الإعلام يفشل فى إدارة أزمة فيلم (أصحاب ولا أعز) ويذبح منى زكي !
كتب : أحمد السماحي
الإعلام المصري والعربي وبالتحديد الفضائيات منذ أحداث يناير 2011 وهى عامرة بالتفاهات والسطحية والقيم المهدرة والزعيق والمدعين، وفي مثل هذا الجو الفاسد يبتعد الحقيقيون، لأن التافهين الموجودين على السطح يهمهم أن يستمروا في جهلهم ويستضيفوا من هم على شاكلتهم، وفي حالة الهلوسة تلك لم نعد نستطع تميز الخبيث من الطيب، أو نقول كلمة الحق.
أقول هذا الكلام بمناسبة ما حدث مؤخرا لفيلم (أصحاب ولا أعز) وبطلته النجمة الرقيقة الموهوبة (منى زكي).
فقد تابعت ما حدث فى الأيام الماضية على الفضائيات وصفحات الجرائد الورقية والإلكترونية ووجدته نفس ما حدث على السوشيال ميديا – نقلا دون تصرف وإيضاح وتوعية – نفس الضجة التى تشبه ضجة البائعين الجائلين، وكلاكسات نفاق، وخناقات كخناقات السوق سببها دائما الخلاف حول المصلحة الشخصية وليس المصلحة الفنية، الكل يندد ويطالب بمحاسبة المسئولين عن الفيلم، وكان الجمهور قاسيا نظرا لقصور دور الإعلام الذي لم يوجه ولم يدافع أو يسرد الحقائق الدامغة، لكنه (زاط مع الزيطة) وطرح الموضوع بسطحية شديدة، وانقسم الزملاء الذين تم استضافاتهم في البرامج أو عبر كتاباتهم إلى فريقين كأننا في مبارة الأهلي والزمالك، فريق مع الفيلم، وفريق ضده، والكل يتحدث دون وعي.
وفى النهاية حكم الجمهور البسيط الذي يشاهد الفضائيات ويقرأ الصحف ولم يشاهد الفيلم بإدانة الفيلم وصب جم غضبه على النجمة (منى زكي) الوحيدة التى يعرفها من بين أبطال العمل حكم نهائي وغير قابل للنقض أو الاستئناف!.
كنا في مثل هذه الأزمة الفنية نحتاج من الفضائيات أو الصحف أن تستضيف مجموعة من الرجال العقلاء الذين يتحدثون بهدوء، أو يعرض لنا رؤية مستنيرة عن كيفية الخروج بسلام من هذه الأزمة وسلبيات وإيجابيات ما حدث، وما يجب أن يكون في مثل تلك الظروف كي تظهر للمشاهد المسكين الذي تاه وضل الطريق وهو يشاهد هذه الأزمة الفنية على الشاشات والصحف السيارة.
أما أن نتحدث بسذاجة عن منع الفيلم الذي لايمكن منعه لأنه ببساطة إنتاج أحدى المنصات الأجنبية، أو إنه تم اقتباسه من فيلم إيطالي، أو أنه يروج للشذوذ، فكل هذه التهم جعلت رجل الشارع البسيط الذي لم يشاهد الفيلم يتهم أصحابه بالفجور والخروج عن عاداتنا وتقاليدانا الشرقية.
وسمح لـ (مركز الفتوى العالمي بالأزهر) بأن يصدر فتوى أكد فيها أن الضمائر اليقظة تدفع أصحابها نحو الإبداع المُستنير الواعي الذي يبني الأُمم، ويحسن الأخلاق، ويُحقِق أمن واستقرار المجتمعات، وأضاف أن الّتمرد على الفَضيلة، والتَّنكر لقيم المجتمع السوية بمخططات وحملات مُمنهجة ليست حُرية، أو تحررا، أو إبداعا، بل هو إفساد وإِضعاف للمُجتمعات، وغمس لها في أوحال الرذيلة، مشيرا إلى أن المُشاركة في إشاعة الفواحش وتهوينها في عيون النَّاس خطيئة تنشر المُوبقات والجرائم، وتهدِّد قِيم المُجتمع وأمنه واستقراره.
