المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها .
كتب : أحمد السماحي
من المطربيين والملحنيين الذين يغنون الجمال والرقي الموسيقار البحريني (خالد الشيخ)، صاحب أحلى الجمل الموسيقية التى يعرف بها كيف يحرك وجدان المستمع، من خلال صوته الحساس جدا الذي يزداد حلاوة مع مرور الأيام، ويزداد رسوخا في مقاومة عامل الزمن بحيث نسمعه دائما متجددا، قريبا من القلب، وفى ثواني يستطيع أن يأسرك ويجعلك تنصت اليه بإستمتاع يفوق الاستمتاع نفسه.
(خالد الشيخ) واحد من قلة على مستوى العالم العربي الذي لديه مشروعا غنائيا، وعندما تسمعه لابد أن تتأكد أن مثل هذا الغناء حلال مائة في المائة، فهو يسمو بالوجدان، ويرتقي بالذوق، ولابد أن تذكر الله عندما تستمع إليه.
من أجمل مشاريعه الغنائية غنائه للشاعر الفلسطيني الكبير (محمود درويش) الذي يُعد واحدا من أهم الشعراء العرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بالثورة والوطن وفلسطين، واستطاع (خالد الشيخ) أن يوصل لنا باكرا ومنذ بداية الثمانينات أوجاع (محمود درويش) وعذاباته، وضياعه، ومنفاه، وطفولته، وشبابه، وجماله، من خلال عدة قصائد مثل (عندما كنت صغيرا، أغنية حب، أبيات غزل، لحن غجري) وغيرها.
ومن خلال رحلة (الشيخ) مع قصائد (محمود درويش) تطور بالقصيدة من المدرسة التعبيرية في اللحن التى تصور المعاني، وتكرس المفاهيم الشعرية، إلى مدرسة أخرى حيث جعل البناء حراً في تراكيبه، واستطاع التنقل المقامي، والايقاعي معتمداً على موهبة كبيرة تقرأ الشعر بالتلحين.
هذا الأسبوع سنتوقف في باب (محذوفات الأغاني) عند واحدة من أهم قصائد (محمود درويش) التى تغنى بها المطرب البحريني الشهير، وهى (موال) التى وزعها الموزع المصري المبدع (أشرف محروس)، وفي هذه القصيدة غير(الشيخ) وحذف عدة أبيات، حيث بدأ القصيدة التى تغنيها معه الفنانة (هدى عبدالله) من منتصف القصيدة بداية من البيت الذي يقول (يداك فوق جبيني، تاجان من كبرياءْ)، ثم جعل مقدمة القصيدة التى تقول (خسرتُ حلماً جميلاً، خسرت لسع الزنابقْ) هى الكوبليه الثاني، وغنت الأثنين المطربة (هدى عبدالله)، وبدأ (الشيخ) الغناء من الكوبليه الثالث الذي يقول (لقد تعود كفي على جراح الأماني)، وقدم الأبيات التى تقول (الأرض ام أنتي عندي، أم أنتما توأمان) إلى الكوبليه الرابع، وحذف الأبيات التى تبدأ من (الريح تنعس عندي، على جبين ابتسامه)، وأنهى قصيدته بـ بالأبيات التى تقول (كوني على شفتيا اسما لكل الفصول).
وإليكم كلمات القصيدة كاملة كما كتبها شاعرنا العربي الكبير (محمود درويش) وستجدون الأبيات المحذوفة باللون الأحمر.
خسرتُ حلماً جميلاً، خسرت لسع الزنابقْ
و كان ليلي طويلاً، على سياج الحدائقْ
وما خسرت السبيلا
لقد تعوّد كفّى، على جراح الأماني
هزي يديَّ بعنف، ينساب نهر الأغاني
يا أم مهري و سيفي !
يما مويل الهوى، يما مويليّا
ضرب الخناجر ولا
حكم النذل فيّا
يداك فوق جبيني، تاجان من كبرياءْ
إذا انحنيت،انحنى تلٌّ وضاعت سماءْ
ولا أعود جديراً، بقبلة أو دعاءْ
و البابُ يُوصَدُ دوني
كوني على شفتيا، اسماً لكل الفصول
لم يأخذوا من يديا، إلا مناخ الحقول
وأنت عندي دنيا!
يمّا مويل الهوى، يمّا مويليّا
ضرب الخناجر ولاحكم النذل فيّا
الريح تنعس عندي، على جبين ابتسامه
والقيد خاتمُ مجد، وشامةٌ للكرامة
وساعدي.. للتحدي، على يديك تصلي
طفولةُ المستقبلْ، وخلف خفنيك، طفلي
يقول : يومي أجملْ، وأنت شمسي و ظلي
يمّا مويل الهوى، يمّا.. مويليّا
ضرب الخناجر ولاحكم النذل فيّا
الأرض، أم أنت عندي، أم أنتما توأمان
مد مدّ للشمس زندي؟ الأرضُ، أم مقلتان
سيان سيان.. عندي
إذا خسرت الصديقة، فقدت طعم السنابلْ
وإن فقدت الحديقة، ضييّعت عطر الجدائلْ
وضاع حلم الحقيقة، عن الورد أدافعْ
شوقاً إلى شفتيك، وعن تراب الشوارع
خوفا على قدميكِ، وعن دفاعي أُدافع
يما مويل الهوى، يما مويليّا
ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا.