إبراهيم الحربي .. دنجوان الشاشة الخليجية الذي يرفض العنف
بقلم : محمد حبوشة
في كتابه (حياتي في الفن)، قارن (ستانسلافسكي) ما اكتشفه من أسس في اختيار الفنان المبدع، بعد نفض الغبار عن موهبته وفسح الطريق أمامها مستفيدا بذلك من تجربته الراسخة لسنوات طويلة ممثلا ومخرجا ومربيا، فقدم نفسه في الكتاب من خلال نظريته – المنهج – (النظام) باعتباره المحصلة الكاملة لموروثة الثقافي الذي اكتسبه من طول تجربته في المسرح إلى جيل المستقبل العاملين في المسرح، فكانت بحق خلاصة جهد تميزت بصدقها ودقة تعاملها مع التجربة المهمة لحياته الإبداعية، تماما كما فعل النجم الكويتي (سعودي الجنسية) إبراهيم الحربي، ومن خلال التحليل وإعادة البناء والتركيب ومن معرفة الأشياء الساندة لدوره واستيعابها ومن المعايشة اليومية لحركة الناس والمجتمع تمكن هذا الممثل من نقل أفكاره الحية إلى الخشبة يساعده في ذلك فهمه المبدع لمحتويات (النظام).
إن العملية الإبداعية في هذا النظام لدى إبراهيم الحربي تعتمد على ضبط النفس في الوصول إلى قوانين التكامل الفني للعرض المسرحي، والتي يعتبرها (ستانسلافسكي) مادة الخلق والإبداع في نظامه، لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، ولقد أدرك (الحربي) كممثل بدأ حياته بالمسرح أنه من الخطأ اعتبار العمل على طريقة ستانسلافسكي – طريقة شكلانية – عاجز عن خلق الجديد الذي يدحض الشكل المحتفي الحرفي للطبيعة، إنما الصحيح هو (أن الطبيعة تؤطرالحياة على المسرح بالشكل الفني)، وعليه فإن عمل الممثل يكون عملا حيا نموذجيا بوسائله الإبداعية في فن (الخشبة الحية)، لأنه يجسد بعمق محتويات الفكرة، و(هكذا هى دعوتي) كما يقول (ستانسلافسكي)، فهذا القول المشهور لم يأت اعتباطا وإنما جاء بعد ثمرة جهده في البحث عن (طريقة عمل جديدة للممثل)، لكي يعطي (شكلا جديدا الدور)، يكتشف من خلاله أهمية تجاربه الحياتية التي تضفي، من روحه إلى روح الشخصية (الدور)، من دون أي افتعال أو مؤثرات خارجية مقحمة، وإنما بشكل تلقائي جذاب يستطيع التحكم به وبالشخصية على المسرح .
يسير (إبراهيم الحربي) على منهج (ستانسلافسكي) التمثيلي الذي يحدد مسبقا هدف البحث في المضامين وأفعالها من خلال التمرين مع الممثل قبل صعوده على الخشبة، وكيف عليه أن يكون مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه دوره بكامل شكلا ومضمونا و بمنطق لا يقبل الشك، يحتم عليه أن يعيش الواقع على المسرح لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الخشبة حضورا حيا، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة على المسرح .
وتلك القوانين الطبيعية هى التي تجعل من الصعوبة عادة، وعادة سهلة تمتزج مع شروط التمثيل في المزاج، الضبط، العدالة ، الابتعاد عن الميكانيكية، وهنا يكمن الإبداع لدى (الحربي) – بحسب مفهوم ستانسلافسكي – الذي يشير فيه إلى (أن تكون طبيعيا) ذا موهبة للوصول إلى شخصية الممثل الناجح الذي يمتلك الشروط التي حددها (ستانسلافسكي)، والتي يعتبرها مهمة جدا في فن التمثيل .
