أصالة تعيد زمن الروقان والطرب بقصيدة (لا تشك للناس) بتوقيع طلال وكريم العراقي
كتب : أحمد السماحي
(لسه الأغاني ممكنة)، ولسه الأغاني الحلوة قادرة على انتشلنا من همومنا وأحزاننا وانكسارنا، إذا كانت في قيمة وروعة أغنية (لا تشك للناس) التى طرحتها المطربة (أصالة) خلال الساعات القليلة الماضية، فالمتأمل للساحة الغنائية يجد أنه بين تراث موسيقى قيم ورائع – يتمثل في الموشح والدور والقصيدة – يتلاشى، وواقع موسيقي لا هوية له تغلب عليه أغاني المهرجانات، تقف الأغنية العربية حائرة بين حنينها إلى القديم، وواقعها المأساوي الذي أفقدها مقوماتها الفنية والشخصية.
فالأغنية سلاح ذو حدين قد تفيد في الرقي بالحياة إذا ما حضر الوعي بقيمتها وبأهمية رسالتها، وهى أيضا تجل من تجليات الكلمة، لكن لا ضامن لخلودها ودوامها غير مصداقيتها، وقوتها الداخلية، وطاقتها على الحرق والاحتراق، إنها الأداة التي بها نجهر مشاعرنا أو مواقفنا الفردية والجماعية، الأغنية رأي، والرأي كلمة، والكلمة نار، والنار الضعيفة تطفئها الرياح.
وجاءت الكلمة في قصيدة (لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه) نور ونار قوية صعب أن تطفئها رياح الزمن، أو رياح الفوضى الغنائية التى نعاني منها حاليا، فهذه القصيدة التى كتبها بحرفية عالية ومزاج فني المبدع الكبير صاحب الروائع الغنائية (كريم العراقي) ستبقى بقاء كل الروائع الخالدة مثل: (الكرنك، والأطلال، وهذه ليلتي، كليوباترا، الجندول)، حتى (أيظن، ورسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان، وأغضب، وتلوموني الدنيا، القدس) وغيرها من الروائع الكثيرة التى كتبها أساطين الكلمة في زمن الغناء الجميل.
ولحن قصيدة (لا تشك للناس) الموسيقار المتميز الدكتور (طلال) القابض على جمر النغمة الشرقية، والذي يحاول أن يعيدها لنا من خلال ألحانه المطرزة بهويتنا الشرقية الأصيلة التى هربت منا وتاهت في زحمة هوس التجديد الموسيقي، ولمع الموزع (يحيي الموجي) بقوة في هذا اللحن بإبرازه الآلات الموسيقية الشرقية الأصيلة مثل القانون، والعود، والباص، والناي، والإيقاع.
موهبة الدكتور (طلال) وغزارتها وتدفقها تجعل من الصعب على المصابين بالكساح الإبداعي أن يعرقلوا التيار الموسيقي الذي أفشاه في ساحة الغناء العربي، إذ يبدو (طلال) كمياه الفيضان زمان، حين كانت تكتسح في طريقها جسور الطين والأشجار الجافة والحيوانات النافقة في فوران مدمدم يعلن بوضوح أن ما سوف يمكت في في الأرض هو ما ينفع الناس فقط.
أما أداء (أصالة) للقصيدة فجاء ساحرا ومتمكنا ومعبرا والأهم صادقا، واستطاعت بصوتها القوي العذب أن تعبر عن لحن (طلال) بكل بساطة وفهم رغم أن اللحن مليئ بالتحديات، ويبدو كشلال صاخب، لكنها استطاعت أن تتنقل بسهولة ويسر بين ثنايا اللحن في تصاعد وهبوط كما وضعه الملحن، والأجمل أنها تصاعدت بأحاسيسنا بجمال وبشكل درامي جدا، وبشكل واعي جدا.
القصيدة جاءت ضمن ألبوم سيتم طرحه قريبا كله من ألحان الموسيقار (طلال) بعنوان (لا تشك للناس) طرحت شركة (روتانا) المنتجة للألبوم منه حتى الآن وخلال الأيام القليلة الماضية 4 أغنيات هي (أنا دخيل الله) كلمات سعود البابطين، توزيع ميثم علاء الدين، (سلطان المحبة) كلمات الامير فيصل بن تركي بن عبد الله، توزيع حسام كامل، (ياشايفين انفوسكم) كلمات عبد الله بودله، توزيع سيروس، والرابعة (لا تشك للناس).
تقول كلمات قصيدة (لا تشك للناس) :
لاتشك للناس، جرحا أنت صاحبه
لايؤلم الجرح، إلا من به ألم
شكواك للناس يابن الناس منقصة
ومن من الناس صاح مابه سقم
فإن شكوت لمن طاب الزمان له
عيناك تغلي ومن تشكو له صنم
وإن شكوت لمن شكواك تسعده
أضفت جرحا لجرحك، اسمه الندم
لا لا لا تشكو للناس
لا اليأس ثوبي، ولا الأحزان تكسرني
جرحي عنيد، بلسع النار يلتئم
اشرب دموعك، واجرع مرها عسلاً
يغزو الشموع حريق، وهى تبتسم
ومن سوى الله، نآوي تحت سدرته
ونستعين به، عونا ونعتصم
كن فيلسوفاً ترى أن الجميع هنا
يتقاتلون على عدم وهم عدم
في النهاية ألا يستحق هذا الثلاثي العبقري (أصالة، كريم، طلال) أن نحتفل به احتفالا حقيقيا وهائلا، لأنهم أهدونا مثل هذا الكلام الراقي إلى قلوب وعقول الناس في مصر والعالم العربي؟!