فتوح أحمد .. صاحب القيم الرفيعة في الفن
كتب : محمد حبوشة
الممتع في الممثل المجتهد، هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى، والموهوب من الممثلين، هو ذاك الذي يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها، وعندما نقول هذا ممثل (حقيقي) فهذا يعني أنه صادق و مقنع، وقادر على عدوى المشاهدين بمشاعره الفياضة، وجعلهم يصدقونه ويتابعونه، على الرغم من أنه تقف فوق خشبة مسرح افتراضية أو وجوده على شاشة تفصله عن الجمهور؛ كل ما عليهما غير حقيقي طبعا.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع نجم المسرح تمثيلا وإدارة (فتوح أحمد)، يملك فكرة سليمة في الأداء لذا فإنه يجيد اللعب والتقليد والإشارة والبوح والهمهمات على خشبة المسرح وشاشاتي السينما والتلفزيون، وإذا كان المسرح يدل على المكان: الخشبة أو الساحة، فالتمثيل يدل على الإنسان، الشخص الممثل، وكما يقول ستانسلافسكي المؤسس لهذا الفن: (أن تكون حقيقياً في ظروف غير حقيقية)، أي في ظروف نصنعها نحن: ديكورات، ملابس، مؤثرات، مكياج، إضاءة ونؤمن بها، ثم نتصرف بصدق، كما لو كنا نعيشها حقاً! وعبارة كما لو هى الفارق بين النسخ الفوتوغرافي للواقع، وإعادة إنتاجه فنيا.
(قمة الصدق) عند (فتوح أحمد) هى (قمة الكذب) في أدائه التمثيلي، أي أن تكذب كي تكون مقنعا، ويصدقك المشاهدون.! والكذب هنا ليس أخلاقيا أو محرما، بل هو كذب مهني مشروع لمن امتلك المهارة الفنية، فـ (أعذب الشعر أكذبه) كما قال العرب.. وهذا ما نطلق عليه مصطلح (الصدق الفني) أو (الإيهام)، وجعل الآخر/ المشاهد، يتورط في لعبتك ويصدق ما يراه ويسمعه، كما لو كان حقيقة لا شك فيها؛ لهذا، وعلى الرغم من أن هناك من يخلط الناس بين التمثيل كفن إبداعي، و(التمثيل) الذي يعني الكذب، كسلوك أخلاقي ديني واجتماعي!، لذا فإن (فتوح أحمد) يجيد فن الإتقان والمهارة والجمال، سواء كان فعلا أو أداء أو تقليدا أو تقمصا أو تجسيدا.
إن أخطر شيء يمكن أن يواجه الممثل، هو تجسيد الحالات المتكررة كثيراً في الحياة وفي الدراما، مثل: الاعتراف بالحب، الخوف، السرقة، التحية، الدهشة.. فكيف نحصن أنفسنا من الوقوع في (الكليشة) والتقليد، وكيف نبتكر تعبيرات جديدة لهذه المشاعر/ الأفعال؟ هذا هو سؤال الفن، الذي جاوب عليه (فتوح أحمد) في ترجمة عملية عبر أعمالة في المسرح والسينما والتليفزيون، وذلك من خلال فن التمثيل الذي يدعو إلى التفكير العميق الخلاق، بعيدا عن كل ما هو سهل ورقيع، واستنباط أو خلق حالات وأفكارا إبداعية جديدة، نابعة من الموقف والظرف المعطى، وطبيعة الشخصيات والأحداث الموجودة في النص؛ فهو لايختار المعروف والمستهلك لدينا ويقذفه في وجه المشاهد!
