بقلم : محمود حسونة
العولمة، ليست في أساسها اقتصادية كما قالوا لنا قبل سنوات، وقبل انتشار الشركات المتعددة الجنسيات والسلع العابرة للقارات، ولا هى سياسية كما أوحت إلينا قراراتهم وتصريحاتهم ومواقفهم التي تؤكد أن هذا العالم به 195 حكومة، ولكن فعليا تديره حكومة واحدة من وراء ستار، بصرف النظر عن كونها خفية أو معلنة، وإنما العولمة في الأساس هي عولمة فكرية ثقافية، والهدف منها أن يصبح المليارات الثمانية التي تسكن هذا الكوكب تفكر بطريقة واحدة، طريقة لا تعرف الحلال ولا الحرام، ولا تعرف العيب بعد أن تجبر العقول على أن تنفض عن نفسها ما يعتبرونه غبار المبادئ والقيم والتقاليد، فالكل يستحل ما يريده حلالاً لنفسه ولا يستحرم من متع الدنيا شيئاً، والكل أيضاً ينبغي أن يدين بدين سماوي واحد أطلقوا عليه الديانة الابراهيمية، التي تذوب فيها وتنصهر الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، ومع هذا الدين السماوي دين أرضي اسمه دين الحرية، فهم يريدون حرية الإنسان محركه لفعل ما يشاء وقتما يشاء بصرف النظر عن انعكاس هذه الحرية على الآخرين.
الشذوذ الجنسي، من الأمور التي يريدونها عولمية، فهم يرونه من حقوق الإنسان، بل ويبالغون إلى حد ترويجه أنه ضمانة لعالم خال من الصراعات الاجتماعية التي تزلزل أسراً وتسبب مشاكل وتؤدي إلى ارتكاب جرائم تصل إلى القتل، أما بالنسبة للنوع البشري، فهم يرون أنه يكفينا هذا العدد الملياري، ويراهنون أن الجنس البشري لن ينقرض بل سيقل، ووجهة نظرهم أن هذا سيكون الأفضل للكوكب ومن سيبقون عليه.
نتفليكس، باعتبارها منصة عولمية فلها مهمة في إرساء ملامح العالم الجديد الذي يعترف بالحق في الشذوذ أو ما يسمونه تأدباً (المثلية)، والشبكة تجتهد لتحقيق هدفها في أقصر مدة زمنية ممكنة، ولأنهم يدركون أننا في مصر والعالم العربي قد نكون الصخرة التي يمكن أن تفتت لهم مشروعهم وتحوله إلى سراب، جاء التركيز علينا مضاعفاً.
البداية معنا من خلال أفلامهم ومسلسلاتهم التي نشاهدها عبر المنصة، والتي لا تخلو من ترويج للشذوذ، وتسويق له على أنه الطريق لعالم أفضل، وخصوصاً في تلك الأعمال التي تنتهجها المنصة بنفسها تحت عنوان (أعمال نتفليكس الأصلية)، ومع فيلم (أصحاب ولا أعز) الذي عرض مؤخراً كانت بداية الخطوة الثانية، فبدل مخاطبتنا بلسانهم وأعمالهم، حان وقت مخاطبتنا بأعمال تتحدث بلساننا ويجسدها فنانون نحبهم ونثق فيهم، ولن يجدوا أفضل من منى زكي وإياد نصار ودياموند بوعبود ونادين لبكي وجورج خباز وعادل كرم لتحقيق نسب المشاهدة المرجوة في مصر ولبنان والأردن التي ينتمون إليها بجانب ما يحظون به من جماهيرية في باقي الدول العربية، حتى تصل الرسالة.
ولأن إدارة نتفليكس ليست بريئة ولديها دراسات في سيكولوجية الشعوب، نجحت في أن تضع مشهد قطعة الملابس الداخلية الخاصة بشخصية (مريم) التي تجسدها (منى زكي) لتشغل بها الشعب المصري عن اللغم الحقيقي وهو شخصية الشاذ، واستنكار الفيلم لموقف أصدقاءه منه ورفضهم لسلوكه وعدم احتضانهم والمجتمع له، وهذا هو التبني الذي يتجاوز مجرد الترويج للشذوذ.
الفيلم قدم شخصية الشاذ في صورة الإنسان المسالم الراضي بقدره المحب لأصدقائه والمحبوب منهم والمتعاطف مع قضاياهم والملتزم بممارسة الرياضة حرصاً على صحته البدنية، أما باقي الأصدقاء فمتعددو الوجوه، كاذبون ومخادعون، أنانيون وخائنون لبعضهم البعض، غير أسوياء سلوكياً واجتماعياً.
الهجوم الشرس الذي تعرضت له (منى زكي)، يعكس أننا كمصريين لم نتعامل مع الفيلم كعمل فني متكامل ولكن تعاملنا مع ما يخصنا فيه وهى الفنانة (منى زكي)، علماً أن منى ليست سوى أداة من أدوات توصيل الرسالة، والفيلم بكامله مصنوع من أجل رسالة محددة هي دعوة مجتمعاتنا لتقبل الشذوذ واحتواء هذه الفئة من الناس؛ رغم أن شعوبنا لم تكن يوماً مناهضة للمثليين أو محاصرة لهم ولم يتم حرمانهم من الوصول إلى أرقى المراتب، ولأننا مجتمع يرفض الكشف عن شواذه فقد سمعنا وقرأنا وتابعنا حكايات عن أشخاص قيل عنهم (شواذ) ووصلوا إلى مناصب تنفيذية وعلمية وفنية مهمة، ومنهم من لم يتول مناصب رسمية ولكن الناس وضعوه في مكانة خاصة لتميزه الإبداعي.
وليس (أصحاب ولا أعز) أول فيلم عربي به شخصية شاذة، فالسينما المصرية عبر تاريخها قدمت العديد من الشخصيات الشاذة ولكن بصورة كاريكاتورية ساخرة، ولن يسقط من الذاكرة لوسي ابن (طانط فاكيهة) في فيلم (إشاعة حب) مع عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي، وطاروطة في فيلم (البيضة والحجر) وقرني في (شوارع من نار) وتوتو في (مسجل خطر) ومدير أعمال المدام في (الراقصة والسياسي) وغيرهم الكثير، ولكن جميعها من دون لوم المجتمع أو اجباره على رفع هذه الفئة على الأعناق كما تتمنى نتفليكس ومموليها والمتحكمين الجدد في العالم.
(أصحاب ولا أعز) لم يكن الشذوذ قضيته الوحيدة ولكنها القضية الهدف التي تم دسها كما السم في العسل، وهى بداية لأفلام ستأتي لاحقاً وتحت إدارة محمد حفظي الذي يتولى للأسف إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، وستكون أكثر وقاحة وتجاوزاً من هذا الفيلم.
mahmoudhassouna2020@gmail.com