أفيش المسلسل
كتب : محمد حبوشة
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج (اختطاف) ووصفوا العمل الدرامي البوليسي بأنه نقلة في صناعة الدراما السعودية – وهو كذلك بالفعل -، حيث يروي قصة اختطاف طفلة تدعى (لينا) وبدء عائلتها عملية البحث عنها ضمن سلسلة أحداث تشويقية لا تخلو من مشاهد الرعب، وقد أجادت الفنانة السعودية الشابة (إلهام على) في لعب ثلاثة أدوار على نحو احترافي بالغ الدقة، ربما بفضل تحكم المخرج البريطاني (مارك أفرست) الذي تعامل بحساسية شديدة مع المسكوت عنه في المجتمع السعودي، وذلك برفع الغطاء الذي يعري التقاليد البالية في مجتمع عرف عنه التحفظ في معالجة قضايا تخص المرأة التي ظلت تعاني طويلا، حتى جاءت رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان، لتتنفس المرأة السعوية هواء الحرية الجديدة.
نجح المسلسل السعودي (اختطاف) في أن يثير ضجة كبيرة بعد عرض أولى حلقاته، حيث قامت منصة شاهد VIP الرقمية، التابعة لمجموعة قنوات mbc، بعرض حلقات مشوقة من المسلسل السعودي الذي ينتمي إلى فئة الأعمال البوليسية، وتدور أحداثه حول طفلة يتم اختطافها واحتجازها في قبو في مرزعة لمدة 20 عاماً، يمارس خلالها الخاطف على المختطفة شتى وسائل التعذيب النفسي والبدني والتخويف والترهيب، وطوال هذه السنوات الـ 20، لم تيأس أسرة الفتاة المختطفة من العثور عليها، خاصة شقيقتها التوأم التي لم تتمكن من أن تعيش حياة طبيعية منذ أن أصبحت وحيدة.
شارك في بطولة المسلسل طاقم عمل يضم العديد من نجوم ونجمات السعودية والدراما الخليجية، ومن ضمنه: (إلهام علي، خالد صقر، عبدالإله السناني، ليلى السلمان، عهود السامر، عبدالعزيز السكيرين، نور حسين)، وهو من تأليف أماني السليمي، وإخراج مارك إفرست، ويتكون العمل من 13 حلقة، تبلغ مدة كل منها حوالي 40 دقيقة، وقد بدا ملحوظا لي ولغيرى من المشاهدين تفاعل كثير من الفنانين من ممثلين ومخرجين ومؤلفين ومنتجين، مع المسلسل السعودي الجديد، والذي اعتبروه نقلة نوعية في الدراما السعودية والخليجية، رغم أنه مسلسل elite يكشف أسرار عالم المراهقين الغامض، لكن أبطال العمل قامو جميعا بأداء رائع ومتجلي، بحيث أصبح سابقة في الأعمال الفنية في السعودية، وهو يتحدث عن حالة خاصة موجودة في عالمنا العربي.
ويثبت (مسلسل (اختطاف) أن (خالد وإلهام) لن يتوقفا عن الصعود للقمة، ففي خلال 13 حلقة استمتعت شخصيا بأداء خالد صقر وإلهام علي، وهناك عنصر تشويقي جاذب، حيث يضفي نوعا من الغموض حتى النهاية على العمل، ومنذ اللقطات الأولى التي ظهرت من المسلسل ظهرت الإثارة والتشويق في أداء كلا النجمين السعوديين، حيث يمارس الخاطف على المختطفة وسائل القوة والتعذيب النفسي والتجويع والتخويف والترهيب، كما أنه كان يمنعها من الطعام في بعض الأحيان، وذلك لكي يجعلها شخص خائف ومذبذب، وتلك القصة مختلفة وفريدة من نوعها جعلت الكثير من محبي هذه النوعية من المسلسلات يبحثون عن هذا المسلسل.
