كتب : محمد حبوشة
مع كل المآخذ للأجزاء الخمسة من المسلسل، يبقى في (الهيبة) ما يشد الناس إلى متابعته، فبعد الإنتاج الضخم، لابد أن نتوقف عند أداء تيم حسن الذي يعوض نقصا في قيمة العمل من خلال أداء يمسك بتفاصيل الشخصية من ألفها إلى يائها، فضلا عن انضمام نجم آخر بحجم (عبد المنعم عمايري) في جزئه الأخير، والذي أضفى نوعا من الإثارة بأدائه الهادئ، فبدا كنمر جارح يرقد فوق بركان، ومن يراقب تاريخ تيم حسن الدرامي، يدرك حجم موهبته واحترافيته لابد وأن يلاحظ أن لغة الجسد هى طريقته الرائعة للتواصل بدون الحاجة للكلام في كثير من مواقف الصمت والدهشة من فرط تراجيدية الأحداث، فحركات جسمه وردود أفعاله الإرادية واللاإرادية، كل شىء يفعله بجسده يعتبر لغة خاصة يمكن للآخرين قراءتها بسهولة ويسر، فكل شىء له دلالة ومعنى كما جسدتها كاميرا المايسترو سامر برقاوي.
تستطيع من خلال هذه العلامات الجسدية عند تيم حسن معرفة من هو (جبل شيخ الجبل) الذي تبدو لغة الجسد عنده هى طريقة غير لفظية للتواصل فلا يستخدم فيها الكلام كثيرا، بل يعتمد فقط على حركة جسده المعبرة بصدق وفاعلية تمكنه من توصيل بعض المعلومات والأفكار، فلغة الجسد لدى (تيم) تشمل تعبيرات الوجه عموما، وضعيات الجسم، وحركة العين وحتى الإماءات واللمس وحركة اليدين والرجلين أيضا، كل شىء يفعله بجسمه يرمز لشىء معين، ويقال أن لغة الجسد تمثل من 60 لـ 65% من التواصل بين الناس، لذلك فهو من أولئك الممثلين الذين يستطيعون التعبير بوجوههم بشدة على عكس الآخرين الذين نقول عليهم Poker Face، أو وجه بدون تعبيرات، الابتسامة لها تعبير خاص عنده، عبوس الوجه تعبير آخر، وحتى السعادة تظهر على ملامح وجهه أيضا وكذلك الغضب، الخوف، الحزن، السعادة، المفاجأة، الشعور بالغثيان، واحتقار الآخرين، أيضا يبدو واضحا جليا على مجمل أدائه.
تمكن النجم السوري تيم حسن من رسم معادلة خاصة في مسلسل (الهيبة) بأجزاءه الماضية، إضافة إلى الجزء الخامس والأخير الذي انتهى عرضه مؤخرا، اذ قدم نفسه بأسلوب بسيط وقريب من الجمهور، مستخدما بعض المصطلحات والتعابير التي قصرت المسافة بينه وبين جمهوره، مصطلحات مركبة لشخصية (جبل) صاحب الكاركتر الخاص الذي لا يجسده سوى تيم حسن بهذه الطريقة، بحيث أصبحت مصطلحاته ماركة مسجلة باسمه، وبمتابعة لمواقع التواصل الإجتماعي يشاهد المتابع مئات الفيديوهات المتداولة بين الجمهور عن مصطلحات وتعابير تيم حسن، وأحدث تلك المصطلحات، مثل (يا بناجر)، والتي تعتبر بلغة جبل، جمع كلمة (بونجور) .. يا حرام الشوم .. منتهية .. محلولة بإذن الله .. يا أمر الله، إرميها ع الله، وديع سد منيع).
ومن هنا تعتبر مصطلحات تيم حسن في (الهيبة) من عوامل نجاح شخصية (جبل) التي أصبحت القريبة من الجمهور على جديلتها في العنف، ولا شك في أن تلك المصطلحات ستبقى راسخة في أذهان جمهور الهيبة لسنوات طويلة، نعم ستبقى قيمة فنية حقيقية لتيم حسن، ولن ينقصه شيء لو رفض هذا العمل، خصوصا أن لديه قاعدة جماهيرية، وهو يدرك بأن الممثل يشكل جزءا من بناء أحلام الفتيات بنموذج يقدمه، رغم أن شخصية (جبل شيخ الجبل) ليست نموذجا يحتذى به، لكن اللعب على وسامة الممثل تجعل الموضوع أكثر استفزازا.
