كتب : محمد حبوشة
تبحث الأمم دائما عن التطور من أجل تيسير الحياة والتقارب بين الشعوب والأمم وساعد على ذلك فعلا وسائل التكنولوجيا الحديثة، غير أن استخدام البعض السيئ لها حولها عن مسارها، وأصبحت الكثير من وسائل الإعلام والاتصال الحديثة كالتلفزيون والإنترنت والهاتف المتحرك تستخدم كأداة للفتنة بين الشعوب وجعلت من الأحداث الملتهبة وسيلة سهلة لزيادة الخلافات بين الناس وساعدت في انتشار كلمات وألفاظ لم نكن نسمع عنها من قبل، وأوجد ذلك انقساما بين بعض الشعوب لأسباب تافهة بسبب مباراة كرة قدم أو مسابقة لملكات الجمال، أو نشر صور مفركة تؤدي إلى التحرض على الانتحار، بل وحدثت تفرقة في بعض الدول بين مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة ينتمون إلى شعب واحد .
الكلام هنا عن خطايا مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما في جانبها الإيجابي مثل: فيسبوك وتويتر وإنستجرام تؤدي إلى التواصل والوصول إلى آخر أخبار الأصدقاء والعائلة، والبقاء على اطلاع بما يحدث في العالم، وأيضا مشاركة تفاصيل حياتك مع الأخرين، لكن يبقى هناك قلق واضح بشأن ما تفعله هذه المواقع بالبيانات التي نشاركها عبرها، حيث إننا نساهم في تقديم الكثير من المعلومات بطريقة غير مباشرة تستغلها هذه المواقع في توجيه الرأي العام حول الأثر السلبي لنشر الصور ومقاطع الفيديو، إذ تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي طريقة سهلة للتواصل مع المستخدمين الآخرين، أو التعرف عليهم أينما كانوا دون التقيد بالحدود الجغرافية، الأمر الذي من شأنه كسر الحواجز الثقافية بين المجتمعات المختلفة.
ومعروف أن تلك المواقع في هدفها النبيل تسعى لزيادة الوعي بالقضايا المجتمعية، حيث تسمح وسائل التواصل الاجتماعي لأفراد المجتمعات بمُناقشة قضايا مهمّة بالنسبة لتلك المجتمعات سواء كانت قضايا بيئية، أو أخلاقية، أو غيرها، مما يزيد من وعي الناس بتلك القضايا، فضلا عن أن التطرق لتلك القضايا والتوعية بها جعل كفة ميزان القوة الإعلامية تميل لصالح الجمهور، وهو ما يصعب على منصات الإعلام التقليدية تحقيقه، فضلا عن أنها تقوم بتعزيز القوة الاقتصادية، حيث تستخدم العديد من شركات الأعمال والتجارة وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التواصل مع زبائنهم والتسويق لمنتجاتهم، كما تتميز وسائل التواصل الاجتماعي اقتصاديا نظرا لقلة الكلفة المالية اللازمة لعمل إجراءات اقتصادية بحثية في سوق معين.
والأمر المؤكد أن تلك المواقع تعمل على تقليل نسبة البطالة حيث تتيح وسائل التواصل الاجتماعي نشر العديد من فرص العمل عبر منصاتها، وتشير الدراسات إلى أن نسبة 60% من أصحاب العمل يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن الموظفين، كما أن ما نسبته 19% منهم يختارون شخصا ما لشغر وظيفة معينة تبعا للمعلومات التي تتوافر عن هذا الشخص عبر حسابات منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به، ذلك وفقا لاستبيان أجراه موقع (Career Builder) عن التوظيف في وسائل التواصل الاجتماعي عام 2016م، وتعرف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها مجموعة التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي تستخدم للتواصل مع الآخرين، ونشر المعلومات، ومشاركة المحتويات، وغيرها.
لكن من أهم سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي أنها تحد من التواصل وجها لوجه بين أفراد المجتمع، حيث تجرى العديد من الاتصالات عبر هذه الوسائل من خلال محادثات كتابية عبر لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، وهذا الأمر من شأنه التأثير على مهارات التواصل الحقيقي مع الآخرين سلبا والحد منها، ناهيك عن صعوبة إيصال المشاعر، فوسائل التواصل الاجتماعي تحد من القدرة على التواصل العاطفي بين أفراد المجتمع، حيث يقتصر الأمر خلالها بإرسال الرموز التعبيرية للتعبير عن الحزن أو السعادة، ولكن هذه الرموز التي يتم استخدامها لا تفسر بالضرورة حقيقة مشاعر صاحبها، ويؤثر هذا الأمر على العلاقات بين الأفراد، كما أنها تتسبب بالكسل، بل إن وسائل التواصل الاجتماعي أحيانا تكون سببا في شعور أفراد المجتمع بالكسل، حيث يعد الاستخدام المريح الذي توفره هذه الوسائل في سبيل التواصل مع الآخرين أسهل من عناء الذهاب إليهم ومقابلتهم بشكل شخصي على سبيل المثال، الأمر الذي يخلق نوعا من الخمول والكسل لدى الشخص.
