كتب : محمد حبوشة
هى فرصة مهمة بلاشك بعيدا عن الكوميديا التي اعتادها الفنان (خالد سرحان) للظهور بشكل مختلف على مستوى الأداء التراجيدي في قالب اجتماعي يمس الأسرة والحارة الشعبية التي يسكنها، حيث يجسد دور (رضا) متزوج ولديه طفلان ويمتلك ورشة للموبيليا ويعيش مع أمه وأخوته في شقة واحدة، وهو المسؤول عنهم، وتتكون أسرته من زوجته الفنانة رشا مهدى ووالدته حنان يوسف وشقيقه أحمد كمال أبو رية وشقيقته غفران محمد، لاسيما بأنه يقطن فى منطقة شعبية هو وأسرته، وأن لديه كلمه مسموعة على معظم الجيران المحيطين حوله، فهم في الغالب يخافون منه، وعلى خطى هذا السياق نجد عكس ذلك فله أتباع ومحبين داخل نفس الحارة، لتظهر ملامح هذه الشخصية الحقيقية مع متابعه الأحداث.
وقد مثل أداء (خالد) لهذا الدور تحديا كبيرا له للظهور بشكل مختلف راهن فيه بالأساس على موهبته، خاصة أن شخصية (رضا) تحمل أبعادا إنسانية مليئة بالتفاصيل والتناقضات، وقدم من المهارة والذكاء والاستعداد ما هو الأفضل لديه، ويبدو لي أن عاملا مهما كان وراء الارتفاع في مستوى أدائه، وهو تدريب الممثل على اللياقة العقلية والبدنية والنفسية هو القصد بأعداده لأداء هذا الدور المغاير لطبيعته التمثيلية الكوميدية، مع احترام القراءة الصوتية وتحسين النطق والقراءة الحركية والارتجال واستجماع الأحداث الدرامية وتحديد أهدافها والظروف المحيطة بها والالتجاء إلى الذاكرة الذاتية والتسلح بالمؤثرات العاطفية والوجدانية الشخصية لمعايشة هذا الدور الجديد.
على الممثل دائما أن يعرف الشخصية التي يحاول أن يقوم بها أو العمل على تحقيقها بشكل جيد وجدي، وهو ما فعله (خالد سرحان) كي يفتح له أفق جديد في محاولات فهم الشخصية بعدما يتعرف على ماهيتها وأين موضعها بالنسبة للزمان والمكان والظروف الخاصة والعامة التي تسبق أحداث الشخصيات الأخرى ومواقفها، وتبدو الإفادة من التجاريب الشخصية الواقعية هى ما جعلته قادرا على استخلاص النتائج المهمه في حياة (الأسطى رضا)، أي بمعنى آخر العمل على – الذاكرة الانفعاليه – التي هى عبارة عن حصيله تجاربه الحياتية ومن ثم الارتقاء بها على مستوى الحدث وأن يستل منها ما يؤثر على المتفرج لأنها تساهم في معاونته على إعادة إيجاد الحدث الحالي، الذي يرشح عن طريق الظروف، ويحدده الهدف.
ويبدو لي أن (خالد سرحان) أدرك منذ البداية أن مفاتيح الشخصية كثيره ومحيره من بداية ظهورها إلى نهايتها، فيحدث كثيرا من التغيرات والجدل الذى يصفها البعض بالشخصية الزئبقية، مما أدى ذلك بالتعامل مع جميع (الريأكشانات) وردود الفعل بميزان الرؤية أمام عدسه المخرجة (منال الصيفي)، والخروج من عبايه الكوميديا إلى الخوض إلى عبايه الممثل الحاوى الذي يلعب على حبال الشخصية، أى متعدد الكاركترات، لما لها من بصمه وقوه المشاهد التى تعد بمثابة الماستر سين وغيرها ليراها الجمهور أمام أعينه مباشرة، ومن ثم تعامل مع هذا الدور بأنه رحله ولابد أن يعيشها فعاش الشخصية بالفعل وصدقها وهذا ما رأيناه أثناء المشاهدة.
أتقن خالد سرحان دور مدمن المخدرات خاصة الهروين على المستوى الداخلي والخارجي للشخصية، فقد ظهر مع بداية التعاطي للمخدرات عبر علامات مميزة وإشارات تثبت تعاطيه بشكل تدريجي في التحول من شخصية حنونة ومسالمة ومحبة لأهله إلى شخصية متقلبة المزاج حتي تعاظم السلوك مع بعض التحولات الإجرامية، والميل للعدوانية الشديدة حتى أنه فى سبيل الحصول على جرعة من العقار المخدر بإنفاق الكثير من الأموال، وزيادة طلبها على غير عادة هذا الشخص وعلى خلاف أسلوبه فى الإنفاق من قبل، كما لوحظ أيضا اختفاء أموال ومتعلقات من المنزل بصورة متكررة تشير إلى إدمان (رضا) كما اكتشفت زوجته سرقة ذهبها والخروج متسللا بعد محادثة بينه وبين (حمو) الديلر الذي يتعامل معه لتوفير عدة جرعات إضافية.
