رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مدحت العدل .. شاعر غنائي برع في الكتابة الدرامية !

نحات شعري أراد أن يحول جمادات العالم الخارجي إلى رموز نفسيه وفكرية

بقلم : محمد حبوشة

يتميز الشاعر بحسه المرهف تجاه معالجة القضايا الإنسانية على المستوى الاجتماعي والسياسي، ومن ثم يملك طريقته الخاصة في استعراضه للوقائع الحياتية التي تختلط عادة بتجاربه الذاتية، وبالتالي تتوفر لديه القدرة والكيفية التي يعالج بها الموضوعات الإنسانية الجوهرية، وذلك عبر رؤية فلسفية عميقة غير قابلة للاندثار، ومنها موضوعات الحب والطفولة والحنين والأمل والكراهية والبؤس والعزلة والصداقة وحتى مفهوم للموت في تجلياته المرعبة، ولعل مفردات الحب والحنين والعزلة والوطن كانت طاغية على إبداع الشاعر وكاتب الدراما (مدحت العدل) ضيفنا في باب (بروفيل) لهذا الأسبوع في مرحلة مبكرة من عمره، إثر تجارب قاسية خاضها في طفولته وصباه، وتعود القدرة التصويرية البارعة التي تتسم بها هذه الأعماله الشعرية والسينمائية والتليفزيونية إلى انشغاله بالفن الواقعي المستمد من قلب الشارع  وولعه بمعاناة الناس وهموم الأوطان.

ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن (مدحت العدل) نحات شعري أراد أن يحول جمادات العالم الخارجي إلى رموز نفسيه وفكرية في صورة أعمال درامية تكتسي بالدهشة الإبداعية المفرطة، أي أنه أراد محاكاة العالم المستقل عن الذات بصفته مجموعة من الصور الحية وذلك عبر عملية التشيؤ القائمة على رصد التحول في المناخ النفسي، من خلال الإسقاط الذاتي على الشيء المستقل نفسه، أي تحويل الجمادات إلى رموز شعرية بشكل درامي خاطف للقلوب والأبصار، فالشجرة لا تعني له شجرة حتى وأن كتبها على النحو، إنما الأمل أو الحب أو الحياة برمتها، وكذلك مع الألوان وتحولات الفصول وغيرها من الرموز الطبيعية، لكن هذه الكتابات غالبا ما تحاكي الأعمال النحتية، مهتمة بالتفاصيل وما هو هامشي لتبعث فيه الحرارة والحياة.

شاعر وكاتب يعد من أهم الكتاب الذين تركوا بصمة واضحة وكبيرة فى تاريخ الفن المصري

العذوبة والشجن المحبب

الطبيعة الشعرية عند (مدحت العدل) تحاول انتزاع الأشياء من طابعها السكوني السلبي وتحويلها إلى وحدات إيقاعية وجودية وحسية، تعبر عن الذات المحمولة خارجا، أي أنه يقوم بعملية تطهر ذاتيه مطردة بغية تخليص الذات من الأزمات النفسية والتراكمات الفكرية على نحو فني مبهر في صورته وتكوينه، فيمنح ذلك الشيء المستقل الحرية التامة بكل صورها وأشكالها، لكي يعبر عن نفسه بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية، ولكي يمنح كذلك الحرية التامة لنفسه ولبلده ووطنه العربي الأكبر، باعتباره شاعرا، لإعادة صياغة هذه القراءة الحسية صياغة درامية موضوعية وفنية بدرجة خاصة تتمتع بالعذوبة والشجن المحبب كما جاء ذلك في كل أعماله السينمائية والتلفزيونية.