لاشك أن تيم حسن ممثل متمكن، ولديه من الأدوات ما يؤهله ليقدم كل الشخصيات الموكلة إليه، وبالرغم من أدائه لشخصية (جبل) بشكل حرفي، وإن لم يكن بالقدر نفسه في الجزء الأول، لكنه قدمها في نهاية أجزاء (الهيبة) بطريقة تجعل منه محبوبا على حساب كل الدم الذي يراق بسببه، هنا يبرز سؤاتل مهم: ما الذي يجبر قامات فنية مثل تيم حسن ومنى واصف على التواجد في مثل هذا العمل (التجاري) غير المجدي فنيا، ولا يحمل حتى رسالة جيدة يقدمها للجمهور؟، مسلسل الهيبة وشخصية جبل شيخ الجبل وكل ما يدور معهم من أحداث وتفاصيل وشخصيات أخرى، يقدم حكاية غير مفهومة وغير محبوكة في كثير من المشاهد، ومع كل هذا مازال المسلسل يتصدر نسب المشاهدة، وهنا تكمن الخطور في التأثير والانحياز.
ومع كل ما مضى لا تزال (الهيبة) تفرض نفسها على الشاشات العربية ولو في جزء خامس، البعض حكى عن بهتان المسلسل الذي تعاقبت عليه خمس نجمات من نادين نجيم الى سيرين عبد النور ونيكول سابا وديما قندلفت وصولاً في الجزء الخامس حالياً مع إيميه صياح وقفن جميعهن أمام بطل لا يقهر، وعلى الرغم من أن (عنده ماضي وقصص سودا لا تعاد) يبقى هو تيم حسن، لذا يعتبر البعض أن التشويق لا يزال في أوجه كما البدايات، وليس هذا الجزء الخامس والأخير بحسب ما أعلن، والذي يرتبط فيه اسم المسلسل مباشرة باسم بطله (الهيبة – جبل)، سوى دلالة على موقع المسلسل الناجح والذي اعلنت شركة (القمر ay yapm) التركية شراء حقوقه لتصويره بنسخة تركية.
وقد تجلت روعة تيم في الجزء الخامس مع انتهاء الفترة الزمنية التي أمضاها جبل بين جدران السجن، حيث نراه يعود إلى الهيبة ليجدها تنعم بخيرات مشروع سد مائي شيد على أرض شيخ الجبل، لكن صفاء المياه التي تتجمع في السد يعكرها ظل رجل عائد من الماضي حول السد الى أخطر منفذ تهريب، الأمر الذي كشفه جبل ويكتشفه أكثر مع تطور الأحداث، إن الهيبة ترزح تحت خطر وجودي يضعها أمام معركة حياة أو موت، فهل سيقول هذه المرة (لا تهكلوا الهم، ومنتهية، وخليها ع الله، ويا صبر الله)، أم سيطلع لجمهوره بشكل مختلف مع الخطر المستجد الذي تواجهه بلدته، بلازمة جديدة يرددها معه محبوه؟ .. نعم نجح في أضافة لازمات جديدة أضفت بالضرورة على الأحداث نوعا مغايرا من الإثارة والتشويق.
كثيرة هى مشاهد الـ (ماستر سين)، لكن تبقى مشاهده القليلة جدا مع (عبد المنعم عمايري) تحديدا في هذا الجزء من (الهيبة – جبل) هى بمثابة (ماستر سين)، كما قد تجلت لغة الجسد بينهما في أبهى صورها في إيجاد أساليب خاصة للتواصل مختلفة عن التواصل اللفظي، فهناك لغات كلغة العيون، يمكن أن توصل الكثير من المعاني دون الحديث، ولغة الجسد هى من أصدق اللغات، حيث إن كل ما يشعر به الفرد يعبر عنه بدون خداع أو كذب عن طريق قراءة حركات الأشخاص ومعرفة لغة الجسد الخاصة بهم، ولقد كانت لغة العيون تلعب دورا أساسيا في الأداء بينهما، تنعكس بصورة أكثر إبهارا من خلال المكالمة التليفونية الأخيرة في نهاية الحلقة (25)، والتي ساوم فيها (وديع/ عبد المنعم عمايري)، (جبل/ تيم حسن) بعد انكشاف أمره وتورطه في بيع الآثار بالتعاون مع داعش، حيث رصدت العيون الانفعالات الداخلية لدي طرفي الحديث، بل وأظهرت العين ما يخبئه كل منهما للآخر، خاصة إذا كانا نقيضين فاعلين في الأحداث المشحونة بالغضب.
وقد جاء مشهد الـ (ماستر سين) الأكثر إبداعا على مستوى الأداء على النحو التالي:
بعد أن تم القبض على (علي شيخ الجبل/ سعيد سرحان) الذي جازف بالانخراط في صفوف (داعش) وانتهاءا بعبور النفق والدخول إلى مبنى السد كي يكشف سر تهريب (داهش) للآثار القادمة من (تدمر) عبر الحدود، يجلس (وديع) أمام (علي) مقيدا بالأغلال ويتأمل وجهه مليا قائلا: ولو به !!.
