(إعلام اتحاد ملاك مصر) !
بقلم : محمد شمروخ
لا يمكن وصف موقف الإعلام من قضية قتل الطلبة الأربعة في حادث تصادم الشيخ زايد، إلا بأنه موقف في غاية من الخزي، لكنه رد الفعل المنتظر منه.
لكن ما هو الإعلام المقصود؟!
هل الصحافة؟!
التليفزيون الرسمي؟
المواقع اللإلكترونية الإخبارية؟
لا هذا ولا ذاك ولا تلك، طبعا هو الإعلام الخاص، بتجلياته الفضائية الليلية هو الذي أقصده هنا وهو الذي يؤثر بقوة في الشارع ويقتصر على عدد معدود من البرامج يديرها نجوم يحولون (البوصلات) تجاه ما يريدون إثارته ويدخلون في معارك يومية ويسلطون الأضواء على مواقف وشخصيات، بالتواطؤ من عشوائية ما يسمى بالسوشيال ميديا، حتى في هذا الحادث لم يزد الدور عن نشر الأخبار الصادرة رسميا من النيابة العامة، دون التطرق للأسباب الحقيقية التى أنتجت هذا الحادث وتداعياته التى كشفت كيف بات ممثلو فئة يظنون أنفسهم أعضاء مجلس إدارة لاتحاد وهمى يحاولون فرضه أطلق عليه (اتحاد ملاك مصر)!.
فما هو هذا الاتحاد؟!
لن نحيط به علما حتى ندرك جيدا الفروق بين أسباب الحادث الحقيقية من أسبابه المباشرة التى أدت إليه في الصورة النهائية البشعة التى أتعبت كل ضمير عدا الضمير الإعلامي.
فالأسباب المباشرة كما أسفر عنها التحقيق، هى نتيجة للسرعة الجنونية لشاب ينطلق بسيارة لا يعبأ ولا يشعر بأى وهو تحت تأثير الخمور والمخدرات، لكن الأسباب الحقيقية تتجاوز الحادث بل وتتجاوز هذا الشاب لتثبت أنه لا يمكن أن يكون وحده هو مرتكب الحادث، فما حدث من محاولة تشويه وطمس لمعالم الجريمة والتى كادت تتم، لولا يقظة ضمائر الشهود في المنزل الذي تم تسجيل الحادث من خلال كاميراته، مع سرعة تحرك وحسم النيابة العامة بوقوف السيد المستشار النائب العام ليشرف بنفسه على إجراء التحقيقات عبر فريق من النيابة لم يترك القضية إلا بعد إحالتها إلى محكمة الجنايات والمتهم مرحلا إلى السجن مكبلا بأغلاله، لولا هذين الموقفين المتكاملين بين ضمير الشاهد وعدالة المحقق، لأعلن (اتحاد ملاك مصر) إشهاره رسميا لو نجحت خطة الطمس تلك.
لكن لماذا كانت محاولة الطمس تتم بمنتهى البجاحة؟!
لأن المحاميين المنفذين لمحاولة الطمس ظنا أن اتحاد الملاك الذي يمثلانه، مخول له أن يفعل أي شيء بالتحايل على القوانين ولو تم طمس كل شيء وأي شيء.
ولنمعن في تتبع الأسباب الحقيقية لنجد أن جذور محاولة إشهار اتحاد ملاك مصر، ليست الأمس ولا اليوم، بل منذ أن تسلل أعضاء الاتحاد من كبار رجال الأعمال في مصر السيطرة على الوعي عبر قنواتهم الإعلامية التى نجحت في إزاحة الإعلام الرسمي عن الساحة، وجاءت كمومجة تسونامية موزاية في أقصر جذورها لموجة (الخصحصة) التى تم فيها إخصاء الاقتصاد المصري من منتصف الثمانينات لصالح فئة من رجال الأعمال وتتحول الثروة من حسابات الدولة لحسابات هؤلاء ومن سار على دربهم، فكان لابد لتلك الأموال المكدسة (لغير حساب الدولة) ما يعبر عنها وعن مصالح أصحابها (ولو كانوا مجرد وكلاء) ليقوم الاتحاد بلعبة مزدوجة وجهها الأول التحايل على القانون والوجه الثانى تعمية الرأى العام عن طريق تجاهل إعلامييه، فى بورصة نجوم سبق تكوينها تحت اسم (إعلاميين) بعد أن صار لقبا (صحفي) و(مذيع) لا يتوافقان مع الصيحة الجديدة في عالم الإعلام!.
