نجيب محفوظ فى أجرأ حوار : لا أؤمن بالحب دون جنس !
* نقل قصة من الواقع فليس ذلك من الأدب في شيئ، فهي بهذا لا تزيد عن أي خبر تسمعه من الأخبار
* أدبنا اليوم لم يصل إلى المستوى الذي يستحق عليه جائزة نوبل
* أحسن ما كتبت للسينما أفلام (لك يوم يا ظالم، ريا وسكينة، فتوات الحسينية).
* لا يوجد سيناريست في مصر درس فن السيناريو فى معهد السينما، وأدين بالفضل في كتابتي للسيناريو للمخرج (صلاح أبوسيف)
* لا يمكن أن يوجد فيلم ممتاز من غير مخرج، ثم تأتي القصة بعد ذلك فالعاملان الأساسيان لنجاح أي فيلم هما المخرج ثم القصة.
* أنا أعتبر أن (روميو) لم يكن يحب (جوليت)، وكذلك لم يكن (قيس) يحب (ليلى) لأنهما فقد أحد العنصرين الهامين!
* أنا أبعد الناس عن التشاؤم، وتعجبني فى المرأة العيون السوداء الجذابة.
كتب : أحمد السماحي
نحيي غدا الذكرى 110 لميلاد الأديب العالمى الراحل (نجيب محفوظ)، حيث ستستضيف سينما (الهناجر) بساحة الأوبرا التابعة لقطاع صندوق التنمية الثقافية، فى الفترة من الأحد 12 ديسمبر حتى الخميس 16 ديسمبر، سلسلة من الأفلام المستوحاة من الأعمال الروائية للكتاب الحائزين على جائزة نوبل فى الأدب من مختلف دول العالم، بالتعاون مع السفارة الكولومبية بالقاهرة.
تبدأ الفعاليات يوم الأحد 12 ديسمبر فى الخامسة مساء بعرض فيلم وثائقى حول حياة أديب نوبل نجيب محفوظ بعنوان (ذكرى ميلاد أديب نوبل)، بعدها تنتقل الفعاليات إلى مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية خلال الفترة من 19 حتى 23 ديسمبر، ويصاحبها افتتاح معرض كاريكاتير بعنوان (نجيب محفوظ بريشة فنانى العالم).
وبهذه المناسبة نتوقف هذا الأسبوع في باب (صحافة زمان) مع حوار له في مجلة (الكواكب) عام 1961 أثناء استعداده للمشاركة في كتابة فيلم (الناصر صلاح الدين) الذي كان من المقرر أن يخرجه المبدع (عزالدين ذوالفقار) لكنه رحل قبل البدء في اخراجه، وما لفت نظري في الحوار جرأة وسخونة إجابات (محفوظ) في الرد على بعض الأسئلة الخاصة بالحب والمرأة، فإليكم نص الحوار الذي أجراه الكاتب الصحفي الراحل (جميل الباجوري).
* نريد أن نعرف تفسيرا واضحا لمعنى الواقعية؟
** ونظر إلى (نجيب محفوظ) لحظة ثم أمسك بنظارته مفكرا وهم أن يتكلم لولا أن دق جرس التليفون فضحك وقال: فرصة لقد أنقذني التليفون من سؤالك؟ وبعد لحظات انتهى من حديثه التليفوني ثم إلتفت إلى قائلا: الواقع أن الكثيرين يفهمون الواقعية خطأ، فالواقعية لا تعني أنها قصة منقولة من الواقع بأي حال من الأحوال، بل أن التغيير الذي نجده فى المادة الخام التى نأخذ منها الواقع لا يقل عن التغيير الذي نجده في أي مذهب آخر كالمثالية أو الرومانسية، فقط يجب أن يكون الموضوع المخلوق الجديد خاضعا أو موافقا (للمحتمل) ليكون هناك إحساس بالحقيقة، فالواقعية لا تغرق في العاطفة والخيال، وانما تعبر عن الواقع على أساس الخيال والعقل والعاطفة، وهذا هو ما يعطيها عنصر الاتزان وصفة الواقعية.
أما نقل قصة من الواقع فليس ذلك من الأدب في شيئ، فهي بهذا لا تزيد عن أي خبر تسمعه من الأخبار لا شأن له بالقصد إطلاقا، فالتغيير الذي تحدثه الواقعية، هو تغير ضروري لتحقيق فكرة الموضوع، غير أن هذا التغيير يراعي فيه مشابهة الواقع بكل معقوليته وطبيعته.
* هل تعتقد أن أديبا من عندنا سيحصل ذات يوم على جائزة (نوبل)؟
** ابتسم وقال: قد يحدث يوما ما، ولكن أدبنا اليوم لم يصل إلى المستوى الذي يستحق عليه جائزة نوبل، فنحن لم نصل بعد إلى هذه الدرجة العالمية.