وعلى حد قول الناقد المصري محمود عبد الشكور، فقد تعامل مسلسل (اختطاف) مع موضوع الاختطاف والاغتصاب بعمق غير معتاد في الدراما العربية، حيث يدور باختصار حول شاب مريض نفسياً يختطف طفلة صغيرة ويحتفظ بها داخل غرفة مغلقة في مزرعة مهجورة لأكثر من 20 عاماً، تتحول خلالها الطفلة إلى امرأة ناضجة، لا تعرف شيئاً في الحياة، مصابة بعدد من الأمراض النفسية والجسدية، لا تقوى حتى على قتل مختطفها أو الهرب عندما تسنح لها الفرصة، وذلك من خلال خطين متوازيين: الأول يتمثل في الأسرة المكلومة المكونة من الأم والأب والأخ والأخت التوأم للفتاة المختطفة، الذين يعانون الفقدان والتراوح بين اليأس والأمل، وبينما يستغرق الأب والأم في أحزانهما وبحثهما الذي لا يتوقف عن ابنتهما، تشعر الأخت الباقية بأنها أصبحت منبوذة، سجينة هى الأخرى، لا تستطيع أن تعيش حياة طبيعية بسبب أختها.
أما الخط الثاني فيرصد العلاقة (السادوماسوشية) التي تنشأ بين المختطف والضحية، فقد ارتبط الاثنان طوال هذه السنوات بقدر واحد، فالرجل الذي يبدو قاسيا عنيفا هو في الحقيقة شخص معاق نفسيا وعاطفيا، لا يستطيع الاستغناء عن الفتاة، والفتاة التي تبدو تعيسة وترغب بالتأكيد في الفرار من سجنها المؤلم أصبحت هي الأخرى معاقة نفسيا، لم تر طوال 20 عاماً من حياتها سوى رجل واحد أصبح كل عالمها، ولم يعد بإمكانها الحياة بشكل طبيعي، أو التفكير بشكل مستقل، بالإضافة إلى أن القهر الذي تعرضت له جعلها تصاب بانفصام في الشخصية: واحدة تريد التمرد، والأخرى جبانة ومستسلمة.
وقد لاحظت من خلال مشاهدة متأنية براعة النجمة السعودية الشابة (إلهام علي( في لعب دوري الأختين التوأم: خلود، الأخت التي تستعد لزفافها على شاب تحبه، وتتطلع لحياة جديدة سعيدة.. ولينا، الأخت الحبيسة المعذبة التي لا تقوى على السير والحركة بشكل طبيعي، وهي شخصية تنقسم بدورها إلى اثنتين: الفتاة وشبحها الذي يحثها على التمرد، والدوران يمثلان تحديا وامتحانا كبيرا لأي ممثلة، نجحت فيه الممثلة الشابة بجدارة، حتى يصعب على المشاهد أحيانا أن يصدق أن من تلعب الشخصيتين ممثلة واحدة، فهي قادرة ليس فقط على التعبير بشكل مختلف، ولكن ملامحها أيضا تكاد تكون مختلفة.
ولعل ما نجح فيه مسلسل (اختطاف) هو أنه استطاع أن يربط بين قصته الرئيسية والقصص الفرعية للشخصيات الأخرى، ليوحي بأن ما تعانيه (لينا) من خطف وسجن وقهر، هو أيضا مصير كل الشخصيات الأخرى بدرجات وأشكال مختلفة، وأن (لينا) ماهي إلا نموذج متطرف لهذا الشعور العام الذي يغلف الجميع، ففي أحد المشاهد الذكية يربط المسلسل عن طريق المونتاج المتوازي بين ما يحدث للينا في محبسها، وما يحدث لخلود في حياتها (الحرة) الطليقة مع خطيبها الغيور، الذي يرفض أن تكشف وجهها، أو تكتب اسمها على بطاقة دعوة الزفاف.
