بقلم : على عبد الرحمن
أرجو ألا يكون عنوان مقالي هذا صادما فالمحتوي المذاع رمضانيا يفعل هذا للأسف!، فمائدة رمضان الإعلامية والدرامية فارغة، اللهم إلا اليسير من البرامج (كالعباقرة) ومن الدراما (كالاختيار، والعائدون)، رغم أن موائد المنازل والمطاعم عامرة بكل مالذ وطاب رغم أنه شهر الصوم والتقشف، ورغم غلاء الأسعار وقلة الرقابة علي الأسواق وجشع التجار والمتاجرين بظروف الحروب والغلاء والتعويم.
فمع اختفاء كل جيد من المحتوي المذاع أصبح شعارنا وداعا لكل جميل وجاد، ووداعا للتدين والتاريخ، ووداعا للمنوعات الثقافيه، والاستعراضات والفوازير، ووداعا للوثائقيات والثقافة والتنوير وأهلا بحالة الاعتكاف للإعلام الرسمي، وأهلا بحالات الاحتكار التي تقتل التنافس والإبداع وتقصي المبدعين من مواهب الوطن، وأهلا (بالمفسديون).. أي التليفزيون، وأهلا (بالمفسدون) وهم صناع المستوي الهابط.
ومع زحام دراما العنف والقتل والانحراف والمؤامرات والتي تهيئ بيئة ملائمة لنمو التطرف السلوكي والفكري والديني، ومع سيل برامج السباب والشتائم والأمور الشخصيه ندعم بهذا المحتوي نشأة تطرف اللفظ والحركات والفكر أيضا، ومع كثرة أزياء المذيعات غير الملائمه لشهرنا الكريم ندعم كل ذلك أيضا، ورغم غياب الدراما الدينية والتاريخية وبرامج التنوير والتثقيف الجادة واختفاء برامج المنوعات الجيدة والأفلام الوثائقية الملائمة ندعم أيضا هذا التوجه من الانفلات السلوكي والفكري والديني,
ومع تقديم الشاشات من حولنا لمحتوي جادا دينيا وتاريخيا وثقافيا ومتنوعا، ومع تذمر أهلنا من هبوط مستوى مايقدم، ومع رفض رجال الفكر والدين لعدم ملائمة هذا المحتوي لتقاليد ومعالم الشهر الفضيل ندعم دون أن ندري ذلك الجانب الآخر الكامن كالسوس ينخر في فكر شبابنا وفتياتنا، فتجدنا في مجمل مانقدمه من إعمال نرفع شعارا بينا: (نحن ندعم التطرف بما نقدمه من سباحة ضد تيار التقوي والورع الذي يلزمنا طيلة هذا الشهر الفصيل!!!.
كما أننا نقدم صورا درامية مشوهة لكل مفردات مجتمعنا، فصورة الأم القاتلة والبنت المتآمرة والشباب المسطح والأسرة المفككة وبيئة الا نحراف والجنس والمخدرات والثراء السريع والبلطجة، كل ذلك خطأ فادح في حق مجتمعنا المعتدل المسامح، فلا صورتنا في الدراما حقيقيه ولا مجتمعنا في الدراما مصري المذاق ولا سمعة بيئتنا في الدراما طيبة، وهذا يدعم صورا ذهنية سلبية لدي الأشقاء والأصدقاء عن مفردات مجتمعنا المصري، كما يسبب حرجا بل ألما لملايين المصريين بالخارج أمام أصدقائهم والمتعاملين معهم، كما يعطي كل ذلك فرصة داعمة لأصحاب التوجهات الدينية والسلوكية المتطرفة، ويوحي بأن فكرهم وسلوكهم صحيح وهل غير ذلك تماما؟.
والغريب أن المفسدون من صناع المحتوي مصريون ويعلمون أن محتواهم سيعرض في الشهر الكريم ويتابعه أبناء وطننا الكرام ومعظم جهات الإنتاج محسوبة علي الدولة ونظامها، والمتحكم في المحتوي أشباه مسئولون مصريون، فلماذا كل هذا الهبوط في المحتوي المذاع، هل لعدم دراية صناع المحتوى أم لأننا مجتمع مغلق ينوي الانفتاح أم ضغوط على كل صناع المحتوي، أم ماذا؟!.
هل ننفق لدعم التطرف بدلا من مجابهته، أم نسينا فقدان جزء غير يسير من روافد قوتنا الناعمة؟، أم نجهل مايقدم حولنا من أعمال تاريخية ودينية وتنويرية ومتنوعة تدعم دولا وتاريخها ودورها وقوتها الناعمة؟، إننا بحاجة ماسة إلى لجنة قوميه عليا للإنتاج البرامجي والدرامي وصناعة المحتوي ومدونة سلوك للموضوعات والألفاظ والأزياء والمتحدثون علي الأقل في شهرنا الفضيل، هذه اللجنه وتلك المدونة تراعي تطلعات الوطن وأخلاقيات أهله وحالة أبنائه المغتربين، وتأخذ بعين الاعتبار قوتنا الناعمة المتراجعة والمحتوي التنافسي من حولنا وحجم مايتم إنفاقه وعدد من أصابتهم بطالة الجلوس علي المقاهي ومراعاة حالات التنافس والتنوع والتجويد، بدلا من الاحتكار والإقصاء والتهميش.
نحن بحاجة إلى خطة قومية مدروسه للإنتاج الإعلامي بكل مفرداته ترتبط بسياسات الوطن وتخدم أهدافه وتعود بقوتنا الناعمه إلى سابق عهدها وتعود ببيئة مصر إلى ماعهدته من تسامح واعتدال بدلا من حالات الإفساد والتطرف في وقت لايحتمل فيه المرء شيئا من صنوف الاستفزار سلوكا ولفظا ولبسا وأكلا وفكرا غاية في الغرابة.
إنها مصر الوطن وأهلها أمانة وإعلامها مسئول وكلمته مسئولية حتي يصبح شعارنا الجديد والدائم: الإعلام شرف، والوطن أمانة، والكلمة مسئولية..حمي الله مصر وأصلح محتوي إعلامها، وكل عام ومصر وأهلها بألف خير.