كتب : أحمد السماحي
رحلت مساء السبت الماضي 26 فبراير الفنانة (جالا فهمي) بعد تعرضها لأزمة قلبية مفاجئة، ودفنت أمس الأحد في مقابر العائلة في الإمام الشافعي وذلك بعد انتهاء صلاة الجنازة عليها في مسجد مصطفى محمود بالمهندسين، وحضر الجنازة كل من وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم، والموسيقار عمر خيرت طليقها السابق ووالد ابنها عمر، والنجوم والنجمات (ميرفت أمين، دنيا سمير غانم، نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي، والمطرب مدحت صالح).
لقد أسعدني الحظ في بداية عام 2000 من الاقتراب من هذه الفنانة الجميلة، من خلال إجراء أكثر من حوار معها لأكثر من مكان عملت فيه، وكان موعدي معها دائما في شقتها في عمارة (دار الهنا) في حي الزمالك، ولفت انتباهي أنها لم تستغل كونها ابنة واحد من أهم المخرجين السينمائيين المصريين وهو (أشرف فهمي) بل اعتمدت اعتمادا كليا على صدق موهبتها، واقتناعها الشخصي بقدراتها الابداعية، وإيمانها بالمقولة الشهيرة (أكون أو لا أكون)! .
دار الهنا
في البداية وأقبل أن أجري أول حوار معها كدت أبتعد عنها لاعتقادي أنها شخصية عابثة لا تريد عمل حوارات صحافية، لأننا كثيرا ما حددنا هاتفيا موعد للحوار لكنها في كل مرة كانت تنشغل بعمل جديد، وفي كل مرة يأتي صوتها الضاحك عبر الهاتف قائلة: (يظهر وشك حلو علي يا حمادة)، ولم أغضب منها ولم أقطع الاتصال بسبب خفة روحها وضحكتها الحلوة المليئة بالبهجة، إلى أن دق جرس الهاتف الخاص بي وقالت لي: (أنا جاهزة للحوار) وسألتها هنتقابل فين، قالت: (في دار الهنا)!، أعتقدت أنه (كافيه) فسألتها عن عنوان هذا الكافيه فقالت ضاحكة ضحكة عالية: ده مش كافيه ده اسم العمارة التى أسكن فيها في الزمالك، شفت الهنا اللي أنا فيه! وضحكنا، وبدأت بيننا علاقة صداقة قصيرة لم تستمر سوى سنوات قليلة جدا حيث ابتعدت بعدها عن الفن رغم عشقها له!، وهذا ما أثار استغرابي عندما علمت أنها ابتعدت وإن لم تصرح إطلاقا إنها اعتزلت.
النظارة السوداء
سر استغرابي واندهاشي إنها حكت لي عن مشاريع فنية كلها لم تخرج للنور، أول هذه المشاريع فيلم (النظارة السوداء) حيث كانت متحمسة جدا لإعادة هذا الفيلم مرة أخرى برؤية جديدة مع المخرج الجديد وقتها (سعد هنداوي)، وسألتها يومها لماذا (النظارة السوداء) وهو فيلم ناجح جدا وملء السمع والبصر؟! فقالت: نحن لا نعيد تقديم الفيلم، ولكن نعيد تقديم رواية (إحسان عبدالقدوس) التى لم يتناولها الفيلم من زواياها كافة، بدليل أن الرواية مملوءة بأحداث لم يسلط الفيلم أي ضوء عليها، وربما لأنها كانت تتعلق ببعض المحظورات الرقابية وقتها، فمثلا البطلة في الرواية مسيحية واسمها (سوزييت) وليس (ماجي).!
وهناك مشهد شديد الأهمية الدرامية تدور كل أحداثه داخل الكنيسة بينها وبين الشاب الذي تربطها به علاقة، وهو المشهد الذي يعبر عن فلسفة ومضمون الرواية التى تدور حول العلاقة بين الروح والجسد، كما أن الرواية سلطت الضوء على تاريخ حياة هذه الفتاة ونشأتها وطفولتها كي نفهم لماذا تتصرف بتلك الطريقة، وكل هذه التفاصيل لم يركز عليها الفيلم، أنا أعتقد أن (النظارة السوداء) اكتسبت أهميتها وقيمتها من بطلتها الفنانة الكبيرة (نادية لطفي) التى طغت بأدائها ونجوميتها وجمالها على أحداث الرواية الأصلية، فرأينا نظارة (نادية لطفي) ولم نشاهد نظارة (إحسان عبدالقدوس).
وسألتها عن سر تحمسها للمخرج الجديد وقتها (سعد هنداوي) الذي كان سيخوض تجربة الإخراج الروائي الطويل أول مرة قالت: شاهدت له فيلمه القصير (يوم الأحد العادي) فاكتشفت أنه مخرج متميز يملك شخصية، وأن في أسلوبه عمقا وشجنا ودفئا، فقررت أن أغامر معه.