وشيئا فشيئا سيطرت بورصة الإعلاميين من صنيعة رجال الأعمال (أعضاء الاتحاد) على مقدرات الرأى العام.
قد تحدثنى بأن والد الشاب المرتكب لحادث الشيخ زايد، ليس له في لعبة الإعلام ولا يملك صحيفة ولا قناة فضائية ولا حوله شلة إعلاميين ولكن تلك نظرة قصيرة وفهم قاصر، فالرجل بعيدا عن شخصيته التى لا أعرفها، هو عضو عامل في مجتمع رجال الأعمال التى تعبر عنهم شبكة البرامج الحوارية المعتمدة على النجوم الإعلاميين، لذلك لم نجد تقريرا حقيقيا في أى برنامج من البرامج يتناول القضية بجديدة تحليلا موضوعيا ولو بدون الإثارة المنتظرة للقضية التى لا تحتاج إثارة لأن شناعتها تفوق كل إثارة، فقط اكتفوا بأنهم طالعونا بفقرة عابرة كتسديد خانة وهو موقف مشابه تماما لقضية سابقة راحت ضحيتها مهندسة شابة بالبحر الأحمر، والتى قتلت تحت عجلات عضو آخر من أعضاء اتحاد الملاك تحت ظروف تكاد تكون مطابقة.
وأحد الأسباب الحقيقية هو أنه رسخ في أدبيات تلك الفئات التى انضم لها بعض نجوم البورصة الإعلامية أنه لا قيمة للثراء ولا لتكديس المليارات بدون امتيازات!.. ولا معنى للامتيازات ما لم يشعر أولاد أعضاء الاتحاد بأنهم يحتمون بمظلة تجعلهم فوق القانون.
فليس الامتياز فقط بأن يركب أحدهم سيارة بعدة ملايين ولا أن يقضي الصيف في أرقى المنتجعات العالمية ولكن الامتياز الحقيقي أن تحصن أفعاله ضد قانون البلد، فلا يتساوى مع بقية أبناء الشعب، فإذا ما تلوثت إطارات عجلات سيارته بدمائهم، فهناك التعويض السخى، وفجأة يظهر الاستناد (للشريعة) بقبول الدية كتعويض ومن خلال التعويض يتم تسعير دماء الناس و(خد لك قرشين أحسن لك.. أنت هتستفيد إيه بحبسه ودول ناس كبار وأنت الخسران في النهاية).
فمنذ أن دخل المال الخاص في الحلبة الإعلامية وبدأ ينافس بقوة أجهزة إعلام الدولة، راح يمهد لنفسه منظومة أخلاقية اجتماعية جديدة تبيح لهم ما لم يسمح به لغيرهم، فلم نجد الإعلاميين الذين يثيرون الغبار في قضايا فوق الحصر، لا يتناولون خبر العثور على (كوكايين) في حيازة مرتكب الحادث ولا يقفون عند ثبوت تعاطيه الكحول ولا تحدثوا عن إيهام الناس بأنه مصاب بإصابات خطيرة ولا وقفوا في كثير ولا قليل أمام محاولة طمس الأدلة من خلال محاميين انتحلا صفة ممثلين عن إحدى الحهات القضائية.
لقد وقفت النيابة العامة ممثلة في المستشار حماده الصاوى النائب العام، تكافح وحدها لتتصدى لتلك الجريمة دون أي مساندة إعلامية حقيقية ولولا ذلك لربما ما سمع أحد عما حدث.
لكن لعل هذا الحادث يصلح كنذير خطر للدولة التى وقف إعلامها الرسمي صامتا عاجزا ليس لسبب إلا لأنه أزيح بعد صراع مرير من بؤرة المشهد وهوامشه البعيدة، ما بين صحافة متعثرة تتراجع كل يوم حتى كاد الناس ينسوها وتلفزيون يرزح تحت أعباء تنوء بحملها الجبال
** والخلاصة:
إن محاولات إشهار (إعلام اتحاد ملاك مصر) تجرى في إصرار، فتلك الأموال المكدسة في زكائب فئات معدودة من الناس، لابد لها أن تتوهم أنها قادرة على شراء كل شيء أو طمس كل الحقائق لصالح أى من أعضاء ذلك الاتحاد المرتقب.. فماذا يرتقبون؟!