كتب : محمد حبوشة
تجربة مغايرة خاضتها النجمة اللبنانية المتألقة نادين نسيب نجيب، من خلال مسلسلها (صالون زهرة) الذي ينتمي لنوع الكوميديا السوداء، حيث جسدت شخصية شعبية للمرة الثانية بعد تألقها في المسلسل الرمضاني (2020) الذي تفوقت فيه على نفسها، وعلى كل قريناتها من نجمات لبنان، لتحتل صدراة المشهد الدرامى العربي حاليا، وتصبح نجمة لبنان الأولى في التمثيل عن قدرة فائقة واستحقاق مشهود، ففي تطور ملحوظ كللت خطواتها بالنجاح من عمل لآخر، بفضل اجتهادها والشغل على نفسها طوال السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث تقلبت على مختلف الأدوار من الرومانسي إلى الأكشن والتراجيدي وأخير في الكوميديا السوداء، حيث سجلت فيها رقما قياسيا في الأداء الصعب والاحترافي يضاف إلى سجلها الحافل بالانجاز.
إلى جانب نجيم، يقف الممثل السوري معتصم النهار، الذي سبق أن شاركها بطولة مسلسل (خمسة ونص) ليقدم في العمل الجديد شخصية (أنس) الشعبية، التي تعد بدورها جديدة بالنسبة للفنان، فاكسبته بريق خاص مستمد من الطاقة التي يكتسبها من (نادين)، حيث يلتقي بـ (زهرة) التي تضج بالأنوثة والإثارة المتقنة، وهى التي تشتغل في صالون تجميل نسائي والمعروفة بحسها الكوميدي العالي وشخصيتها الشرسة التي تصل إلى درجة الصلابة.
وبحكم أنها تعيش في حي شعبي مفعم بالقصص والأسرار وخاصة بالشخصيات النسائية التي تحمل كل منها قضية وهاجسا، من بينها الممثلة اللبنانية زينة مكي، التي تقدم شخصية (رشا) زميلة بطلة العمل (زهرة) في الصالون وحليفتها في (الشقاوة) والمواقف الكوميدية المختلفة، في الوقت الذي يؤثث أحداث العمل إلى جانبهما، ثلة مهمة من نجوم الشاشة اللبنانية نذكر منهم: (طوني عيسى، كارول عبود، نقولا دانيال، فادي أبي سمرا، نهلا داوود، مجدي مشموشي، نوال كامل، جنيد زين الدين، أنجو ريحان، حسين مقدم، رشا بلال، لين غرة) وغيرهم.
يذكر أن (شركة الصباح) المنتجة للمسلسل الجديد حرصت على تصوير أغلب مشاهد العمل في أحد أحياء بيروت الشعبية، حيث تم تجهيز الشارع ليتناسب مع أجواء العمل الشعبية المقتربة في بعض تفاصليها العامة من أجواء مسلسل (نادين) السابق (2020) الذي عرض في السباق الرمضاني العام الماضي، لتحقق من خلاله الممثلة اللبنانية النجاح المرجو، وتعود من ثم هذا العام بشكل مخالف وشخصية مختلفة استطاعت أن تجذب إليها أنظار النقاد ومتابعة الجمهور باعتبار أنه يحوى بداخله خطوطا جديدة يغلب عليها الطابع الكوميدي الساخر والطرافة ومن ثم خفة الدم التي لا تخلو من الرسائل الاجتماعية الهادفة، وهو الأمر الذي لم يعهده الجمهور في أدوار (نادين) من قبل.
ومن خلال مراقبتي لإطلالة (نادين نجيم) في هذا المسلسل الفارق في حياتها الفنية والمهنية، لاحظت أنها قررت الانخراط في مسار فني مخالف لخيارات البداية، من نافذة الكوميديا هذه المرة حتى ولوكانت على جناح السوداوية، متجاوزة التكرار والرتابة ومتخطية حدود النقد اللاذع الذي طال أدوارها في السابق، ومن ثم نجحت في امتحان رسم الابتسامة وإقناع المشاهد بمصداقيتها التي كانت تتطور من مشهد لآخر ومن حلقة إلى حلقة بمزيج من الإثارة والتشويق اللذي ظلا ملازمين لها طوال الوقت دون أدنى افتعال في الإداء، بل كل شيئ لديها محسوب بدقة متنهية تصب في خانة الإبداع ببراعة ساهمت الصورة المبهرة من جانب المخرج في فرض تألقها طوال الأحداث التي كان ينتظرها الجمهور دائما ولم تخيب ظنه في مشهد واحد يشوبه نوع من الرتابة التي تتمتع بها غالبية المسلسلات اللبنانية السورية الحالية.
