ماجدة زكي .. فنانة قادرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس
كتب : محمد حبوشة
الممثلة الناجحة هى التي تتقن دورها، وتؤدي الشخصية المطلوبة منها بإقناع كبير، بغض النظر عن هذا الدور أو غايته، لكن ما يؤكده الجميع، أن أصعب الأدوار التمثيلية هى الأدوار الكوميدية القادرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس، ورسم البسمة على شفاههم، والضحكة على أفواههم، وبالتالي إسعادهم خلال الفترة التي يمضونها في مشاهدة الممثلين الكوميديين، فوق خشبة المسرح أو في شريط سينمائي أو تلفزيوني، ذلك لأن مهمة (الكوميديان) أصعب بكثير، من مهمة (التراجيديان) بدليل وفرة الممثلين القادرين على لعب الأدوار المختلفة، وندرة الممثلين الهزليين أو الكوميديين، وفي مختلف الأحقاب والأزمنة.
لكن ضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع (ماجدة زكي) أثبتت عكس تلك القاعدة عندما تحولت في أدائها من اللون الكوميدي إلى التراجيدي بنفس القوة والكفاءة التمثيلية، فكما امتلكت أدوات الإضحاك، وامتلكت أيضا أدوات انتزاع الدموع من مقلة العين، ومن ثم تحولت إلى (تراجيكوميدي) بامتياز شديد بحيث لا تختلف الشخصية المضحكة (الكوميدية) عندها عن الشخصيات الدرامية الأخرى، من حيث أبعادها وصفاتها إلا بشكل نسبي إذ أن لها بعدا عضويا وجسمانيا معينا وقد يكون فيه تشويه يثير الضحك (جروتسك) ولها بعدا اجتماعيا ينتمي إلى طبقة اجتماعية، كما اتضح ذلك من أدائها في مؤخرا في مسلسلي (قوت القلوب وهجمة مرتدة) اللذين صنعا حالة من الحزن المطعم بالألم على جناح التراجيديا الإنسانية التي عبر عنها ببراعة في (احتواء أولادها) والنجاة بهم، ما كتب له نجاحا منقطع النظير رغم أن الأول تجاوزت الستين حلقة في جزئين.
معروف أنه ليس بالضرورة أن يكون الممثل الدرامي يجيد فن الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، يكفي أن يكون بارعا في أحدهما، أما لو كان بارعا في الاثنتين مثل (ماجدة زكي) فإنه يصبح ممثلا استثنائيا، وهذا قليل جدا حتى على مستوى العالم، وأن يحدث لدى الممثل تحول كأن يشتهر كوميديان ثم يتحول بعد سنوات إلى ممثل تراجيدي أو العكس، فهذا أمر محفوف بالمخاطر، ولا يغامر بذلك إلا ممثل يثق بنفسه ولديه الموهبة الكافية، لأن الكثير فشلوا في أول قرارهم بالتحول، لكن الأمر اختلف تماما مع (زكي) في تحولها الناعم إلى منطقة الجدية كتجسيده لشخصية الأم مسلسل (هجمة مرتدة)، والتي اتسمت بالحزم والطابع الإنساني الغالب على تصرفاتها مع أسرتها، وذلك رغم أنه خلال مسيرتها الفنية قدمت أدورا بأكثر من شخصية مختلفة في في إطار كوميدي، مغلف بخلفية إنسانية وجعل لها إطار حقيقي.
من خلال متابعتي لمسيرة (ماجدة زكي) لاحظت أن الكوميديا ترتكز عندها على مبدأ أنه فنا يعتمد على التعمق بالنفس البشرية حسب مفهوم (هنري برجسون): إن أهم ما يجب أن يلفت نظرنا في عنصر إثارة الضحك هو أن هذا العنصر يجب أن يكون إنسانيا، أي إنه لا يضحكنا سوى الإنسان، فنحن قد نرى منظرا طبيعيا جميلا فاتنا خلابا أو منظرا قبيحا تافها، ولكننا لا نرى منظرا مضحكا .. حقا .. قد يضحك بعضنا على حيوان أو جماد ، ولكن سبب الضحك هنا هو ما نلمسه في هذا أو ذاك من لمسة إنسانية تعبر عن موقف أو تعبير بشري ) تماما كما جاءت به (ماجدة) في عدة أدوار سينمائية وتليفزيونية اختلفت فيه شكلا وموضوعا عن شخصية (المهرج) التي ارتبطت بالمسرح، و تميزت باللياقة الجسدية، وخفة الحركة، والقدرة على الاستعراض والبهلوانية، إلا أنها تملك قدرة عجيبة على تفجير الضحك من قلب المواقف البسيطة بستوله ويسر ولا يتعمد فيها على جسمها الضخم، فقط تعتمد على تعبير عينين يحملان براءة مذهلة، وهما أيضا أدواتها الفاعلة في تفجير البكاء من قلب المأساة الإنسانية، كما في (عرضها الأخير في (يوم الشهيد) الذي أبكت فيه حضور الاحتفالية.
