بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
إنه لشيئ يدعو إلى الفخر أن تنظم مصر لقاءً لشباب العالم بهذا الانضباط و بهذه الحرفية وسط ظروف صحية عصيبة ، بحيث يلتقى هذا العدد الضخم فى مدينة شرم الشيخ دون التفريط فى صحتهم أو تعريضها للخطر . إنه لمجهود ضخم لو تم فى ظروف عادية ، يحتاج إلى جهود لتحقيق دقة التنظيم من استقبال و تسكين و انتقالات و تنظيم الجلسات و الفاعليات ، فكيف الحال و اللقاء يتم وسط ظروف استثنائية ؟ ، لكن مصر القادرة تقوم بكل هذا ، بل لا تنسى أيضا الجانب الثقافى و الفنى و الترفيهى. حقا إن منتدى شباب العالم مثال لما يستطيعه المصريون لو أرادوا و أخلصوا و بذلوا الجهد بلا تهاون و أحسنوا التخطيط و أتقنوا التنفيذ .
هذا اللقاء الشبابى الدولى الذى يتم تحت مسمى ( منتدى الشباب العالمى ) بدأ منذ عام 2017 تنفيذا لاقتراح الشباب أنفسهم فى مؤتمرهم بالإسماعيلية الذى كان أحد المؤتمرات الوطنية للشباب التى أطلقها السيد الرئيس تحت شعار ( ابدع و انطلق ) ليكون منصة للحوار المباشر بين الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة و بين الشباب المصري . و أثناء مؤتمر الشباب بالأسكندرية فى يوليو 2017 أعلن السيد الرئيس عن عقد الدورة الأولى لمنتدى شباب العالم فى نوفمبر من نفس العام ليصبح أول منصة دولية تتيح للشباب مناقشة القضايا والمواضيع التي تهم سكان العالم و التفاعل مع كبار صناع السياسات ، و أن يخلق مساحة للحوار المفتوح بين الثقافات والحضارات المختلفة ، كما يتيح المنتدى لمصر أن توجه رسالة سلام إلى العالم بأسره تؤكد فيها أنه لا بديل عن طريق الوحدة و التعاون بين كافة الشعوب لتحقيق التقدم و الرقى المنشود للبشرية كلها .
و يتطور المنتدى ليخرج من توصيات النسخة الثانية ملتقى الشباب العربى الأفريقى الذى عقد بأسوان عام 2019 ليمد جسور التواصل مع وطننا العربى الكبير و عمقنا الأفريقى الذى أهملناه فى عقود سابقة . و خلال الدورات الثلاث الأولى شارك فى المنتدى أكثر من 15 ألف شاب من 196 دولة قبل أن يتوقف عام 2020 بسبب الجائحة ، ليعود هذا العام فى شهر يناير متأخرا عن موعده المعتاد فى شهر نوفمبر. و اذا كان المنتدى – من وجهة نظرى – يسعى لعودة مصر إلى المكانة التى تستحقها كدولة رائدة و قوة إقليمية ، فهو أيضا يتفق مع محاور الثقافة فى رؤية مصر 2030 و التى ترمى الى تعزيز القيم الإيجابية و مكافحة التطرف من خلال تحقيق العدالة الثقافية ، و اكتشاف و رعاية الموهوبين و المبدعين .
و كم كانت سعادتى بحضور السيد الرئيس لحفل الافتتاح الذى تضمن عرضا مسرحيا شارك فيه ممثلون من جنسيات مختلفة بقيادة المبدع القدير خالد جلال ، و خلال العرض ظهر تفاعل السيد الرئيس مع العرض و تأثره بأحداثه ، و فى النهاية وجه كلمات الشكر و التقدير و الاعتزاز لكل المشاركين ، فكانت لفتة من السيد الرئيس تعبر عن رؤيته من خلال رسائل متعددة أبرزها هو اهتمام القيادة السياسية بالفنون و تقديرها و احترام دورها ، و لكن للأسف ما يجرى على أرض الواقع أمر آخر ، فمن يقومون بالتنفيذ لا يملكون نفس الرؤية ، بل أستطيع أن أردد ما قاله الاعلامى الكبير ابراهيم عيسى من أن المسئولين ينفذون رؤية الرئيس فيما يخص البناء بنسبة تقترب من 80 % ، أما فى المجالات الاخرى فلا تتعدى النسبة 10% .
