بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
بدات تدريبي في إدارة المنوعات وبرنامج (إلى ربات البيوت)، وكنا نسجل برامجنا في دار الإذاعة الرئيسية في شارع الشريفين، لكن هذا المبني لم يكن يتسع لكل مكاتب المذيعين فاستأجرت الاذاعة مبني هو عبارة عن عمارة تقع في شارع صغير يفصل بين الإذاعتين القديمتين فى شارع علوي وشارع الشريفين، في هذه العمارة كانت تقع مكاتب (صفية المهندس وعواطف البدري والمأمون أبو شوشة وعلي فايق زغلول وفهمي عمر وفاروق خورشيد) والتمثيليات والرياضة وغيرهم، وفيها أيضا نادي الإذاعة الاجتماعي .
وأنا كان لابد لي أن اكون في نفس العمارة قريبة من أستاذتي صفية المهندس، فكنا كل يوم نحمل أدواتنا الأجندات والاسطوانات والمواد الخاصة ببرنامج (إلى ربات البيوت) اليومي ونفطع الشارع الموصل إلى مبني الإذاعة في الشريفين ونصعد إلى ستوديو 4 في الدور الثالث لنسجل الحلقة التي ستذاع في اليوم التالي صباحا الساعة 9 وربع، ونغادر الإذاعة بعد التسجيل ونعود إلى مكاتبنا في العمارة المجاورة.
وفي أحد الأيام وأنا أنتظر المصعد ليقلني إلى مكتبي في تلك العمارة وكان هناك صف طويل يصطف لكي يصعد كل منهم إلى مكتبه عندما يصل المصعد وفجاة رأيته يقف في الطابور وينتظر دوره لكي يستقل المصعد، كان هو الاستاذ أحمد رامي شاعر الشباب، وكان يحمل أوراقا كثيرة ودوسيهات وأجندات وفجاة سقطت من يده تلك الأوراق وتناثرت على الأرض فسارعت أنا بمد يد المساعدة وجمعت الأوراق وسلمتها إليه فشكرني ودار بيننا حديث تعارف سريع وعدت بعده الأستاذ أحمد رامي بزيارته في مكتبه بالدور الثاني في نفس العمارة وتذكرت ساعتها أن الأستاذ أحمد رامي هو رئيس لجنة نصوص الأغاني بالاذاعة، ولذلك فقد خصصت له الإذاعة مكتبا من مكاتب الموظفين.
وقد أوفيت وعدي وبدأت أزور الأستاذ رامي في مكتبه بعد أن أنتهى من تدريبي وتسجيلاتي، وقد عرفت منه طبيعة عمل رئيس لجنة نصوص الإذاعة وهى قراءة كل نصوص الأغاني التي تصل من المؤلفين والشعراء والمواطنين أيضا التي ترسل للإذاعة لكي تتولي توزيعها على الملحنين والمطربين كمختارات للإذاعة من الأغاني، فكانت تصل إليه مئات النصوص التي لا يصلح منها إلا عدد محدود فقط يصلح كنص غنائي، الغريب أنني فيما بعد شاركت في هذه اللجنة بل وأصبح عملي في برنامج (مع الأدباء الشبان) مشابه لهذا الجهد ، وظلت صداقتي مع هذا الشاعر الكبير حتي بعد أن ترك هذه اللجنة وتقاعد فكنت أزوره في منزله لعمل تسجيلات إذاعية معه رحمه الله.
وهكذا كانت الإذاعة مكانا متاحا للتعرف على المشاهير، لكنني التقيت بالملحن العظيم زكريا أحمد قبل أن تكون لي أية علاقة بالإذاعة عندما كنت طالبة لم أزل حيث كنت أسكن في منزل بمنطقة الدقي وأنا طالبة لقربه من جامعة القاهرة، وفي أحد الأيام عندما عدت من الجامعة وجدت العمارة التي أسكن في إحدي شققها تتزين ويقوم العمال بالنظافة وإعداد المكان لاستقبال الضيوف، ولما سالت الحارس عن هذا النشاط أخبرني بأن إحدى الشقق لديها احتفالية كبيرة مساء اليوم وسوف تقيم زارا، دهشت لأنني كنت أظن أن الزار فقط يقام في الأماكن الشعبية وليس في هذا المكان الراقي.
كانت الشقة التي يقام فيها الزار تعلو شقتي مباشرة وما أن دقت الساعة الخامسة حتي وجدتني استمع إلى دقات الدفوف والطبلة والموسيقي بشكل عام ولها طابع سريع ومميز فأخذنى الفضول وتسللت إلى تلك الشقة المفتوح بابها علي مصراعيه، والذي تنبعث منه أصوات الطبلة والدفوف ولأيضا رائحة نفاذه من البخور ودخان البخور يملا المكان، وعلى دقات الدفوف تتمايل السيدات يمينا ويسارا بملابسهن البيضاء وشعورهن المسترسلة والتي تتطاير مع رقصاتهن يمينا وشمالا، وتزداد دقات الطبول والدفوف فتزداد حركات السيدات وتمايلهن سريعا سريعا إلى أن ظننت أن إحداهن سوف تسقط صريعة علي الأرض.
من بين ضباب البخور والزحام نظرت إلى الموجودين على الأرض يدقون الطبول والدفوف فوجدته بينهم هو بلحمه ودمه وصورته التى أعرفها من التلفزيون والصحافة كان هو الملحن العظيم زكريا أحمد يجلس بين الجميع علي الأرض ويدق على الدفوف مع الجميع، فرحت كطالبة صغيرة أن أجد في مواجهتي هذا الملحن العظيم، فدخلت إلى الشقة الأرستقراطية الأنيقة وجلست بجواره، وحاولت أن أتحاور معه لكن كان الجو والمكان وصوت ااموسيقي المرتفع لا يتيح الفرصة لأي كلام أوحوار.
وفي النهاية أكتب لكم عن الشاعر العظيم (محمود بيرم التونسي)، فقد شاهدته في مشهد واحد مرة واحدة في حياتي عندما كنت أقطع المسافة بين شارعي علوي والشريفين، وكان يقف أمام عربة لبيع اليوسفي ويحاول اختيار الثمرات الطازجة، فذهبت إليه أيضا وسلمت عليه وعرفته بنفسي وطلبت منه موعدا لتسجيل برنامج إذاعي، فوافق فورا وحدد لي موعدا ولكن للأسف لم يتم التسجيل لعدة أسباب ومنها رحيله بعد ذلك إلى رحمة الله.