مشكلة واحدة لم يستطع صناع العمل حلها هي أن الأحداث تبدأ بعد 20 عاما من حادث الاختطاف، وهو زمن طويل جدا يبدو وكأن العالم قد توقف خلاله، لا نعلم كيف عاشت الفتاة وبلغت ونضجت في محبسها، دون أن يعلم أي شخص في الحياة بوجودها في هذا المكان، ولا نعلم كيف عاشت الأسرة وربت ابنيها الآخرين، وكيف تغيرت حياة الأبوين والأبناء نتيجة هذا الحادث، وتظهر هذه المشكلة بوضوح في المشهد الذي يتبين فيه حمل الفتاة من مغتصبها، فنحن لا نعرف لماذا حملت الآن بالتحديد، وما الذي يحدث حتى لا تحمل طوال السنوات الطويلة الماضية؟
كان يمكن للمسلسل أن يلجأ إلى (الفلاشباك) كحل تقليدي وسهل لهذه المشكلة، ولكن (الفلاشباك) كان يمكن أن يضعف الإيقاع السريع الذي يتمتع به العمل، وحسنا فعل صناع العمل بعدم استخدامه، ولكن ربما كان الأمر يحتاج إلى وسيلة أخرى لرأب صدع الـ 20 عاما الضائعة!، لكن على أيه حال فقد تميزت حلقات المسلسل بقصة جذابة وعمل قوي وانتقال متسارع في الأحداث، وقامت إلهام علي بتجسيد ثلاث شخصيات مختلفة إلى حد التناقض، ومستقلة، وهو أمر صعب ويمثل تحديا قويا يعتقد أن ما بعد هذه المرحلة (ما راح يكون مثل قبلها)، بالخروج عن السائد وأفكار خارج الصندوق التي وضعت العمل في صدارة الترند السعودي، وذلك على الرغم من أنه نهاية المسلسل لم تعجبني بل أصابتني بقدر من الإحباط لإنها ببساطة تسببت في فقداني التعاطف مع شخصية البطلة التي أدتها (إلهام علي) لدرجة أنني أصبحت أشعر أن البطلة تستحق ما حدث بها خلال أحداث المسلسل.
تسلسل الأحداث إلى الربع الأخير من الحلقة الرابعة أحدث نقلة في الرؤية البصرية، وشكل ترابطاً مع واقع القصة، وتشويقاً في تفاصيل الحلقة الخامسة يتوافق مع الحبكة بين الرغبة في الاستسلام أو الرضوخ للواقع المرير، وهنالك منعطف مهم في المسلسل يكمن في الفرحة أو شراء الحزن المتعايش مع بداية العمل دون جدوى والإيمان بالانتصار برغم اليأس، وهنا كان المفترق الذي أعطى صناعه شكلا مختلفا يبرز هوية العمل ومكامنه في المعالجة أو الإخراج، وهو ما جعل العمل العمل يحقق تجاوبا كبيرا من خلال السوشيال ميديا والمشاهدين؛ إذ أصبح (اختطاف) محط الأنظار، خاصة أنه يجمع نجوم الدراما السعوديين بالمواهب الشابة.
ومن ثم فهنا نلاحظ أن (عبد الإله السناني) يظهر بشخصية (الخال) الذي أصبح علامة فارقة في أعماله الدرامية، ومن جانب آخر يبدو (عبد العزيز السكيرين) بشخصية الرجل الناصح وطيب القلب الذي يتعاطف مع حالات الأشخاص، وعلى النقيض الكثير من صقل المواهب الشابة في العمل بوجود (فايز بن جريس) الذي يمثل للمرة الثانية في مسيرته الدرامية، بعد أن سطع اسمه في المسلسل الأشهر خلال الفترة الماضية (رشاش)، ويظهر بشخصية مستقلة عن عمله الأول، في حين يبرز دور خالد صقر الذي عرفه الجمهور بالأعمال السينمائية ليجيد دوره كخاطف للضحية كما يجب، حتى في حركة الجسد التي أجاد فيها بكل اقتدار، وبالشخصية التي تسمّى شخصية (المريض النفسي)، كما تلعب أضوى الفهد، إحدى أبرز الوجوه السعودية في الآونة الأخيرة، دورا مهما في الكشف عن خيوط الجريمة، بل دورا حساساً في العمل، في محاولة لإثبات الوجود في الأعمال السعودية.