تقمص (خالد سرحان) شخصية (رضا) مدمن المخدرات على نحو احترافي يتوازي مع أداء نجوم كبار سبقوه في هذا المضمار، كما بدا واضحا في طريقة لبسه ومظهره الخارجي وخموله وقلة حركته وهلوسته وتغير نمط سلوكه مع أبنائه وأخواته حتى أمه لم تسلم من حالة الجنون والطيش، حيث يتحجج في كل مرة تحاول أن تواجهه بالمراوغة الحجج البالية لإخفاء إدمان المخدرات، بحيث يحرص دائما على بقائها طي الكتمان حتى أنه في سبيل ذلك يتناول الجرعة بعيدا عن أعين الناس خصوصا أفراد الأسرة والمقربين أو أهل منطقته الشعبية، وقد ساهم في جودة المسلسل على مستوى الأداء (حنان يوسف) في دور الأم ورشا مهدي في دور (الزوجة سناء)، ولعل كاميرا المخرجة منال الصيفي ساهمت كثيرا في تعميق الرؤية من خلال حبكة درامية متقنة من جانب المؤلف محمد ذو الفقار.
وخلال الحلقات الخمس كان هنالك أكثر من مشهد يستحق الوقوف والتأمل لكن يظل مشهد (أم رضا/ حنان يوسف) عندما ذهبت إلى ابنها في ورشته التي يقيم بها بعد تدهور حالته الصحية، وفي مشهد مؤثر جمع بين رضا ووالدته أقنعته بالذهاب إلى المصحة ليتعالج من إدمان المخدرات، وفي أثناء ذلك اختلت به على أريكة في حديقة المصحة تبعث في نفسه إرادة التحدي للمحنة التي لحقت به وجاء مشهد الـ (ماستر سين) الذي سعت من خلاله لجمع شمل عائلتها من جديد على النحو التالي:
جسلت (أم رضا) بجواره ابنه على الأريكة في محاولته لاستعادته الثقة بنفسه وعودته إلى بيته كي يعود ليمارس حياته من جديد قائلة : ها يا يارضا .. عامل ايه؟
رضا يضع وجهه في الأرض خجلا: الحمد لله يا امه.
أم رضا : ارفع راسك يارضا ما تحنيهاش كده .. يلا يا حبيبي إرفع راسك .. ارفع راسك يارضا زي ما طول عمرها مرفوعة وحتض دايما راسك مرفوعة.
رضا : أنا ضرتكم كلكم يا امه وانتوا مالكمش أي ذنب.
أم رضا : يارضا انت ضريت نفسك يا ابني .. انت عارف ليه ضريت نفسك؟! .. عشان استقويت على نفسك .. شغل خمس رجالة مكنتش عاوز حد يساعدك وعاوز تعمله لوحدك .. ربنا بينعم علينا وعلى كل واحد فينا بطاقته .. إنما لما تزود عليها تتعب قوي .. أديك ما قدرتش وقعدت تاخد حاجات غريبة عشان تقدر وتكمل .. أديك يا حسرة مش قادر تتحرك حتى.
رضا ببكاء وحسرة : أنا تعبان قوي يا امه.
أم رضا : كلنا زيك تعبانين علشان غيبتك وحسرتنا عليك .. هانت يابني انشف كده وشد حيلك .. واقف كده على رجلك وارجع .. واحمد ربنا ان عيالك ما يعرفوش حاجة من دي خالص.
رضا بعجب شديد : أومال مفهمينهم ايه ؟!
أم رضا : فاكرين انك سافرت عشان تجيب لهم فلوس تعلمهم وتسعدهم .. بنت الأصول سناء ما قلتش لهم حاجة وحشة عنك.
رضا : أهي سناء دي كنت السبب في سقطها !!.
أم رضا : يابني ربنا يعوضكم .. ماللي جاب عيل يقدر يحيب تاني .. وبعدين ستات كتير بيسقطو الأيام دي بقت موضة والله من الأكل الوحش .. ربنا مسبب الأسباب تاني وتالت باقولهالك أهو .. يلا نروح البيت عشان نجوز اختك أحلام لفوزي ونجوز ميادة لعاصم.
رضا بأسى : عاصم .. وأنا اقدر أوري وشي تاني لعاصم؟!.
أم رضا : ايه يا ابني اللي بتقوله ده .. دا أخوك يا وله .. ده هو نسي الموضوع خالص .. ايه يعني شغلانة كان نفسه فيها ومحصلتش .. دا نصيب .. هو دلوقتي بيدور على شغلانة تانية، ولهدعلمك بقى بينزل الورشة كل يوم وبيصلح فيها الحاجات .. يلا يارضا عايزين الأسطى الكبير رضا هو اللي يفتح ورشة جلال.
رضا بندم على ما فات : بجد يا امه .. يعني مش شايلين مني؟
أم رضا : نشيل منك يا رضا .. اخص عليك يا ابني دا انت لحمنا يا رضا نشيكل منك .. دا كلنا مستنينك .. والبيت مستنيك .. حتى حيطان البيت مستنياك يارضا .. وأهل الحارة كلهم بيسألوا عليك يوماتي .. ويطمنوا عليك يوماتي .. الناس دي لها في رقبتك حاجة .. انك تخلي بالك من صحتك علشانهم .. يارضا انت كبير الحتة .. انشف حبيبي .. اجمد .. يلا ارجع لنا رضا .. الأسطى رضا الكبير.
بعد أن يسند رأسه على كتف أمه باكيا ونادما تقول له أم رضا : لا يا ابني .. طيب تعالي ابكي وخرج كل اللي جواك .. معلش يارضا كله راح .. كله راح .. غلطة وراحت .. الناس كلها بتغلط .. مفيش حد خلصان .. كلنا بنغلط وبنبقى كويسين تاني .. عندئذ ينتهي المشهد العصيب في هذه الحكاية الاجتماعية التي صنعت بعناية كبيرة من جانب مؤلفها محمد ذو الفقار، ومخرجتها منال الصيفي.