تتسم القصة الدرامية عند (مدحت العدل) بسحر إيجابي خلاب في تفاصيلها المتقنة وحواره الخلاب في عذوبة آسرة على جناح الكلمة البسيطة والجملة الرشيقة، بحيث تبدو لنا قطعة عظيمة بالمعنى الأدبي، لكن فائدتها بالنسبة للدراما نلحظها عبر تفاصيلها التي تبدو غير متشابهة، ولكن مع ذلك تمتلك القصة عنده (خلية تفسيرية) بنيتها الأساسية متشابهة، لكن مضمون الخلية غير متشابه، إنها بالتالي أحد أنواع الأسطورة الصغيرة، فهي موجزة ومكثفة، وتبدو لنا جملة خطاباته الحكائية متعددة حافلة بالأحداث تشكل سياقا حكائيا خطيا يمتد من البداية إلى النهاية، ينطلق خطابه، إذن من راهنه، و يطرح أسئلة راهنه، حتى لكأنه يحاول أن يؤسس لمنظومته الفكرية إنطلاقا من نقص المشاهدة التي تمنعه من الاستسلام لوقائع حياتية قد نكون نحن مرغمون عليها بالضرورة.

في كل أعماله يقوم بالبحث والتنقيب لمعرفة الواقع

يعشق الكتابة الاجتماعية

مدحت العدل اسم أصبح علامة مهمة ومؤثرة في عالم التأليف سواء في الشعر الغنائي أوالسينما أوالتليفزيون، ويكفي أن تجد اسمه علي عمل فني لتعرف مسبقا أننا أمام عمل فني ذي قيمة يلمس تفاصيل ومشاعر إنسانية لدي الكثيرين وهو ما يجعل أعماله تحقق النجاح الجماهيري الكبير، ومن هنا يعد مدحت العدل أيضا من الكتاب الذين يضعون حال الفن وصناعة السينما والارتقاء بها ودعمها في أول اهتماماته وتشعر بصدقه وحماسه ورغبته الحقيقية في الوصول للأفضل، فهو يعشق الكتابة الاجتماعية، وخاصة عن الطبقة المتوسطة التي نشأ فسها وعبر عنها بصدق وبشكل جيد لأنها تمثل جمهورا كبيرا – فعلى حد قوله – تري المهندس والدكتور نماذج عديدة تعبر عن واقعنا ويكون قريبا من الناس، خاصة أننا أصبحنا نشاهد نماذج وشخصيات بعيدة عن مجتمعاتنا وخيالية كثيرا، ولا نعلم أين توجد هذه النماذج التي تظهر في تلك الأعمال، فمثلا نجد مافيا وأفرادا ومشاهد لم تحدث في مصر قد نراها في الخارج ولكن هنا لا نظن ذلك.

(مدحت العدل) شاعر وكاتب يعد من أهم الكتاب الذين تركوا بصمة واضحة وكبيرة فى تاريخ الفن المصري، سواء بكلمات أغانيه أو بأعماله السينمائية والدرامية التى تظل فى وجدان وعقول الجميع، لذلك فهو مستمر ككاتب ومبدع، ويظل محافظا على القمة وسط كتاب مصر والوطن العربي، واستمراره مع كل الأجيال لم يأت من فراغ، لأن أهم ما يميزه ككاتب أو فنان، هو أنه يملك أدواته باتقان يحسد عليه، وهى قدرته على التعبير والتواصل مع كل الأشخاص، وفهه وإدراكه التام لطبيعة المجتمع الذى يعيش فيه، ويتعامل من خلاله، ولديه علاقات ممتدة مع الأشخاص الموجودين فى الشارع، وعلى تواصل معهم بشكل دائم كى يفهم طبيعة مجتمعه الذي يعيش فيه.

