كتب : محمد حبوشة
تسود شاشات الفضائيات المصرية ومنصة (واتش إت) المملوكة جميعا لشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) نوعية من دراما (الخمس حلقات) التي يمكن أن تندرج مجازا تحت مسمى دراما (الهبل)، ومنها بالتأكيد حكاية (عقبال عوضك) ضمن حكايات (زي القمر)، وذلك لأن مثل تلك الأعمال التي تضطر إلى اجترار التراجيديا لا تحاكي مآسي البشر و تعكس هموم الحياة و معاناة الإنسان بقدر ما تجنح نحو تكرار ممل وإعادة إنتاج ما تم إنتاجه، وقد يتساءل البعض عن الهدف من مثل هذه الأعمال؟ وذلك ترتيبا على أن التراجيديا تهدف إلى تطهير النفس و السمو بالروح الإنسانية، فهى تنقل تجربة إنسانية قاسية نتيجة خطأ بشري للمشاهد كي يتجنب الوقوع فيها.
أما إذا كان المشاهد مبتلى بمثل خطايا مسلسلات مثل (عقبال عوضك) فسوف ينتهي به المطاف بأن يكف عن مشاهدة هذا الكم من هذه الأخطاء ويقوم بتطهير نفسه بعيدا عن الوقوع في براثن دراما مملة تتسم بإيقاع بارد وأداء مفتعل ومتشنج من جانب (مي الكساب) التي جاءت بوزن ثقيل في الجسم وخفة الهواء في الأداء بشكل منطقي، ولا ننسى أن هدف الكاتب أن يعلم المشاهد درسا أخلاقيا، حيث يستخدم الكاتب الكثير من العناصر مثل الخوف و التهديد و التشويق و الإغراء ينتج عنها صراعا داخل النفس، وهو ما فشلت فيه (مي) فشلا زريعا في هذه الحكاية التي تتنتقل بك من حلقة إلى أخرى بملل يعقبه ملل أكبر، رغم أن (مي) معروفة بأعمال كوميدية تبعث على الضحك و الترويح عن النفس، لكنها على مايبدو لا تتدرك إن للكوميديا هدف لا يقل عن التراجيديا.
جاءت مضامين ما بث من خلال الحلقات الخمس محشوة، بل ملغومة، بمضامين تشيطن المجتمع المصري بكل مكوناتها، العائلة، والفرد، والمؤسسة، وترسم صورة سوداوية قاتمة للعلاقات الاجتماعية القائمة بين مكونات مجتمعنا المصري، ويطبع المسلسل بفساد أخلاقي من جانب الأخوة تجاه أختهم التي أفنت عمرها في خدمة أمها، ويستشري الصراع على الميراث، ليكشف عن قيم أخرى يتمدد فيها العنف والمغالاة في الخصومة، ولا يخرج المشاهد إلا بخلاصة مفادها أننا نعيش في مجتمع لا خير فيه، شرير بالمطلق، محكوم بالغدر وإنكار الجميل.
لا أنكر وجود بعض الأعمل الدرامية التي تهل علينا في فترات متباعدة من خلال حكايات (زي القمر) على جناح القضايا الاجتماعية التي تمس الأسرة المصرية باعتبارها العمود الفقري للمجتمع، وربما كثرة الأعمال الجيدة يمكن أن يقلل من تأثير الدراما الرديئة، و قد تنهض بالأمة إذا وجدت بيئة صالحة و وعيا حقيقيا، لكني لم أري هذا الهدف أو تلك الرسالة في حكاية (عقبال عوضك) التي جاءت أحداثها بمزيد من عنف و لغة رديئة و ممارسات تدمر هذا الجيل الجديد وتترك في نفسه رواسب سلبية عن الزواج، كما أنها تعطي قدوة سيئة لقليلي الفهم، ناهيك أنه عمل لا يحتوى على قصة ولا مقومات عمل أدبي أو فني معتبر، فالحبكة الأدبية تعرف بأنها سلسلة منطقية من الأحداث، لكن ما شاهدته هو اختلاق مواقف من شأنها تطويل العمل لملء الفراغ دون الإضافة للقيمة الفنية .. إنها باختصار (دراما في زمن الهبل!).
والذي يدهشك في (عقبال عوضك) أن المنتجة والمؤلف صاحب الأفكار المسروقة يروجون دائما لمثل تلك التجارب الغارقة في براثن الملل والتكرار على أنها أفكار جديدة ومثيرة وتخاطب الذائقة التواقة للأعمال الهادفة، مدعين أن القصة تدور أحداثها في إطار درامي اجتماعي حول مناقشة فكرة تأخر الزواج عند الفتيات، ونظرة المجتمع لها والضغوط التي تواجهها، من خلال (مي كساب) التي تمتعت بقدر هائل من البلادة في الإحساس في تقديمها لدور مدرسة رياضيات، خاصة أنها فتاة تتأخر في الزواج، وتواجه العديد من الصراعات والضغط النفسي ممن حولها سواء من عائلتها أو خارجها، ووهبت حياتها لخدمة والدتها المريضة بالزهايمر (هالة فاخر) التي أدتها هى الأخرى الشخصية (بضهر إيدها) دون التوغل في أداء يعكس خبرتها في مثل تلك الأدوار، وحتى عندما قدمت مي كساب خلال الحكاية أغنية (بيفوت العمر) لم يصلنا كمشاهدين من خلالها معاناتها، رغم أنها من كلمات أيمن بهجت قمر، وألحان محمد يحيي، وتوزيع نادر حمدي.
