كتب : محمد حبوشة
نجح المسلسل السوري جوقة عزيزة، الذي يعرض في الموسم الرمضاني 2022، في جذب أنظار واهتمام الجمهور والمتابعين بمجرد عرض الحلقة الأولى منه، وتصدر الترند على (جوجل) وغيره من مواقع التواصل الاجتماعية حتى الآن رغم مرور 8 حلقات، وأعربت النجمة العربية نسرين طافش لـ (شهريار النجوم) أمس عن سعادتها البالغة بالأصداء الإيجابية التي لاقتها منذ الحلقة الأولى من مسلسلها الجديد، وكانت نشرت مجموعة من صورها من العمل على حسابها الشخصي على انستجرام، شوقت من خلالها الجمهور بوجود المزيد من الأحداث المشوقة في المسلسل، وعلقت طافش على الصور والترند قائلة: (سعيدة جدا بردود فعلكم على أولى حلقات مسلسل جوقة عزيزة، ولسا ما شفتو شي، لانو قصة عزيزة خانم وجوقتها العجيبة مليانة أسرار ومفاجآت ما بتخطر عالبال).
هذا ويعتبر مسلسل (جوقة عزيزة) واحدا من الأعمال التي تجلب البهجة والسعادة للجمهور العربي كله بمزج ذكي بين الكوميدي والتراجيدي، وليس هذا على المستوى السوري فحسب بل على المستوى العربي الذي يشهد منافسة حامية الوطيس، من خلال قصة تدور أحداثها في بلاد الشام خلال ثلاثينيات القرن الماضي، في حقبة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وتتمحور قصة المسلسل حول فتاة جميلة تعمل كراقصة ويقع في حبها كولونيل فرنسي، بطلتها (عزيزة خوخة) المغنية و الراقصة التي ذاع صيتها، وفتنت رجال زمانها، ولقبت بـ (ملكة المسرح) ووصلت بدهائها إلى ما لم يسبقها إليه أحد، وساهمت في تأسيس الحياة الفنية في سوريا والاستعراضية والمسرحية بالشام.
وربما السر يكمن في ذلك إلى دقة الأداء واحترافية التقمص جراء ما تلعبه النجمة العربية نسرين طافش، التي تؤدي دور البطولة في المسلسل على جناح الاستعراض بالغناء والرقص الذي تعشقه طافش منذ طفولتها، وكثيرا ما حلمت بتجسيد شخصية تحاط بكافة أنواع الرجال من الأمن والمخابرات والطبقة الشعبية إلى أن ينتهي بها الحال واقعة في غرام الكولونيل الفرنسي، وتتصاعد الأحداث في إطار درامي تاريخي اجتماعي يجمع بين ثنائية الحب والتاريخ، وظهرت (نسرين) ضمن أحداث الحلقات الثمانية الماضية من مسلسل (جوقة عزيزة) بشخصية (عزيزة خوخة)، وهى راقصة استعراضية ومطربة سورية بأداء حرفي مذهل وإتقان استثنائي، لتقدم عزيزة مجموعة من الاستعراضات لجمهورها، وأصبحت بعد ذلك أول مرأة تؤسس مسرحا للفنون باسمها، وتتمتع بشخصية قيادية وخفيفة الظل وذكاء أنثوي فريد جعلها تتمتع بكاريزما لا تقاوم وشهرة ونجاح كبيرة في هذا العصر.
بدأت الأحداث في الحلقة الأولى بالكشف عن رحلة ميلادها وسبب تسميتها بهذا الاسم، ثم تناولت الحلقات فيما بعد تفاصيل حياتها منذ ولادتها وأسباب حصولها على هذا الاسم الغريب، ومراحلها العمرية المتلاحقة وصولا إلى عملها كراقصة وحصولها على لقب (ملكة المسرح)، ثم تطرقت الحلقات إلى قصة الحب التي تعيشها (عزيزة خوخة) مع أحد الرجال بينما تواجه هذه العلاقة رفضا من قبل المحيطين بها، في الوقت الذي تزداد فيه شهرة عزيزة خوخة وتبدأ في الخروج لحفلات خارج الحارة التي تعمل فيها، أما حمدي حميها (طبالها الخاص)، الذي يجسد شخصيته الفنان سلوم حداد ببراعة مطلقة تقدمه ككوميديان مغاير ومن طراز رفيع، فيواجه أزمات داخل منزله بسب ابنته التي تطلب منه أن يهتم بها، أو يعاملها كما يعامل عزيزة، كما أنها ترغب في العمل معه.