أنا كنت جزءا من الذين كتبوا عن الوطن وذكرياته وأحلامه

متفرد في أعماله

وهو ما ترجمه على سبيل المثال وليس الحصر فى مسلسل (الداعية) فى عز حكم جماعة الإخوان، وتطرق إلى عزبة القرود، فذهب بنفسه إليهم وفهم جيدا، ولعله هنا ينطلق من كونه يعيش الشخصية جيدا ويتعايش معها قبل أن يكتبها، في كل أعماله، فيقوم بالبحث والتنقيب لمعرفة الواقع، وأيضا نفس الشيئ سوف تلمسه في مسلسل (حارة اليهود)، فهذه الأشياء تجعله متنوعا ومتفردا في أعماله السينمائية والدرامية وسط جميع الأجيال التى تترد عليه كى يواكب كل العصر، ولديه يقين راسخ بأنه إذا لم يتابع ما يجرى حوله من تقدم وتطور سوف يمكث فى البيت ولن يجد عملا، بالإضافة إلي أن الدراما التى نشاهدها الآن كل يوم تتغير، فطريقة السرد، الحكى، فى تغير مستمر – بحسب وجهة نظره –  فنرى الدراما من 10 سنوات غير الآن.

ولد (مدحت العدل) بكفر عبد المؤمن مركز دكرنس محافظة الدقهلية، وتخرج في كلية الطب وعمل كطبيب لمدة 11 عاما قبل أن يتفرغ لعمله الفني بحكم انتمائه لعائلة فنية عاشت في حي شبرا شديد التنوع والخصوصية بالقاهرة، وأنتجت روائع الأعمال المصرية خلال الثلاثة عقود الماضية، فتنوعت أعماله الفنية بين كتابة الشعر والأغاني وكتابة السيناريو والحوار للعديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، وبدايته السينمائية كانت في عام 1992 حينما تعاون مع المخرج خيري بشارة وكتب السيناريو والحوار لفيلم (أيس كريم في جليم) بالتعاون مع الكاتب محمد المنسي قنديل.

فخور بأننا أنتجنا أفلاما وأعمالا جيدة ذات قيمة

أثبت موهبته الحقيقية

حقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا وعلى أثره كون (العدل) ثنائيا رائعا مع المخرج خيري بشارة في فترة التسعينيات من القرن الماضي وقدموا  العديد من الأفلام الناجحة مثل (اشارة مرور، أمريكا شيكا بيكا، حرب الفراولة، قشر البندق)، ليأتي عام 1998 ليثبت موهبته الحقيقية في السينما حينما قدم فيلم (البطل) مع الفنان أحمد زكي، وفيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية) الذي غير من شكل السينما المصرية وكان بداية لما يعرف بموجة أفلام الشباب ليتبعها بالعديد من التجارب السينمائية الشهيرة مع النجوم الشباب في ذلك الوقت، وأفلام أخرى كانت بمثابة بوابة لنجوم جدد في السينما المصرية.

ولم يقتصر نجاح (العدل) على كتابته للسينما فقط ولكنه كتب أيضا عدد من المسلسلات التليفزيونية لكبار النجوم مثل محمود عبد العزيز فقدم معه مسلسل (محمود المصري) وقدم مسلسل (الحساب يجمع، فوق مستوى الشبهات) مع يسرا، والعديد من المسلسلات الدرامية مع نجوم الوطن العربي، وعادة ما ناقش (العدل) في مسلسلاته التليفزيونية قضايا طرأت على المجتمع ومشكلات يواجهها، مما جعل أعماله دوما قريبة من المشاهدين، ليقدم على مدى مشواره ما يقارب الـ 130 عملا فنيا.

الكاتب والشاعر والمؤلف والسيناريست وطبيب الأطفال مدحت العدل، أحد أفراد عائلة (العدل) التي كما قلنا سابقا كان لها فضل كبير على السينما والدراما المصرية في ثوبها الجديد نهاية تسعينيات القرن الماضي، بعد فترة كساد سادت بالسوق الفني وانتشار أفلام المقاولات، ليصبح أحد مؤلفي أغاني كبار النجوم، أمثال عمرو دياب ومحمد فؤاد ومحمد منير وسميرة سعيد وغيرهم، وأحد أهم كاتبي أفلام ومسلسلات أثرت الحياة الفنية في مصر على مدى عقدين من الزمان.