وماجدة زكي هى أحد أهم ركائز لعبة الكوميديا المخلوطة بحس كوميدي، فمبجرد ظهورها على الشاشة تكون المعادلة الفنية متكاملة، وذلك رغم أنه بدأت عن طريق المسرح ثم انتقلت بين الأدوار الصغيرة كأي فنان مبتدأ، ولابد لي أن ألفت النظر إلى أن (ماجد) كونت مع نور الشريف تيمة عمل كوميدية حققت لهما شعبية كبيرة من خلال أدوارها في عدة أعمال تليفزيونية جمعتهما واستطاعت أن تكون شخصيتها الفنية الجبارة، التي تجعلها بمجرد ظهوره على الشاشة لم ينتظر منه الجمهور فقط (أفيه) للضحك، بل ينتظر تمثيل وبراعة وإدراك للدور يتحول إلى انسجام من المشاهدين، ومع ذلك قدمت عدد من الأدوار التي ابتعدت تماما عن الكوميديا التي بدأت بها، والذي يشهد له الجميع بذكائها في اختيار تلك الأدوار ويشيد بموهبته في تجسيدها، فرأيناها في (عائلة الحاج متولي) بمشاهد تجعلك تكرهها وتتعاطف معها في نفس الوقت، لكن لأنها اتقنت تجسيده لدور الزوجة التي تحتوي زوجاته الأخريات ببراعة ومهارة فائقة.
ويبدو لي أن (ماجدة) في كل أدوارها المختلفة يتوافر فيها الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث تستطيع أن تعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون لها المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية و منطقية الإحساس و القدرة على التحليل النفسي للشخصية التي تلعبها ونظرا لأن السمات الجسدية للممثل تعد عاملا داعما لموهبته وانتشاره، وشاهدنا نماذجا استثمرت قصر قامتها في بناء شعبيتها وأبرزها محمد هنيدي وقبله إسماعيل يس وعبدالفتاح القصري، وأخرى تميزت بالقوة فاشتهرت في أدوار الحركة منها أحمد السقا وأمير كرارة، بينما جرت العادة أن يظهر الممثل البدين في أدوار كوميدية، وأيضا عادة ما يكون جزءًا من المواقف الكوميدية لهذا الفنان متصلة بوزنه، وهو ما تكرر بالنسبة لكثير من فنانى الكوميديا على مدار التاريخ السينمائى، ممن صنعوا شهرتهم عبر بوابة سماتهم الجسمانية البدنية، ومؤخرا فطن عدد غير قليل من نجوم الوزن الزائد وعلى رأسهم (ماجدة زكي) إلى نفور الجمهور من تلك النمطية، وأن الإيفيهات باتت مكررة وغير مضحكة.
قررت (ماجدة زكي) التصالح أكثر مع جسدها واعتباره كأن لم يكن، مستغلة أدواتها في تقديم شخصيات أكثر تأثيراً فى الجمهور، فحصل على صك التميز بعد نجاح أعماله، وشجع ذويه على الخروج من إطار شخصية البدين المضحك، والاعتماد على كوميديا المواقف الدرامية دون أن يكون الجسد عاملا فيها، لقد أصبحت (زكي) على قناعة تامة بأن استخدام جسد الفنان كمادة للسخرية يعد أمرا غير إنساني، ويشكل إيذاء نفسيا، ليس فقط للممثل بل أيضا للمشاهد الذي تنطبق عليه الصفات نفسها، وهذا ليس دور الأعمال الفنية بالطبع وما تحويه من رسالة للجمهور، فالمشاهد الآن يميل إلى كوميديا المواقف الدرامية أكثر من تلك المعتمدة على الجسد بشكل مبالغ فيه، أوالمبالغات في الألفاظ والحركات، واشتهر عدد من الكوميديانات بأدوار البدانة، حتى إن أعمالا خاصة كانت تكتب لهم تبنى فيها المواقف الكوميدية والإفيهات استنادا على وزنهم، أبرز هؤلاء علاء ولي الدين الذي ربما لو عاش أيامنا لما استمر في تقديم نفس النوعية.