ويعد مسلسل (جوقة عزيزة) من الإنتاجات الضخمة، ولهذا تطلب الانطلاق بالتصوير عبر تحضيرات ضخمة على رأسها بناء حارة شامية قديمة كاملة بجميع تفاصيلها بأدق تفاصيلها من (الباب إلى المحراب) لاستخدامها كمواقع تصوير فنية، وتحقيق أعلى درجات الدقة والجمال الدرامي على مستوى الصورة، ويقدم (جوقة عزيزة) قصة حلم مثير من (الزمن الجميل) على هيئة فاتنة عصرها (عزيزة اللذيذة) كما يناديها دوما طبالها (حمدي حاميها)، وقد ساهمت مشاهد الحلقات في إدخال البهجة ربما لأنها لا تشبه امرأة أخرى فهى محاطة بكل أنواع الرجال في المجتمع من الفنانين والناس العاديين في حكاية شعبية تبدأها عزيزة من (المرقص) مع نشأة الفن بشكله الحديث في بلاد الشام، لتواجه كل التحديات والأطماع ليكشف العمل عن مصيرها في نهاية حلقاته.
ويبدو لي من خلال مشاهدتي المتأنية التي تصيبني حتما بمتعة خاصة في نهاية مشاهداتي كل ليلة أن مسلسل (جوقة عزيز) هو أحد المسلسلات التي ستحقق نجاحا كبيرا خلال موسم رمضان 2022، بل إنه سيحظى بنصيب الأسد في أن يلتهم جزء كبير من كعكة الدراما العربية بسبب تداول اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خصوصا أنه يجمع ما بين أجواء البيئة الشامية والغناء، لكنه مليئ بالفتنة والجبروت من جانب مغنية وراقصة تعمل لمناهضة الاحتلال في حقبة الانتداب الفرنسي في سوريا في ظل صراع خفي بين الإنجليز والألمان على بوابة الشرق (سوريا)في هذا الزمن البغيض.
ظني أن المخرج تامر إسحق، هو الوحيد الذي حاول إنقاذ مشاهد مسلسل (جوقة عزيزة)، من تصنع الممثلين، من خلال اللقطات البعيدة، ما يمكنه من تحريك الممثلين، بطريقة يمكن بها إشباع، أو إضافة عوالم النجاح إلى السيناريو والقصة التي تعد المحاولة الثانية للكاتب (خلدون قتلان) في تقديم هذا النوع من الدراما، بعدما أعاد قبل سنوات حكاية تاريخية بقالب فانتازي، في مسلسل (قناديل العشاق)، لكنه لم يلق الصدى المطلوب كـ (جوقة عزيزة) التي تشع طاقة إيجابية لدى السوريين في ظل أزمتهم الحالية، وذلك بفضل أن (جوقة عزيزة) جاءت كدراما شامية غير تقليدية مختلفة في القصة والحبكة، تجمع بين قصص الفن وليالي السهر، بين حب الوطن، وحب العاشقين، حكايا جدلية متنوعة تدور بين الجد والطرافة، ضمن قالب من الإثارة والتشويق.
