تعرف على المحذوف من رائعة (زنابق لمزهرية فيروز) لـ (سميح قاسم، وخالد الشيخ)
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها .
كتب : أحمد السماحي
عام 1964، زارت جارة القمر (فيروز) مدينة القدس للمرة الأولى، مشت في شوارع المدينة، فتحلّق المقدسيّون حولها، نظروا إليها كما ينظر الأطفال إلى أمهاتهم، وتوقعوا منها ما يتوقّعه الأطفال من أمهاتهم، أن تأخذهم تحت جناحها وتقول لهم أن كل شيء سيكون على ما يرام، تروي (فيروز) أن امرأةً مقدسية اقتربت منها في أحد الأحياء وحكت لها عن المعاناة من اللجوء والاحتلال، عن أوضاع القدس والناس، فكان لذلك في نفس (جارة القمر) أثر بالغ ولم تتمالك نفسها من البكاء، أما المرأة المقدسيّة، فقد هالها أن تُحزن (فيروز) بكلامها، فسارعت إلى إهدائها إناءً للأزهار تخفيفاً عنها، وذكرى من مدينة القدس التي تحبها، كما يحب الأطفال الأمهات.
وبعد أن عادت إلى الفندق الذي تقيم فيه حكت لزوجها زوجها (عاصي الرحباني) بما حدث معها، فكان أن كتب الأخوان ولحّنا من وحي تلك الحادثة أغنية (القدس العتيقة)، وقاموا بتصوير الأغنية عام 1966 لتليفزيون لبنان فحققت نجاحا كاسحا ومازالت.
عام 1968 كتب الشاعر الفلسطيني الكبير (سميح القاسم) في ديوانه (دخان البراكين) متأثّراً بالأغنية، قصيدته (زنابق لمزهرية فيروز)، والتي تتخيل حواراً بينه وبينها: (من أين يا صديقة/ حملتِ المزهرية/ والنظرة الشقية/ من القدس العتيقة).
هذه التحفة الفنية حققت شهرة كبيرة بين المثقفين وعشاق الشعر، لكنها ظلت بعيدة عن الجمهور العادي، حتى جاء الموسيقار البحريني المبدع والمتفرد (خالد الشيخ) وأوصلها إلى الجمهور الواسع في العالم العربي من خلال ألبومه المتميز (ضيعوك) الذي أصدرته شركة (صوت بيروت) وطرح عام 1989، وشاركت (الشيخ) فى غناء هذه القصيدة، المطربة المغربية الراحلة (رجاء بلمليح)، وقام بالتوزيع المايسترو المصري الدكتور (مصطفى ناجي).
هذه التحفة الفنية تم حذف مجموعة بسيطة من الأبيات منها، نظرا لأن الموسيقار (خالد الشيخ) يبدو أنه كان متأكدا أن الرقابة على المصنفات الفنية في العالم العربي لن تسمح بغناء هذه الأبيات فقام هو من تلقاء نفسه بحذف هذه الأبيات القليلة التى كتبها الشاعر الفلسطيني الكبير (سميح القاسم)، هذه الأبيات المحذوفة وجدناها كاملة في ديوان الشاعر، وستجدونها مكتوبة باللون الأحمر.
من أين يا صديقة، حملت المزهرية
والنظرة الشقية، من القدس العتيقة
ومن ترى رأيتِ، في عتمة القناطر
من شعبنا المهاجر، وما ترى سمعتِ؟
رأيتُ بنتَ عمِّك.في طاقةٍ حزينة
تبوح للمدينة بهمَّها وهمك.
رأيتُ في الشوارعْ، ليلًا من العيونْ
وأخوةً يبكونْ، وألفَ طفلٍ ضائع.
رأيتُ سائحينْ، وبائعاً يصيح:
من يشتري المسيح بحفنتي طحينْ
رأيتُ في المداخن، عصفورةً جريحةْ
وطفلةً كسيحة تبكي على المآذن.
ومرة سمعتُ، مغنياً مهاجر
يصيحُ: يا ضمائرأضعتِ يومَ ضعت؟
هناك يا ابن عمي حملتُ المزهرية
والنظرة الشقيِّة، وقصةً عن أمي
عن أُمي الضحيَّة
لديّ يا صديقة، زنابق حمراء
ألوانها دماء، من القدس العتيقة
زنبقة حزينة، من دمّ بنت عمَّ
وجدتها مذبوحة، في طاقةً مفتوحة
تصيح بالمدينة: قولي لإبن عمي!!
زنبقةٌ بريئة، من مقلة مفقوءة
لكنها تنادي: أراك يا بلادي!
زنبقةٌ ريّانة، من طفلة محروقة
تصيح: يا خليفة، مهلا أنا عطشانة!
زنبقةٌ شريتها من بائعً مجندلِ
على سياج منزلِ لكنني.. ما بعتُها!
إليك يا صديقتي زنابقي الحمراء
زنابقي الدماء كي تكملَ الهديَّة
وردٌ.. ومزهريَّة من القدس العتيقة!!