ولدت ماجدة حسن زكي في القاهرة ونشأت فيها؛ وبعد حصولها على الثانوية العامة، التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، ونالت درجة البكالوريوس من المعهد، وظهرت ماجدة زكي في بداياتها بالعديد من الأدوار التلفزيونية والمسرحية، ومنها مسرحية (ستات ما يعرفوش يكدبوا)، ومسرحية (النسانيس) ومسرحية (طب ليه)، كما ظهرت في مسلسلات تلفزيونية كمسلسل (زهور تتفتح، وعيون الآخرين) وأعمال تلفزيونية أخرى، وبدأ مشوارها الفني الحقيقي عام 1978، عندما شاركت البطولة بدور منى مع الفنان الكبير عادل إمام ورجاء الجداوي وعمر الحريري، في مسلسل نال شهرة واسعة تلك الفترة (أحلام الفتى الطائر)، للمخرج محمد فاضل.
في عام 1979، ظهرت أيضا بدور سعاد في مسلسل (كيمو) من بطولة محمد صبحي وشيرين، وإخراج نور الدمرداش، كما ظهرت في المسلسل الخليجي (الذليل) بدور سعدية، وتوالى ظهور ماجدة زكي وعلى مدى السنوات التالية،
ففي عام 1980، شاركت في مسرحية (عروسة تجنن) ومسلسل (مبروك جالك ولد) بدور سميحة، وفي العام التالي كان لها حضور في فيلم (أمهات في المنفى)، والجزء الأول من مسلسل (أبواب المدينة) بدور هنومة، وفي عام 1982، شاركت بدور سيدة في مسلسل (وقال البحر)، وأدت دور في مسلسل (وتاه الطريق)، وفي عام 1983، ظهرت في فيلم (دعوة للزواج)، وفي العام التالي، شاركت في المسلسل الشهير (البركان)، للمخرج نور الدمرداش ومن بطولة النجم الراحل عبدالله غيث، والفنانة فردوس عبد الحميد، وكما أدت دور نوال في مسلسل (أخو البنات)
في عام 1985، ظهرت بدور توحيدة في مسلسل (صح النوم)، وكان لها حضور في مسرحية (مولد وصاحبه غايب) بدور إلهام، وبدور نعيمة في فيلم (النساء)، وفي عام 1986، ظهرت بدور ناهد في فيلم (مدام شلاطة)، كما ظهرت في مسلسل (رحلة السيد أبو العلاء البشري) بدور مديحة البشري، ومسلسل المنعطف، ومسلسل (أولاد آدم)، وفي عام 1987، ظهرت بدور منى أخت مدحت في فيلم (الملائكة لا تسكن الأرض)، ومسلسل (رحمة)، وفي عام 1988، ظهرت في مسلسل (ثمن الخوف) وفيلم (الشباب في الجحيم) بدور آمال، وفي العالم التالي، ظهرت في مسلسل (الرجاء التزم الهدوء) بدور عزة، ومسلسل (أنا وأنت وبابا في المشمش) بدور نبيلة.
في عام 1990، كان أشهر أعمالها في الدراما المصرية فهو المسلسل الشهير (ليالي الحلمية) حيث ظهرت بدور إصلاح في الجزء الثالث منه، كما ظهرت بمسلسل (الأستاذ شلش) بدور ناديا شلش، وفي عام 1991، ظهرت في مسلسل (البريمو)، والعام التالي، كان لها مشاركة بعدد من الأعمال بين السينما والتلفزيون، ومن أشهر هذه الأعمال هو مسلسل (ليالي الحلمية ج4) أيضا بدور إصلاح، أما في السينما فقد ظهرت بدور زينات في فيلم (السجينة 67)، كما ظهرت في فيلم (الإرهاب والكباب) إلى جانب الفنان القدير عادل إمام.
