أبو تريكة تحت الفانلة !
بقلم : محمد شمروخ
لست مع هؤلاء الذين يضعون لاعب كرة القدم المعتزل محمد أبو تريكة في مرمى هجومهم قاصدين إزاحة مكانته لدى الجماهير، بدعوى أنه إرهابي أو إخواني أو داعشي.
ذلك لأننى ببساطة لم أر في تصنيف أبو تريكة القابلية للتأثير عليه، وإن أظهر مناصرته أو حتى انتماءه لجماعة الإخوان.
فمثل أبو تريكة مثل كثير من النجوم تم ويتم وسيتم استغلالهم استغلالا أبعد ما يكون عن مجالاتهم الحقيقية، فالرجل تفوق تفوقا لا ينكره أحد في لعبة كرة القدم وصار نجمها الأول لأعوام طويلة ولا يمكن محو تاريخه الكروى بمقالات وفقرات وهاشتاجات.
وحتى الآن لم يدرس أحد كيفية استغلال جماعة الإخوان لنجوميته ولتستغله بأقصى درجات الاستغلال، ولم يتم التركيز على أن أكبر خطاياه بل التى جعلته تجعله يبدأ مشوار الخطايا هو استسلامه لهذا الاستغلال أو قل إن شئت الاستثمار!
ولكن استغلال الجماعة له لم يأت من فراغ، فقد وقفت الجماعة معه ومع عائلته منذ بداياته، بل كانوا رعاة له بحسب ما تردد أنه يحسب من أبناء الجماعة ولو لم يكن كادرا فيها، حتى بدا كأنه يسدد لهم دينا قديما بات لهم في عنقه!.
ولا أظن أن لمحمد أبو تريكة أي اهتمامات سياسية تعبر عن مواقف أصيلة في نفسه، فلم يبدر منه أحاديث واضحة لقناة فضائية واحدة أو كتابات تشير إلى أنه يحسن التعبير عن أفكاره، فهو فقط وافقهم ومازال، كما أنه يفتقر لموهبة الكتابة أو الحديث، ذلك لأنه أفرغ حياته للعب الكرة بكل كيانه حتى تفوق فيها وصار نجمها الأوحد منفردا بذلك اللقب طويلا، لم تبدر منه أية أفكار سياسية أو دينية، فهو على ما يبدو كأى إنسان عادى وجد نفسه في قمة النجومية وكان لابد من أن يستثمر نجوميته، فإن لم يفعل، وجد بالضرورة من سيتثمرها لأنه من اللاعبين الذين حازوا شهرة محلية ودولية وصار ذا شعبية جارفة وإنكار ذلك نوع من التعامي الحقيقي.
ولأن جماعة الإخوان جماعة في مبتدئها ومنتهاها، مجرد جماعة سياسية انتهازية، فلم تتورع من استغلاله وبدأ هذا الاستغلال شريفا بلقطة التضامن مع غزة، وعلى ما أذكر وقت ذاك، لم ينكر أحد ما فعله أبو تريكة بل تلقاه الناس بالقبول والتحيات وزادت جماهريته بسبب الاعتراض الجارف على ما كان يحدث من اعتداء وحشي على (سكان) غزة.
لكن أحدا – ومنهم أجهزة الدولة وكبار الكتاب والمثقفين من معارضين أو مؤيدين للدولة وقتذاك – لم يعترض على تضامن أبو تريكة مع غزة – كما جاء على شاشات التلفزيون آنذاك – فتحت تأثير الحماس الجماهيرى والاندفاع العاطفي مع السطحية التى تتسم بها ردود فعل الجماهير لاسيما جماهير كرة القدم، لم ينتبه الكثيرون لهذا الخطأ الفادح والذي لا أراه الآن خطأ فقط، بل خطيئة في الفعل ورد الفعل، لأنه تم انتهاز اسم أبوتريكة وشهرته، لأن فعله كان بمثابة إعلان خبيث لفصل غزة عن الجسد الفلسطينى، لتصبح في الوعى الشعبي، مشكلة (شعب) غزة وليست مشكلة (سكان) غزة كجزء من الشعب الفلسطينى العربي، فكانت تتمة للمشروع الصهيونى بتفتيت فلسطين والفلسطينيين بين مناطق وجماعات وما لبث أن حل الصراع (الغزاوى- الضفاوى) أو (الفتحاوى – الحماساوى) بديلا للنضال الفلسطينى الموحد ضد إسرائيل.
(والواقعة الشهيرة كانت عقب تسجيله هدفا للمنتخب المصري في مرمى المنتخب السودانى، خلال منافسات دور المجموعات ببطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في غانا سنة 2008).
ونعذر أبو تريكة يومها لأن خبث الخطة لم يكد يدركه أحد .. ومتى كان موديل الإعلانات مهتما بهدف الإعلان لا سيما وقد بدا هدفا نبيلا!
وها نحن نرى ما تجنى القضية الفلسطينية من نتاج هذا التفتت.
وكان مشروع فصل غزة عن الجسد الفلسطيني تابعا لمشروع انفراد (حماس) بالمقاومة.
فماذا كان من نتائج جراء فصل غزة وانفراد حماس؟!