يرد عليه مساعده بعد تصويب مسدسه نحو علي : شو رأيك أستاذ كريه.. شورى .. رصاصة متل العادة؟.
وديع : اخرس .. هادا مو شغلك .. خدوه ضبوه تحت .. ثم يتدراك أمر ما قائلا : لحظة .. لحظة ويقوم بتصوير (علي) مقيدا بأغلاله ويشير لهم : خدوه ضبوه لتحت.
يبعث وديع برسالة لأبو الوليد قائد تنظيم داعش بالمنطقة قائلا : هدا له قديش عندك؟
فيرد أبو الوليد بالاتصال بوديع قائلا : هاد عبد الرزاق من رجالي ليش عاملين فيه هيش .. وايش جابه ليمك؟
وديع يصرخ : من رجالك قلتلي .. لاك هادا علي شيخ الجبل .. علي شيخ الجبل يا فهيم!!.
……………………………
زووم من أسفل لأعلى يركز على رأس وديع بعد أن أدرك حجم الكارثة التي حلت به بعد القبض على علي.
……………………………
على الطرف الآخر يتلقى جبل مكالمة من (أبو طلال/ محمد عقيل) الشهير بـ (الشايب) يخبره فيها بنتائج ملاحقته للشاحنة، فيرد جبل: هاد خارجة من نفق لتهريب الآثارات يا أبو طلال، وعلي علق فيه.. يصمت برهة ويقول : بتقول لمالك علىي على الأغلب اتعبى .. خليك مكفي في مكانك.
جبل يقبل جبهة أبو على وهو يبكي لأنه كان بجواره وسمع المكالمة : أنا اللي بعته لعلي وأنا اللي راح رجعه سالم.
يتلقى جبل مكالمة من وديع قائلا يتحدث على المكشوف : ضايعلك حدا؟
جبل : قول اللي عندك ؟!
وديع : بكره راح تطلع آخر قطعة من عندي من السد .. بيمشي السوتير (الشاحنة) .. ما حدا بيقرب عليه ليطلع برات الهيبة.
جبل : بس هيك ؟.
وديع : لأ .. سارة عندي هون بالسد.
جبل : إيه !!
وديع : بكره بتبعتلها سيارتها وجواز سفرها وكل أوراقها .. حتروح على بيروت .. أول ما تطلع من الهيبة راح تحاكيني .. لا حدا بيقرب عليها .. ولا حدا بيتحركشها .. ولا حدا بيتعاطى معها.
جبل : وانته ما بدك تطلع ؟.
وديع بابتسامة خبيثة: والله يا معلم لما بدي أطلع ما باخد إذنك .. هههه.
جبل : راح تظمط من النفق تبعك يا شطورة ؟
وديع ترستم على وجهه علامات الخوف والدهشة من كلام جبل عن النفق ويقول في لهجة مرتعشة : إذا موافق على اللي قلته بكره بتتستلم ابن عمك من باب السد.
جبل في غضب مكتوم : أوووه !!!
وديع : هيك عمي .. أيام الرفاهية راحت .. كل يوم عم بيمر حابعتلك شقفة من ابن عمك : أنف .. أذن .. حنجرة .. عين .. لحتى نوصل على الراس .. وبس نوصل على الراس ساعتها بتجمعه على كيفك انته.. عندئذ ينتهي المشهد، لكن حلبة الصراع ماتزال مستمرة للانتقام من (وديع) قاتل صخر أخو جبل في بداية الجزء الخامس.
ولابد أن يلاحظ المشاهد أن النجم السوري عبد المنعم العمايري بطل (غدا نلتقي)، والذي كان حقق نجاحا كبيرا جدا في مسلسل (قيد مجهول) للمخرج السدير مسعود، حيث أدى شخصية نالت إشادات نقدية وجماهيرية واسعة، أن هذا يؤكد على نجاحه أيضا في شخصية (أبو كرمو) عبر مسلسل (على صفيح ساخن) للمخرج سيف الدين سبيعي، وكذلك يثبت على كبر حجم موهبته الفذة كما جاء كضيف جديد على (الهيبة – جبل) من خلال أداء خرافي بتنيك خاص لم يسبق أن قدم شخصية مشابهة له، ضمن عمل يحمل الألغاز في طياته لتصبح تجربة جديدة له على مستوى الشكل والمضمون، ما يؤكد على تفوقه وجعله رقما صعبا في قلب الدراما العربية الحالية.