ولد إبراهيم الحربي في منطقة الشامية بالكويت، ودرس الابتدائية في مدرسة المأمون في الكويت، ثم توقف فترة عن التعليم حيث انتقل إلى المملكة العربية السعودية، وبعد ذلك عاد مع أسرته إلى الكويت، حيث استقر في منطقة (الفراونية) وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدرسة (عمار بن ياسر)، وبعد تخرجه من الثانوية التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وذلك عام 1971، ودرس (الحربي) في البداية الموسيقى قبل أن يبدأ بالتمثيل، وكان متميزا في دراسته الجامعية حيث في خلال الدراسة شارك في عدد من الأعمال والأدوار البسيطة التي ساعدته إلى أن وصل إلى أدوار البطولة وشارك بعد ذلك في العديد من الأعمال المهمة .
بداية إبراهيم الحربي لم تكون في مجال التمثيل إطلاقا، ولكنه كان يدرس الموسيقى ويعد عمله بمجال التمثيل كان مصادفة عند التقاءه بالأستاذ (حسين صالح) الذي دفعه إلى التمثيل ورشح إلى أول أعماله وهو (الدرب الزلق)، كما أنه أطلق عليه محبيه ومعجبيه لقب (الدونجوان للشاشات الخليجية)، وهذا لأنه يمتلك شخصية وسمات (الدونجوان) كاريزما وتميز خاص به، وبدأ الفنان والمنتج الكبير إبراهيم الحربي مشواره الفني في سن صغير فكانت بدايات الفنان وهو في مرحلة الدراسة بالمعهد فشارك في مسرحيتين هما (بني صامت، راشومون)، كما شارك في مسلسل (إنهم يكرهون الحب)، وبعد ذلك توالت أعماله بعد تخرجه فشارك في عدد من الأعمال الدرامية مثل مسلسل (حبابة ومسلسل طيور على الماء)، وكان له ظهور كوميدي خاص مع كبار الفنانين في عام 1977، وشارك في مسرحية (عمارة رقم 20)، وبعد ذلك شارك في فريق المسرح الشعبي عام 1979، وشارك في نفس العام في مسلسل (مذكرات جحا)، وبعده شارك بعدد من الأعمال والبطولات، حيث شارك الفنانة الكويتية الكبيرة حياة الفهد والفنانة سعاد العبد الله خلال مسلسل (أحلام صغيرة).
وفي عام 1977، ظهر بالمسلسل الكوميدي الكويتي (الدرب الزلق) إلى جانب الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج وغيرهم، وظهر في مسرحية (مغامرة رأس المملوك)، وظهر في المسلسل الكويتي (مذكرات جحا) ومسرحية (العاجل يقول أنا)، وفي عام 1980، ظهر في مسلسل (بيت بوخالد) إلى جانب كل من الفنانين خالد النفيسي وسعاد العبدالله وحياة الفهد كما ظهر في مسرحية (المهرج)، وفي العام التالي ظهر في مسلسل (جوهرة) ومسرحية (عزل السوق)، وفي عام 1982، ظهر بمسلسل (بدر الزمان وأحلام صغيرة) إلى جانب حياة الفهد وسعاد العبد الله، وقدم مسرحية (زوجي من سوق المناخ)، وفي عام 1983 كان لإبراهيم الحربي حضور في ثلاثة أعمال هم مسلسلي (غدا تبدأ الحياة والأسوار، ومسلسل (علي بابا)، وظهر في مسرحية (صبوحة).