ديوان رصيف نرة 5
ديوان شبرا مصر
ديوان فوضى المشاعر

3 دواوين بالعامية

صدر لمدحت العدل عدة دواوين شعرية بالعامية المصرية كان آخرها (فوضى المشاعر) بداية عام 2021، لكن يبقى لديوانه الأول (رصيف نمرة 5) مذاق مختلف، حيث يضم القصائد والأغنيات التي كتبها على مدار رحلة امتدت على أكثر من عقدين من الزمان، عنوان الديوان مأخوذ من الأغنية الشهيرة التي كتبها مدحت العدل، وغناها عمرو دياب في الفيلم الشهير (آيس كريم في جليم) وحققت وقتها نجاحا غير مسبوق، وهو الفيلم المأخوذ عن قصة لمحمد المنسي قنديل، ويضم ديوان (رصيف نمرة 5) بين دفتيه كل ما كتبه العدل في مجال الأغنية منذ عام 1985 وحتى 2017، حيث أصدر ديوانه الثاني (شبرا مصر).

في هذا السياق جاءت أغنية (رصيف نمرة 5) التي كانت أقرب إلى موال، لتصبح فور انتشارها علامة فارقة، وواحدة من أهم الأغاني التي ارتبطت باسم عمرو دياب والعدل معا، وما زالت الأغنية حية وحاضرة في أذهان الكثيرين، إذ أصبحت من أغاني الأيقونات التي يتغنى بها جميع الأجيال حتى الآن، ولعل من أهم أسباب نجاحها وانتشارها الكبير هو ما يعود إلى الكلمات الجديدة المترابطة والتي استقرت بسهولة ويسر في وجدان الجمهور، ومن يطالع قصائد الديوان وأغنياته، سيلاحظ أن مدحت العدل لم يكن مشغولا فقط بكتابة أغنيات (الحب والهجر والانفعالات الذاتية)، لكنه قدم لمحمد فؤاد، مثلا أغنيته الشهيرة (يعني إيه كلمة وطن) في فيلم (أمريكا شيكا بيكا)، كما كتب كلمات أغنية عمرو دياب الرائعة (ورجعت من السفر) في أغنية ما زالت تحظى بمحبة ومكانة خاصة في قلوب محبيها، بلحن مميز للموسيقار ياسر عبدالرحمن.

فيلم البطل
الشوارع الخلفية
حارة اليهود

أوبريت (الحلم العربي)

كما قدم مدحت العدل عدا هذه الأغنيات الكثير والكثير، ما عده البعض من مؤرخي الأغنية المصرية أشهر أوبريت غنائي عربي بعد (الوطن الأكبر)، وهو أوبريت (الحلم العربي) الذي ظل محل حساسية لسنوات بشأن عرضه في التليفزيون المصري، ويقول عنه مدحت العدل: (هذا الأوبريت الذي ما إن تمت إذاعته حتى تحول إلى أيقونة وحلم يداعب كل العرب.. سمعته في ساحة الشهداء في بيروت أمام مليون مشاهد، ومن عجيب ما رأيت وشاهدت أن نصفهم على الأقل كان يحمل صورة الزعيم جمال عبدالناصر.. شهادة حياة وهو في القبر!، وربما لم يعرف وقتها الكثيرون أن كاتب هذه الكلمات هو (مدحت العدل)، مستهلا بها رحلة امتدت لما يزيد على ربع القرن مع كتابة الأغنية، ليكتب بعدها من قصائد الديوان الشهيرة، التي تم تلحينها وغناؤها في مناسبات مختلفة: (يعني إيه كلمة وطن، يعني إيه سرقة وطن، ليلة في الميدان، القاهرة، صلاح جاهين، عاش الشهيد، حرام، زي ما هي حبها، مدد، نحلم، أميركا، لازم أغني، عم دهب، ورجعت من السفر، الحلم العربي، القدس هترجع لنا، أصحاب أنا وأنت والا)، وغيرها من الأغنيات التي ارتبطت بأحداث سياسية، أو أغنيات لأفلام، أو عناوين لمسلسلات.. إلخ.