معروف أن الدراما السورية تفتقد لهذا النوع من المسلسلات، بمعنى آخر، أثرت الدراما السورية في سنوات نجاحها، على العوامل الاجتماعية الواقعية التي طرحتها، واستطاعت القفز إلى المقدمة، ولم تمنح مساحات لدنيا ما يُعرف بـ (العوالم)، أو كما هو الحال في الدراما المصرية، التي اعتبرت شخصية العالمة ركيزة في الأعمال السينمائية والدرامية، منذ البدايات وحتى اليوم، وربما قبل عام، فشل المخرج والكاتب محمد عبد العزيز، في تقديم مسلسل (شارع شيكاغو)، بعدما توسم كثيرون نجاح الفكرة، خصوصا أن أعمال عبد العزيز لاقت أصداء واسعة خلال سنوات، لكن المخرج السوري وقع في الفخ على العكس تماما مما رسمه صناع (جوقة عزيزة) بعناية فائقة، وضاع في ابتداع شخصية (سماهر)، الفنانة والمغنية، وحاول إغفال صورة البيئة الشامية التقليدية إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، ومن جهة أخرى، سقط في فخ الغرابة، وعدم تبني المشاهد لطرحه، لذا مر المسلسل مرورا أقل من عادي رغم أن بطولته كانت للنجمة السورية (سولاف فواخرجي).
هكذا، باختصار، يمكن تغليب أسئلة كثيرة ستطرح على صناع مسلسل (جوقة عزيزة)، وطريقة الدمج التي حاول الكاتب أن يختزلها في دور عالمة تبصر النور على خشبة المسرح، وتحترف دور الفنانة في المستقبل، إلى جانب اتسامها بشخصية المرأة اللعوب التي لا تخسر، أمام مجتمع يحاول النيل منها، نحن أمام كليشيه معتمد في المسلسلات السورية التي يطلق عليها اسم (البيئة الشامية) يتمثل في السعي إلى نيل رضا المحتل الفرنسي، ومن ثم لا يمكن إصدار الحكم النهائي على النجمة (نسرين طافش)، بطلة العمل، لكن الواضح أن أدائها الاحترافي كان رهانا وتحديا صعبا من جانب المخرج والمؤلف على براعة نسرين وحنكتها في مختلف ألوان الدراما العربية وظهورها كممثلة من الوزن الثقيل الذي حتما ستكتب علامة النجاح لـ (جوقة عزيزة) مع نهاية الحلقات.
ولقد لفت نظري أن من ضمن أهم أسباب نجاح (جوقة عزيزة) يكمن في قول المؤلف خلدون قتلان: (إن النص الدرامي للمسلسل من وحي الخيال، لكن ربطه بأماكن حقيقية ومعالم موجودة في دمشق منذ زمن بعيد، يمتد إلى فترة الانتداب الفرنسي، مثل شارع البدوي في منطقة الشاغور البراني حاليا، الذي كان يسمى في العشرينيات بشارع (المرقص)، حيث أنشئت أول مدرسة لتعليم الرقص الشرقي في سوريا)، وأشار (قتلان) إلى أن كتابة المسلسل استغرقت نحو 14 شهراً، وجرى تعديل النص أكثر من 10 مرات، (لأكون راضياً عنه بشكله الحالي)، مضيفا أن النص مبني على بحث تاريخي أنثروبولوجي لتلك الحقبة والبيئة الشعبية الشامية، وينطلق في رؤيته تلك إلى أن مسلسلات (البيئة الشامية)، التي أنتجت في السنوات الأخيرة، (شوهت النسيج الشامي، وقدمت معلومات مغلوطة عن طبيعة المجتمع الدمشقي، وصنفت الرجل على أنه عنيف ومتسلّط، والمرأة خانعة بأسوأ حالاتها، فأغلبية هذه الأعمال صنعت حكاية بعيدا عن ثقافة دمشق وجوهرها ونسيجها الاجتماعي المتنوع).
