المواهب والنوابغ وحُلْم مصر العظمى!
إهدار كنوزنا البشرية إلى أين .. وإلى متى؟
بقلم الدكتور: طارق عرابي
ما من أحد يأتي بجديد عندما يقول إن الإنسان هو جوهر ومحور التنمية والتحول في أي مجتمع ، فمن الثابت علمياً وعملياً أن نجاح وتميز أي مجتمع لا يمكن إدراكهما إلا بنجاحِ وتمَيُزِ الغالبية العظمى من أبناء هذا المجتمع.
والنجاح والتميز الجمعي لن يتحققا أبداً بالاعتماد على الأسرة فقط أوعلى مجهود كل فرد على حدة أو على إخلاص قيادات الدول وحكوماتها المتعاقبة دون إشراك المواطن وإشعاره بأنه العنصر الدائم والأهم في بناء وطنه وتقدمه ، ولن يتحقق التطور والتقدم الجمعي في أي مجتمع ما لم نستطع الوصول إلى كل فرد في كل أسرة من مجتمعنا وبكل الوسائل والمنافذ التنويرية الممكنة لإحداث ثورة حقيقية في تصحيح وتطوير المفاهيم والفكر عند كل الناس دون استثناء .
إن الفوضى الأخلاقية والثقافية والمعرفية لدى العامة بأي دولة في العالم ، ونقص مصادر المعرفة واختلال ميزان العدالة الاجتماعية ، وغياب الرؤى الاستراتيجية بعيدة المدى عند بعض المسئولين ، واعتلال معايير التقييم والفرص المتاحة والاختيار، وتقييد الحريات والتضييق على المبدعين والمبتكرين وأصحاب الفكر المستنير ، وتقنين مبدأ (أهل الثقة والشللية) واحتكار نوافذ ومنصات المعرفة والثقافة والفن والإعلام لصالح جهةٍ دون أخرى وعلى أفرادٍ دون آخرين ، مع استمرار نفوذ شبكات الفساد داخل بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، وعدم تمكين الأجهزة الرقابية من السيطرة (المبكرة) على منابع الفساد الإداري والمالي في الدولة (بمبدأ (الوقاية خيرٌ من العقاب !!!) ، بالإضافة إلى شيخوخة الأنظمة الإدارية للدولة وافتقاد جميع دوائرها لحلقة البحث والتطوير والدراسات المستقبلية في بنيانها الرئيسي ، كلها مجتمعةً تمثلُ سداً منيعاً أمام الوصول إلى أي نقطة نجاح حقيقي أو تحقيق أي تقدم ، ولا جدوى من وجود بعض القيادات المخلصة في دولٍ بُنِيَت أنظمتها على تهميش وإهمال وإهدار كنوزها البشرية الحقيقية ، والتي يأتي في مقدمتها المواهب الحقيقية في الفن والثقافة والإعلام والرياضة ، والنوابغ العلمية والفكرية والاقتصادية ، والباحثين والمبتكرين والمخترعين . هذه الكنوز البشرية هم بالفعل والبرهان من حققوا أحلام وتطلعات مجتمعاتهم ولعبوا الدور الأعظم في صناعة ما يسمى بالدول العظمى في العالم .
وعندما أصل بحديثي إلى الوطن الغالي مصر ، فإن التغيير والعبور لآفاق غدٍ أفضل يتطلبُ منا جميعاً ، مسئولين ومواطنين ، أن نتوقف عن التفكير في إيجاد حلول (اليوم الواحد) وأن نسمو فوق رغباتنا الشخصية وأن نخطوا وراء ما نريده لأنفسنا وننتقل بتفكيرنا إلى كيفية حماية مستقبل أبنائنا وأحفادنا ، حتى نجنبهم استكمال المسيرة تحت نفس النيران التي اكتوينا بها على مدى عقود من الزمن ، ولن يتأتى ذلك إلا بتحطيم الكثير من المفاهيم والقواعد والقوانين العقيمة التي أثبتت عملياً أنها كانت ولا زالت أدواتاً تساهم في تدهور حال الوطن والمواطن فكرياً وعلمياً وأخلاقياً وثقافياً واجتماعياً وصحياً واقتصادياً.
وهناك مفهوم واضح وصحيح أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ اللحظات الأولى من توليه مسئولية قيادة مصر ، حيث أورد في كثيرٍ من خطاباته للشعب حول بناء دولة حديثة قوية ذات شأن عبارة (أنا مش هاقدر لوحدي)، وهذا قولٌ سديدٌ حكيمٌ يلامس بالفعل ما حدث ومازال يحدث على أرض الواقع في مسيرة تقدم أي دولة في العالم .