الحياة بالنسبة لـ (مدحت العدل) مسرح تجارب، تحتمل الصواب أو الخطأ، على حد قوله، فلا يعرف للندم معنى، بل يؤمن السيناريست والشاعر مدحت العدل، بأن المبدع فى عالم الفن، يجب ألا يخشى الخوف، وأن يكون مغامرا ولكن فى الاتجاه الصحيح، ويرى أنه مع تقدم الإنسان فى العمر، تزداد الخبرات وتتغير المفاهيم والاهتمامات وفقا لمعايير كثيرة، وأكد أنه قدم أفلاما لم تعجبه، ولكنه تعلم منها، وأضاف أنه عاشق لكل أنواع الفنون، حتى لو كانت أغانى المهرجانات، التى اعتبرها (لذيذة وستايل).

لا نستطيع القول إن مصر نضبت من الشعراء وكتاب الأغنية

تهويد القدس الشريف

في تعليقه على خمسون عاما عاشها العرب من المهانة والوحشية ( دير يس، بحر البقر، قانا)، قال (مدحت العدل): خمسون عاما من محاولات سرقة الأرض وتشريد أهلها وتهويد القدس الشريف، خمسون عاما من تجاهل القرارات الدولية والمواثيق والأعراف، وأمريكا تقف وراء هذا كله وتحميه، وتفتح صدورنا نحن العرب لأسلحتها الفتاكة تجربها فينا وتغض الطرف عن تصرفات إسرائيل وممارساتها العنصرية، ولكن هل يعني ذلك أننا أصبحنا فعلا في عداد الأموات، ولم يعد فينا بقية من دماء وحياة؟، وهل دراستنا هنا ستنسينا هويتنا وانتماءنا العربي والقومي؟، إننا هنا على أرض مصرية ولا يستطيع أحد أن يقيد حريتنا ويمحو إرادتنا.

لم يقتبس (العدل) هذه السطور من بيان صحفي عن حركة ثورية متضامنة مع القضية الفلسطينية، كما لم يكتبها مناضل صحفي عربي في مقال رأي في ذكرى النكبة، وردت هذه السطور كما ذكرها تماما في فيلم مصري كوميدي تم إنتاجه منذ ما يقرب من 23 عاما، العام هو 1998، والكلمات لمدحت العدل مؤلف فيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية)، ومن هنا شهدت السينما المصرية في نهاية التسعينيات وأوائل الألفية الثانية موجة أفلام شبابية تم تسميتها بموجة (السينما النظيفة)، ازدحمت السينمات مرة أخرى بالجمهور الذي كان ينهل حينها من موجة التدين الجديد، أو ما اصطلح على تسميته (الإسلام المودرن)، كان محمد هنيدي ورفاقه هم نجوم السينما، و(عمرو خالد)، وقناة (اقرأ)، والفنانات المحجيات حديثا هم نجوم التليفزيون، جماعة الإخوان توفر جوا حماسيا في الشوارع، والجامعات، وستاد القاهرة في بعض الأحيان، بهتافات التضامن مع الأقصى، وفي الركن البعيد الهادئ يجلس مبارك وحاشيته مستمتعين بالمشهد.

اسماعيلية رايح جاي
صعيدي في الجامعة الأمريكية
همام في أمستردام

علامات سينمائية مميزة

منذ 24 عاما، وفي أغسطس/ آب 1997 قدم (مدحت العدل فيلم (إسماعيلية رايح جاي) للمرة الأولى، حقق الفيلم نجاحا مستمرا وإيرادات تاريخية بلغت حينها 15 مليون جنيه، والفيلم يمكن تصنيفه في خانة الموسيقي الكوميدي، فهو عبارة عن مجموعة من المشاهد والمواقف التي تحدث على مدى بضع سنوات، تبدأ وأبطال الفيلم طلاب وتنتهي وهم في أواخر العشرينيات – هذا وإن كانوا ظهروا بنفس الإطلالة تقريبا طوال الفيلم – يتخلل هذه المشاهد أغانٍ يؤديها بطل الفيلم وصاحب فكرته (محمد فؤاد)، ويشاركه فيها أحيانا باقي الأبطال، (حنان ترك، محمد هنيدي، خالد النبوي.

