كتب : محمد حبوشة
يخرج علينا عمرو سلامة بعد كل تجربة جديدة حيث يقوم مفسرا وموضحا أن غموض عمله السينمائي أو التليفزيوني إنما هو يرجع إلى استناده لفكرة غير مألوفة، أو أنه دائما ما يفكر خارج الصندوق، ولست أدري من أي نوع صنع منه صندوقه هذا الخشبي أو الزجاجي الذي يحوى فكرا متطرفا أو تخاريف تندرج تحت مايسمى (فن الواقعية السينما الجديدة، أو الدراما التليفزيونية الصادمة)، ويستغفلنا دائما بقوله أنها في جوهرها تنشد الحرية، ومن ثم تتطرق إلى موضوعات غير مألوفة، وسرعان ما تكتشف أن أفلامه ومسلسلاته خاصة الأخيرة منها تحمل في طياتها أمورا غريبة ومريبة، حيث تغوص في قضايا إما أن تكون شائكة بما تحمله من مضمون سياسي يسقط على الواقع في خبث، أو تكون موضوعات شاذة في مضمونها الذي يرسخ للتفاهة والانحلال الخلقي على صخرة ما يطلقون عليه (الحرية الجديدة)، لذا تراه هو ورفيقه الصهيوني (محمد حفظي) يغردون خارج السرب من خلال منصات أجنبية أو عربية، ويتلقون الدعم من جهات أجنبية مشبوهة.
وآخر (إفتكاسات) الثنائي المريب (حفظي وسلامة)، الأول (إنتاج) والثاني (مشرف على الرؤية الإبداعية) وذك عبر مسلسل بعنوان (بيمبو) عرض مؤخرا على منصة (شاهد)، وأقل ما يوصف بالعشوائية على جناح التقليد الأعمي للأكشن الأمريكي، فقد لاحظت أنهم صدروا عبارة (+18 سنة) قبل بدء تتر المسلسل ما يعني أنه يحوى مواد حساسة أو ألفاظ خارجة أو غيرمألوفة للمراهقين، لكني اكتشفت أنها عبارة لمجرد التضخيم والتهويل للتغطية على تفاهة الفكرة وسخافة الموضوع الذي تدور حوله الدراما التي تروج للمخدرات، ومن ثم لايصح أن يشاهدها شباب في سن المراهقة – هكذا خيل لهم أن الأجيال الجديدة ساذجة إلى حد بلاهتهم – مع أن أبطال العمل كلهم يفترض أنهم ينتمون لفترة المراهقة، ولعل شخصية (بيمبو) من وجهة نظر المؤلف والمخرج وفريق العمل من الممثلين أثارت الجدل لتقديمها على أنه ليس مجرد (ديلر)، ولست أدري لماذا يحاولون إبعاد التهمة عنه رغم أن المسلسل يحكي قصته منذ الطفولة، إذ يحاول كثيرا الابتعاد عن المواقف التى تنبئ بالخطورة – على حد زعمهم – ، مع أنه يقحم نفسه فيها مع أول فرصة تلوح له.
ورغم أن (بيمبو/ أحمد مالك) من وجهة نظر صناع المسلسل يتعامل مع أبشع المجرمين فى مجاله، إلا أنهم أرادو أن يجملوا صورته كشاب عصامي، يمتهن مهنة شريفة، ويملك جانبا إنسانيا كبيرا يتضح فى علاقته مع (جابر/ ويجز)، ولكني لا أرى أن هنالك أي نوع من العلاقة المتوازنة القائمة على الاحترام بينهما، وألدهى والأمر، أنهم يحاولون إضفاء جانب رومانسى لا يمكن إغفاله على شخصيته المهتزة والموتورة ، يظهر ويتصاعد فى علاقته مع (جايلان) فى الدراما الاجتماعية التى صنفوها بالشبابية المليئة بالمغامرات والصراعات، رغم أنها مغامرات وصراعات تبدو لي ولكافة المشاهدين تافهة للغاية، من خلال أداء تمثيلي فاتر وممل وقصة تخلو من حبكة درامية تعتمد الإثارة، رغم أنهم يقولون أنها تعتمد على عدد من الشباب فى بطولتها، مثل (أحمد مالك، هدى المفتى، مغنى الراب ويجز، ملك الحسينى، والفنانين سليمان عيد ومجموعة من الضيوف منهم بيومى فؤاد، رزان مغربى، سينتيا خليفة، ووضع لها الفكرة وألف القصة محمد أديب، وشاركه فى كتابة السيناريو والحوار كل من خالد خلة، منة فوزى، ريم الدسوقى وعبدالعزيز النجار.
