كتب : محمد حبوشة
على الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهت لفيلم (ماما حامل) الذي ظلم في عرضه أثناء أزمة كورونا، إلا أنني أري أن هذا الفيلم استطاع أن يتنزع الضحك من القلب الذي أراده (فلوستاف) ذلك الفيلسوف الضاحك الباكي، فلم أضحك منذ فترة على كوميديا موقف صنعت بمثل تلك الطريقة الجذابة والمبهرة، فالفكرة جيدة جدا وتساعد على صناعة مواقف كوميدية كثيرة، ومن ثم يمكن القول أن المخرج محمود كريم نجح في إدارة فريق التمثيل (ليلى علوى، بيومي فؤاد، حمدي المرعني، محمد سلام) بحرفية عالية اعتمادا على قصة طريفة للغاية من جانب المؤلف (لؤي السيد) الذي صنع حبكة كوميدية نظيفة وتخلو من شوائب الأفيهات التي انتشرت بشكل سيئ في غالية أعمالنا الكوميدية الحالية، فقدم فيلما كوميديا جيدا جدا باستثناء النهاية غير منطقية!، والتي تجنح نحو السذاجة إلى حد كبير.
الفيلم يحكي عن أم وأب لشابين تجاوزا المرحلة الجامعية ومع ذلك فالأب والأم يعيشان حالة حب دائمة! وهنا كان محمد سلام وحمدي الميرغني موفقان لأقصى درجة في تجسيد شخصيتي الابنين وسبب أساسي في إتقان المواقف الكوميدية بتلقائية تجاه تصرفات الأب والأم الرومانسية الزائدة!، ولكن لي ملاحظة عابرة وهى أن بعض الأفيهات الكوميدية كان بها جرأة وربما لا تناسب الأسرة والأطفال، وكانت توجد فرصة كبيرة للابتعاد عن ذلك، ومع ذلك يبقى مصدر النجاح الحقيقي في هذا الفيلم أنه يتحدث عن مشكلة موجودة بالفعل وهى عدم تقبل الأبناء في سن معين أن تنجب الأم طفل جديد وذلك واقع وجزء من ثقافة المجتمع، ومثلها أيضا رفض الأبناء في سن كبير زواج الأم مرة أخرى!.
المعالجة كانت كوميدية مبهجة عن طريق مشاهد متلاحقة ضاحكة، طوال أحداث السيناريو خاصة الجزء الأول، واعتمدت على مهارات الممثليين أكثر(ليلى علوي وبيومي فؤاد) ، منذ معرفة الأبناء خبر الحمل مرورا بمحاولات الأبناء التخلص من هذا الحمل غير المرغوب فيه من جانبهم، وهكذا ظلت أحداث الفيلم تسير في مباراة أداء كوميدي رائع بين الأم والأب والابنين (حمدي الميرغني، ومحمد سلام)، حتى كانت مفاجأة النهاية والتي كانت غير موفقة وغير منطقية، ولا أعرف لماذا لم يكمل لؤي السيد الفكرة حتى النهاية وتكون حقيقية !؟، لأنها في النهاية مشكلة واقعية تحدث، فالفيلم الكوميدي ليس هدفه الإضحاك فقط ولكن كان في الماضي يعكس الوعي بالدور الاجتماعي والإنساني وايضا السياسي للسينما.
الفيلم في حد ذاته يمثل عودة موفقة جدا لواحدة من أبرز نجمات السينما المصرية ليلى علوي حتى الآن – وهذا هو عشقها الأساسي كما نعرف ونشعر بذلك جميعا – ولكن مثل جيلها تواجه مشكلة مستمرة، حيث لا توجد موضوعات كثيرة تناسبهن وأيضا عدم وجود (حماس) إنتاجي بسبب تغير خريطة النجوم، وأعلم يقينا أنها تبحث طوال الوقت عن ما يناسبها للعودة، ولهذا أحييها تحية خاصة على تلك التجربة والتي ستقرب بينها وبين السينما الحالية، وموافقتها على لعب دور الأم لحمدي الميرغني ومحمد سلام وهو أمر صعب ترفضه نجمات مثلها ولكن من مميزات ليلى أنها ممثلة لا تخشى خوض التجارب دائما مهما كانت مختلفة وحسابتها فنية بحتة، حتى إنها تعرضت لخسائر إنتاجية بسبب تلك المغامرات الفنية المغايرة حينما أقدمت على الإنتاج من أجل عشقها للسينما.