لكن فتوح أحمد يحرك خياله الإبداعي في كل دور يلعبه، ولا يسمح لنفسه بأن (يخر مغشيا عليه) كلما فوجئ بشيء أو صدم به!، فهل يعقل أن ينحني – بنفس الطريقة – كلما أراد التعبير عن الاحترام لأسياده بحس العمل الدرامي، أو أن يركع على ركبة واحدة ويقدم وردة حمراء، كلما أراد البوح بالحب مثلاً، أو أن (يبحلق) أو يزأر أو يبكي أو يتأتئ أو يتألم أو يغضب، كما يفعل أشباه الممثلين، في المسارح والأفلام والمسلسلات التلفزيونية الهابطة.!، إن (فتوح) ينظر دائما إلى إنه ثمة شيئ يستحق في حياة الناس، لهذا يلجأ في أدائه إلى تجسيد نماذج إنسانية لا نهاية لها، ولكل نموذج طابعه الخاص، ويستطيع الممثل الموهوب؛ بل يتوجب عليه، أن يضيف أفعالاً وحالات إنسانية جديدة، يقدمها بشكل أفضل وأصدق وأعمق؛ إذا حاول البحث عنها في الواقع أو في خزان ذاكرته الانفعالية، كي يعيد إنتاجها من جديد.
إن المدهش والممتع في الممثل المجتهد (فتوح أحمد) ، هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى، وباعتباره من الممثلين الموهوبين فإنه يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها؛ ينبشها من الحياة العادية، ومن خزانة الذاكرة الانفعالية، ويجسدها أمامنا، بإتقان تلقائي ساحر، مضيفا إلى تلك النماذج البشرية التي نعرفها نموذجا جديدا: (طبائع نموذجية، في ظروف نموذجية)، لذلك، يعد فن التمثيل واحدا عنده، مهما تعددت مناهجه ومدارسه وأسماؤه، فالغاية الأساسية منه، هي توليد وتجسيد المشاعر الإنسانية والقدرة على عكسها وعدوى الأخرين بها (المشاهدين).
ولد الفنان فتوح أحمد في محافظة القاهرة، ودرس في كلية التجارة جامعة القاهرة في البداية ثم درس بعدها في المعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج منه، اتجه بعد ذلك إلى مجال التمثيل والفن وأثبت نفسه في العديد من الأعمال الفنية فقد برع في كل أعماله التي تنوعت بين الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية وكذلك المسرح الذي يعشقه عمل فيه لسنوات طويلة، فقد كانت بدايته الفنية في مسلسل (الأزهر الشريف منارة الإسلام) وذلك في عام 1982، وفي عام 1987 لعب دورا مميزا في فيلم (من خاف سلم) ثم شارك بعد ذلك في عدة أعمال فنية متنوعة بين مسلسلات وأفلام ومسرحيات وكذلك سهرات تلفزيونية.
من أشهر الأدوار التي قدمها هو دوره في فيلم (حلق حوش) مع النجم محمد هنيدي والنجمة ليلى علوي، وذلك في عام 1997 وجسد دور الضابط رفقي، ومن أشهر أدواره في الدراما التلفزيونية هو دوره في مسلسل (الوتد) مع النجمة الراحلة هدى سلطان وهو من أنجح المسلسلات التي قدمتها الدراما المصرية وجسد فيه شخصية عبد العزيز، وتوالت أعماله الفنية بعد ذلك واتجه بشكل أساسي للدراما التلفزيونية وشارك في العديد من الأعمال التي أظهر من خلالها موهبته، كما أنه عمل رئيس البيت المصري للمسرح.
ومن أبرز أعماله السينمائية أفلام: (من خاف سلم عام 1987، صف عساكر عام 1990، عيون الصقرعام 1992، الرجل الثالث عام 1995ن حلق حوش عام 1997، عزبة آدم عام 2009، عايشين اللحظة عام 2010، أما أبر مسلسلاته التليفزيونية فهي: (الزيني بركات عام 1995، الوتد عام 1996، الحاوي عام 1997، أوراق مصرية عام 1998، اللعبة عام 1999، حديث الصباح والمساء عام 2001، الناس في كفر عسكر عام 2003، الست أصيلة عام 2005، امرأة من الصعيد الجواني عام 2006، عمارة يعقوبيان عام 2007، أسمهان عام 2008، متخافوش عام 2009، راجل وست ستات عام 2009، فرح العمدة عام 2012، في غمضة عين عام 2013، دهشة عام 2014، الكابوس عام 2015، يونس ولد فضة عام 2016، عشم إبليس، عام 2017، وضع أمني عام 2017، وقد لاجظت تفوقه مؤخرا في حكايتي (كدبة كبيرة) ضمن حكابات (ورا كل باب)، و(اللي خلف ممتشس) ضمن حكايات (زي القمر)، كما شارك في عدة مسرحيات منها (جوز ولوز) عام 1993، (كرنب زبادي) عام 1997، مسرحية :كرنب زبادي1997، دستور يا أسيادنا 1995، تكسب يا خيشة 1994، جوز ولوز 1993، العمر قضية، أصل وكذا صورة)، وغيرها من مسرحيات تعد علامات مميزة في تاريخ المسرح المصري.
