بقلم : محمود حسونة
حالة الجدل التي أثارها عرض الجزء الثالث من مسلسل (الاختيار)، ليست مفاجئة بل متوقعة، لأنها كشفت المستور وقدمت الأدلة والبراهين على الجرائم التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين في حق مصر وشعبها، وقدمت للرأي العام المصري والعربي بل والعالمي ما يخرس الألسنة المشككة في أن الجماعة كانت تستهدف سرقة مصر والسطو عليها والعودة بها وبأشقائها إلى أزمنة ذهبت ولن تعود رغم أنف الراغبين الموهومين.
الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي كان متوقعاً جداً، خصوصاً أن الجزءين الأول والثاني أثارا جدلاً كبيراً ولكن الجدل حول الجزء الثالث غير مسبوق؛ أما حالة الجدل على المسلسل في الإعلام التقليدي فلم تكن متوقعة، ولو كانت هذه القناة أو تلك اكتفت بتقرير أو حتى برنامج عن المسلسل وردود الفعل عليه لكان الأمر طبيعياً، ولكن أن تستقطع بعض القنوات الإخبارية مساحات ومساحات من متابعاتها للحرب المشتعلة بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا وتمنحها لمسلسل تليفزيوني فهو الأمر الذي يؤكد أن وقع ما جاء في هذا المسلسل عليهم لا يقل عن وقع حرب وضعت العالم كله في أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية وغذائية واجتماعية ورياضية وفنية، وأن صوت الحقائق التي يكشف عنها لا يقل عن صوت الصواريخ التي تسقط لتفجر الأعداء وتدفعهم للهذيان، ولكن إذا أدركنا أن القناة المشغولة بالمسلسل والمتهمة إياه بأنه يعرض وجهة نظر واحدة، قد أوجعها أن يكشف أكاذيبها ويعري أجندتها ويفضح نوايا العاملين بها والقائمين عليها.
التقارير المتعددة التي قدمتها هذه القناة تؤكد الشكوك حول مهنيتها وتنال من مصداقيتها كما فعلت كثير من أخبارها المفبركة وتقاريرها المختلقة وبرامجها الموجهة منذ 2011 وحتى اليوم، فالمعروف إعلامياً أن الوثائق بالصوت والصورة أدلة دامغة لا تحتاج لوجهات نظر ولا تحتمل الفتي، وأنها تبدل الشك يقيناً لدى أي عاقل راشد واعٍ، وأن وجهات النظر تكون عند مناقشة قضية تحتمل (الرأي والرأي الآخر) الذي يرفعونه شعاراً تحول مع الممارسة اليومية إلى شعار أجوف وكلمات فاقدة للقيمة والمعنى.
الفيديوهات المصورة التي تكشف في كل حلقة مؤامرة على الدولة والشعب، وكان بطلها الرئيسي خيرت الشاطر ومساعدوه محمد مرسي والمرشد وباقي أعضاء مكتب الإرشاد، اختار المخرج بيتر ميمي أن يختتم بها حلقات المسلسل لإدراكه أن كل من يتابعه سيصاب بصدمة بعد مشاهدتها تجعله يلتزم الصمت بعض الوقت غضباً وغيظاً واحتقاراً للجماعة وإعجاباً بمن وثّق لهذه المرحلة وجمع من داخل غرفهم المغلقة ما يفضحهم ويكشف حقيقتهم أمام الشعب.
مصر في عام 2013 كانت مصريْن، مصر الإخوان الذين لم يمنع اعتلاءهم عرش الدولة من استمرار التآمر عليها والسعي لأخونتها وتهميش الكفاءات والكبار لصالح الموالين والصغار، ومحاولة خلق الفتن بين أهلها وتحويل الشعب إلى شعبين، شعب موال اعتاد السمع والطاعة ويسعى كل الوقت للاصطدام بالشعب الثاني المتمرد (الكافر) والذي يدين بدين الاسلام الذي نزل به رسولنا الكريم رحمة للعالمين، ولا يدين بدينهم الذي اختلقوه وجعلوه ديناً للعنف والترهيب والتخويف.
مصر الثانية، كانت هى مصر التاريخ والحضارة، مصر حماة الوطن، مصر الجيش الرافض لسرقة الدولة من أهلها، مصر المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطني التي قررت حماية الشعب وعدم الاستجابة لطلبات الرئاسة الحامية للإرهابيين، والرافضة لتدخل الشاطر والمرشد وقيادات الجماعة في إدارة شؤون الدولة، والكاشفة لمخططاتهم باستغلال وجودهم في الحكم لأخونة الدولة والتسلح بالأسلحة التي يركّعون بها الشعب ويفرضون عليه إرادتهم.
مصران كانتا تسيران في خطين متوازيين منذ تسلم الإخوان للرئاسة، حتى كان القرار الذي أنقذ مصر، القرار الذي وضع نهاية لمرحلة مظلمة من تاريخ الدولة، القرار الذي طمأن الشعب وأعاد (المحروسة) دولة واحدة متوحدة في مواجهة الإرهاب ومتحدية من يريدون إسقاطها ومحاربة لمن يريدون تفخيخ استقرارها.
المؤلف هاني سرحان اعتدناه مبدعاً يغزل الحقيقة بالخيال ليخرج بالناس بحكايا تظل راسخة في الوجدان وتحكي لمن كانوا صغاراً وأصبحوا شباباً كيف انقلب الليل نهاراً والظلام ضوءاً بفضل قرار اتخذه وزير الدفاع حينئذ الفريق أول عبدالفتاح السيسي وآمن به الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف وبابا البطريركية الأرثوذكسية ورئيس المحكمة الدستورية العليا الذي تولى رئاسة البلاد لفترة انتقالية وعدد من القيادات الوطنية الأمينة، ولذا أطلق صناع الاختيار على هذا الجزء عنوان (القرار).
ما لم يكن متوقعاً في هذا الجزء هو أن نرى رئيس الجمهورية ضمن شخصيات المسلسل، وأن يؤكد المؤكد لدينا بالكشف عن بعض ملامحه الإنسانية، وأن نرى والدته وزوجته وابنته، ونعرف أن انحيازه للمرأة المصرية إيمان بدورها ويقين بحقوقها علينا جميعاً، وأن نرى الفنان العبقري ياسر جلال يتماهى مع الشخصية ليؤكد تفرده الإبداعي صورة طبق الأصل شكلاً ومضموناً، وليتفوق هو وباقي نجوم المسلسل في تقديم وثيقة درامية ستظل للأجيال القادمة شاهدة على أحداث العام الأسود في تاريخ مصر والذي تحول إلى أبيض بفضل قرار حكيم اتخذه ونفذه شرفاء مصر وأبنائها المخلصين.
mahmoudhassouna2020@gmail.com