مي كساب خلال حوارها إلى برنامج (كلمة أخيرة) الذي تقدمه لميس الحديدي على قناة (on) أشارت إلى أن زوجها أوكا وأولادها فخورون بحكاية (عقبال عوضك) – وأعتقد أنهم وحدهم هم المعجبون بأدائها الفاتر – ، مضيفة: (السوشيال ميديا جعلت رد الفعل سريعا جدا، وكل كلمة تم كتابتها عن دوري في المسلسل أثرت فى، وهى دي مدرسة التمثيل اللي بحبها، وأنا من الممثلين اللي مش بحب ميكاب كتير وبفضل اتخانق مع الماكيير للسبب ده، لأني بشوف الميكاب بيأثر على المصداقية ولازم لما أنفذ شخصية الناس تصدقني)، ومع ذلك فلم تقنعي لثوان من الوقت بأدائها المتشنج، رغم أنها قالت: دور (شادية) في المسلسل (حبيت فيها كل حاجة، ولمستني جدا بسبب فكرة أن شادية قاعدة مع والدتها وأنا عشت نفس الظروف وبابا داخل في سن الزهايمر فالموضوع لمسني جدا، وأنا بقرأ الورق قعدت أعيط بسبب تأثري، وكمان موضوع تأخر سن الزواج لمسني لأني اتجوزت في سن متأخرة وكانت دائمًا خلافاتي مع والدتي بسبب قصة الزواج وأخذت وقتا كبيرا لأخذ قرار الزواج)، وع ذلك لم تلمسنا كمشاهدين من قريب أو بعيد.
صحيح أن شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تبنت خلال الفترة القصيرة الماضية ، فكرة المسلسلات القصيرة الـ 5، والـ 10 حلقات، والتي تتناول قضايا اجتماعية من واقع الحياة اليومية، لكنها حقق نجاحا محدودا لايقارن بحجم إمكانات الهائلة، ومن هذه المسلسلات (إلا أنا، زي القمر، ورا كل باب)، ومن ثم فهى لم تخدم الدراما المصرية بحسب هدفها المعلن، وتظل المسلسلات الطويلة هى الأفضل؟. صحيح أن فكرة الحكاية لاتقاس بالمتر وأن الموضوع يقاس بقيمة العمل الفني، ومؤكد أن تقييم أي عمل فني حتى لو لوحة ليس بكبرها أو قصرها، الأهم الفكرة والغرض منها، وهل المؤلف والمخرج وصناع العمل أوصلولها لنا أم لا؟، ومن ثم فـ (عقبال عوضك) لم تنجح في توصيل الفكرة.
ورغم أن مي كساب خيمت على مشاهد المسلسل بأداء باهت أفقد العمل رونقه وبريقه، إلا أنه يكتب التفوق لكل من (محمد جمعة)، الذي جاء بأداء ناعم يعكس جوهر موهبته، وقدرته على تقمص دور المحامي مهزوز الشخصية بفعل فقدان زوجته وابنته، وكذلك لفتت (رباب ممتاز) الأنظار إليها من خلال شخصية زوجة الأخ المتنمرة، الطماعة، حيث ارتجلت في تعبيرات الجسد وحركات اليد بطريقة احترافية، وأيضا إيمان السيد بخفة ظلها وتلقائيتها المعهودة التي خففت من حدة الكآبة التي وضعتنا فيها (مي)، كما أشيد بالفنانة الشابة (راندا عبد السلام)، التي استطاعت أن تخرج من عباءة الكوميديا إلى إثبات تواجدها وحضورها في دور شر، رغم أنه يبدو سلاح ذو حدين، لكنها نجحت في أن يخرج الدور بشكل جيد، وهو ما يدعني أرشحها للمنتجين والمخرجين وألفت نظرهم إلى تلك الموهبة الصاعدة الواعدة ضمن بنات جيلها للعب أدوار أكثر.
وأخيرا أعترف أنه وسط هذا الكم الكبير من المسلسلات، هناك عدد من الأعمال التي تحاول تقديم صورة جديدة ومختلفة من الدراما التلفزيونية، لكن يبقى كثير منها بإصرار من بعض كتاب وصناع الأعمال الدرامية على تقديم أعمال رديئة وفاشلة، دون وازع من ضمير يجعلهم يراجعون أنفسهم فيما يقدمونه من مسلسلات يزعجون بها المشاهدين بين الحين والآخر، والحقيقة أن هناك صناعا للمسلسلات يجب عليهم لملمة أوراقهم واعتزال المهنة ما داموا غير قادرين على تطوير أنفسهم أو التعلم من أخطائهم المتكررة، وهم دائما من إخفاق إلى كارثة، ولا يختلفون في إيجاد فكرة درامية تحمل خصوصية، وإنما أعمالهم مثل (عقبال عوضك) مجرد حواديت ساذجة لا تصدق، فضلا حاله إخراجية غير مميزة على الإطلاق.
ومن هنا أقول: أيها المشاهد الكريم، لا تتابع إلا ما يحترم عقلك ويضيف لعلمك.. لا تكن سلبيا و تقبل السم الذي يقتل ضميرك و إحساسك.. القيم الإنسانية لا تتغير و لا تتبدل بتغير العصور و الأزمان.. و لذلك لا تنسى أن هذه الأعمال مربحة جدا للقائمين عليها و أنت من تمول بتشجيعك و بانهماكك فيها، و أخيرا أقول: أيها الفنان و الكاتب اتق الله في وطنك وفي جيل يحتاج أن ترقى به، فلا تضلله، إن الكلمة أمانة، وإن الفن رسالة، و بكلمتك و بعملك يمكن أن تبني و تعمر و تشد الهمم و تصحح مفاهيم وتقوم أخطاء. لا تتبع أي جهة ولا تقبل أي عمل إلا الجيد و النافع، و إن لم تكن معول بناء، فلا تكن أداة هدم وليكن هدفك دوما هو الارتقاء بالمجتمع.