معروف أن (فتوح أحمد) أحد الفنانين المهتمين بالشأن العام الخاص بالفن والفنانين، لذا تحدث في إحدى اللقاءات عن الفنان الراحل أحمد زكي وذلك في الذكرى الرابعة عشر لرحيله عن عالمنا، وأكد أنه من النجوم القلائل الذين مروا بتاريخ الفن المصري فقد كان يتمتع بموهبة كبيرة، وأضاف الفنان فتوح أحمد خلال مداخلة هاتفية في برنامج (صباح الورد) قائلا: (إن الفنان أحمد زكي كان فنان قلما يجود الزمن بمثله فقد كان يتميز بالإخلاص والحب والعشق لعمله)، كما أكد أن الفنان الراحل أحمد زكي كان يسخر يومه بالكامل للفن والتمثيل حتى في وقت فراغه كان يتحدث عن الفن وأضاف قائلاً: (كان 24 ساعة فن وشغل).
ومن المواقف المشهودة لفتوح أحمد تصديه لقوى الظلام، حين أكد في فترة رئاسته للبيت الفني للمسرح، أن الدعوة السلفية أخطأت عندما أصدرت بيانا، تستنكر فيه ما رأته ازدراء للدين الإسلامي و(قلة أدب) من جانب فريق عمل مسرحية (دنيا حبيبتي) للمخرج جلال الشرقاوي، حيث قال وقتها: كان ينبغي على الدعوة السلفية أن تتوجه إلى المخرج جلال الشرقاوي في البداية للحوار معه بشأن هذا الأمر، وإذا لم يستجب عليها أن تتقدم بشكوى رسمية للرقابة على المصنفات الفنية، باعتبارها الجهة الرسمية المسئولة عن مثل هذه الأمور، أما أن (تعمل من الحبة قبة) فهذا أمر مرفوض، لأن المسرحية إذا كان بها مثل هذا الأمر فهو شيء يخص كل مسلم وليس السلفيين وحدهم إلا إذا كانوا (واخدين الدين توكيل).
وأضاف فتوح: الحوار هو الطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه الأمور الشائكة، فمن الممكن أن يكون الإفيه الذي يعترض عليه بعض السلفيين قيل بشكل خاطئ من بعض الممثلين وبالتالي لا يجب البناء عليه، وجدير بالذكر أن الشيخ محمد سعد الأزهري عضو مجلس شورى الدعوة السلفية شن هجوما عنيفا على مسرحية (دنيا حبيبتي)، والتي تحكي عن فترة حكم جماعة الإخوان، وقال في البيان: (المسرحية اتخذت طريق الابتذال والسماجة والاستهزاء ببعض الألفاظ والأسماء والمصطلحات الشرعية لتعبّر عن فترة حكم الإخوان، وكأن النقد لابد أن يكون عن طريق السفاهة وقلة الأدب، فأحد الممثلين في هذه المسرحية يسخر من زوجته فيقول لها متهكما (أم مصعب رضى الله عنها!!).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان فتوح أحمد، صاحب القيم الأصيلة في الفن، فلم يندرج في أي من أعماله تحت طائلة الأعمال المسفة، بل كان حريصا دائما على تجسيد شخصيات تحرض على الفضيلة كما جاء مؤخرا في حكايتي (كدبة كبيرة، واللي خلف ممتش)، ليؤكد على صدقيته في الأداء الحي وبحس إنساني دأب على القيمة والمعنى، حيث قدم في الحكاية الأولى، دور الأب الحاني على كل أهله، وفي الثانية لعب دور تاجر السمك الصعيدي الشهم الذي يحافظ على القيم والتقاليد.. متعه الله بالصحة والعافية.