بقي الفنان إبراهيم الحربي وعلى مدى خمس وثلاثون عاماً بنشاط فني غزير الإنتاج، حيث ظهر خلال هذه الفترة بأغلب الأعمال التلفزيونية الكويتية، فخلال فترة الثمانينات واصل الظهور بالأعمال التلفزيونية التالية، (إلى من يهمه الأمر – 1984، وصغيرات على الحياة)، ومسرحية (رجل مع وقف التنفيذ) وفيلم (شاهين) في عام 1986، وفي العام التالي قدم ثلاث مسرحيات وهى (عنتر بن شداد، وكماشة، وبيت العذوبية)، ومسلسل (قلوب على المرافئ)، ومسرحية الشياطين الثلاثة في 1988، ومسلسلي (ناس من زجاج، والطماعون)، ومسرحية (صادوه – 1989)
وفي التسعينات، ظهر (الحربي) في مسلسل (العائلة – 1990)، وفي عام 1992، ظهر في مسلسلي (الماضي وخريف العمر، وانحراف)، وفي العام التالي قدم ثلاثة مسلسلات هى (عش الزوجية، طيف السلام، مرآة الزمان)، وفي عام 1994 قدم مسلسلي (ميزان العدالة، وأولاد بو جاسم، وعام 1995 كان له مسلسل واحد وهو (الدعوة عامة)، وفي العام التالي قدم مسلسل (قصاص وأحلام نيران)، ومسرحية (الدانة)، وفي عام 1997، قدم أربعة مسلسلات وهي (عودة السندباد، الوريث، اثنان على الطريق، وجوه بلا أقنعة)، ومسرحية (الغجرية والأحدب)، وفي 1999 قدم مسلسل بعنوان (حكايات كويتية).
ودخل إبراهيم الحربي الألفية الجديدة في عام 2000، بمسلسلي (اضحك ولا أبكي، وحكم الزمان)، وسهرة تلفزيونية بعنوان (رائحة الحنة)، وفي عام 2001، قدم خمسة مسلسلات وهى من (ملفات المحاكم، الحب يأتي متأخرا، إلى جدي مع التحية، من يقتل الأحلام، الصقرين)، وسهرة تلفزيونية بعنوان (المعاقة)، وفي عام 2002، ظهر بدور حمد في (ثمن عمري)، كما ظهر في (بقايا أمل) وفي مسرحية (قناص خياط)، وفي عام 2003، شارك في ثلاثة أعمال وهى (غدر الزمان، وفاء، والجزء الثالث من مسلسل الخطر معهم)، أما عام 2004 فكان له حضور في ثلاثة مسلسلات أيضا، وهى (مال وأحلام، عمارة الأسرار، دنيا القوي)، وفي فيلم منتصف الليل.
وبقي يواصل حضوره في العديد من المسلسلات والأعمال التلفزيونية، فمثلا في عام 2010، كان له حضور خاص في أربعة أعمال هم (رصاصة الرحمة، الصراع، إخوان مريم، الرهينة)، واستمر بالظهور على هذه الوتيرة ففي عام 2011، وكان له أيضا أربعة أعمال هى (كريمة وبوكريم برقبتو، سبع حريم، جفنات العنب، وهج الشمو)، وفي نفس العام كان له أيضا خمسة مسلسلات وهى (غريب الدار، بين الماضي والحب، لعبة المرأة الرجل، خادم القوم وامرأة تبحث عن المغفرة)، ومسرحية (واتساب)، وفي العام التالي 2012 ظهر في أربعة أعمال وهى (مذكرات عائلية جدا، لن أطلب الطلاق، السلطانة، وألين اليوم)، وفي عام 2014، ظهر في ثلاثة أعمال وهى (تحالف الصبار، دوائر حب وغريب بين أهله).
في 2016، شارك (الحربي) في (ساعة الصفر، خمس بنات)، وفي العام التالي ظهر في مسرحية (مشهد من الزمن الجميل)، وفي عام 2018، ظهر بدور البطولة في ثلاثة أعمال وهى (كلام أصفر إلى جانب فؤاد علي وهيا الشعيبي، والخافي أعظم، التاسع من فبراير)، وفي عام 2019، شارك في (سبع بواب)، وفي عام 2020 شارك بفيلم (نجد) ومسلسلات (مساحات خالية، والدي العزيز، جنة هلي)، وعام 2021 في فيلم (الكليو 300)، ومسلسلات (ورود ملونة، أمي دلال والعيال، بوطار).