الفراشات يحترقن دائما
المشروع الثاني الذي بدأت به بالفعل هو مسلسل (الفراشات يحترقن دائما) إنتاج زوجها في هذا الوقت (عمرو حجازي)، وإخراج المبدع (علي بدرخان)، والذي كانت تدور أحداثه حول قصة حياة الفنانة (كاميليا)، ويبدو أن لعنة (كاميليا) أصابتها فلم تمثل بعد تصويرها لبعض المشاهد في هذا المسلسل، أي أعمال فنية أخرى.
المحاربون
المشروع الثالث كان أيضا مسلسل بعنوان (المحاربون) تأليف وإخراج الدكتور عصام الشماع، حيث كانت ستجسد شخصية طبيبة تحاول تحقيق حلم والدها الطبيب في تحويل أحد المنازل المملوكة له إلى مستشفى يهتم بعلاج الفقراء.
السيناريو الذي أطرده
عن السيناريو الذي يخطفها وتمثله على الفور عندما يعرض عليها قالت : لا أحب السيناريو الذي لا يملك خطا دراميا، الذي لا أنفعل معه، وأنا أقرأه، والذي أشعر أمام سطوره بالملل، الذي لا يأخذني من واقعي، إلى خيال خصب وجميل، ولقد تعلمت عند قراءتي لأي سيناريو يعرض علي أن أضع نفسي مكان المشاهد، فإذا انجذبت انتهى الأمر، أما إذا بذلت جهدا في التواصل مع السيناريو أطرده من أمامي فورا.
إسماعيلية رايح جاي
عندما سألتها عن سر نجاح الفيلم الظاهرة وقتها (إسماعيلية رايح جاي) قالت : من الناحية التكنيكية ردئ جدا!، ولكنه نجح لأنه فيه روح أفلام الخمسينات التى عاشت ومازالت في وجداننا، هذا الفيلم ذكر الناس بأفلام عبدالحليم حافظ وعبدالسلام النابلسي في البساطة والغناء والهدوء والرقة، الفيلم نجح في العزف على الماضي وبحيث لم نر فيه مشهدا خارجا ولم نسمع فيه لفظا نابيا وكأن أبطاله ببساطتهم يعيشون معنا في بيوتنا.
اختلال جهازي العصبي
في حوار آخر عن الحب وكان عبارة عن سلسلة من الحوارات في مجلة (الأهرام العربي) بعنوان (النجوم والحب) سألتها ماذا أصابك من التمثيل؟!، قالت : اختلال في جهازي العصبي بحيث صرت عصبية جدا، لأن الدخول إلى حالة نفسية ومزاجية ثم الخروج منها لحالة أخرى يربك الجهاز العصبي ويدمره، أنا مثلا لم أكن أستخدم المهدئات، فصرت مدمنة عليها، لم أكن أتعاطى الحبوب المنومة لكنني اليوم لم أعد أنام إلا بتناولها، خصوصا أن الأرق يطاردني لقد تبدلت ملامح جهازي العصبي خلال العشر سنوات الماضية ولم تعد لي قدرة على التحمل.
أعمال فنية متنوعة
جدير بالذكر أن الفنانة (جالا فهمي) قدمت العديد من التجارب الفنية في كل مجالات الفن، حيث بدأت مشوارها عام 1988 في التليفزيون المصري ببرنامج (الحل هو الحبل)، ثم قدمت دورا قصيرا في فيلم (يوم حلو ويوم مر) مع فاتن حمامه، وتوالت أفلامها منها (إعدام قاضي، كيد العوالم، الحب في طابا، بنات في ورطة، قبضة الهلالي، الجينز، سمكة وأربعة قروش، بيتزا بيتزا، كلام الليل، طأطأ وريكا وكاظم بك) وغيرها.
وفي المسرح قدمت ثلاثة تجارب مهمة هى (نقول ايه) إخراج فهمي الخولي، (كرنب زبادي) إخراج عصام السيد، (ولعها أشعلها) مع المخرج والفنان الكويتي عبدالعزيز المنصور.
أما في مجال الدراما فقدمت أربع تجارب مهمة للغاية في أعمال كبيرة وهى (الوسية، ليالي الحلمية الجزء الثالث، زمن الحلم الضائع).
الحياة الخاصة
تزوجت الفنانة الراحلة (جالا فهمي) أربع مرات من رجل الأعمال كريم زغيب، والموسيقار عمر خيرت، والمخرج شريف شعبان، والمنتج عمرو حجازي، ولديها ابن واحد اسمه عمر تم زواجه منذ سنوات.