عندما تفوق (الأبنودي) في رمضان على الثنائي (فؤاد المهندس وشويكار) !
في مراحل نضجه الفني
كتب : أحمد السماحي
نحيي خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم الخميس القادم الموافق 21 أبريل الجاري ذكرى رحيل شاعرنا الكبير (عبدالرحمن الأبنودي) صاحب (أيامنا الحلوة، السيرة الهلالية، المسيح، عدى النهار، أحلف بسماها وبترابها، صباح الخير يا سيناء، قبل النهاردة)، صاحب النغمة المختلفة والجديدة في عالم الشعر، الذي استطاع من خلال أشعاره أن ينفذ كالسهم في قلب المصريين والعرب ببساطة أشعاره وصدقها، كما كان صوت المهمشين والغلابة والبسطاء، واستطاع أن يعبر عن أفراحهم وأحزانهم، ورغم غيابه لكنه لم يرحل عنا فمازالت كلماته ترن في أسماعنا في كل المناسبات التى تمر على مصرنا المحروسة.
هذا الأسبوع ومن خلال باب (غلاف ألبوم) سنتوقف عند ألبومه المسموع (وجوه على الشط) الذي يعتبر تجربة حياتية عاشها (الأبنودي) وكما ذكر هو في الفترة من بعد نكسة يونيو 1967 وحتى عام 1970، فى هذه الفترة عاش على شاطئ قناة السويس مع فلاحين الجنانين، وكتب عنهم وعن أوجاعهم وأحلامهم وأهدى إليهم هذا الديوان حيث قال : (فيه فلاحين لسه هناك/ مش كلهم هجروا/ فيه فلاحين لسه بيزرعوا الغلة تحت الهلاك)، لكنه في الديوان الذي أعاد نشره عام 2001، وأصدرته له دار (أطلس للنشر) أهدى الديوان إلى ابنتيه وزوجته فقال: (دائما إلى آية ونور اللتين لم تريا تلك الأيام البكر من نضال مصر وتاريخها المشرف، وإلى زوجتي (نهال كمال) التى كانت تعيش في ذلك الوقت – طفلة بالطبع – وكان والدها يقود المقاومة الشعبية بالمدينة، وحصل على (نوط الشجاعة) من الدرجة الأولى من الرئيس (جمال عبدالناصر) لبلائه في إطفاء نار الزيتية، وإلى كل شهدائنا، وكل من رافقنا في رحلة الغوص في أعماق مصر في تلك الأيام التى تبدو وكأنها لن تعود)!.
في هذه التجربة الفريدة تجربة الحياة والموت تحت نيران الحرب، لم يتح لمبدع – كما كتبت دار أطلس – غير شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودي أن يعايشها وأن يرصدها في أمانة مذهلة وتدفق شعري ليس له مثيل، إن تجربة الفلاحين على شط القناة خلال حرب الاستنزاف قطعة من تاريخ مصر غير المرصود وغير المكتوب، عودة من شاعرنا إلى منابعه الأصيلة ليجسد من طين الحياة شخوصا تسعى بيننا وتخلد في تاريخنا الأدبي مثل (أم علي، إبراهيم أبوالعيون، البت جمالات، عم محمد عبدالمولى، فتحية أب زعزوع، سيد طه، الحاج أب سلمى) وغيرهم.
ومن المعلومات التى لا يعرفها كثيرين أن (الخال) في أحد السنوات وبالتحديد فى نهاية الستينات ومن خلال هذا الديوان (وجوه على الشط) وفي شهر رمضان تفوق على الثنائي الشهير (فؤاد المهندس، وشويكار) الذي كان لا صوت يعلو على مسلسلهما الرمضاني!.
والحكاية ببساطة أن (الأبنودي) كان مرتبطا بإذاعة صوت العرب منذ قدومه من بلده قنا، وكان أول من قدمه في الإذاعة المصرية ومن خلال (صوت العرب) المذيع الكبير الراحل (كامل البيطار) الذي قدمه عام 1961 في برنامجه الشهير (مع العمال العرب) بتوصيه من (أحمد سعيد) مدير (صوت العرب)، قدم (البيطار) في البداية أشعار (الأبنودي) التى تدور حول العمل والعمال، وفي أحد الأيام استمع المذيع الشاب إلى صوت (الخال) وهو يلقي أشعاره فقرر بعد أن رجع لـ (أحمد سعيد) أنه من الأفضل لبرنامج (مع العمال) أن يقوم (الأبنودي) بتقديم أشعاره بصوته وبلهجته الصعيدية لأن إحساسه بالجملة والكلمة والحرف سيكون أفضل من (البيطار)، واستجاب (أحمد سعيد) وظهر بالفعل صوت (الأبنودي) لأول مرة من خلال البرنامج، ولاقت الحلقات نجاحا كبيرا.
لم ينس (الأبنودي) هذا الجميل لإذاعة (صوت العرب) بعدها بسنوات وبالتحديد في نهاية الستينات وأثناء حرب الاستنزاف كانت أشعار (وجوه على الشط) تنشر فى إحدى المجلات فلفتت انتباه المخرج الإذاعي الشهير صاحب التجارب الإذاعية المختلفة (عادل جلال) فقرر أن يصنع من أبطال (وجوه على الشط) مثل (إبراهيم أبوالعيون، البت جمالات، عم محمد عبدالمولى، فتحية أب زعزوع)، وغيرهم نجوم مسلسله الجديد في شهر رمضان.
وينافس بهؤلاء البسطاء الغلابة الثنائي الشهير (فؤاد المهندس وشويكار) ووقتها اتهمه الجميع بالجنون، خاصة أن مسلسل (المهندس وشويكار) الكوميدي أحد العلامات البارزة في الشارع المصري، ورغم هذا قبل (عادل جلال) التحدي وقدم (الأبنودي) الشخصيات بصوته وبلهجته، وإذا بالحلقات تحقق نجاح يفوق نجاح (فؤاد المهندس وشويكار) وكسب يومها (عادل جلال) الرهان.
المؤسف حقا أن هذا المسلسل الممتع الذي قدمه بتمكن شديد الأبنودي لا يذاع رغم بكارة وصدق إلقاء (الأبنودي) للأشعار لأنه وقتها كان يعيش الحالة الدرامية بكل كيانه، لكني حقيقي عندما استمعت إليها من خلال الديوان المسموع وجدتها خالية من الصدق والإحساس الذي استمعت إليه في حلقات (عادل جلال)!.