على أية حال كانت (قطة السينما المصرية) التي تتمتع بحمال آخاذ رغم تقدم العمر، كانت في حاجة لكسر حالة الجمود والتواصل مع النجوم الحاليين ورغم أنها ليست كوميديانه إلا أن مشوارها السينمائي الطويل تضمن مشاركتها في بطولات أفلام لأهم نجوم الكوميديا مثل (عادل إمام وسمير غانم، وصولا للكوميديانات الجدد محمد هنيدي وعلاء ولي الدين)، عندما شاركتهما بطولة فيلم (حلق حوش) وانطلقا بعدها للبطولة المطلقة، والآن تعود مرة أخرى بتجربة جيدة مع الكوميديانات الحاليين، ويحسب لها تلك الخطوة وأتمنى أن تجد سيناريوهات مناسبة الفترة القادمة.
نجحت ليلى علوى في إدراك أن السينما الكوميدية في حاجة لدماء جديدة دائما حتى تستمر جاذبة للجمهور ولعل الثنائي حمدي الميرغني ومحمد سلام نجحا أيضا في المشاركة في تحمل بطولة هذا الفيلم بشكل يؤهلهما للاستمرار في تقديم بطولات كوميدية سينمائية – أرجو أن تكون مشتركة – وهو ما يعطي بالضرورة بارقة أمل بعودة الجمهور مرة أخرى إلى مقاعد السينما لا سيما أن فيلم (ماما حامل) شهد إقبالا جماهيريا كبيرا وغير متوقع على مشاهدته، الأمر الذي ينبئ بقرب تجاوز السينما العربية كبوة كورونا التي عطلت عجلة الإنتاج وحرمت المشاهدين من متعة مشاهدة السينما على اختلاف أنواعها.
قدم فيلم (ماما حامل) مشروعاً سينمائيا رائعا وعلى مستوى عال رغم أن إنتاجه كان متوسطا، لكنه مثل عودة قوية للنجوم الكبار مثل المبدعة (ليلى علوي) إلى دور العرض السينمائية، خاصة بعد تأثر السينمائية الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا، ولهذا أعتبر أن هذا الفيلم للفنانة لليلى علوي، مفاجأة جيدة وجميلة لعودة (فرعونة السينما المصرية) إلى الساحة مرة أخرى، حيث يشاركها فنان قدير مثل بيومي فؤاد، في فيلم كوميدي يقدم بطريقة جميلة تعكس قدرته الفائقة على انتزاع الضحك انتزاعا، فجاء الفيلم في ثوب كوميدي راق وجميل وجاذب للجمهور، واختيار الأبطال كان موفقا جدا، خاصة أن قدم دراما اجتماعية في إطار كوميدي في ظل تعطش الجمهور لأفلام ليلى علوي التي قدمتها الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
صنع فيلم (ماما حامل) حالة من البهجة، بداية من اسمه، مرورا بالقصة المليئة بالضحك والكوميديا المحترمة، وحتى مجموعة العمل في الفيلم بالكامل، ومن هنا فقد عوض ليلى علوي عن فترة غيابها عن شاشة السينما لخمس سنوات، منذ أن شاركت في بطولة فيلم (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وذلك من خلال هذا الفيلم الكوميدي الخفيف بمشاركة ثلاثة من البارعين الجدد في مجال الكوميديا، وهم بيومي فؤاد وحمدي الميرغني ومحمد سلام، وأبرز ما لاحظته في هذا الفيلم أنه يعود بالذاكرة إلى بداية تسعينات القرن الماضي عندما أنتج فيلم (ليلة عسل) بطولة سهير البابلي وعزت العلايلي وسماح أنور.
وربما من يعقدون هذه المقارنة يرون أنها لا تصب في صالح الفيلم الجديد، فعودة الدوران في فلك فكرة طرحت قبل نحو 30 عاما، يستوجب من طاقم العمل قفزهم مقدما على عصارة ما فرضه التقدم والتحوّل في المجتمع منذ تلك الحقبة، لكني على عكس تلك الآراء، فلم يتسم لؤي السيد صاحب السيناريو بالمغالاة الشديدة في الغموض – كما يدعون – فمحاولته أن ينبه المشاهد في البداية بمناقشة قضية زيادة النسل وما تمثله من أزمة مجتمعية في مصر متداخلا مع حق من تخطوا الخمسين عاما في ممارسة نمط حياة، أثبت أن يعي ضرورة ألا يحرم عليهم تجاهل مقتضيات السن إلى تحقيق المتعة، وهو ما يصفه البعض بـ (المراهقة المتأخرة)، وقد نجح في قفزه إلى منطقة أخرى تتعلق بغياب المسؤولية لدى الجيل الحالي، ممثلة في الشابين المرغني وسلام.