في عام 1993، ظهرت (ماجدة زكي) بدور صفية في فيلم (131 أشغال)، ودور ماجدة زوجة هاني في فيلم (الإرهابي)، أما في العام التالي، كان لها حضور في مسرحية (حزمني يا) بدور بهيجة، والعديد من المسلسلات منها مسلسل (كبري الأحلام)، وفي عام 1995، كان لها حضور في الجزء الخامس من (ليالي الحلمية)، ومسلسل (مشوار)، وفي عام 1996، ظهرت بدور تهاني في مسلسل يحمل عنوان (من الذي لا يحب فاطمة)، كما أدت دور عائشة في فيلم (إشارة مرور)، وفي عام 1998، ظهرت في مسلسل (سقوط الأقنعة)، إضافة لعدة مسلسلات أخرى منها الجزء الأول (السيرة العاشورية الحرافيش)، وفيلم (مبروك وبلبل) بدور روحية، وفي عام 1999، قدمت صوتها بالمسلسل الإذاعي (دي نهاية العالم يا زغلول)، وظهرت في مسلسل (عفوًا حبيبتي بدور ليلى، وغيرها من الأعمال الأخرى.
مع بداية الألفية الثانية، تألقت ماجدة زكي في العديد من الأعمال، منها (امرأة تحت المراقبة) بدور فاطمة، وفيلم (الشرف) بدور أمينة أخت مسعد، ومسلسل (أبناء تحت الشمس)، أما في عام 2001، فقد ظهرت في مسلسلين الأول (ضبط وإحضار) بدور أكيدة، والمسلسل الشهير (عائلة الحاج متولي) بدور أمينة، وفي عام 2002، شاركت بعمل واحد فقط بدور الحاجة هنية في مسلسل (العطار والسبع بنات) وفي عام 2004، كان لها حضور في عملين، مسلسل (عباس الأبيض في اليوم الأسود) بدور مهجة زوجة لطفي الجنايني، ومسلسل (القاهر منفلوط والعكس).
في عام 2006، ظهرت زكي بدور وجيدة في مسلسل (حارة العوانس)، وفي عام 2007، أدت دور زينب هانم الشلقاني في مسلسل (أحلامك أوامر)، وفي عام 2009، ظهرت بدور المحامية سامية محمود في المسلسل الكوميدي (حقي في رقبتي)، مع الفنان الكبير حسن حسني للمخرجة أمل أسعد، وقدمت دور كريمة في مسلسل (كريمة كريمة)، وفي عام 2014، ظهرت في المسلسل الكوميدي (كيد الحموات) إلى جانب هالة صدقي وسوسن بدر، للمخرج أحمد صقر وسهام عبد الرازق، كما قدمت صوتها عام 2016، في المسلسل الإذاعي (السوشيال راضية) بدور راضية، وفي العام التالي، ظهرت في المسلسل الدرامي (اللهم إني صائم) بدور زوزو.
في عام 2020، أدت دور في المسلسل الدرامي المصري (قوت القلوب)، إلى جانب محمد أنور وإسلام جمال، للمخرج مجدي أبو عميرة، كما قدمت دور الأم في عام 2021 في مشلسل (هجمة مرتدة) وقدمت الجزء الثاني من مسلسل (قوت القلوب) وفي عام 2022 قبل أيام قدمت دورها في عرض مسرحي في (يوم الشهيد) استطاعت من خلاله أن تستحوذ على مشاعر الحضور وتبكي الرئيس السيسي.
وجدير بالذكر أن (ماجدة زكي) تزوجت من الفنان كمال أبو رية في عام 1988، ورزقا بثلاثة أولاد هم أحمد وكمال وحبيبة، إلا أنهما انفصلا في عام 2014، وفي عام 1998، نالت زكي جائزة الممثلة الثانية في مهرجان الإسكندرية السينمائي، وهي شقيقة نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي، وشاركها ابنها (أحمد كمال أبو رية) في مسلسل (قوت القلوب).
وفي النهاية أستطيع أن أجزم بأن (ماجدة زكي) تعتبر من أهم فناني جيلها، لما تميز به من صدق في أداء الشخصيات التي تقدمها وخروجه من المنطقة التي بدأت منها كممثلة كوميدي لتثبت بأنها بارع في تقديم أنواع مختلفة من الأداء التمثيلي، لذا تعتبر ماجدة زكي ممثلة مصرية من نجوم الفن العربي عامة والمصري خاصةً، فهي ذات شخصية مميزة، وأداء رائع بتقمصها للشخصيات التي تلعبها، كما تعتبر ماجدة زكي من الفنانات العربيات اللاتي يؤدين الدور بكل عفوية وصدق، كما أن أدوارها تنوعت بين الكوميديا والدراما، بالرغم من أن أعمالها السينمائية قليلة نسبيا مقارنة بالدراما التلفزيونية.. فتحية تقدير واحترام لها على فنها الرفيع.