فلم يكن دور أبو تريكة في إعلاء اسم غزة سوى طمس لاسم فلسطين وتلك هي الخطيئة التى لم يدركها أحد باستثناء مخططيها (المجهولين).
وصار هذا أول هدف سياسي كبير يسجله الإخوان بقدم وفانلة هذا اللاعب الذي لا أعيب عليه ساعتها، فربما تبهرنا أضواء النجوم عن أوجه النقصان فيهم، فأبو تريكة ليس سياسيا ولا مفكرا ولامنظرا ولكن كما يتم استغلال النجوم في الإعلانات التجارية والدعايات المختلفة البعيدة عن مجالات نجوميتهم، تم استغلاله سياسيا لكن لصالح جماعة ترى أنها مؤهلة لقيادة الأمة كلها وكانت ومازالت تعمل سرا وعلانية للوصول إلى مقود الجماهير بأى وسيلة، إن دين فدين وإن رياضة فرياضة وإن ثورة فثورة وإن تآمر فمؤامرة.
ومنذ ذلك الحين صار أبو تريكة هو رأس حربة الجماعة، فيكفى انتسابه إليهم ولو تعاطفا لكسب ميل الملايين من جماهير كرة القدم.
أما الكابتن محمد أبو تريكة في ذاته فهو إنسان لا يجيد الحديث إلى درجة الوعي ولا يعرف فن المحاورة وثقافته محدودة وأفقه شديد الضيق، إذ أنه ليست له خارج مجال اهتمامه بالكرة أي اهتمامات ملحوظة أو غير ملحوظة بل إن قدراته الاجتماعية وتكوين الصداقات دون كثير من زملائه.
وهذه الطبيعة استغلتها جماعة الإخوان جيدا للتحكم في توجيه أبو تريكة ولم تجد مقاومة تذكر على الجانب الآخر وتركته الدولة ليمرح بهم وليمرحوا به منذ إعلان استغلاله سياسيا تحت مظلة قومية أو دينية في هدفه الشهير في فريق السودان.
ومسألة استغلال المشاهير في قضايا سياسية عمل لا تتورع عنه الدول والأحزاب والجماعات على اختلاف أنواعها وأحيانا تبرم في صفقات مريبة والغريب أنها أحيانا تكون شبه علنية.
ولم يكن أمام أبو تريكة إلا أن يكمل المشوار فالإخوان هم أولياء نعمته ومربوه وهم لا يريدون منه أن يتكلم كثيرا ولا قليلا، فيكفيهم أنه محسوب عليهم حتى لو نفى من نفى أو أثبت من أثبت، ليستفيدوا من جماهريته. ولا نغش أنفسنا ولا نخدعها، فمن المحال تقويض نجومية أبو تريكة فضلا أو التأثير عليها عبر مقالات أو بوستات أو تويتات أو مقاطع فيديو، فنجوم كرة القدم العاملون والمعتزلون، لديهم مكانة بين الجماهير لا تكاد تتزحزح مع الزمن حتى لو كانت لهم فضائح وأفعال مشينة أو عرف عنهم البذاءة والبلطجة، بل قد يصير منهم البذيء والبلطجي مثلا عند كثير من المهاويس بالنجومية.
ولكن من العبث الآن محاولة جذب أبو تريكة إلى خارج الجماعة، لأن الانتماء إلى جماعة الإخوان اجتماعيا أو عاطفيا، أكثر فائدة لهم في هذا الوقت، كما أنه أشد صلابة من الانتماء التنظيمى الذي قد يتعرض للتبديل والتغيير والتأثير نتيجة الصراعات داخل الجماعة كما نرى في قياداتها الذين تمردوا عليها أو انشقوا عنها.
فكون محمد أبو تريكة ليس منخرطا تنظيميا لا يعنى سهولة تركه الجماعة ولو افتراضيا، لأنها أحرص على وجوده من وجود مرشد الجماعة نفسه بما له من سلطات روحية وإدارية على أتباع الجماعة، فوجود أبو تريكة هو أفضل دعاية جماهرية للجماعة والجماهير لديها مقاييس أخرى أبعد ما تكون عن معايير المثقفين، وهو ما لم تنتبه إليه الدولة في الوقت المناسب، وبالتحديد منذ رفع أبو تريكة، فانلة الفريق القومى الظاهرة ليظهر ما أخفاه تحتها من دعوة للتضامن مع غزة وهتف له الجميع وهم يظنون أنه يخدم الإسلام بمناصرة غزة وحدها، دون فلسطين، دون القدس، دون المسجد الأقصى، فتلك هى الدوائر الحقيقية لمشكلة فلسطين وصراعها التاريخي مع الوجود الصهيونى، والخروج عن هذه الدوائر لن يكون إلا تشتيتا للمجموع وتفتيتا للقوى وخيانة للقضية في مجملها وتفصيلها.
لكن لا يمكن ترك الساحة ليلعب فيها الإخوان برأس حربتهم دون رد فعل حقيقي وعملى، يكون له نفس التأثير لا مجرد هجوم يذوب مع أى لقطة لمباراة قديمة أحرز فيها أبو تريكة هدفا تصرخ إثره الجماهير حتى لو لم يظهر ما أبطنه فيما وراء فانلة الفريق القومى!.