ويعتبر عام 2002 هو عام ازدهاره حيث قامت شركة سكوب سنتر للإنتاج له أهم وأنجح الأعمال التي كانت تمتلكها فجر السعيد الكاتبة المعروفة وتواصلت أعماله مع تلك الشركة حتى انتهى التعاقد بينهم في عام 2007 م في خلال عمله مع هذه الشركة استطاع العمل مع أكبر وأنجح فنانين الوطن العربي مثل الفنان عبد الحسين عبد الرضا والفنانة الكبيرة حياة الفهد والفنانة سعاد العبد لله، ودخل عالم الإنتاج حيث استطاع من خلال شركته أن ينتج عدد من الأعمال المهمة في مدة لا تقل عن 35 عام متواصلين في دولتين كبيرتين مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، ولكن انشغاله بإنتاج الأعمال الفنية الكبيرة لم يلهيه عن موهبته الفنية الكبيرة التي يمتلكها وواصل تقديمه لعدد من الأعمال التلفزيونية والدراما الخليجية، كما أنه لم ينسى حبه وموهبته الأولى وهى الموسيقى حيث استطاع العزف على عدد من الآلات الموسيقية وأهمها العود.
يؤمن الحربي بحقيقة مهمة وهى رفضه للعنف في الدراما قائلا: (إن كل الأعمال الكويتية تأخذ ذات المسار، فهناك أعمال متنوعة، وأيضا لكل جواد كبوة ، فكل سنة درامية تجد منها ماهو مكتمل و الآخر متواضع، وفي بعض الأحيان يكون اتجاه بعض المؤلفين يتشابه إلى حد كبير)، منوها إلى نقطة ينظر لها ببالغ الأهمية: (إن الفن اليوم دخل مرحلة أخرى مختلف تماما عما كان عليه في أعوام السبعينات والثمانيات والتسعينات، وهى مسألة لا تعتمد على الفن فقط، بل هي أكبر من ذلك بكثير، إن وجود الفضائيات بكثرتها على الساحة التي أصبحت لها سياساتها الخاصة ولها أسلوبها وتفكيرها الخاص.
ويضيف (الحربي): إذا كانت الفضائيات تريد الإستمرار في عملها، لابد من تسيير أجندتها على المنتج التابع لها ومن يجلب لهم المادة وهم الفنانين، لذلك يجب على الفنان أن يخضع إلى أجندة هذه المحطة التلفزيونية، ويتجه إلى المسارات التي هى ترغب به، ربما تنجح فكرة العمل فتطالب الفضائية إلى تكرار هذا النمط، وإن كانت الشركات سيئة، فتأتي محطة أخرى تستثمر هذا النجاح لتسلك نفس المسار، ولهذا أعود وأقول لك بأنه من الوارد أن تجد أكثر من عمل درامي متشابه، لرغبة القنوات التلفزيونية، لقد اختلفت الأمور كثيراً و دخلت في متاهات و دهاليز أخرى.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الكويتي – سعودي الأصل والجنسية – (إبراهيم الحربي)، فهو من الفنانين الذين عاشوا في العصر الذهبي للدراما الخليجية، إذ قدم عشرات الأعمال التي لاقت استحسان الجمهور، وشارك كل عام في أكثر من عمل درامي رمضاني، وقدم مؤخرا كلمة قال فيها: أود أن أوجه رسالة الى المخرجين والمنتجين، ومن قبلهم كتاب الدراما، حيث أتمنى من الجميع العودة الى اكتشاف النجوم الكبار وعدم الاكتفاء بالنجوم الجدد فقط، وذلك من خلال تفجير طاقات كامنة لديهم، بحيث يعاد اكتشاف كل فنان في مراحله العمرية المختلفة، ومن ثم تقديمه بشكل متجدد وألا نتوقف عند محطة معينة، لأن هناك العديد من الفنانين على مستوى العالم العربي الذين نراهم اليوم بشكل مختلف مع تقدمهم بالعمر، وذلك لأنهم يجدون دائما من يستطيع إبراز ما يملكونه من حرفية، ويستثمر ما راكموه من خبرات كبيرة .. متعه الله بالصحة والعافية.