كما سمحت هذه الضجة لهواة الشهرة من المحامين رفع قضايا على الفيلم لمنعه، أو حذفه من على الإنترنت، ووصلت هذه الدعاوي لمجلس الشعب، وظهر أكثر من (يوتيوبر) على موقع اليوتيوب يسب ويقذف أعراض جميع الفنانين ومنهم (منى زكي) وغيرها.
ما حدث عيب حقيقي!، وإدانه للإعلام المصري والعربي (المرئي والمسموع والمكتوب) الذي لم يدير معركته بشكل محترم ولا راقي، ولا سليم، وظلم مجموعة من النجوم قدموا فيلما رائعا، يمكن أن نختلف على بعض ما جاء فيه، أو أن فيه بعض الرسائل الخبيثة التى لا تتفق مع قيمنا وتقاليدنا، لكنه الفن يا سادة الذي يعري كل خبايا المجتمع.
ما حدث لـ (منى زكي) تحديدا بحكم أنها التى (شالت الليلة) عيب، لأن هذه الموهوبة الرقيقة أبرز نجمات مصر، ورمز من رموزنا الفنية الحالية، ولا تستحق منا كل هذه الإهانات ولا قلة الأدب ولا السفالة التى شاهدناها وسمعناها وقراءناها مؤخرا.
(منى) قدمت لنا يا سادة كل ما هو جميل وراقي، وفن حقيقي، هى وزوجها النجم المبدع (أحمد حلمي)، ونالت عن بساطتها في الأداء وعفويتها وحضورها المميز الإعجاب الفني والجماهيري من خلال قيامها بالعديد من الأدوار التليفزيونية والسينمائية الممتعة التى سكنت ذاكراتنا، وحققت نجومية كبيرة بسبب دقة وجمال اختياراتها، لكن ماذا نقول في إزدواجية الجمهور المصري والعربي الذي يضع في يده وردة للفنان، وفي اليد الأخرى (سكين) يطعنه بها إذا وقع في خطأ بسيط؟!
يا جماعة الخير فيلم (أصحاب ولا أعز) الذى تحدث عنه الكثيرين له رسالة خطيرة ويكشف خطورة التكنولوجيا المتمثلة في الهاتف الجوال الذي اخترق خصوصيتنا وفضحنا أمام أنفسنا وأمام القريبين منا، وزيف العواطف كلها في المجتمع، ومن خلال العواطف الزائفة نكتشف القيم الزائفة، ونحس أن تلك العواطف لم تعد نابعة من القلب، وأن المجتمع كله الذي تدور فيه الشخصيات ليس إلا بركة راكدة يغرق فيها الطيبون، ويعيش الفاسدون.
الفيلم إدانة للمجتمع قبل أن يكون إدانة للشخصيات، الأبطال رغم أنهم كلهم سلبيين، إلا أنهم قدموا أداء رائعا وصالوا وجالوا، وتباروا في أداء عالمي حقيقي، نعم الأبطال سلبيين ولكن هل الفترة التى نعيشها الآن تحتمل أبطالا إيجابيين؟!
إني أعرف تماما أن كلمتي هذه ستثير ثائرة المستفيدين الكثيرين من هذه الفوضى المحمومة، ولكني أعرف أيضا أنها ستكون بردا وسلاما على قلوب الفنانيين الحقيقيين الحريصين على إنقاذ الفن من حٌمى الفن، وإنقاذ النقد من هلوسة النقد، وإعادة الوعي إلى ضميرنا الفني والثقافي الغائب.
إذن الوضع جد خطير، ففي مثل ذلك المناخ الموبوء المحموم لا يمكن أن يظهر عمل فني حقيقي، وإن ظهر فإنه حتما سيضيع في ضجة الكلاكسات والأبواق والصراخ والعويل القائمة الآن على قدم وساق.