ولهذا يشبه الكاتب النص بـ (صندوق العجائب)، الذي يحمل في داخله كثيراً من المفاجآت والخطوط الدرامية والتنوع والاستعراضات الموسيقية والكوميديا، إضافة إلى الصراعات السياسية والتاريخية والعسكرية في حقبة شهدت على بداية ملامح صناعة الدولة السورية التي كانت مقسّمة إلى دويلات، وبداية صناعة الدستور، فضلا عن ابتكار الشخصيات، التي قال عنها أنها: (خلقت شخصيات شعبية للغاية تعيش إرهاصات مرحلة تاريخية حساسة، لكني منحتها أسماءً محببة تشبه حالتها، منها البسيطة، والكوميدية، والقاسية المتسلطة، ومنها التي يتمحور المسلسل حولها كشخصية (حمدي حميها) عازف الطبلة، الذي يقوم بدوره الممثل السوري سلوم حداد الذي كتبت الشخصية له خصيصا)، معتبراً أن هذه الشخصيات تلقى رواجا، وتجذب المشاهد، وتبقى في الذاكرة، وهو ما حدث بالفعل من خلال ردود أفعال كبيرة جراء المشاهدة.
وتأكيدا على نجاح (جوقة عزيزة) أيضا فقد أبدت النحمة (نسرين طافش) لـ (شهريار النجوم) إعجابها الشديد بشخصية (عزيزة) التي تؤديها في المسلسل، قائلة: إن (الدور تتمنى أن تلعبه كل ممثلة، نظرا لطبيعة عزيزة الراقصة والمغنية الاستعراضية التي كانت فاتنة عصرها وزمانها وفنانة رائدة، فهي بحسب الحكاية أول امرأة أسست مسرحا كبيرا باسمها، لتجمع فيه كل الفنون ولديها فرقة خاصة بها، كما أنشأت مدرسة لتعليم الفنون)، وأضافت أن: (الدور مركب، وبه طبقات كثيرة بين العناد والقوة وخفة الدم والمرح والحزم والطيبة والعطاء، فهو دور صعب وتطلب جهدا كبيرا، لكني استمتعت به رغم أنه من الأدوار الجديدة كليا على، كما أنها المرة الأولى التي أخوض فيها هذا النوع من الأدوار الغنية والجريئة التي استطاعت أن تتخطى محرمات وتابوهات موجودة في زمن العشرينيات بتحريم الفن، وانتصرت على ذلك عبر استقطاب عدد كبير من الجمهور، وسحرت الناس باستعراضاتها الباهرة).
وبالتأكيد تعد هذه النوعية من الأدوار، والأنماط الدرامية، بمثابة فرصة لا يمكن تفويتها لأي ممثلة، تمكنها من إبراز موهبتها بفضل توافر مساحة كبيرة للعب والخلق الإبداعي، كيف وإن كانت تجيد الغناء والرقص إلى جانب ملكة التمثيل، كما هو حال نسرين، شخصية تلائم مهاراتها، ومن يتابع أحداث العمل يلاحظ مدى الجهد المبذول من قبلها للخروج بأكمل صورة، مشاهد كثيرة أظهرت كم التحولات والصراعات التي تواجه الشخصية بمقدار هائل من الإبهار الفني الذي ننتظره كل ليلة على مدار حلقات المسلسل التي تشهد تحولات دراماتيكية تخوضها في سبيل تحقيق ذاتها، ورسم خطواتها الثابتة في طريق مسيرتها الفنية، ونشأة الفن على يدي (عزيزة خوخة) في ظل الانتداب الفرنسي، فالزمان والمكان صحيحين، وبعض الشخصيات الدرامية حقيقية، أما عزيزة وأفراد جوقتها فهم محض خيال، تم خلقهم لخدمة الحكاية الافتراضية المتخيلة في ذهن الكاتب.
جدير بالذكر أن المسلسل بطولة مجموعة من ألمع نجوم الدراما العربية، أبرزهم: (سلّوم حداد ونسرين طافش وأيمن رضا ومحمد حداقي ونورا رحال ووفاء موصللي ويزن خليل وروبين عيسى ونور صعب وغنوة محمود ويحيى بيازي وعبد الفتاح المزين ورنا العظم ويارا دولاني وسليم صبري وعلي كريم وعاصم حواط وإيمان عبد العزيز وحمادة سليم وإليانا سعد وفيلدا سمور وراما درويش وطارق الشيخ.