كتب : محمد حبوشة
أين ما وليت وجهك في هذه المدن المزدحمة، إلا ويثير استفزازك نفس السلوك، في الطريق، في الأزقة، في المنتزهات، المقاهي، الميكروباص، المترو، وغيرها من وسائل المواصلات حتى في سيارتك وأنتي تقودينها في آمان، تختلف الطرق والأساليب حسب الأماكن والأشخاص، كما يختلف من فئة لأخرى، مشاهد تثير الاستغراب، من شباب ورجال بل أحيانا قد يصدر من مسنين، في بعض الأحيان تجدهم لا يفرقون بين امرأة متزوجة، أو عازبة، محتشمة أو متبرجة، لا يهم يصرن كلهن سواء، وليست الأوطان العربية يتيمة في هذا المجال، بل لعله ينتشر بشكل متزايد في المجتمعات الغربية، وإن كان بصور مختلفة عنا، ومن يتابع الإعلام يعرف ذلك جيدا، لكنه يزداد انتشارا مع تقدم الزمان، رغم تشديد العقوبات حسب البلدان إلا أن ذلك لم يحد من تفشي التحرش، مما يجعلك تثير عدة تساؤلات مع نفسك، متى بدأت؟ كيف؟ ولماذا هى بالأساس؟ كيف يمكن علاجها؟
سلوك التحرش أعتقد أنه لا يخلو مجتمع منه، كما أنه لا يتناطح في تجريمه كبشان كما يقال، لكن لم انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملفت خاصة في السنوات الأخيرة، شخصيا كلما أرى ذلك إلا وأقف حائرا، أنا لا أجد سببا يبرر هذا السلوك المشين، خاصة عندما أرى أو أقرأ عن شخصيات كبيرة، لكنها تقع ضحية لتلك الآفة التافهة، أعتقد أن الكل سيجمع ويرى رأي (فرويد) في هذا الأمر وهو أن الجنس يعتبر المحرك الأساس للإنسان، وإن كانت نظريته هذه نقضت وخاصة في هذا الجانب، في الستينات من القرن المنصرم، وإن كانت لا زالت شظاياها تصيبنا من حين لآخر عبر الإعلام، لكن هل فعلا الأمر كذلك؟
قد يكون فعلا لدافع الجنس والميول نحو الأنثى، سبب لهذا الأمر، لكن أكيد ليس ذلك وحده، وإلا فلم نر رجالا متزوجين وهم يقومون بذلك، ما دام أنهم في غنى عن هذا، إنني أرى أن من يقدم على هذا السلوك يستمتع بمجرد ممارساته، وليس له رغبة فيما وراء ذلك، أي ربما أن الدافع قد يكون خللا نفسيا، وإن كان ليس كل من يمارسه على هذا المنوال، لكن أكيد أن معظمهم كذلك وخصوصا في مجتمعاتنا، وهو ما عالجته حكاية (واللي مايشاتري يتفرج) آخر حكايات (نصيبي وقسمتك 4)، لتختتم أكثر القضايا الشائكة التي نعيشها هذه الأيام بأداء يغلب عليه الاحترافية العالية من جانب الفنان الرائع والناضج جدا (إيهاب فهمي) في تقمصه لشخصية المتحرش (الدكتور رفعت الصناديلي) في حكاية تتسم بالضرب على العصب العاري في المجتمع.
ربما لم يركز المسلسل على قضية التحرش في حد ذاتها بقدر ما تعرض للآثار الكارثية التي يسببها نشر فضائح التحرش على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ما تسبب في أزمة صدعت بالضرورة جدار العائلة، ولكن طرح ضمن رسائله المهمة أسئلة من نوعية: هل حقا ننحن ننظر إلى المرأة كإنسان، له مشاعره أحاسيسه، بل له فلسفته في الحياة، كما نظل نلهج بذلك في منتدياتنا الثقافة والإعلامية، أم أن الحقيقة أننا ننظر إليهن من باب أنها (مجرد جسد) فقط؟، هنا يكمن الإشكال فسلوكياتنا الخاطئة ومفهومنا الخاطئة تجاه المرأة ما التحرش إلا أحد وجوهه، وأما عن جوانبه الأخرى فهي كثيرة من عنف تجاههن واستحقار لهن، رغم أننا بدأنا نقلل من هذه السلوكيات علنا، لكن حقيقة في الواقع نحن غير ذلك!