ومن هناك يسعى الأب (بيومي فؤاد) والأم (ليلى علوي) إلى إقناع الشابين بأهمية الزواج وتكوين أسرة، وإجبارهما على تحمل المسؤولية، وهما اللذان يمثلان نمطين مختلفين، فأحدهما شديد الانفلات، والآخر غاية في الانضباط، ويلجأ كلاهما إلى حيلة تورطهما في الارتباط، كما أن تقديم نموذجين من الأزواج العصريين يتسمان بقدر كبير من البساطة، يمثلهما (ليلى وبيومي) الذين لا يظهران في مشهد واحد يتجادلان أو يتشاجران أو يختلفان على أي شيء، بل على العكس يصورهما الفيلم كزوجين متحابين على نحو رومانسي ناعم ولطيف، وهذا لم يفقدهما المصداقية كما انتقد البعض ذلك، من قبيل فرضية عدم تلاشي الحب بينهما مع التقدم في العمر، ومن دواعي تفاوت ردود الفعل بحسب تباين الحياة.
أعتقد أن هناك تحاملا كبيرا من جانب بعض النقاد الذين قالوا أن الفيلم يدور في إطار من الافتعال غير الممنطق، لكنه رغم ذلك لا يفشل في خطف بعض الضحكات، كما أنه يحتوي على الكثير من الإيحاءات الجنسية التي قد لا تجعله مناسبا للأطفال، وحتى حيلة 12+ ليست كافية لإبعاد هذه الشريحة، حيث تحول هذا الشعار إلى لافتة تجذب الصغار والكبار، ما يشير إلى أن الفيلم يتضمن مشاهد أو إيحاءات ساخنة، وهو أمر كفيل لوحده بلفت نظر الجمهور الصغير أكثر من إبعاده.
والحقيقة أنني لم أرى سيئا من هذا القبيل، بل أرى الفنانة المصرية الجميلة (ليلى علوي) اختارت الحضور في تلك التجربة بدلا من زيادة سنوات غيابها عن شاشة السينما على جناح مناقشة قضية حيوية من قلب المجتمع المصري، في إطار من الكوميديا الجاذبة وعبر صورة مبهرة أكدت أن التجربة الأخيرة تثبت أن غيابها قد عوضته بقدراتها الفنية الكبيرة على تغير دفة السينما نحو الأفضل الذي يستحق المشاهدة، ولعل أفضل ما في الفيلم شخصية النجلين منفردتين (سلام والميرغني) بمعزل عن الأحداث، إذ استطاع كلاهما تقديم حقائق عن الشباب والرجال في هذا العصر، في ما يتعلق بالبطء الشديد في القرارات وتغيير القناعات، أو تفسير المشاعر على حقيقتها.
كان لافتا جدا استخدام الكاريكاتير في التتر على نحو بشر بابتكار أكثر يعكس حقيقة ما هو موجود بالفعل في الفيلم الذي يخرج منه المشاهد وقد يتملكه الحنين الشديد لمشاهدة كوميديا راقية تناقش واحدة من أعقد قضايانا المصرية الحديثة، والاستمتاع بعمل متماسك وسيناريو يعرف كاتبه لماذا قدمه، وماذا يريد أن يقول، فعاش ما أراده طويلا، وعلى حد قول الناقد السينمائي الكبير (محمود عبد الشكور): الفيلم فيه بناء جيد، وتطوير معقول للفكرة، وهو أمر ليس مألوفا فى كثير من الأفلام الكوميدية، كما أن كثيرا من المشاهد ظريفة ومضحكة، والانتقالات سلسة بداية من التعريف بالشخصيات، إلى حدوث حمل الأم، ثم محاولات ولديها الشابين رفض الفكرة، والتخلص من الطفل القادم فى بداية الحمل، ثم إنجاب الأم لتوأم، وتورط الشابين فى رعاية التوأم، وتغيير الشابين فى تجاه المسئولية، والتفكير فى الزواج، وأخيرا مفاجأة النهاية، التى توضح دور ظهور الأطفال فى تغيير سلوك الكبار.
ربما أختلف مع (عبد الشكور) في إنه يرى أن مفاجأة النهاية ليس مفتعلة بل ضرورية، ويراها مرتبطة بالفكرة المحورية، وقد حلت مشكلة أساسية، وهى محاولة الشابين تدبير التخلص من الطفلين القادمين، كما أنها نهاية تعاقب الشابين بعد أن أحبا الطفلين، وتجعلهما أحرص على عمل أسرة، وإنجاب أطفال، لاستعادة التجربة الخاصة بالأبوة، فيما أرى أنها كانت نهاية ساذجة إلى حد كبير ولا تؤكد نجاح المؤلف في معالجته لنهاية الأحداث بطريقة منطقية تحترم عقل مشاهد يرى كثير من أعمال المنصات التي تتقن نهايات أفلامها ومسلسلاتها بطريقة مبتكرة تخاطب خيال مشاهد دأب على التفاعل مع الإثارة والتشويق.