لكن من أخطر الآثار السلبية لوسائل التواصل أنه أصبح لها التأثير على العلاقات الأسرية وتكون سببا مباشرا في تفكك الأسرة والمجتمع، فلوسائل التواصل الاجتماعي دور في انشغال أفراد العائلة الواحدة عن بعضهم؛ وذلك لأن كل واحد منهم يقضي ساعات طويلة في استخدام تلك المواقع بدلا من التواصل مع باقي أفراد عائلته وتعزيز علاقاته معهم، والكارثة الكبرى أنها تساهم في نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة، يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض الأشخاص بهدف نشر الإشاعات بين أفراد المجتمع وتضليلهم بالأخبار الكاذبة، أيضا انتهاك الخصوصية وأحيانا سببا في العديد من المشكلات التي يواجهها المستخدم نتيجة انتهاك خصوصيته عبر تلك المواقع، سواء من خلال الوصول إلى المحتوى الشخصي الخاص به عبر تلك الوسائل، أو من خلال معرفة الموقع الجغرافي الحالي له، ولعل التنمّر الإلكتروني أداة يساء استخدامها ضد أطفال المجتمع وكباره أيضا، حيث تعرضهم للتنمر الإلكتروني.
ومن شأن هذا الأمر التأثير على كافة أفراد المجتمع حيث يمكن أن يتسبب بإصابتهم بالاكتئاب والقلق الذي يدفع إلى الانتحار، تماما كما حدث مع الطالبة (بسنت خالد) ضحية هذه المواقع والتي عاشت حياة مأساوية وعاشتها معها أسرة الطالبة ضحية الابتزاز الإلكتروني، والغريب أن الأهل عادة ما يقفون عاجزين عن التصرف في مثل تلك المواقف الكارثية، فقد قالت شاهيناز خالد شقيقة بسنت ضحية الابتزاز في الغربية المنتحرة، في مداخلة لها عبر أحد بوامج التوك شوز، إنها الأخت الكبرى للراحلة بفارق ثلاث سنوات، مؤكدة أنها لم تكن تعلم شيئا عن الأحداث التي جرت قبل الانتحار إلا الجمعة الماضية، حيث فوجئت بوالدي قادما من الخارج وبحوزته صور ومقطع فيديو وعرضها على والدتي وكنت موجودة.. وأكدت والدتي أن الصور ليست لبسنت وأنها مفبركة، وأضافت شاهيناز خالد في مداخلة هاتفية، خلال برنامج (كلمة أخيرة) الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON، قائلة: (عندما عادت بسنت من الدرس قالت لنا الصور مش بتاعتي وإن فيه واحد دخلي على الواتس وبسبب رفضي هددها بالصور.. وقلتله عاوز تعمل بيها أي حاجة أعمل وأنا واثقة من نفسي).
التراجيديا الإنسبكت بسنت بسنت واحتضنتها أمها بقوة وهدأت من روعها وقالت لها (أنا مصدقاكي وعارفة كل كلمة من غير ماتدافعي عن نفسك.. والجسم اللي في الصورة مش جسمك)، لكنها أصيبت باكتئاب حاد، وبعد أن صلت الجمعة كتبت الرسالة الأخيرة لها وتناولت حبة الغلة وأصيبت بإغماء في الصالة وقيء شديد وكانت رائحة حبة الغلة تفوح في أرجاء المنزل، وقامت أمها في فزع وقالت لها (ليه بتعملي كده)، وعلى الفور نقلت لغرفة الرعاية المركزة بالمستشفى وبعد ساعة ونصف قالوا لأهلها: البقاء لله، وعلى الرغم من معرفة الأهل وثقتهم في ابنتهم إلا أن الاكتئاب تمكن منها، لأن أصحابها كان يتنمرون عليها قبلها بـ 10 أيام، وحتى أن أحد المدرسين الذي يفتقد للضمير الإنساني قال لها ساخرا: (إنتي بقيتي تريند أكتر من كليب مهرجان شيماء).
ومن أجل ما مضى من آثار سلبية من شأنها تفشي الآثار السلبية الناجمة عن مواقع التواصل التي قطعت صلة الأرحام وتسببت في كوارث تؤدي إلى جرائنم الانتحار وغيرها من جرائم جراء الابتزار الإلكتروني، كشفت دراسة جديدة أن هناك ما يقرب من 50 تأثيرا ضارا مرتبطا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ليست متعلقة بالصحة العقلية فقط، وأفاد أكاديميون في جامعة سيدني للتكنولوجيا عن 46 تأثيرا ضارا مرتبطا باستخدام مواقع مثل (فيسبوك، تويتر، إنستجرام)، من بينها القلق والاكتئاب والمضايقات والتحريض على الانتحار والمطاردة عبر الإنترنت والغيرة والإفراط في المعلومات وانعدام الأمان على الإنترنت، كما كشفوا في ورقة بحثية جديدة، وبشكل عام: تتراوح قضايا وسائل التواصل الاجتماعي من مشاكل الصحة البدنية والعقلية إلى الآثار السلبية على الأداء الوظيفي والأكاديمي، فضلا عن قضايا الأمان والخصوصية، وفقا للأكاديميين.
