كتب : محمد حبوشة
للأسف الشديد فإن إعلام الخيبة والعار المصري غارق في التفاهات والسطحية في وقت لا يدرك فيه مغزى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في وقتها وما تحمله من دلالات تحمل في طياتها الكثير والعبر والعظات التي تثبت قوة جيش مصر في تصديه للإرهاب المنظم من قبل دول وحكومات وأجهزة استخبارات من كافة أنحاء العالم، كما أنه لايدرك في الوقت ذاته تزامن إطلاق حملات حقوقية على مصر من جانب إيطاليا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وحتى أمريكا ذاتها في وقت أجهزت فيه قوات الصاعقة والمظلات والمشاة بدعم من الشرطة على إرهابي (جبل الحلال) في سيناء قبل خمس سنوات مرت في صمت إلى أن تم تجيدها على أثرالإعلان بموجبها عن إنهاء حالة الطواريء قبل شهرين تقريبا، لقد مر علينا القرار مرور الكرام دون وعي بأن جيش مصر استطاع تجفيف منابع الإرهاب في سيناء ومن ثم لم تعد هنالك ضرورة لوجود حالة الطوارئ.
مرت تلك الأحداث العظيمة على إعلامنا وهو في غيبة من وعيه فلم يدرك وقتها حقيقة معركة هى أكبر معركة عسكرية في الزمن الحديث، وبتكتيك أربك كافة خطط الأعداء.. ولم يقدم تحية إجلال وإعزاز لأبطال القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية على صنع أسطورة جديدة من أساطير الفداء والتضحية في سبيل الوطن – اللهم إلا استعراض يتيم للزميل الصحفي (إسماعيل جمعة) المحرر العسكري للأهرام وتقرير آخر مختصر لصحيفة (الوطن) من جانب الزميلة مرة وعبد الله – ولم تلفت الفضائيات لتلك البطولة كما قدمها الإعلامي الفلسطيني (عامر القديري) عبر برنامجه (اللعبة) في تكرار للانفراد من جانبه بتفاصيل لم تتطرف إليها أية قناة مصرية من قريب أوبعيد، حين كشف تفاصيل عملية (جبل الحلال) التي واجهت فيها القوات المسلحة أعداء الداخل والخارج في أكبر معركة استطاعت هزيمة أجهزة استخبارات العالم في باطن الجبل الذي كان يعد مركزا استراتيجيا لصناعة الإرهاب بأحدث وسائل التكنوجيا الحديثة التي يستعصي معها عملية اقتحامه التي كانت تشبه الأسطورة، لكن القوات المسلحة المصرية سطرتها بحروف من نور في التاريخ العسكري الحديث .. أليسوا خير أجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم الدين.
شاهدت الدقائق العشر التي عرضها الإعلامي الفلسطيني (عامر القديري) بشغف شديد وغضب أشد على إعلامينا الأغبياء الذين لايدركون حقيقة قوة وصلابة أوطانهم كما يدركها الغرباء، وأصابتي حالة من المتعة المصحوبة بإعجاب غامر لهذا السيناريو الذي أعد بعناية ودقة عالية في استعراض حي لحقائق الواقع التي تسبق الخيال، واقع الإعجاز الذي قامت به قوات جيش بلادي في صناعة أسطورة جديدة، وقد جاءت تفاصيل السيناريو الذي يصلح ليكون فيلما سينمائيا على غرار (الممر) أو مسلسلا دراميا على غرار (الاختيار)، بما يحمله من جوانب بطولية مخلوط فيها الدم بالعرق الذي بذله هؤلاء الأبطال على تراب سيناء في عملية اقتحام جبل الحلال على النحو الذي يقول فيه (القديري):
عملية اقتحام جبل الحلال من قبل قوات الصاعقة المصرية.. عملية نوعية تدرس في كتب فنون الحرب والقتال، ولكن هناك جانب مفقود لم يتحدث عنه أحد، فنحن هنا نتحدث عن مراقبة الجبل جويا لمدة عام .. عن الخطة وكيف وضعت؟، لماذا الاقتحام كان من الداخل وليس من الخارج؟، كيفية تسلسل قوات الصاعقة المصرية للمغارة؟، مع علمهم أن الجبل كله مراقب بأحدث أجهزة الإنذار والتجسس والكاميرات عالية التقنية والدقة، ولكن الحديث الأهم هنا سيكون عن رجال ظلوا 14 يوما داخل مغارة حتى ساعة الصفر.
