بقلم : سامي فريد
الحكاية بدأت عندما كان المفروض أن يقوم الفنان محمد فوزي بتلحين أغنية جديدة للسيدة أم كلثوم لكنه ولأسباب كثيرة تأخر في تلحينها كانا همها إن لم يكن مقتنعا أن اللون اللذي يقدمه لا يليق بكوكب الشرق.
في تلك الفترة كان الموسيقي الشاب بليغ حمدي من مريدي فن الفنان محمد فوزي وكان دائم التردد عليه حتى سمع منه جملة موسيقية أعجبته لم يكملها محمد فوزي الذي غادر غرفة صالونه لبعض شئونه ثم عاد ليجد بليغ حمدي يعرف هذه الجملة الموسيقية معجبا بها فلمعت الفكرة في رأس محمد فوزي، وقال لنفسه لماذا لا أقدم بليغ حمدي للست أم كلثوم كملحن شاب وهو في رأيي وفي رأي كل من سمعه ملحن واعد يرى الجميع فيه انه مستقبل الموسيقي في مصر.
وفي مكالمة بين أم كلثوم ومحمد فوزي قال إنه سيقدم لها مفاجأة مدهشة ستعجبها وستنقلها نقلة غنائية جديدة واسعة لو أنها اتسع صدرها لتسمع هذا الملحن الذي سيقدمه لها.
من ناحية المبدأ لم ترفض أم كلثوم وحددت موعدا لتستقبل هذا الموسيقي الشاب وتسمعه.. وأسرع محمد فوزي لينقل الخبر السعيد إلى بليغ حمدي ويدعوه للذهاب إلى الست في فيلتها بالزمالك في الغد لتراه وتستمع إليه.
في الموعد المحدد ذهب بليغ حمدي إلى فيلا أم كلثوم في الزمالك لكن لم يجرؤ على الدخول إلى الفيلا.. بل وظل أكثر من مرة أمام بابها، الأمر الذي لفت نظر الحارس على الباب فسأله؟
في حاجة يا أستاذ.. حضرتك بتدور على عنوان هنا؟!
وقال بليغ إنه يبدو قد نسى العنوان وأسرع مبتعاد عن المكان كله.
وفي المساء تلقى محمد فوزي مكالمة الست أم كلثوم تخبره فيها بكل الدهشة أن الملحن الذي كلمها عنه لم يحضر رغم أنها انتظرته.
واندهش فعلا الفنان محمد فوزي وقال إنه سيبحث المسألة ليعرف السبب وسيأتيها به فورا.
وذهب محمد فوزي من فوره إلى مكتب بليغ ليعرف منه السبب في أنه لم يذهب لأم
كلثوم كالاتفاق!
وأكد بليغ أنه ذهب في الموعد لكن الشجاعة خانته ولم يجرؤ على اكمال الخطوة التالية.
قال فوزي: يا بليغ المسألة مش هزار.. دي الست أم كلثوم.. ودي فرصة كبيرة.. قوم معايا ونروح لها أنا وانت ودلوقتي حالا ونعتذر لها بأنك كان لك يومين ما نمتش.. وبعدين الباقي بقي ييجي على مهله.
وبالفعل ذهبا إليها.. وسألت بليغ بعض الأسئلة لتتعرف ثم طلبت أن تسمع منه شيئا..
وطلب منه فوزي أن يسمعها الجملة الموسيقية التي سمعها عنده وأعجبته وبالفعل عزفها بليغ فأعجبت الست أم كلثوم وقالت:
حلوه والله يا فوزي.. شوف بقى الكلام التي حتلحنه وهاته وما تتأخرش عليا..
استمرت العلاقة بينهما وأعجبت به وبألحانه التي رأت فيها تحويلا من قلعة السنباطي الكلاسيكية إلى فيما بعد ما سمى بعد ذلك بشعبيات أم كلثوم كان منها أغنية (ألف ليلة وليلة) التي كتبها مرسي جميل عزيز والتي كانت أغنيته الأولى بعد الألف لتقدمها على مسرح قصر النيل.
كان بليغ حمدي حاضرا قبل بداية الحفل وقد قرر الهروب لأنه لايستطيع مواجهة الجمهور ولم يحضر أي حفلة ولا يحب الحفلات وقد اتفق مع صديق له أن ينتظره بسيارته خارج المسرح، وأحست أم كلثوم بأنه لايرغب في حضور الحفل، ويقول بليغ إنه عرض عليها أن يلغي المقدمة أو يختصرها حتى لا تجلس على مقعد أمام الجمهور وهو موقف كان يعز عليه كثيرا، وأنه بهذه الأغنية سيخرج أم كلثوم من كلاسيكيات السنباطي إلى شعبيات أم كلثوم التي سيغينها كل المصريين في اليوم التالي لاذاعتها..
ورأت أم كلثوم قلق بليغ قبل أن تدخل لترتدي الفستان الذي ستغني به (حب إيه) فقالت لبليغ: ما تمشيش يا بليغ .. عاوزاك علشان تبقى تحكي لي عن رد فعل الجمهور ازاي.
وقال بليغ وهو يعلم أنه يكذب:
حاضر
ثم سألها على استحياء:
تحبي ألغي المقدمة الموسيقية علشان حضرتك تخشي تغني على طول؟
وقالت أم كلثوم:
جس ايدي كده يا بليغ!
يقول بليغ إن يدها كانت باردة كالثلج.. وقالت أم كلثوم : ما تلغيش حاجة يا بليغ ده أنا بأبقى باسمع المقدمة مرة واتنين لحد ما أمسك نفسي وأنا قاعدة على الكرسي رجليا عمالة تخبط في بعضها وأنا باسمع المزيكة والمذهب.. وإنت عاوزني أخش أغني كده على طول.
ثم اسكت يا بني ربنا يسترها معاك.. انت عارف.. الجمهور ده هو القاضي اللي ممكن يرفعك للسما.. أو يهبدك على الأرض.
كان بليغ يعلم هذا لأنه هو نفسه قرر أن يهرب بعيدا حتى لا يسمع رد فعل الجمهور.
وسألها بليغ: علشان كده حضرتك بتمسكي منديل في ايدك وانتي بتغني..
قالت أم كلثوم: المنديل ده حرير في ايدي ما أعرفش أغني من غيره..
وقال بليغ: بس أنا كان صعبان عليا قعدة حضرتك على الكرسي تستني لما تخلص المقدمة.
قالت أم كلثوم: لأ.. أنا بابقى بآخد نفسي واتشجع عشان أقوم أغني واختار واحد من الجمهور.. أي واحد وأغني له لأني ما أقدرش أغني للناس دي كلها مرة واحدة.
ونجح تحدي بليغ.. ونجحت شعبياته التي بدأها مع عبدالحليم حافظ ومحمد رشدي.. وأخيرا أم كلثوم.
وكانت مصر في اليوم التالي تغني كلها أغنيتها الجديدة (حب إيه اللي انت جاي تقول عليه).