* حدثني عن أدب وخصائص كل من (إحسان عبدالقدوس، محمود تيمور، يوسف السباعي، عبدالحليم عبدالله، توفيق الحكيم) وأحسن ما قرأت لكل منهم؟
** إحسان عبدالقدوس مهارة فائقة في السرد وشجاعة أدبية، وأحسن ما قرأت له قصة (في بيتنا رجل)، أما (محمود تيمور) فهو أستاذ في التكنيك مع اتزان، وأحسن ما قرأت له (سلوى في مهب الريح)، و(السباعي) سخاء فى الأسلوب بلا حدود مع مقدرة على الفكاهة، وأعجبتني له قصة (رد قلبي)، و(عبدالحليم عبدالله) شاعرية في الروح والأسلوب، وتعجبني قصته (غصن الزيتون)، أما (الحكيم) فهو مزيج متعادل من الفن الرفيع والفكر العميق، وأحسن ما قرأت له (أهل الكهف).
* هل التعمق في دراسة الفلسفة يقود إلى الكفر والإلحاد؟
** خلع نظارته ومسحها بمنديله ثم أعادها إلى عينيه وقد سهم بعض الوقت كان يفكر في سؤالي وقال: أن التفكير الفلسفي لا يقود حتما إلى الإلحاد، وأغلب الفلسفات القديمة والمعاصرة تدور حول وجود الله وعلاقته بالكون والطبيعة، وهذا لا ينفي وجود فلسفات لا قدرية أو إلحادية صريحة، ولكنها في جملتها تمثل أقلية بالنسبة للفكر الفلسفي والأدبي.
* انت موظف حكومي فهل يساعدك هذا على التفرغ للكتابة؟
** ابتسم في شبه مرارة وقال: الواقع أن وقت الكتابة نخطفه خطفا من أوقات الفراغ، وأحسن ساعات النهار نشاطا تنفق في العمل الحكومي، ولقد اقترحت يوما على وزارة الإرشاد أن تعين الأدباء بمكافأت، وأن تقتصر أعمالهم على نصف النهار الأول، على أن تكون هذه المكافأة مجزية، حتى يستطيع الأديب أن يتفرغ لعمله فقط، ولا تشغله عنه الكتابة للسينما أو المسرح أو غير ذلك، وأين نحن من أدباء الدول الأخرى؟! نحن نعمل حتى الثانية بعد الظهر بمرتب متواضع وبالطبع لا ننتج، ولكننا مضطرون للوظيفة ولا تسألني ثروتي أو ما كسبته من الكتابة؟ فمكسب الأدب مع الأسف لا يذكر، ومن الأكرم إلا يذكر، وهذا ما يدفعني إلى الاتجاه للسينما فهي لا شك مجزية نوعا ما.
* كتبت للسينما فما هو أحسن ما كتبت لها، ولماذا لا تكتب للمسرح؟
** كتبت للسينما مرات عديدة، ولكن أحسن ما كتبت لها هو أفلام (لك يوم يا ظالم، ريا وسكينة، فتوات الحسينية)، وأنا لم أحاول الكتابة للمسرح بل لم أفكر في ذلك، والمفروض أن كل كاتب يتخصص في لون معين حتى يجيده ويتفوق فيه، وهذا أجدى عليه وعلى الأدب معا.
* هل أنت من أنصار تقديم الروايات المسرحية باللغة العربية الفصحى أم تفضل العامية؟
** إن الضرورة تقضي بالاعتماد – فى السينما والمسرح – على العامية، ولكن ينبغي أيضا أن تكون عامية متطورة نحو الفصحى وسنصل إلى يوم يكتب فيه الحوار في كل من السينما والمسرح باللغة (الوسط) التى نحاول خلقها في الرواية، وهى التى تجمع بين العامية والفصحى.
* أنت سيناريست ولكن هل درست كتابة السيناريو؟
** لا يوجد سيناريست في مصر درس فن السيناريو فى معهد السينما، فالواقع أننا نحن كتاب السيناريو في مصر قد اكتسبنا هذه الصناعة بالخبرة والأطلاع، وأنا شخصيا أدين بالفضل في كتابتي للسيناريو للمخرج (صلاح أبوسيف).
*هل ترى أن تأخرنا في صناعة السينما هو السيناريو؟
** أولا أحب أن أقول أننا لم نعد متأخرين في صناعة السينما، وهذا واضح تماما مما قدمته الشاشة من أفلام عظيمة فاقت في اتقانها وجودتها الكثير من الأفلام الأجنبية، وسجلت نجاحا فنيا وماديا كبيرا، ولكن إذا كان هناك عيوب في صناعتنا فليس مردها للسيناريو أو القصة إنما مردها إلى ضعف بعض المخرجين، ورأيي أن الفيلم هو المخرج، فهو قد يخلق من قصة عادية فيلما رائعا، بما له من خبرة ودراية.