ربما تبدو القصة بسيطة من الوهلة الأولى، لكنها حتما مرتبكة تنم عن عدم نضج كاتبها ومؤلفها، حيث تدور حول مجموعة من الشباب العشرينيين يتوسطهم البطل بيمبو (أحمد مالك) تاجر المخدرات الخجول المرتبك الذي يعكر صفو استقرار حياته اختفاء فتاة لا يعرفها، لكنها صديقة للفتاة محط إعجابه لانا (هدى المفتي) يشاركه البحث صديق ظهر في حياته فجأة يدعى جابر (ويجز) في أول أدواره التمثيلية وأحد أسخف الظهورات في المسلسل، معا يحاولان كشف سر ذلك الاختفاء، والتحقيق في جريمة قتل وقعت في حفل صاخب، وتحت كل تلك التفاصيل المتناثرة يتم إلقاء دعابات وجودية على طريقة (وضع السم في العسل من جانب سلامة وحفظي) من نوعية (لماذا نحن هنا؟)، مع الإحالة لـ (ألبير كامو) مما ينذر بأن يكون المسلسل وعملية البحث من دون معنى حقيقي أو أن البحث ما هو إلا عملية بحث عن الذات.
لكن في النهاية لا يستطيع المسلسل التمسك بتلك الفكرة بل يقع في تقليدية إرساء المعاني التي تتعلق بطفولة البطل، ولماذا أصبح ما هو عليه وأنه يجب أن يحارب لأجل ما يحب ويجب أن ينتصر ويحمي مكتسباته، كما أنه ينغمس في زرع التواءة حبكة مقحمة تحيل إلى قصة خلفية لبطل آخر وتأثير طفولته الصعبة عليه وخذلان أهله له، بما يوحي بأننا أمام حبكة تقليدية عن شاب يحاول أن يجد نفسه ويقع في الحب ويكسب القضية والفتاة، لكن لسبب ما يطرح العمل علينا (بيمبو) كأنه ذلك الشخص العبقري الذي لا يعلم أحد قدره الحقيقي وأنه تورط في عالم الممنوعات على الرغم من إمكانياته الكبيرة، لكن لا توجد أية أدلة على ذلك ولا أسباب حقيقية تشجعنا على تشجيعه في رحلة نضوجه تلك التي أودت به إلى ترويج المخدرات.
نعم لانملك أدلة على تشجيعه، فبيمبو يملك محتوى هشا متخبطا لا يمكن تصور وجوده دون ما يشتت عنه أي بصخب الطريقة غير المستقرة وتلك الأسلوبية الواضحة لا تعوض عن قابلية المحتوى للنسيان ولا تملك ما يجعلها تقف بذاتها كإنجاز تقني وجمالي، وبالرجوع إلى طبيعة المحتوى المعاصر المنغمس في بحر من التأثيرات والجماليات المسروقة من أفلام أجنبية، فإن عمرو سلامة يستقي بالطبع من آخرين، فيبدو الأمر كما لو كان يستخدم ما توصلوا إليه بشكل جاهز، كما أنه لا يستقر على جمالية معينة في خلال مسيرته نظرا لعدم فهمه لصناعة تعتمد على الفكر والخيال.
في البداية امتلك (عمرو سلامة) شغفا بالمخرج الشهير (ويز أندرسون) وهو أحد أشهر الفنانين الذين يعلون قيمة البصريات فوق كل شيء آخر ويملك أسلوبا سوف تعرفه من نظرة واحدة، كما أنه أحد أكثر المخرجين المعاصرين تأثيرا وتعرضا للسرقة التي يسمونها بأسلوب مهذب (الاقتباس والتقليد) في الإعلانات التلفزيونية وفي تصميمات الجرافيك، ظهر ذلك التأثير في أعمال (سلامة) مثل فيلميه (لا مؤاخذة، وصنع في مصر) ربما بشكل أكثر وضوحا .. إذن الأفكار التي يتشدق بأن خارج الصندوق هي بالأساس مسروقة بالحرف من مخرجين عالميين.
ولأن (سلامة) يفتقد للخيال أو الحرفية في صناعة السينما والدراما بل يجنح دوما نحو التخريب باسم التجديد بتهويمات ساذجة تؤكد ضحالته، ففي مسلسل (بيمبو) اتجه عمرو سلامة إلى مخرج معاصر آخر وهو (إدجار رايت)، وبخاصة فيلمه الشهير الصادر عام 2010 (سكوت بيلجريم في مواجهة العالم)Scott Pilgrim vs The World ، الذي يقتبس رواية مصورة تتسم باستخدامها لجماليات ألعاب الفيديو خصوصا القديم منها، يتبنى (سكوت بيلجريم) تلك الطريقة بشكل كامل فنرى القتالات بين الأطراف المختلفة في صورة مواجهة رقمية أو عندما يركل أحدهم آخر ينفجر وتتناثر منه العملات المعدنية، كما يملك الفيلم طريقة (رايت) المميز في الكوميديا البصرية من قطعات المونتاج السريعة والكتابة على الشاشة، ويتبنى سلامة بمشاركة المخرج عمر رشدي جماليات الفيلم واحدة تلو الأخرى لكن من دون التزام حقيقي بأي منها في ثنايا مشاهد (بيمبو).