استطاعت الكاتبة (ندين جابر) أن تقدم عملا متفردا، يغرد خارج السرب، عمل خفيف بعيد عن المنافسة المحتدمة في ماراثون رمضان، حيث 30 حلقة لقصة لا تحتمل أكثر من عشر حلقات، هنا الحلقات مضبوطة على إيقاع متصاعد، 15 حلقة مدة كل منها نصف ساعة أو يزيد قليلا، بعيدة عن التطويل والملل، ودائما لدى (زهرة) ما يدهشك من خلال صالونها الملون بكل ألوان الطيف، بحيث يدخل البهجة إلى قلوب المشاهدين، كما أراد المخرج جو بو عيد صناعة رؤية بصرية مميزة، وأن يخرجنا من سياق الزمان، إلى زمن آخر، أقرب إلى الثمانينات، مع ألوان تضفي على العمل حيوية، فأينما وجهت بصرك في الحي الشعبي حيث يقع صالون التزيين النسائي، تجد ألوانا زاهية تلفت الانتباه وتخطف الأبصار.
أجمل مافي (صالون زهرة) أنه تم تصويره في منطقة (مار مخايل)، التي تضررت بانفجار مرفأ بيروت، وكان لرؤية المخرج البصرية أثر إيجابي في إخراج المنطقة من الإطار الزمني لما بعد الانفجار، حيث لا شيء سوى الجراح المبعثرة في أرجاء الحي، الذي نقلته (زهرة) بصالونها إلى زمنٍ آخر، حي يضج بالحياة، سكانه لكل منهم قصة، لكن زهرة القصة كلها، بأداء سلس للغاية من جانب (نادين نجيم) وباقي فريق التمثيل الذين تباروا فيما بينهم في إثبات جدارة الأداء، وساهم في نجاح التجربة أنها استطاعت تقمص شخصية امرأة لا تقهر، أقله هذا ما توحي به وهى تدافع عن شقيقتها (أنجو ريحان) وتنتشله من براثن زوجها المعنف (فادي سمرة)، تنهال عليه ضربا على قاعدة العين بالعين والبادي أظلم.
تطارد (زهرة) في جرأة وشجاعة نادرة اللصوص في منتصف الليل وبكعب حذائها تنهال عليهم ضربا، لا تخشى سلاحا من هنا، ولا عضلات من هناك، وهى التي تعطي نساء الحي دروسا عملية على الهواء مباشرة بأن يقهرن القهر، وأن يتصدين للظلم بعيدا عن الوعظ المباشر في معالجة درامية ذكية لندين جابر، حيث بدت (نادين نجيم) في دور زهرة، ممثلة تجيد تغيير جلدها، تماما كما بلغت قمة التحدي في دور (حياة)، المرأة البسيطة في (2020)، عندما رفعت السقف عاليا جدا ما جعل الأنظار مسلطة على خطوتها المقبلة، إلا أنها رفعت السقف أكثر، في دورٍ يجمع بين الدراما والكوميديا، بين القوة ظاهريا والانكسار الداخلي، الذي يظهر مع تقدم الأحداث، حين يكتشف المشاهد أن هذه المرأة الجبارة خدعته، وأنها ليست سوى ضحية مجتمع يعاقب الضحية ويترك الجلاد.
أما معتصم النهار، الذي انتقدت حضوره المبالغ فيه على الشاشة، في أعمال تُعرض على مدار السنة، فقد تفوق على نفسه في دور أنس، ذلك الشاب الذي يعمل في تنجيد الأثاث، ويهرب إلى سوريا العملة الصعبة، خطأ في تسليم الأثاث ينقله إلى صالون زهرة، ذلك المكان المحاط بعيني المرأة التي تحرسه من الغرباء، لا هدف له سوى استعادة أمانة لا تدرك الفتاة الشابة أنها باتت بعهدتها، إلا أن الأمور تنقلب عندما يقع في غرامها، في قصة حب تقليدية، فكما قطع البازيل سيكمل أنس زهرة في تصاعدٍ للأحداث، يكشف كيف أن الوجع حين يخاوي الوجع، يتخدر وقد يصل إلى مرحلة الشفاء.
