعرض خلال هذا الشهر الكريم، وهو مسلسل  SUITS بالعربي،) بعد تسعة مواسم من المسلسل الأمريكى الناجح الذى يتناول خبايا عالم المحاماة وتعقيدات علاقاته، ولقد واجه المسلسل انتقادات حادة من الجمهور الذى شاهد النسخة الأمريكية من العمل، خصوصا أن الجمهور حين يتابع أحداث النسخة العربية سيتلمس الاختلاف، كما أنهم واعون لفكرة اختلاف الدراما الأجنبية عن واقعنا العربي، فكيف يتم تقديمه بهوية ونكهة مصرية تتناسب مع القيم والعادات العربية.

رانيا وسكينة

رانيا وسكينة

لا أحد ينسى الضجة التى أُثيرت رمضان الماضى بسبب أحداث مسلسل (نسل الأغراب) بسبب الدور الكبير لزوجة مخرج العمل محمد سامى الممثلة مى عمر، على حساب النجوم المشاركين، وإعلان الشركة المنتجة وقف التعامل مع المخرج وكاتب السيناريو محمد سامي، لذلك كان من الضروري هذا العام أن تركز العيون على مى عمر، ومساحة الدور والأداء، من خلال مسلسلها الجديد (رانيا وسكينة)، وأحداث المسلسل تكشف تورط رانيا السنهورى (مى عمر)، ابنة إحدى العائلات الثرية، مع سكينة (روبي) الفتاة الشعبية التى تعرضت لحادث سير، لكن تتغير الأحداث وتتورط رانيا مع سكينة فى جريمة لا علاقة لهما بها، وتشهد الحلقات مطاردات من الشرطة لهما، حيث تظلان هاربتين وسط محاولات مساعدة من كل من حولهما حتى لا يتم القبض عليهما، إذ تلجآن للتخفى فى بيت سكينة (روبي) مما يؤدى لمفارقات كوميدية يتسم بها المسلسل، لكنها لم تروق للجمهور.

المشوار

المشوار

يبدو أن محمد رمضان يكرر نفس التيمات فى شخصياته من (زلزال) مرورا بـ (نسر الصعيد، وموسى) وصولا إلى (المشوار)، فهو الولد ابن البلد المقهور الذى يسعى للانتقام، وتتلخص قصة المسلسل، حول شخصيتى (ماهر وورد) ويلعب دوريهما (محمد رمضان ودينا الشربينى) وهما متزوجان ولديهما طفل صغير يدعى رحيم، وهم من الطبقات التى تعانى ضيق الحال، من العمالة المؤقتة التى تعمل باليومية فى إحدى شركات الملاحة بمحافظة الإسكندرية، وخلال الأحداث يواجه (ماهر وورد) اللذان يعيشان فى منزل خالة الأول، ويواجهان كثيرا من الصعوبات والأزمات الأمر الذى يجعلهما فى بؤرة الصراعات خصوصا عندما يشعران بأن هناك شيئا غريبا يحيط بهما وعليهما الحذر، وفى إطار من الأكشن والتشويق والإثارة جاءت الحلقات الأولى، حيث حاول محمد رمضان أن شخصية (ماهر) الذى يقع فى غرام (ورد) ويتزوجها، ويدخل فى عدة مشكلات بسبب تورطه فى عالم الآثار بشكل أو بآخر، إلا أنه يهرب ويطارده رجال الشرطة وعلى رأسهم الفنان أحمد مجدى، بينما يقع في حالة من الترهل الذي أصاب المسلسل في مقتل نتيجة الملل وعدم جودة القصة.

دنيا تانية

دنيا تانية

قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مصر، وقف أولى حلقات مسلسل (دنيا تانية)، نظرا لأنه يحتوى على مشاهد غير أخلاقية، ونقلا عن بيان رسمى صادر عن المجلس، فإن المسلسل، الذى تقوم ببطولته الفنانة ليلى علوي، ويعرض خلال شهر رمضان 2022، لم يحصل منتجوه على تصريح من الرقابة على المصنفات الفنية، وقرروا إذاعته بالتحايل، فضلا عن احتوائه على مشاهد غير أخلاقية، بحسب وصف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وطالب المجلس فى بيانه، جميع القنوات الحاصلة على حق عرض مسلسل (دنيا تانية) بعدم إذاعة أى مصنف غير حاصل على ترخيص، ورغم نجاح المسلسل في حلقاته الأولى، ووقوع ظلم عليه من جانب المجلس، إلا أنه وقع تحت طائلة الملل والإطالة، خاصة عندما قرر صناعه أن يكون 30 حلقة بدلا من 15.

شغل عالي

شغل عالي

وفي حلبة الملل والتكرار والإطالة والترهل بغير هدف جاءت مسلسلات (انحراف) عبر بطولة مطلقة لروجينا، وكذلك مسلسل (بابلو) لحسن الرداد، و(بيت الشدة) لوفاء عامر، ولحق بهم مسلسل (شغل عالي) لفيفي عبده وشيرين رضا، و (مكتوب عليا) لأكرم حسني، فضلا عن (أحلام سعيدة) ليسرا، وفي (بيتنا ربوت) لهشام جمال وشيماء سيف، وكل المسلسلات السابقة تمثل تقريبا نصف عدد المسلسلات المعروضة في رمضان 2022، لكنها لا تحمل مضمونا جيدا يمكن أن يستقطب جمهور يتعطش للمسلسل الاجتماعي والكوميدي جنبا ألى جنب مع مسلسلي (الاختيار والعائدون) من الأعمال الوطنية فائقة الجودة، مع مسلسل التشويق والإثار(جزيرة غمام) وهو ما يوحي بأن موسم رمضان تراجع كثيرت مقارنة بالموسم السابق 2021، ليعيد علينا السوال : ماذا حدث للدراما المصرية؟!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.