في العام التالي قدم محمد هنيدي بطولته الأولى (صعيدي في الجامعة الأمريكية) مع (مدحت العدل) ليعيد الجمهور اكتشافه كواحد من أبرز نجوم الكوميديا في السينما المصرية، وكرأس حربة جيل جديد من الشباب الذين أصبحوا نجوم شباك كبارا فيما بعد، حقق الفيلم إيرادات تجاوزت 27 مليون جنيه، وتم اعتبارها حينها الأعلى في تاريخ السينما المصرية، ويظل الفيلم علامة مميزة حتى الآن في إعادة الروح لدور السينما بعد سنين من الركود واتجاه الجمهور لشرائط الفيديو، ولا تزال ذكرى البحث عن تذكرة في دور عرض مختلفة في مدن مختلفة عالقة بذهني كونها المرة الوحيدة التي شهدت فيها مثل هذا الموقف في مصر.

لا يمكننى تكرار نفسى فى الكلمات وأفكارها أو ألحانها

50 عاما على النكبة

أنتج مدحت العدل الفيلم كما كتبه أيضا، العدل الذي كان قد شارك قبلها بعام واحد في كتابة أوبريت (الحلم العربي) والذي شارك من خلاله مغنون من كل أنحاء الوطن العربي في إعادة التذكير بالقضية الفلسطينية، كما قدم العدل مؤلفا و(سعيد حامد) مخرجا قصة بسيطة في إطار من كوميديا الموقف التي تتسم بالذكاء الشديد، لا يزال الفيلم عالقا حتى الآن بأذهان الكثيرين، ولا تزال إيفيهاته حاضرة وبقوة وسط موجة (كوميكس شباب مواقع التواصل الاجتماعي)، ولكن يبدو أن العدل لم يفوت فرصة صناعة الفيلم في ذكرى مرور 50 عاما على نكبة 48، فقرر أن يصنع خطا جانبيا، وشخصية جانبية لتعبر عن القضية الفلسطينية.

في عام 1999 كرر محدت العدل تجربته مع هنيدي وجيله، وفي مقدمتهم (أحمد السقا)، قدم العدل حكاية أخرى عن شاب مصري يفشل مشواره في مصر وتتزوج حبيبته من سائق ميكروباص، فيقرر البحث عن حلمه في الخارج، حكاية (همام في أمستردام)، حيث جاءت الفكرة ذكية وكوميدية وناتجة بالأساس عن التناقض، أيضا بين خلفية الشاب المصري الفقير المجتهد، والمجتمع الأوروبي المفتوح للفرص والمصائب أيضا، وهنا جمع العدل خيوطا كثيرة بدأت بصعوبات اللغة والبحث عن عمل، مرورا بانعدام الوفاء بين الأقارب والنزوع إلى الفردانية بين أبناء الوطن الواحد، ونهاية بحب وحلم جديد في بلد جديد.

وكررها مدحت العدل مرة ثالثة مع هاني سلامة ومصطفى قمر والمخرج على إدريس في (أصحاب ولا بيزنس)، حينما يصور مذيع مصري بشكل مفاجئ عملية استشهادية لفدائي فلسطيني يقوم بدوره (عمرو واكد) ويسمى بشكل مباشر للغاية (جهاد!)، وتبدو الخلطة واضحة، لا ننقدها بغرض التقليل من أفلام ارتبط معظمنا بها بذكريات كوميدية طريفة، ولا نحللها بغرض التشكيك في نية من تضامن حينها مع القضية الفلسطينية، ولكننا نعيد مناقشتها بغرض التساؤل، أين ذهب كل هذا التضامن الآن؟ ولم لم تعد القضية الفلسطينية – التى تمر بتغييرات مأساوية مؤخرا – حاضرة بأي شكل في أفلامنا؟ هل تحررت القدس فجأة؟ أم أن ذكر الأقصى كطريقة إلهاء قد انتهت الحاجة إليه بسقوط مبارك؟.. وحكايات عشق الوطن والقدس وفلسطين لا تنتهي في أعمال مدحت العدل، كما جاءت في مسلسلات عديدة، مثل (الشوراع الخلفية، محمود المصري، والعندليب – حكاية شعب).