رجال صناعة مصرية بامتياز وتميز.. رجال قهروا المستحيل وظلوا 14 يوما وهم في ظلام دامس وفي سكون تام غير مسموح بهم بالكلام أو التحرك تحت درجة حرارة دون الصفر، وعلى بعد خطوات منهم أخطر وأجرم وأشرس إرهابيين في العالم، وأخطر رجال لأجهزة المخابرات العالمية، فكيف حافظوا على ليقاتهم وهدوئهم وتركيزهم ويقظتهم العالية؟، كيف تم تدريب هؤلاء الرجال؟!، من علمهم أن حياتهم رخيصة جدا في سبيل وطنهم؟، ومن زرع وغرس في يقينهم أنهم سينالون النصر أو الشهادة؟!.
تحرك أبطال الصاعقة المصرية ساعة الصفر في هدوء تام وبتركيز خارق شاهرين أسلحتهم البيضاء وتوجهوا إلى حراس الغرف المحصنة وتعاملوا معهم وأبادهم عن آخرهم، واقتحموا في وقت واحد جميع الغرف والكهوف واعتقلوا كل من فيهم وأعطوا إشارة التقدم للقوات الجوية الخارجية التي أمطرت الجبل والبر بوابل من الجحيم، وكانت المفاجأة حصول القوات المصرية على أعظم وأندر وأحدث جهاز تجسس في العالم، بل قد يكون الوحيد في العالم القادر على التجسس على قارتي آسيا وأفريقيا، وكان بالأخص يتجسس على كل الدول العربية في آن واحد وفي وقت واحد، خلافا على حصولهم على كنوز المعلومات والملفات وأجهزة الكمبيوتر وأحدث أنواع الأسلحة في العالم داخل كهوف جبل الحلال.
هؤلاء هم رجال القوات المسلحة المصرية.. رجال فوق العادة.. ستدرس حكايتهم في أعرق الكليات الحربية العالمية، وسيحكي العالم كله عن كيفية اقتحام جبل الحلال الذي لم يكن أبدا أقل خطورة وتعقيدا من خط بارليف.
حصل جبل الحلال الذي يبعد 60 كيلوا مترا من مدينة العريش على شهرته من طبيعته الوعرة، وهو سلسلة طويلة وضخمة من الجبال والمغارات والمدقات الوعرة، ويرتفع نحو 1700 مترا فوق و مستوى سطح البحر، ويحوي كهوفا يصل عمقها إلى 300 مترا على ارتفاعات شاهقة في بطن الجبل.
يقع جبل الحلال قبليا تحت سيطرة قبيلتي (الترابين والتياهة)، اللتين تحاولان بمساعدة الدولة التخلص من العناصر الإجرامية والإرهابية، ولأن طبيعة الجبل الوعرة دفعت الإرهابيين والخارجين عن القانون إلى اللجوء إليه للهروب من قبضة الدولة المصرية وأصبح ملاذا للعناصر الإجرامية ومخزنا للأسلحة والمخدرات بعيدا عن سيطرة القانون، ولذلك لايبدو مفاجئا أن القوات المصرية لم تدخله من قبل، بل اعتبر الجبل منطقة خارجا عن سيطرة الدولة واشتهر بأنه أسطورة الشر والإجرام في سيناء والمنطقة الآمنة والحصن الحصين لعتاة المهربين والخارجين عن القانون من تجار المخدرات والسلاح.
ومع الوقت تحول (جبل الحلال) لملاذ آمن للإرهابيين، مستخدمين في ذلك أحدث المعدات والأسلحة والذخائر، ومستعينين بأحدث وسائل الاتصال المتقدمة، ويتم دعمهم لوجستيا من أنظمة مخابرات محلية ودولية بتكتيكات حربية وقتالية معقدة جدا، تم اكتشافها بعد الهجوم على تلك الأوكار الإرهابية، ولكن ماتم اكتشافه أيضا مفاجأة من العيار الثقيل، فقد تم اكتشاف أسلحة متطورة تدار من بعد تستخدم فيها صور الأقمار الصناعية بإحداثيات محددة، ومنها على سبيل المثال عملية إطلاق دانة هاون موجهة على كمين شرطة واستشهاد 18 فردا من الكمين، وهو سلاح يستخدم لأول مرة بتلك التقنية العالية جدا.
كما اكتشاف كافة الخلايا النائمة التي كانت تعمل في الخفاء من خلال المستندات والمراسلات المضبوطة، تلك الخلايا التي كانت تمدهم بالمعلومات أو تتلقى تمويلات والمتورط فيها شخصيات إخوانية ورجال أعمال ومستثمرين أجانب تحت غطاء ومسمى (الاستثمار)، ولكن الحقيقة هو التمويل لاستمرار أعمال الإرهاب بعد أن جففت مصر ولحد كبير مصادر التمويل.