أنا واحدٌ ممن يقولون (إنَّ الأحلام والأماني وحدها لا تبني دولة) ، ولكني وبكل يقين سأقول دوماً (لا وألف لا) لكل من يتجرأ ويغيب وعيه عن الواقع العالمي ويقول (إنَّ هناك دولة عظمى بُنيت بلا حُلْم) .
من أين نبدأ؟ وأين يكمن دور الدولة والمؤسسات الخاصة والأفراد؟
إن استطعنا تحديد وتوحيد أهدافنا للدولة المصرية في المستقبلين القريب والبعيد ، ووضعنا كل تلك الأهداف تحت مظلة واحدة كبيرة تجمعنا ولا تثنينا عن (الحلم بمصر العظمى) ، وإن اقتنع وآمن كل فردٍ من المسئولين وأصحاب الفكر المستنير ونجوم المجتمع والفن والثقافة والإعلام والرياضة ورجال المال والأعمال بمفهوم (أنا لوحدي مش هاقدر) ، هنا تكون نقطة البداية الصحيحة لاستنهاض الهمم وإحياء الأمل في نفوس المصريين ، فهي الخطوة الأولى التي ستعزز روح الإرادة والإصرار والعمل الدءوب عند الغالبية العظمى من المواطنين وترفع الستار عن مكامن قدراتهم الحقيقية وتستكشف فيهم أفضل المهارات ، وهي البداية القادرة على إقناعهم بجدوى العلم والمعرفة والتخطيط والتدريب ، هذا هو المسار الذي سيتذوق كل المصريين حلاوة ثماره الناتجة عن العمل المتميز والإبداع الجمعي داخل منظومة فريق العمل الواحد الكبير الذي تحكمه وتنظمه غايته الموحدة في الوصول بمصر إلى مصاف الدول العظمى .
المهمة الكبيرة التي تبنتها F5 وشهريار النجوم
الموهوب ، أو النابغ ، أو المبدع والمتميز في أي مجال ، هو بمثابة (جنين وطن) ، إن تبنيناه وعلمناه وأوليناه رعاية واهتمام سيبني لنا (وطناً عظيماً) ، وإن تركناه في (رَحِمِ الجهل والتجاهل) سيموت ويترك لنا (وطناً عقيماً) .
من هذا المفهوم الواضح واليقين الذي لم يهتز يوماً بداخلي منذ أن أدركت معنى رسالة الإنسان في الحياة ، تواصلت منذ نهاية عام 2017 مع مجموعة من قامات العلم والثقافة والفن والصحافة والإعلام ، وجميعهم وبلا استثناء أصحاب معرفة وخبرة وفكر مستنير وصادقون في حب هذا الوطن ، ومن بينهم زميلتي وصديقتي الراقية الطبيبة والأديبة والشاعرة د. أميمة السيد ، والأستاذ الكبير صاحب القلم الرشيق محمد حبوشة، وصديقي المبدع مالك خبايا وخزائن تاريخ فن الموسيقى والغناء في مصر والوطن العربي أحمد السماحي ، وصديقي الملحن المتميز (شريف تاج) صاحب الألحان الإبداعية لأغاني (تملي معاك، وقمرين) لعمرو دياب و(سيدي وصالك) لأنغام ، وصديقي وأستاذي المبجل د. سيد خاطر، رئيس قسم التمثيل والإخراج الأسبق بأكاديمية الفنون ورئيس القطاع الثقافي الأسبق بوزارة الثقافة ، وصديقي عبقري التصوير (د. محمد شفيق) وعدد آخر من العلماء والباحثين في العلوم والمجالات التطبيقية المختلفة وأساتذة الفن والثقافة والطب النفسي ،،
وعندما طرحت عليهم فكرة مشروع F5 لاكتشاف وتدريب وتشغيل المواهب والنوابغ والمتميزين في شتى المجالات بجميع محافظات مصر ، رحبوا جميعاً بالمشاركة في تبني مثل هذا المشروع الذي يستنهض همم الوطن ، ولأن لديهم نفس الأمل الذي يستهدف دعم مواهب ونوابغ ومبدعي الوطن ، ويوقنون أن رعاية هؤلاء المتميزين وتدريبهم وتوفير فرص العمل لهم والعطاء لمجتمعاتهم ، قبل أن يكون عملاً تجارياً ، هو واجبٌ وطني يستوجب منحه أولوية فائقة من كل من يشغله مستقبل هذا الوطن النفيس ، ولأنهم يدركون قيمة هذا العمل في إعادة وإحياء الأمل في نفوس شبابنا ودفعهم للأمام وإخراج أفضل ما لديهم من أجل المساهمة الإيجابية في بناء وطن الحاضر والمستقبل الذي يفخر به كل مصري داخل وخارج مصر ، فقد بدأنا سوياً رحلة البحث عن هؤلاء المواهب والنوابغ والمخترعين المحجوبين خلف جدران التهميش والإهمال والتجاهل بجميع محافظات مصر ، وجاب بعضنا مدن وقرى ونجوع مصر لأجل هذا الغرض وأسفرت المجهودات الصادقة عن اكتشاف آلاف من الموهوبين والنوابغ وأصحاب الاختراعات الحقيقية الفريدة والقابلة للتطبيق ، ووضعنا برامج متنوعة لتدريب هؤلاء الشباب.
