(كونراد وفرجينا) وسهم (ريتشارد).. كل سنة وأنتم طيبين
بقلم : محمد شمروخ
قطع العادة فال وربنا ما يقطع لنا عادة، ففى كل سنة وفي مثل هذه الأيام يثار السؤال الخالد عن حرمة أو حل تهنئة المسيحييين بالعيد على الشاشات الفضائية والافتراضية، لتثور معه سحائب الغبار بين مؤيد ومعارض وحائر وصامت ومتربص ومتنح.
إيه ما زهقناش؟
خلاص يا سيدى محدش جبرك تهني ولا متهنيش، لكن الفرصة لا يمكن تفوت، فلابد من ملء الاسكريبت بتاع البرنامج ولابد من سائل ومسئول متصل ومتصل به.. ولكن كلا من السائل والمسئول أو المتصل والمتصولون جميعهم، لا يريدون إجابة، بل يريدونها لدلدة في الكلام وبس.
بس على مين.. طيب الناس دى تشتغل على إيه.. ده أكل عيش يا صاحبي.. يعنى السيد المذيع الخبيث عندما يسأل هذا السؤال لضيفه العالم العلامة البحر الفهامة، فهو يعلم الإجابة مسبقا ولكنها فرصة للصعبنة ومصمصة الشفاه وسح الدموع.
قال يعنى المتطرفين ممكن يختشوا على دمهم ويبطلوا فتاوى عن حرمة تهنئة “الإخوة” المسيحيين!!
ومن الجانب الآخر فإن المتصل الأشد خبثا يلقى على مسامح الشيخ وهو يسوى عباءته أو يضبط كرافته أو يهندم ياقة قميصه أمام الكاميرا لينطلق بالإجابة بعد أن (يوصى المتصل التلفزيون الأول) بحرمة أو جواز تهنئة (الإخوة المسيحيين) بأعيادهم!
وكل مرة كده.. ولا يقتصر الأمر على عيد الميلاد ولا عيد القيامة ولا حتى مولد النبي ولا شم النسيم، بل الأمر وصل إلى مناقشة جواز التهنئة بالأعياد القومية والوطنية وعيد الفلاح وعيد المعلم وربنا يكتر أعيادنا.
لكن عايز تسمع رأيى الذي لن يعجبك، هو أنى أرى أن الحرام في الأعياد سواء كان كريسماس 25 ديسمبر أم رأس السنة الميلادية أم مولد النبي، ليس في التهنئة ولا عدمها، بل هو في الإسراف الذي لا يرضي كلا النبيين العظيمين (محمد – صلى الله عليه وسلم) أو (عيسى عليه السلام)، ولا أى من الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فأى مناسبة مسيحية تلك التى يصبح عنوانها الإسراف في الزينة بشكل لا يمكن أن يتناسب مع تعاليم السيد المسيح القائمة على نبذ مظاهر الترف والإسراف؟، فتلك زهرة الحياة الدنيا التى تفتن الناس وتجعلهم يسرفون وهم يظنون أنهم يحتفلون بمناسبة دينية!
دينية؟!
يا راجل قل كلاما غير هذا.
أي دينية في الحفلات الصاخبة التى تجرى فيها الخمور الفاخرة أنهارا وتتعرى الصدور والأكتاف والنحور والسيقان في قاعات الفنادق وصالات الملاهي؟!
ما شأن المسيح بكل هذا؟!
فالمناسبة أساسا لا يحتفل بها بمثل هذا الإسراف من يتبعون تعاليم المسيح، بل هو تجاهل متعمد لها وتنكر للمباديء المسيحية بكل صراحة ووضوح، فلا أصل ولا فرع في المسيحية أساسا لما يسمى شجرة عيد الميلاد، بل هى رمز باق من تراث الشعوب الوثنية فيما قبل المسيح، ولا أساس لها في الأناجيل ولا بكتب ولا سير آباء الكنيسة ورموز العقيدة.
لن أحدثك عن أن تاريخ ميلاد السيد المسيح نفسه محل خلاف شديد ولا يمكن الجزم تاريخيا به وما ذكره المؤرخ الرومانى يوليوس أفريكانوس – الذي عاش ما بين القرنين الثانى والثالث الميلاديين – لا تؤيده أى أدلة نقلية أو علمية بل إن أفريكانوس هذا نفسه لا توجد وقائع مؤكدة عن أحداث حياته هو شخصيا، ومحاولة تأريخه للكون منذ بدء الخليقة وحتى ولادة السيد المسيح، مجرد محاولات يمكن وصفها بكل ارتياح بأنها محاولات ضعيفة وساذجة!