تم اكتشاف أيضا مخطط دولي لإثارة العالم ضد مصر والمطالبة بفرض الحماية على الأقباط في شمال سيناء بحجة استهدافم من قبل الإرهابيين، وتصوير الأمر على أن مصر غير قادرة على حمايتهم لذلك تم نقلهم لمناطق آمنة، وقد وجدت بأسماء ووظائف ومحل إقامة المتآمرين، ولذلك خرج خونة الوطن ليزعموا التهجير القسري للأقباط.
وأخيرا تم اكتشاف إدارة شبكة مالية معقدة جدا لأعمال شراء الأسلحة وتمويل الجماعات الإرهابية وعناصر التجنيد والمراقبة والتدريب، وقد تم ضبط كافة المستندات التي تدين شخصيات عالمية ومحلية وأجهزة مخابرات دول مجاورة لمصر ومعاجية لها!!!.
السؤال المهم هنا: لماذا لم يقم الإرهابيين بتدمير تلك قبل اقتحام قوات الجيش؟، وللإجابة عن عن هذا السؤال يجب أن نعلم : كيف تم إدارة تلك المعركة الخطيرة والفاصلة؟:
قامت القوات المصرية بمحاولتين سابقتين لاقتحام الجبل عام 2016 للسيطرة عليه ولم تسطيع لأسباب عديدة منها: كبرحجم الجبل ووعورة تضاريسه ووجود مئات الكهوف والمغارات والوديان الصخرية الملتوية الضيقة وسهولة التنقل الداخلي تحت الحماية الطبيعية من تضاريس الجبل الصعبة، كما أنه من المستحيل اقتحامه بالدبابات أو العربات المصفحة نتيجة لتلك التضاريس الوعرة.
كانت (القاهرة) تعلم جيدا أن إدارة العمليات الإرهابية تتم من هناك، وتعلم المتوطين من الدول المعادية في إدارة العمليات عسكريا ومخابراتيا، لكن محاولات الاقتحام من الخارج مهما حدثت لن تؤتي ثمارها، وتم محاصرة الجبل منذ 10 أشهر، وقامت القوات المسلحة بعملية تصوير جوي بالاستعانة بصور لأقمار صناعية على مدار عام كامل أسفرت عن اكتشاف كهوف لم يصلها المجرمون ولا يعرفونها، فتم استغلال ذلك بأن تسللت إليها قوات الصاعقة والمظلات المصرية، وأقامت مركز عمليات داخل الجبل، وبدأت القوات تتجمع للقيام بعمليات الهجوم من الداخل للخارج وليس العكس، رغم أنه كان من المستحيلات ومن غير المنطقي أن تتم عملية الاقتحام بهذا التكتيك.
وجاءت لحظة المفاجأة المباغتة للأعداء، وتم اقتحام مركز القيادة الإرهابي واكتشفت القوات وجود مركز قيادة متكامل أقامته إسرائيل وشركائها في أحد كهوف الجبل العميقة الواسعة بعمق 10 أمتار في باطن الجبل، واتضح أن هذا المركز مجهز بغرفة عمليات رئيسية وبها شاشات عرض وأجهزة كمبيوترو أحدث أجهزة الاتصالات وتليفونات الثريا وموبايلات تعمل بشرائح اتصال إسرائيلية، ووجدت أيضا أماكن وغرف لمبيت الأفراد ومستشفى ميداني متكامل، وكميات كبيرة من المتفجرات وأجهزة التفجير وكميات ضخمة من الأموال.
وجاء الصيد الثمين باعتقال ضباط استخبارات من 12 جنسية مختلفة والذين فوجئوا حينما كانت قوات الصاعقة المصرية فوق رؤسهم، وفور السيطرة على مركز القيادة الإرهابي بدأت العملية الحربية الكبرى من الداخل والخارج، واستخدمت فيها المقاتلات والروحيات وقوات المظلات والمشاة، وانتهت بالسيطرة الكاملة على كافة أرجاء الجبل واعتقال كافة الإرهابيين.
تأتي معركة جبل الحلال كأكبر معركة عسكرية في الزمن الحديث وبتكتيك أربك كافة خطط الأعداء .. تحية إجلال وإعزاز لأبطال القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية على صنع أسطورة جديدة من أساطير الفداء والتضحية في سبيل الوطن.
انظر عزيزي القارئ إلى دقة اللغة وبلاغة أسلوب هذا الإعلامي الجسور(عامر القديري) في عرض حقائق بطولات الجيش المصري على نحو يفخر به، بينما إعلامي الغفلة من المصريين لم يصلهم أدني شعور بالفخر والإعزاز لجيش بلادهم الذي يضرب الأمثلة في الشجاعة والفداء لتراب هذا الوطن .. أتمنى أن نرى هذه العملية مترجمة في فيلم سينمائي أو ملسلسل تليفزيوني يستعرض جوانب أسطورة خير أجناد الأرض .. جيش مصر العظيم.