المسلسل محبوك بطريقة تجعل من أبسط التفاصيل قطعة لا غنى عنها في السياق العام للأحداث، إلا أن عرض الحلقات بشكلٍ منفصل بمعدل حلقتين كل أسبوع يجعل من إعادة جمع قطع البازيل مهمة صعبة للمشاهد، الذي اعتاد إما على المسلسلات التي تعرض يوميا، أو على أعمال المنصات التي تعرض دفعة واحدة، تشاهد متى تشاء وتطفئ الشاشة متى تشاء، كما أن ثمة ملاحظة تنطبق على المسلسل كما على غيره وتتعلق بالأدوار الثانية، يقوم النجم بتقديم عمل أو اثنين على أبعد تقدي على مدار السنة، أما ممثلو الأدوار الثانية فلا يهدأون، لا تكاد تشاهد مسلسلا دون أن تتكرر فيه الأسماء نفسها، بعضها يستحق الكثير من الفرص، ويعطي للعمل الكثير من الثقل، إلا أن تكرار الوجوه نفسها تجعلك تشعر أنك تشاهد مسلسلا قديما لا مسلسلاً يُعرض للمرة الأولى.
والملاحظ أنه لا تقوى شركات الإنتاج غير (شركة الصباح) على المغامرة باختيار نجوم الأدوار الثانية، تختار أصحاب الخبرة الذين يجيدون التعامل مع الكاميرا، فتدور الكاميرا على الوجوه نفسها، نقطة على شركات الإنتاج الانتباه لها، في عصر باتت فيه المنصات مفتوحة أمام جمهور يشاهد أعمالا من كافة أنحاء العالم، ويتعرف على ثقافات جديدة، لم يعد يغريه الروتين وأن من تعرفه أفضل ممن تتعرف إليه، وتبدو الميزة في أعمال كهذه طريقة معالجتها المضبوطة، إذ ثمة شعرة بين الخفة والثقل، لكن (صالون زهرة) اجتاز امتحان الحلقات الأولى، حيث حاز على نسبة مشاهدة عالية جداً، بانتظار الحلقات الجديدة التي حملت مفاجآت لا يتوقعها المشاهد الذي مهما رفع سقف التحدي سيجد نفسه خاسرا أمام مفاجآت أحداث صاغتها مخيلة كاتبة مبدعة ونفذها مخرج لم يستهلك أفكاره، وثمة الكثير ليقدمه بعد.
عدا بعض الهنات البسيطة فأنني أستطيع القول بأن مسلسل (صالون زهرة) جنح ناحية الأعمال الجيدة ضمن لوحة الدراما (اللبنانية السورية)، فعندما بدأت موضة المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة، كانت البنية التحتية في سوريا منهارة تماماً والناس فيها يعانون من الممارسات الوحشية التي اتبعتها فلول الإرهاب الصراع على السلطة من قتل وحصار وتهجير، وكان لبنان هو الملجأ الأول للسوريين أو المحطة التي ينبغي عليهم المرور بها للنجاة، ولا سيما سكان العاصمة دمشق التي كانت الحاضنة الرسمية لصناعة الدراما في سوريا منذ نشأتها؛ ليشهد العقد الماضي هجرة عدد كبير من الكوادر الفنية السورية إلى بيروت، التي نشأ بها نوع جديد من العلاقات في الوسط الفني، كان أبرز انعكاساته الدراما المشتركة.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن المعادلة قد تغيرت اليوم، فانهيار البنية التحتية في لبنان أيضا جعلت سكان البلدين يعيشان في وحدة حال وهو ما انعكس في الدراما لأول مرة في مسلسل (صالون زهرة) الذي ينتظر عرض حلقته الأخيرة على منصة (شاهد) هذا الأسبوع، ليؤكد أنه مسلسل يمثل نقلة نوعية في بيئته الدرامية، بابتعاده عن القصور الفارهة ونمط الحياة المغالى بترفه نحو بيئة أكثر بساطة، وعلى الرغم من أن الصورة التي قدمها (جو بوعيد) عن الحي الشعبي اللبناني لا تشبه الواقع إلى حد بعيد، لكنها مألوفة بالنسبة للجمهور، فهي تشبه الصورة التي أسهم (بوعيد) نفسه برسمها عن الأحياء اللبنانية من قبل في الفيديو كليبات التي أخرجها قبل دخوله إلى عالم الدراما والسينما، فيمكن التماسها بكليب (ما تيجي هنا وأنا حبك) لنانسي عجرم وغيره؛ لنشعر في أثناء متابعة المسلسل أننا نتابع فيديو كليب طويل، ويعزز ذلك الإحساس الموسيقى الرقيقة التي وضعها مايك ماسي، والتي يمكن وصفها بأنها أفضل العناصر الفنية بالمسلسل جميعا.