في ثنايا حلقات حكاية (واللي ما يشتري يتفرج) قد تكون المرأة راغبة أو تبادل الرجل الكلمات التي تحمل في طياتها ميلا نحو عذب الكلام، لكنها تعاني من ازدواجية غريبة عندما يوجه لها الرجل نوعا من الإعجاب في الشارع على جناح عبارة (هو القمر بيطلع بالنهار ولا ايه) التي جاءت على لسان (إيهاب فهمي) فلا تمتثل لرغباته، بل في غالب الأحيان تفجر طاقة التطهر المزعوم حيث تظهر كأنها باحثة عن الهدوء والسكينة ليس غير، بخلاف الرجل، فدافعه نحو المرأة يقف عند جسدها ولا يتعداه إلى روح هذا الكائن، ولعل ثقافة النظر إلى المرأة على أنها مجرد جسد للاستمتاع تبث في نفوسنا ونحن صغارا من خلال البيئة والتعليم، وكذلك الإعلام الذي يظل صباح مساء يكرس فينا هذا المفهوم، وما المسلسلات والأفلام العربية والأجنبية المستهلكة فيه، إلا دليل على هذا الأمر، قد يكون هذا الأمر متعمد من جهة معينة، وما هو في الحقيقة إلا كذلك، وهذا في الحقيقة هو امتداد لنفس الإشكال أي الثقافة الخاطئة.
والهدف الذي يشير إليه مسلسل (واللي مايشتري يتفرج)، أن التقدم الهائل الذي أضحى واضحا في مجال التقنيات الحديثة وثورة التكنولوجيا والزيادة الكبيرة في مستخدمي التكنولوجيا والأجهزة الحديثة أسهم في توحش غريزة الانتقام لدى البعض بدوافع أخلاقية وغير أخلاقية حيث شهدنا مغالاة بعض شخصيات المسلسل في الدفاع عن الفضيلة والسمعة والشرف بعد أن أصبح مجال الاتصالات وتقنية المعلومات عاملا أساسيا في الترويج للفضائح والشائعات، و بات الاعتماد واضحا على وسائل الاتصال الحديثة، وقد بدا لنا أن نشر المعلومات غير الصحيحة أو مواقع الفضائح التي لاتستند على وثائق أو مستندات صحيحة واستهداف سمعة الناس، وحيث إن الحق في السمعة من اسمي الحقوق التي يجب حمايتها والحفاظ عليها وهى من المقومات الأساسية للمجتمع القوي، لذا تحرص أغلب الدساتير و القوانين على حماية حق الإنسان في سمعته وشرفه وعدم المساس بها بأي وجه من الوجوه واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين.
لقد أشار المسلسل إلى خطورة استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في ظل التطور المتسارع في جميع نواحي الحياة وإبداع العقل البشري في ابتكار أجهزة الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي والانترنت و أجهزة الهاتف النقال والأجهزة المتطورة الأخرى، و ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وهى مواقع انتشرت في الإنترنت الهدف منها التواصل بين الأصدقاء وتحقيق الفائدة في النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و الفنية و الرياضية و الإخبار و الأمور العامة، إلاإن البعض من ضعاف النفوس استغل أجهزة الاتصال الحديثة في ارتكاب الجرائم الالكترونية، ومنها الاحتيال الالكتروني والخوض في السمعة و التهديد عن طريق أجهزة الهاتف النقال والسب والشتم و القذف دون أدنى وازع أخلاقي وهو الذي يتسبب في انهيار المجتمع والأسرة كنواة له.
ترصد حكاية (واللي مايشتري يتفرج) بمبضع جراح ماهر هو (عمرو محمود ياسين) ازداد ارتكاب جريمة التشهيرعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وعن طريق المواقع الالكترونية من خلال شبكة الانترنت، وهو ما ركزت الحكاية بحرفية وأداء مذهل من جانب (إيهاب فهمي وبسمة) حيث يجد البعض في التشهير طريقة للتسقيط أو المساومة في استغلال تلك المعلومات لغرض الإساءة للسمعة أو القصد منها التنافس والضغائن الشخصية، وتشويه السمعه كما ظهر لنا في حالة الدكتور (رفعت الصناديلي/ إيهاب فهمي) الذي استغل ضعفه (وجيه/ محمد علي رزق) ابن خالة زوجته في محاولة التقارب من (سونيا/ بسمة) ابنة خالته ومحبوبته الأولى، وذلك بفبركة فيديوهات لفتيات تحكي حالات تحرش مزيفة لهن مع (رفعت) في محاولة لدفع (سونيا) نحو الطلاق كي يخلو له الجو في محاولة لتحقيق حلمه القديم بالزواج منها.