ولأننا مقتنعون بأهمية العصف الذهني الجماعي بوعي تام وإدراك للواقع الذي نعيشه ، لم يَفُتْنا في مشروعنا إدماج برامج تطوير الشخصية (تنمية بشرية) وفن التواصل والتعامل والسلوك (فن الإتيكيت) ، كما أدمجنا برنامج نظري وعملي من خلال محاضرات وورش “صحة نفسية” يقوم على تنفيذها إثنان من علماء الصحة النفسية والطب النفسي الإكلينيكي هما الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عسل والأستاذ الدكتور أحمد الباسوسي (بغرض تجنب أن يخرج علينا مرة أخرى في المستقبل نجوم يعانون من اعتلال نفسي من أمثال محمد رمضان وغيره ممن حُرموا من فرصة التوعية والتأهيل النفسي السليم) .
ما هو المطلوب لدعم مواهب ونوابغ الوطن؟
مؤسسة F5 وبوابة شهريار النجوم، لم ولن تطلب يوماً أيَ دعمٍ مالي من الدولة ، وبالتأكيد لن تفعل مع أيٍ من الكيانات الخاصة ، لأن القائمين على المؤسستين ، إلى جانب أهدافهم المهنية والتجارية ، لم ولن ينحرفوا يوماً عن أهدافهم الوطنية الثابتة ولن يقبلوا أن يتم توجيه أعمالهم لخدمة أية أهداف أخرى على حساب صدقهم الذي يضع مصالح الوطن الحقيقية فوق كل الاعتبارات ، وهذا هو السر وراء توافق وتناغم جميع قيادات المؤسستين ، وهو أيضاً ما جعلني أنا شخصياً أقوم بأعمال احترافية أخرى في مجال عملي داخل وخارج مصر لأوفر الأموال اللازمة لدعم مشروع اكتشاف المواهب والنوابغ .
ولكننا في ذات الوقت نحتاج أن تنظر الدولة إلى مثل تلك المشاريع بعين الاهتمام ، خاصة وأن ما نقوم به في مؤسسة F5 وبوابة شهريار النجوم هو ترجمة عملية صادقة لما عبر عنه وتمناه الرئيس السيسي أكثر من مرة حول الارتقاء بالفن والثقافة والإعلام في مصر .
كما نطلب من مؤسسات القطاع الخاص ذات الحس الوطني الصادق مساعدة هؤلاء الموهوبين والمبتكرين الحقيقيين ذوي المهارات المثبتة ، بعد انتهاء دورنا في اكتشافهم وتدريبهم وتأهيلهم ، بتوفير فرص عمل لهم أو لتنفيذ ابتكاراتهم واختراعاتهم القابلة للتطبيق والنافعة للناس.
نحن في F5 وشهريار النجوم لا نهدف إلى لعب دور البطولة في هذا المشروع ، وقد عبرت عن ذلك قبل بداية المشوار في حوار منشور مع الصحفي الشاب (محمود الرامي) منذ أكثر من ثلاث سنوات ، وقلت بوضوح إننا نرحب بكل من لديه نفس القناعة ويريد المساهمة في استنهاض همم وطاقات الأمة الكامنة ، وقلت كذلك إنني أتمنى أن تكون هناك ألف مؤسسة أخرى غيرنا تتبنى نفس الفكر بمبدأ المنافسة الشريفة التي تصب في مصلحة المواهب والنوابغ وتحقق في النهاية حلم (مصر العظمى) .
هل هكذا نطلب الكثير من الدولة ومؤسسات القطاع الخاص (المصرية) ؟!