فى ذكراه الثامنة : ننفرد بنشر تفاصيل مسلسل (جارة الوادي) بطولة وديع الصافي وصباح
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الثامنة لنبع الغناء الصافي (وديع الصافي) الذي قال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب (لو جمعت أصوات المطربين كلهم في صوت واحد لما ألفت صوت وديع الصافي، فهو الأجمل منذ ألف سنة، وصاحب أجمل صوت بين الرجال في الشرق)، وقال عنه الشاعر اللبناني الكبير (جورج جرداق) : (صوت تتوافر فيه رجولة من أنبتوا من الصخر تفاحا، وحولوا الجرود إلي جنات تسكنها النجوم، وتجري من تحتها الأزهار، صوته كأنه حديث الأرض للغاب، والغاب للرياح، صوت كأنه وجوه الآباء حول النار في ليالي الشتاء).
من الأشياء التى أفتخر وأعتز بها بها أننى أجريت حوارا مطولا مع هذا العملاق عندما جاء للغناء في إحدى دورات مهرجان الموسيقى العربية فى دار الأوبرا المصرية ونشرته في جريدة (الحياة) اللندنية فى نهاية التسعينات، ويومها تحدث هذا العملاق عن مراحل انطلاقة الأغنية اللبنانية، وعن دوره في الانطلاقة وقال : (لم تكن انطلاقة الأغنية اللبنانية سهلة، فقد اجتهدنا كثيرا لتأسيس أغنية تحمل طابعا محليا صرفا، وفي وقت كانت الأغنية المصرية طاغية بقوة على الغناء العربي والأذن العربية.
وأضاف وديع الصافي فى هذا الحوار: كنت من الرواد الذين سعوا إلى أغنية مغايرة لهجة ونمطا، فحولت الكلام الزجلي الذي اقتصر طويلا على حفلات القوالين والمناسبات المنبرية فنا غنائيا، وكان ذلك حدثا مهما في تاريخ الفن اللبناني، ثم بدأ الأخوان رحباني، وفيلمون وهبي، وزكي ناصيف، وعفيف رضوان ينسجون على المنوال نفسه.
واخترت قصائد لزجالين مغمورين لحنتها وغنيتها، فحصدت عقب صدورها نجاحا، واعتقد أن أغنيتي (قلت الهوى) شكلت الانطلاقة الفعلية للغناء البلدي اللبناني، ثم واظبت على ترسيخها أكثر فأكثر بسلسلة أغنيات تتصف بمواصفات خاصة وجديدة وبهوية فنية مستقلة.
ومن الأسئلة التى سألتها له عن تكوينه ثنائيا ناجحا مع شمس الشموس (صباح) فى الكثير من الأعمال الغنائية والفنية، فيومها ذكر لي الكثير من الأعمال التى نعرفها، وفى النهاية فجر معي مفاجأة حيث قال أنه اشترك معها في مسلسل إذاعي لإذاعة (صوت العرب) بعنوان (جارة الوادي) غنوا فيه أغنيات كثيرة رائعة، ولا يتذكر من مخرج ولا مؤلف العمل، ويومها كتبت هذه المعلومة من ضمن الأعمال التى قدمها مع المطربة (صباح).
وبعد مرور سنين طويلة على هذا الحوار حوالي 16 عاما أذاع الإذاعى المتميز (إبراهيم حفني) عام 2014 فى الذكرى الأولى لرحيل (وديع الصافي) في برنامجه (منتهى الطرب) فى الحلقة رقم 125، تتر مسلسل (جارة الوادي) فإذا به من تأليف الكاتب المبدع (كمال إسماعيل) وإخراج مخرجنا السينمائي الكبير (عاطف سالم) والبطولة لـ (وديع الصافي، صباح، محمود المليجي، عايدة كامل، محمود عزمي) وغيرهم، وتم تسجيل المسلسل كما ذكر (حفني) بين 12 و14 فبراير عام 1962، وكان اسمه في البداية (قلوب دامية) ثم تغير إلى (جارة الوادي).
وبالبحث فى الأرشيف الخاص بي وجدت أن المسلسل ضم مجموعة كبيرة من أغنيات ودندنات (وديع الصافي، وصباح) بداية من التتر الذي كان يغني فيه (الصافي) جزء من أغنيته (لبنان يا قطعة سما)، وترد عليه (صباح) بمقطع آخر من رائعته (جنات عامد النظر) تأليف عبدالجليل وهبي، وألحان وديع الصافي، والذي تقول فيها (جنات عامد النظر/ ما بيتشبع منها نظر/ وطيور عانغماتها بينام وبيصحى القمر).
وتدور أحداث المسلسل حول صراع بين عائلتين لأسباب غير مبررة، خلال هذا الصراع يخرج من صلب العائلتين عاشقان، ودون أن تدري العائلتين يتسلل الحب إلى قلب (عادل، وليلى) اللذين ينجحان في النهاية فى إزاله الخلاف بين الأهل، الجميل أن المسلسل مكتوب باللهجة اللبنانية رغم أن مؤلفه ومخرجه وكل أبطاله باستثناء (وديع الصافي، وصباح) مصريين.
وقد سجلت حلقات المسلسل بعد انتهاء فرقة (الأنوار) عام 1962 من تقديم عروض (حكاية لبنان) على مسرح دار الأوبرا المصرية القديمة، وبعد انتهاء العرض عادت الفرقة إلى لبنان ما عدا (وديع الصافي)، وتصادف وجود (صباح) في القاهرة من أجل إتمام عقود عمل وأيضاً من أجل النطق بالحكم بضم ابنتها (هويدا) إلى جدتها في 23 يناير 1962، فأحب المؤلف والكاتب (كمال إسماعيل) أن يحقق (خبطة) إذاعية، بعمل إذاعي يجمع بين (الشحرورة، ووديع الصافي) فكتب على عجل قصة مستوحاة من رائعة (روميو وجوليت) لكن بشكل عصري، وتم تسجيل المسلسل على مدى يومين.
جدير بالذكر أن هذا المسلسل يعتبر من النوادر التى لم يذكرها أحد من الذين كتبوا عن (وديع الصافي) أو حتى الكتب التى طرحت عن هذا العملاق اللبناني.