السيد الرئيس يصفق بحرارة و إعجاب لعرض مسرحى ، بينما يتم تخفيض ميزانيات جهات الانتاج المسرحى و يطبق عليها قرارات بالتقشف و تقليص المصروفات ، و كنا نستطيع أن نفهم هذا و نقدره العام الماضى بينما كانت المسارح مغلقة بسبب الجائحة ، أما و قد تم فتح المسارح فلماذا نترك البشر بلا فنون سوى ما تبثه القنوات الفضائية و المنصات و وسائل التواصل الاجتماعى بكل ما تحمل من رسائل مشوهة للاجيال؟ . ألا يصبح كل حديث عن مكافحة الإرهاب و تعزيز القيم الإيجابية مجرد حبر على ورق ؟ ، بل يصل التقليص إلى إلغاء بند الدعاية تماما !! . أراهن أن من اتخذ هذا القرار لم يشاهد مسرحا فى حياته و لم يسمع عن أهداف الدولة فى تنمية الصناعات الثقافية .
السيد الرئيس يحيي الفنانين الشباب و يشكرهم بينما جهات كثيرة فى المجتمع تمارس الإرهاب الفكرى ضد الفن و الفنانين ، و أعتقد أن واقعتين تمتا فى مجلس النواب كافيتين للتدليل على ممارسة ذلك الارهاب ، أولها اعتذر عنها النائب الذى أساء للفنانين ، و ثانيها تم طمرها و السكوت عنها عندما توعد بعض النواب بتقديم استجواب بسبب اسم مسرحية – تم تقديمها من قبل فى مصر – لأكبر فلاسفة فرنسا و أحد أهم مبدعيها !! و هذين مجرد مثلين بدلاً عن ذكر عشرات الوقائع .
السيد الرئيس يناقش حقوق الإنسان فى مصر على الملأ و يوضح وجهة نظره ، و لم يمنع المتحدثة من إلقاء خطابها ، أو يقاطع مراسلا يسأله عن الاعتقالات و الاختفاء القسرى ، بينما الرقابة عندنا ترتعش من أى كلمة أو لفظة تتخيل هى – عكس الحقيقة – انها تنتقد المجتمع ، بل عادت الرقابة الى مراجعة نصوص قديمة تتكلم عن عصور سابقة – و تمت إجازتها من قبل و قدمت عدة مرات – تفتيشا فى ضمير مؤلفيها الراحلين . لم تجد الرقابة فى مسلسل الاختيار – الذى قدم ضباطا خائنين بلا حساسية – ما يحفزها على رفع قبضتها الخانقة التى من أمثلتها عدم تقديم شخصية الضابط فى الأعمال الفنية .
السيد الرئيس يدعم الشباب الموهوبين فى الفنون و من قبل ألحق بعضهم بالدراسة فى ( الأكاديمية الوطنية للشباب ) ، و اليوم تتعسف بعض الجهات القانونية فى مطالبتهم بالتسجيل فى منظومة الفاتورة الإلكترونية ، و كأنهم مقاولين أو موردين أو أصحاب شركات !! بل يبدو أن الحكومة لا تريد إصلاحا للخطأ الأساسى و هو تطبيق قوانين موضوعة لوزارات الصناعة و التجارة و التموين على الفن و الفنانين و الإبداع .
منتدى شباب العالم الذى يتناول ثلاث قضايا أساسية – حسب موقع رئاسة الجمهورية – هى ( السلام و التنمية و الإبداع )، و يقيم مسرحا تتوالى العروض عليه ، تتم وقائعه بينما يتعسف بعض المسئولين فى فتح المسارح المغلقة فى القاهرة و الاقاليم تنفيذا لشروط لا تنتهى ، و لا تنفذ إلا على المسارح فقط ، بينما تتسامح مع كافة الأماكن التى تحوى تجمعات !!
ادعو الله أن يدرك المسئولون رؤية السيد الرئيس ، و يعملوا بها .