لفت نظري في كل الخلقات أداء الفنان الجميل (إيهاب فهمي) ومعه على نفس الدرب (بسمة)، لكنه ظهر أكثر ذكاءا وحنكة في التمثيل في الحلقة الثانية عندما تماهي بشكل ساحر مع شخصية (الدكتور رفعت الصناديلي) ليقدم بعذوبة (ماستر سين الحلقات) بتركيز على الوجه ولغة الجسد التي تجلت في التعبير عن المشاعر الداخلية والخارجية للشخصية بطريقة المونودراما الحزينة، في حرفية بالغة الدقة معبرا عن الندم والشعور بالتقزم والتقوقع داخل نفسه دون انفعال زائد عن الحد، بأسلوب السهل الممتنع جراء فعلته الشائنة فجاء الأداء فاتنا وينم عن نضجه التمثيلي، بمساعدة المخرج الواعي جدا بحركة الكاميرا (عصام نصار)، تماما كما جاء على النحو التالي:
تدخل سونيا على زوجها رفعت وهو في جالة يرثى لها غير مصدق ما فعله بنفسه وأسرته لتقول له وهو ينظر إليها في حيرة وقلق : أنا مش عارفة أقولك ايه؟.
رفعت في محاولة للمراوغة والكذب في البداية : الفيديو طبعا فيه حاجة غلط .. مش زي ماهو باين .. أكيد طبعا .. طبعا .. ويتساءل في خبث التورط : هو منتشر قوي؟!.
سونيا : أنا اتفرجت عليه من كتر ماهو مر عليا .. اتكرر كتير .. قولت أفتح الفيديو آخد فكرة .. لقيت واحدة بتشتكي من واحد عامل نفسه محترم .. بتقول انه كان ماشي وراها في الشارع بيعاكسها وبيتحرش بها .. من جوايا قلت إخيه على الرجالة اللي بالشكل ده .. بجد يا بختي برفعت وأخلاقه وذوقه ورزانته وأدبه .. قمت انته طلعت لي .. والله العظيم ده اللي كان جوايا .. وبقيت مش عارفه ازاي حبيبي وعشرة عمري هو الشخص اللي مفروض أنا قرفانة منه .. هو انته عملت فينا ايه؟ .. هو أنا فيه حاجة تانية معرفهاش؟!.
رفعت : سونيا لو فيه موقف الست المفروض تقف جنب جوزها ولو مرة واحدة .. تبقى المرة دي .. في الموقف ده .. الموقف صعب قوي .. أنا غلطت .. غلطت .. واتورتط جامد .. بس هى غلطة .. غلطة واحدة .. مش عارف اعمل ايه ؟ .. اتفضحت .. مش عارف أخرج لبناتي ازاي .. بناتي .. أواجه الناس ازاي .. الناس في الشغل .. الناس في أي حته .. أواجه أبويا .. أبويا حاوجه ازاي؟!.
سونيا : كل دول مفهموش أنا .. حتواجهني أنا ازاي؟!.
رفعت : انتي حبيبتي .. عشرة عمري .. أكيد حتقوفي جنبي.
سونيا : أقف جنبك في ايه؟ .. في انك رجل متحرش؟ .. دا انته يارفعت أكتر واحد تعرف باكره الرجالة دول ازاي .. باقرف منهم ازاي .. تبقي انت عشرة عمري وحبيبي اللي بتنام جنبي في السرير .. انته راجل من دول؟ .. استحملك ازاي ولا اتعامل معاك ازاي؟ .. انت مش عارف انا شايفاك دلوقتي ازاي .. شيفاك صغير قوي قوي قوي قوي!!!.
رفعت : عندك حق .. بس ابوس ايدك .. ابوس ايدك اقفي جنبي .. أنا برضه حبيبك .. والفيديو طبعا .. الفيدو أكيد فيه حاجة غلط .. مش زي ماهو باين .. الموضوع مختلف خالص.
سونيا : انت لسه قايل انك غلطان .. فأرجوك ماتقولش حاجة خالص تحسن بيها موقفك .. وبعدين المشكلة مش هى اللي فيا حالا .. أوكي .. المشكلة في بناتك .. في شغلك وشغلي .. وفي حياتنا اللي دمرتها .. اخص عليك .. بجد اخص عليك!!!.
عندئذ ينتهي الموقف المشين الذي يؤسس لمشكلة نشر الفضائح على الفيس بوك .. لكن أمكن السيناريو من تجاوز المشكلة وقدم حلا مبهجا في النهاية يستنكر نشر فضحائنا لى مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تضر أكثلر مما تفيد في حياتنا العصرية الحالية.