غير من شكل السينما المصرية وكان بداية لما يعرف بموجة أفلام الشباب

أشهر أقوال مدحت العدل:

 ** طوال الوقت عندى شعور بأنه لا يمكننى تكرار نفسى فى الكلمات وأفكارها أو ألحانها، عبدالحليم حافظ كان يعبر عن الوطن بكل حالاته وهذه كانت قيمة فنه ولهذا عاش.

** لا نستطيع القول إن مصر نضبت من الشعراء وكتاب الأغنية، وقديما قيل نفس الكلام على جيل الأبنودى وجاهين وعبدالرحيم منصور، ثم ظهر جيلى، فكل جيل له من يمثله.

** أنا كنت جزءا من الذين كتبوا عن الوطن وذكرياته وأحلامه من خلال البشر قبل الحجر، مثلا.. أغنية (يعنى إيه كلمة وطن؟)، كتبتها وأنا أعمل طبيبا فى السعودية.

** مسلسل (العندليب) كان من أهم ما كتبت، وراض عنه كورق وكتابة، لكن لست راضيا عن أداء الممثل الذى قام بدور العندليب، وعندما كتبت بشيء من التقديس عن حليم لتأثرى بقصة هذا الرجل.

** أعتز أني مع جيل من الشعراء يضم جمال بخيت وعصام عبد الله والراحل رضا أمين، كانت لنا تجارب ناجحة في ظروف صعبة بعد جيل عظيم كتب أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ.

** لا أنكر أني رغم رصيدي الغنائي الكبير مع نخبة من المطربين من عمرو دياب إلى ميادة الحناوي، وسميرة سعيد، ومحمد فؤاد، ومدحت صالح، وعلي الحجار، وماجدة الرومي، إلى جانب إوبريت مثل (الحلم العربي) على سبيل المثال، تظل الصورة الطاغية لدى الكثيرين هى لكاتب الأفلام والمسلسلات.

** عمرو دياب، نموذح حقيقى للمثل القائل (من جاور السعيد يسعد)، أول فيلم لى كان هو بطله، وعمرو ميزته الاعتراف بفضل الآخرين عليه، وأنا أحب هذه النوعية من البشر.

** فخور بأننا أنتجنا أفلاما وأعمالا جيدة ذات قيمة واعتقد انها معروفة للجميع، ومنها أعمال مهمة مثل: (حديث الصباح والمساء وسجن النساء وحارة اليهود والداعية وتحت السيطرة وواحة الغروب وفوق مستوي الشبهات) وغيرها.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للشاعر والكاتب والمولف الدرامي (مدحت العدل) الذي سيكرمه اليوم مهرجان الموسيقى العربية باعتباره شاعر عربي الهوى والهوية، وكانت كلماته دائما مثل سنابل القمح، وأرغفة الخبز، وحبات الملح، وماء النيل، وقطرات العرق والدم، وهتافات الجماهير، ورصاص البنادق، من منا ينسى (الحلم العربي، القدس حترجع لنا، يعني أيه كلمة وطن،  الله حي شعبنا حي، ف طريقك يا فلسطين، إحنا شعب وانتوا شعب، تتصوروا لو طيرما بيطرشي أو قلب ما يغنيش، أنت أقوى، اتكلم عربي) وغيرها من الروائع الشعرية والدرامية التى كانت كوقود لبعض الذين فتر حماسهم الوطني، أو ماء سلسبيل لبعض العطشي للفن الراقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.