وحتى الآن، ركزت الأبحاث حول الشبكات الاجتماعية (بشكل كبير على فوائدها وإمكاناتها)، كما يقولون، لكن هذا يعني أنه تم التغاضي عن آثارها السلبية، ويقول معدوا الدراسة في ورقتهم البحثية: تستند هذه الدراسة إلى العمل المحدود الموجود على ما يسمى بـ (الجانب المظلم) لاستخدام OSN الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت، إن الشعبية الهائلة لشبكات OSN تسلط الضوء على أهمية فهم الآثار الإيجابية والسلبية لاستخدامها، وبالنسبة للدراسة، راجع الفريق أكثر من 50 مقالة بحثية نُشرت بين عامي 2003 و2018. وفي عام 2003، كانت وسائل التواصل الاجتماعي ما تزال في مهدها، وتأسست إحدى الشبكات الاجتماعية الأولى، MySpace، في عام 2003.
وعثر على آثار ضارة لوسائل التواصل الاجتماعي تشمل انتهاك الخصوصية والخداع والذعر والصراع مع الآخرين وزيادة الشهية للمخاطرة المالية، وأوضحت معدة الدراسة (ليلى بورون) من جامعة التكنولوجيا في سيدني، أن بعض الآثار السلبية الأكثر شيوعا شملت الأضرار النفسية مثل: الغيرة والوحدة والقلق وتقليل احترام الذات، بالإضافة إلى أشياء مثل التعرض للبرامج الضارة ومخاطر التصيد الاحتيالي، وبشكل عام، قام الباحثون بتجميع الآثار السلبية في ستة موضوعات: (تكلفة التبادل الاجتماعي،المحتوى المزعج، مخاوف الخصوصية، التهديدات الأمنية، التسلط عبر الإنترنت، الأداء المنخفض).
وتشمل تكلفة التبادل الاجتماعي الأضرار النفسية، مثل الاكتئاب أو القلق أو الغيرة، وتكاليف أخرى مثل إضاعة الوقت والطاقة والمال، ويتضمن المحتوى المزعج، في الوقت نفسه، مجموعة واسعة من المحتوى الذي يزعج المستخدمين، سواء كان عنيفا أو جنسيا أو فاحشا، وحاليا، ومعلوم أن أكثر من 3.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تؤدي زيادة الوعي بمخاطرها المحتملة إلى تشجيع المستخدم على الاعتدال، ومساعدة مهندسي البرمجيات والمعلمين وصناع السياسات، على تطوير أساليب لتقليل آثارها السلبية، وفقا لفريق البحث، وتبحث (بورون) حاليا في العوامل التي تؤثر على إدمان وسائل التواصل الاجتماعي والاستراتيجيات التي يستخدمها الناس لتنظيم سلوكهم، وستكون الخطوة التالية هى تطوير واختبار التطبيقات وميزات التصميم والحلول الأخرى التي يمكن أن تقلل من هذه الآثار السلبية.
وحتى الانتهاء من عمليات التطوير التي تقوم بها (بورون) وغيرها علينا كأسر ومجتمعات أن نضع أولياء الأمور أمام مسؤولية كبيرة تدعوهم إلى تقديم التوجيهات والإرشادات الكفيلة بالاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام برامج التكنولجيا الحديثة التي تسمح بالاستخدام السليم للأنترنت لحماية الأبناء من المخاطر غير المتوقعة، والبليغة على شخصياتهم مستقبلا، ولابد من الحيطة والحذر من أن يقع أطفالنا فريسة لتجمعات أو منظمات تهدف للإيقاع بالناس، وتجميع مناصرين لتنفيذ أفكار مريضة أو أعمال مشبوهة أو عمليات تجسس أو أعمال إرهابية، وأن نكون دائما بكامل وعينا بالتعامل مع الغرباء.
وعليكم من الآن فصاعدا أن تحرسوا أطفالكم وتحموهم من الوقوع بهذا الفخ؛ كونهم غير مدركين لكافة الأمور مهما تمتعوا بذكاء أو ثقافة فهم ما زالوا يفتقدون للخبرة الكافية في كيفية التعامل والتعاطي مع وسائل التكنولجيا الحديثة، بزعم أنه لا ينكر أحد في عالمنا الحالي أهمية وجود شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تقرب بين القاصي والداني وتجعلنا نشاهد أشخاصا في بلاد بعيدة عنا، بالصوت والصورة بالإضافة إلى تتبع جميع الأخبار التي تدور من حولنا، حيث أصبحت المعلومة تصل إلى الشخص من خلال هاتفه المحمول أسرع من قراءته لها بالصحف أو مشاهدته لها عبر التليفزيون، والذي تقع عليه هو أيضا مسئولية التوعية بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي عبر برامجه التي لاترسخ سوى للتفاهة.