وقد حظي مسلسل (صالون زهرة) بأكثر من ماستر سين خلال الـ 14 حلقة المعروضة، لكن يبقي مشهد اعتراف (زهرة) لـ (أنس) بماضيها السري المريب، هو الأفضل من وجهة نظري حين تطرق إلى لون من التراجيديا المتعمدة التي تلخص عقدة المسلسل، كما جاء في الثلث الأخير من الحلقة (13) على النحو التالي:
تجلس (زهرة) على شاطئ البحر تنعي حظها العاطل وسط تلاطم الأمواج مشكلة موسيقى تصويرية معبرة عن الاضطراب النفسي الذي تعانيه، بينما يلحق بها أنس العاشق الولهان في محاولة للتخفيف عنها، ثم يربت على كتفها قائلا : زهرة فترد عليه : ماشي الحال يا أنس.
يجلس بجوارها قائلا: قلتلك ما بقى فيه شيئ اسمه لحالك.
زهرة : أنس حكينا خلاص.
أنس : قلتلك خلاص أنا معك .. خلينا نفرض ان اللي بيني وبينك إعجاب .. ما الإعجاب مع الوقت بيصير حب.
زهرة : صح مضبوط بيصير حب .. بيصير بس انت تتأملني مثل ما أنا .. بعيوبي بأغلاطي .. حتى بمشاكلي .. لما يكون عندي ماضي بس انت بتشوف فيني مستقبل .. الحب ما انه مشاعر وبس .. مش بس المشاعر والمواقف .. انك توثق بشخص لدرجة انك تسلمه كل نقاط ضعفك .. حتي كل أسرارك .. وانت متأكد انه ماراح يستغلهم ضدك .. بالعكس راح يتقبلك بحبك مثل ما انته.
أنس : طيب اعطني فرصة أعرفك عنجد .. وقتها راح اتقبلك مثل ما انتي رواح احبك.
تنظر زهرة إليه نظرة شك.
أنس : طيب جربيني .. شو خسرانة انتي؟
زهرة : باخاف !! .. خايفة أنس انك تعرفني عن جد تغير رأيك فيني .. تبطل تحبني.
أنس : أنا كمان ماني شخص كامل .. وعندي كتير سيئات .. يعني شو ما قلتي ما باعتقد اني ما اتقبلك .. قولي زهرة .. قولي لترتاح.
زهرة : انت بتعرفي اني ماني مجوزة .. صح؟
أنس : ايه باعرف .. لا تكوني مجوزة بالسر ؟.
زهرة : لا ما اني مجوزة بالسر .. بس عندي .. عندي بنت بالسر.
أنس : كيف يعني عندك بنت بالسر؟!.
زهرة : صار انه حدا .. تعرضت للاغتصاب .. مع الأسف حبلت .. الحيوان .. حملت منه وخلفت بالسر .
……………………………………………………………………………….
سادت لحظات من الصمت وحوار بالعينين في لحظات من الارتباك بينهما
……………………………………………………………………………….
زهرة : بما انه ما سمعت منك ولا كلمة معناته وصلني الجواب!!!
أنس : شو بدك اياني أقول ؟
زهرة : ولا شيئ .. سلامتك .. ثم همت بالقيام قائلة : الله يوفقك.
أنس يوقفها عن المغادرة قائلة : زهرة .. أنا ساكت لأني ماني قدران أعبر عن اللي جواتي .. أنا شو ما حكيت ما بقدر أوفيك وجعك .. أنا مستغرب كيف قدرانة تحملي كل الحمل كل هالسنين .. مستغرب كيف قدرانة توقفي على رجليك .. بس تعرفي شو : الله بيحبو اللي عنده مرة متلك .. مرة قوية قدام كل الناس .. مارضيت تنزل اللي في باطنها وسط هيك مجتمع .. انتي لازم تتقدري وتنحطي فوق الراس.
ينظر أنس في عينيها نظرة عميقة : بدي أعرف كل شيئ .. ما تخبي على شيئ أبدا.
ينتهي المشهد .. وهما يتعانقان عناقا طويلا بينما الموسيقي تنساب برومانسية غاية في العذوبة والرقي بالمشاعر الدافئة.