دعنى أغيظك على (طريقة إخواننا السلفيين) وأكشف لك أن المسيح – عليه السلام – نفسه وآباء الكنيسة الأوائل وعلماء اللاهوت في العصور الأولى، لم يهتموا بالاحتفال بمولد المسيح، ويمكنك أن تسأل وتراجع هذا وستعود خالي الوفاض، لأنك أتعبت نفسك فيما لا جدوى من ورائه، فاتباع تعاليم الأنبياء لا علاقة له بالاحتفال بأحداث حياتهم من ولادة ووفاة وغيرها، فتلك وقائع تاريخية لا شأن لها بالعقيدة، فلذا لم يهتم المسيحيون الأوائل ولا المسلمون الأوائل بهذه المناسبات ولا رأوا فيها أية دلالات دينية، لكننا لأننا أكثر تقوى وأكثر حرصا على الدين ومظاهر الإيمان من الحواريين والصحابة صرنا نحتفل بعيد الميلاد والمولد النبوى، فنسرف في الزينة والأكل والشرب وكل مظاهر الترف وننسى أن التبذير ضد جوهر الدين ذاته.
يمكنك أن تريح نفسك الآن لتتهمنى بأنى سلفى داعشي وهابي.. براحتك يا عم، فما دمت ترى أنك أكثر حرصا من أتباع نبيك الأولين، فأنت وشأنك.. لكن هذا في النهاية لن يغير من حقيقة أن المسيح عليه السلام لا يحق لك الجدال في أنه لا يمكن أن يرضى بهذا الإسراف تحت مسمى الاحتفال بميلاده ولا أى مسمى آخر.
احتفل كما شئت فانصب الشجرة وعلق رؤوس الكائنات الغريبة عليها، وارقص على أنغام الموسيقى الصاخبة كما تحب، وانتظر هدايا الحج نويل وفرقع الشمبانيا وصب الويسكي وفي الآخر قبل تلك التى تراقصها عندما تطفأ الأنوار مع دقات العام الجديد، لكن لا تفتر القول بأنك تحتفل بميلاد السيد المسيح.
ترى ماذا لو جاء المسيح في ليلة الاحتفال بعيد المبلاد ليشهد بنفسه كيف يحتفلون به.. تراه ماذا سيفعل أمام كل هذا البذخ من الكهارب والأطعمة والحلويات والخمور والفساتين العارية، ثم إطفاء النور وقبلة منتصف الليل؟!
ماذا يمكن أن تجيبوه لو سأل عن شجرة منسوبة ليوم مولده علقوا عليها كمثل رؤوس الشياطين؟
وماذا عن هذا الكائن المضحك الذي جعلناه كالبلياتشو ودعوناه بابا نويل؟!
ألا نخجل من أنفسنا؟!
ما علاقة السيد المسيح بكل هذا؟!
لكنها يا سيدى تجارة تدر المليارات، فاحسب تكاليف الأطعمة والكهارب وتذاكر الطيران وحجز الفنادق وتجهيز الحفلات وصناديق الويسكي والشمبانيا والبيرة (وخلافه) وأنت تعرف من الذي يربح من وراء هذه الاحتفالات؟!
أحرق دمك وأنت تتهمنى بالظلامية والسلفية والانغلاق لأنى ضد بهجة الناس بيوم في السنة، بينما يجنى غيرك المليارات من كل هذه المسخرة؟!
ياعم ولا تزعل نفسك كل القصة أننى أريد أن أنبه هؤلاء الحازقين الحانقين إلى ما هو أهم من الصداع السنوى حول تهنئة (الإخوة المسيحيين).. لكن الحانقين المشمأنطين لن يهمسوا ببنت شفة عن كل هذا الإسراف الذي يفعل باسم الأنبياء سواء في ميلاد المسيح أم في مولد النبي.
وآخر سؤال (هل هنأتم أخاكم عيسى بعيد الميلاد؟!).
بس قبل ما تهنيه حاسب من أن تزعج كونراد وفرجينا بتهنئك للأخ عيسى وحاسب من آرثر لأنه واد خطر وممكن يعورك بالسهم العربي زي ما عملها مع ريتشارد قلب الأسد!