ففي بعض الحلقات يتم التركيز من جنب (سلامة ورشدي) على قطعات المونتاج السريعة التي يشتهر بها (رايت) وفي أخرى نسمع موسيقى مشابهة لتلك في ألعاب الفيديو الأثرية، كما أن شخصية الشرير مستر كاش (محمد لطفي) مشابهة لحد كبير لشخصية (جيديون) في (سكوت بيلجريم) حتى في إرساء طبيعة المواجهات شكليا والألوان المستخدمة في المشاهد التي يوجد بها، وكما هو معروف فإن كل من (إدجار رايت وويز أندرسون) مخرجان بصريان بشكل أساسي لكنهما يمضيان فترة تحضيرهما في استقاء تلك الجماليات التي تجعل من أساليبهما ما يمكن تسميته أصيلا، على الرغم من استخدامهما عناصر النوستالجيا وتأثرهما بمخرجين وفنانين بصريين بل وبفنون أخرى أقدم.
لكن في (بيمبو) لا يوجد ذلك المزج أو الشعور، إنه نتاج مشاهدات وتأثيرات مختلفة، إلا في كون الشريط الصوتي مصري بالكامل كما أن ذلك الخيار لا يمثل إضافة مثيرة أو جمالية مختلفة عما نراه في الإعلانات المصرية كل يوم في التلفزيون، عبثا حاول (سلامة ورشدي) اللعب على التنويعات الموسيقية المستخدمة على أغنية (شوفي) التي لحنها في الأصل (رياض الهمشري) وأضاف عليها المؤلف ساري هاني تنويعات ذكية هى محاولة لأن تحسن أجواء المسلسل بشكل جيد، وكان من الممكن الاكتفاء بتلك الأغنية والتنويعات كتيمة رئيسية في المسلسل، لأن كل ما تم استخدامه لم يمتلك التأثير نفسه، ذلك إضافة لاستخدام موسيقى من الثقافة الشعبية مثل (الضوء الشارد أو المال والبنون) للتأثير الكوميدي الذي لم ينجح نجاحا باهرا في بعض الأحيان، بل إنه يأتي مبتذلا في أحيان أخرى كما شاهدنا بأعيننا.
وبعد المشاهدة بتأن لحلقات المسلسل كاملا، أستطيع القول بأنه عمل يتأرجح بين نقد ثقافة الإنترنت والانغماس بها، فتعتمد الكوميديا الرئيسية فيه على السخرية من مؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي الفارغين روحيا الذين لا يهتمون بشيء غير القبول الوهمي من مجموعة من المتابعين الذين لا يعرفونهم، لكنه في النهاية مصنوع لهم ومنهم، يمكنك بسهولة توقع من سوف تراه على الشاشة في المشهد التالي، ففريق العمل كله من مجموعة من المؤثرين على تلك المواقع حتى الممثلين المحترفين منهم، وينتمي معظمهم لطبقة محددة جدا من مجتمع فسيح متعدد الأطراف كما نلمس ونحس ذلك.
كما لاحظت أيضا أن الحوار يعتمد في العمل كله على تلك الطبقة الاجتماعية المحدودة ونكاتها الداخلية التي سوف تترك الأغلبية من الناس على غير دراية بمكان النكتة، وبجانب الكوميديا الآنية المتعلقة بلغة هجينة من الإنجليزية والعربية المرتبطة بالطبقة العليا، فهنالك الكوميديا النوستالجية وتلك يمكن توقعها قبل أن يتلفظ بها قائلوها، كما يتضح لنا في كشك وشخصية باسم (بيبمو) وأخرى باسم (شمعدان) وشخص غامض يدعى (كيتو).
والذي يبدو غريبا لي أنه بعد عرض المسلسل وتصدره في بداية مشاهداته منصة شاهد، نشر (المشرف الإبداعي) عليه (عمرو سلامة) على صفحته الرسمية أنه سعيد باستساغة الجمهور (لمحاولاته) الكوميدية، و(محاولاته) السردية، وتصدره لقوائم مشاهدات شاهد، ربما في ذلك الوصف الذي استخدمه (سلامة) لإضفاء نوع من التواضع على النجاح المزعوم، فالحقيقة أن (بيمبو) بدا لي ولغيرى من النقاد والمتابعين كمحاولة لصنع شيء ما لكنها غير مكتملة، هو مجموعة تجارب عشوائية صادرة عن مشاهدات محدودة لوسائط بصرية وسمعية، لكنه ليس ثوريا على الرغم من امتلاكه لإمكانية أن يكون كذلك، لكنه ضل الطريق الصحيح والسطحية والسذاجة في صناعة دراما جيدة، فجاءت كترويج للتفاهة والمخدرات ليس إلا، والأدهى من كل هذا هو ذلك السطو على أفكار مخرجين عالميين ومحاولة تنفيذها، لكنها جاءت بشكل مشوه جراء جهله بأبسط قواعد الصناعة فأستحق أن نبصق على صناعه أيضا هذه المرة !!