ويمكنني القول بأن مسلسل (اختطاف) يرسم محطة وبصمة في مسيرة خالد صقر الفنية، حيث يغوص بنا إلى شخصية الخاطف (ماجد) وعالمه الغريب، ومدى تخوف النجم من أدائها، ولا سيما بعد قراءة النص ومشاهد الخاطف المختل الذي يعاني اضطرابات نفسية، حيث يضعه ذلك أمام تحد في تمثيل الشخصية وتقديمها للناس بطريقة حقيقية صادقة، وتكمن الصعوبة أيضا في الأعمال المقبلة التي سيحاول فيها تجاوز سقف التحدي والتفوق على ما قدمه في (اختطاف)، ولا شك أن الاستعداد لشخصية بهذا الأداء الصعب تطلب منه استعدادا وتدريبا، فهي شخصية نادرة في العالم العربي، ولا مراجع لها يمكن البحث عنها والاستزادة والاطلاع على أسبابها، إنما استعان (صقر) في أدائها بقصص من قلب المجتمع، وبحث عن الحكايا المختبئة حول هذا العالم السري، وتساءل بالطبع عن دوافع الخاطف ونفسيته.
ويجدر بالذكر هنا أنه لم يكن (اختطاف) العمل الأول الذي يجمع خالد صقر بزوجته إلهام علي، فقد سبقته تجارب عدة، بدأت من مسلسل (بشر) في جزئه الثاني، وسلسلة أفلام (عناقيد) وفيلم (المسافة صفر)، لكنها المرة الأولى التي يجتمعان فيها في مسلسل بهذا الشكل والثنائية المنسجمة، فعلى حد قوله : وجوده مع إلهام في موقع تصوير واحد يقطع مسافات طويلة جدا بينهما، فهي زوجته، وممثلة مبدعة وقديرة يجمعهما التناغم، ويتذكر كيف كانا يقرآن مشاهدهما معا حينما يعودان إلى البيت بعد يوم عمل طويل، يتناقشان في الأفكار والشخصيات والمشاهد المشتركة، متمنيا تكرار التجربة في أعمال مقبلة، فهي شخصية واعية، تضيف إلى الفنان الذي يقف أمامها، وفخور جدا بها.
وفي النهاية أستطيع الجزم بأن (اختطاف) هو مسلسل يصلح القول بإنه لأصحاب القلوب القوية فقط، فهو يقدم واقعا مأساويا، مؤلما، سوداويا وقاسيا – على حد تعبير خالد صقر – ويحكي قصة أشخاص حقيقيين مروا بهذه المعاناة، وهذا يشكل جزءا بسيطا من معاناتهم، مستدركا أن (هنا تكمن جمالية الفن الذي يطوف بك إلى قصص لم تتعرض لها، ويجعلك تعيش القصة بكل تفاصيلها، كي تحس بمعاناة الآخرين)، وربما ساهم في نجاح التجربة ذلك الأداء الاحترافي الجاد من جانب إلهام علي لدور مركب لشخصية خلود، ودور ثان لتوأمها المختطفة لينا، التي تعيش ظروفا نفسية قاسية، وثالث لشخصية باسم (طيف) العقل الباطن للمختطفة، الأمر الذي دفعها لتقدم مشاعر وأحاسيس ونبرة صوت ولغة جسد خاصة بكل شخصية، في عمل مرهق وصعب، تلك التي اكتسبتها – على مايبدو من فترة عملها في المسرح – الأمر الذي وضعها في منافسة قوية وعالية مع زميلاتها في الوسط الفني، ويصعب من خياراتها في الأعمال الدرامية المقبلة.