وقد تكون هناك قصة قوية، ومخرج ضعيف يتسبب فى فشلها وعلى هذا فلا يمكن أن يوجد فيلم ممتاز من غير مخرج، ثم تأتي القصة بعد ذلك فالعاملان الأساسيان لنجاح أي فيلم أذن هما المخرج ثم القصة، والحمد الله فقد اكتسبت السينما في الأعوام الماضية مؤلفات عظيمة هى ما قدمه الزملاء (إحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي)، وحيذا لو نزل كبار الكتاب إلى ميدان السينما.
* الملاحظ أنك تنهى أغلبية شخصيات قصصك نهاية (مش ولابد) فهل يعود ذلك إلى تشاؤمك في حياتك؟
** أبدا أنا أبعد الناس عن التشاؤم، ولكن ما لاحظته بالنسبة لشخصيات قصصي راجع إلى أنني كتبت أغلب هذه المؤلفات في ظل عهد قاتم من حيث حاضرة وكافة العناصر الأجتماعية والسياسية التى كانت تسود فيه، فالنهاية السيئة أو المحزنة لبطل الرواية لا تعني البأس أو التشاؤم بالنسبة للقارئ، فإنها قد تكون العكس، قد يكون البطل الروائي بائسا ولكن العبرة بما يتركه فى نفس القارئ، هل يدعوه إلى اليأس أو يسوقه إلى التفاؤل؟ من هذه الناحية لا يعتبر أدبي متشائما على الإطلاق إنما العكس هو الصحيح.
* وانتهزت فرصة انشغاله بالرد على مكالمة تليفونية، وقررت تغيير مجرى الحديث فسألته ما رأيك فى الحب؟
** ابتسم ونظر إلى من تحت عويناته السوداء وقال: أي حب؟!، إذا كنت تقصد الحب بين الرجل والمرأة فأنا لا أؤمن إلا بالحب الكامل الناضج، أي هذه الرغبة الملتهبة في الشخص الآخر، وهذا الحب يقوم على أساسين هامين الجاذبية الجنسية، والتوافق الروحي، وبدونهما لا يقوم الحب، فأنت من أجل أن تحب إمرأة وتطلق على نفسك أنك تحب، فعليك أن تحب فيها عقلها وجسمها، فإذا فقدت أيهما فتأكد أنك لا تحب، فليس هناك حب خيالي أو أفلاطوني.
وعلى هذا فأنا أعتبر أن (روميو) لم يكن يحب (جوليت)، وكذلك لم يكن (قيس) يحب (ليلى) لأنهما فقد أحد العنصرين الهامين.
* ألم تحب أبدا؟
** وهل هناك من لم يحب، لقد أحببت في صدر شبابي وفشلت!، وفشلي فى الحب قد يكون سببه كما قلت لك لأنه فقد أحد العنصرين.
* إذن لماذا لا تتزوج؟
** فابتسم وقال بيني وبينك لا يمكن أن أتزوج!، وعلى كل لقد فاتني القطار من غير أن أشعر ولكن هذا لا يعني أنني أكره الزواج، هل عندك عروسة لي؟!
* ما هي شروطك؟
** ولا حاجة عيونها تكون حلوة، فأنا تعجبني فى المرأة العيون السوداء الجذابة، كما أطمع أن لا تكون من هاويات لبس (الشوال).
* وأنتهزتها فرصة وقلت له ألا تعجبك هذه الموضة؟
** فقال: الواقع لا، فهذه الموضة التى امتلأت بها شوارع العاصمة ليست من الموضات الجميلة، وفي اعتقادي أنها لا تصلح إلا للآنسات الصغيرات ما بين الثامنة والثانية عشر، لأن (الشوال) بالنسبة لهن مريح وصحي، أما فوق هذا السن فلا يصلح لهن (الشوال) فهو يثير غرائز الشباب والرجال، إنه يلفت نظري إلى المرأة وإلى جسمها وقوامها وساقيها، والاقتصار على هذه الناحية من الإعجاب بالمرأة أعتقد أنه غير كريم لأنه يجعلها أشبه بالجارية.
* فقلت له الست معي فى أن الصيف هو موسم الحب؟
** قال على الفور: لأ لست معك في ذلك ولا مع الذين يقولون بأن الربيع هو موسم الحب، فالربيع عندنا جوه خماسيني، والصيف نار الله الموقدة، إن فصلي الحب هما الشتاء والخريف، لما يمتازان به من جو منعش رطب يصلح للحب، وهما لا شك من أجمل شهور السنة، واستطرد قائلا: ايه رأيك عندي فكرة أجرب حظي في الزواج في الشتاء القادم لأنني لم أجرب بعد الشتاء في الحب.