(حكايات من زمن فات) .. الأبنودي يتحدى العندليب !
بقلم : سامي فريد
ما هي حكاية هذه الأغنية التي تحولت إلى لغز.. بهرت الأغنية العندليب في البداية من خلال مقطع صغير رغم أنها كانت مفاجأة أن يكتب عبدالرحمن الابنودي هذا اللون من الأغاني الجديد عليه.. أعجبت عبدالحليم وطلب من الأبنودي أن يكملها.. وأكملها بعدها بالفعل وخرجت للنور كأروع وأجمل أغاني حليم.
وكانت الحكاية منذ بدايتها مشاغبة أو مداعبة من العندليب للأبنودي في بيته في الزمالك.. وكانت البداية حديث أو حوار بدأه الأبنودي بذكر سلبيات عدد من الأغنيات يغنيها كبار المطربين دون أن يتوقفوا أمام كلماتها حتى تحولت الأغنيات معهم إلى بكائيات ودموع .. وتحولت أغاني الحب إلى المذلة والهوان.
وراح الأبنودي مندفعا يذكر ويصف ويعود أمثال هذه الأغاني دون ذكر أسماء مؤلفيها او من يغنونها الأمر الذي أثار عبدالحليم فوجدها فرصته لاستفزاز الأبنودي حتى يثير فيه انفعاله فتنطلق لهجته الصعيدية التي يعشقها عبدالحليم.
قال الأبنودي ضمن ما قال إن بعض الأغنيات وللأسف أن كبار المطربين هم من يغنوها قد تحولت معهم إلى أغنيات سماها هو بأنها أغنيات الكيمياء.. تماما كما يحدث في معامل الكيمياء عندما يصنع الباحث هذه المادة أو العنصر إلى جوار هذا العنصر فيخرج لنا العنصر الثالث.. ثم ضرب أكثر من مثل على هذا الكلام فقال إن معظم هؤلاء المؤلفين يضعون عددا من الكلمات إلى جوار بعضها ثم يبنون عليها أغنياتهم بعد هذا مثل: أشكي.. وأحكي.. وأبكي.. أو لليل.. والويل.. والميل، ثم يبني أغنيته او العيون والرموش والجفون ليكون أمامنا في النهاية يغنيها لنا المطرب سعيدا بلحنه وبالموسيقى دون أن يفكر في الكلمات.
وانفعل الأبنودي وزاد انفعاله عندما استفزه عبدالحليم قائلا:
آهو انت دايما كده يا عبدالرحمن ما فيش حد يعجبك أبدا.
ورد الأبنودي: لأ.. موش صح.. فيه مؤلفين أنا باحترمهم.. وكتير ومش حيجي زيهم منهم مثلا (حسين السيد وعبدالفتاح مصطفي ومرسي جميل عزيز) اللي غنا له عبدالعزيز محمود ومرسى تلميذ في الثانوي عنده 17 سنة لما عطاه غنوة يا فروق يا وردي عود.. والعود استوي.. وأكمل ف عينيك السود جلاب الهوا..
لأ.. يا عمي فيه مؤلفين حلوين، لكن أنا باتكلم عن مجموعة كده ظهرت خلت أغاني الحب عندنا مذلة وإهانة.
ويضيف الأبنودي: ليه.. هو الحب ذل وإهانة.. دا الحب كرامة وعزة نفس وشيء جميل.
وقال عبدالحليم كلمته الأخيرة يحسم بها هذا الموضوع:
طب تعرف نكتب زيهم.. تعرف؟ ولا بس كلام؟!
وأجابه الأبنودي وهو يمد يده نحوه:
هات ورقة وقلم وابعت لي فنجال قهوة وأنا ح ادخل الأوضة دي وسيبوني لما أخرج لوحدي عشان تعرفوا إني باعرف أكتب زيهم ولا أحسن منهم..
ثم يقول قبل أن يدخل الغرفة لكتابة أغنيته:
أنا يا عمي سنة 64 و 65 كانت مصر كلها بتغنيلي تحت الشجر يا وهيبة.. ولا نسيتوا..
حد جبلي سيرة كلام زي ده.. (الليل بينعس ع البيوت وعلى الغيطان/ والبدر يهمس للسنابل والعيدان).
حد جال كلام زي ده؟ لا فيه دموع ولا شموع ولا رموش ولا جفون.. هات يا بني الورقة هات.
دخل الأبنودي الغرفة وغاب فيها حوالي 35 دقيقة ثم خرج يخفي ورقة الأغنية خلف ظهره قبل ان يسلمها للعندليب قائلا:
بس بالإمانة كده.. ان كانت حلوة وعجبتك تجول.. وتعترف اني آني بالمرة أكتب زيهمم ويمكن أحسن منهم.
قال عبدالحليم وهو يد يده:
هات يا عبدالرحمن بلاش غلابة
ثم رفع كلمات الأغنية أمام عينيه وقرأها لينزلها قائلا:
يا بن ….
ورد الأبنودي بسرعة:
يا ابن الإيه.. جول
قال عبدالحليم (يا بن الإيه)!
ثم أضاف منبهرا: كتبت الكلام ده ازاي يا عبدالرحمن؟ .. فين بقية الكلام؟
قال الأبنودي:
أكملها لك بكره.. بجد عجبتك
قال عبدالحليم: يخرب عقلك.. طبقا عجبتني جدا .. فين بقية الأغنية؟
قال الأبنودي: خلاص يا عمي.. إن كانت عاجباك أكملها لك بكرة والا بعده.. دولكت آني عاوز أروح اشتري حاجة للولاد يا كلوها وبالمرة ندفع أجرة المطرح..
سأله عبدالحليم قبل أن ينصرف: طب معاك فلوس يا عبدالرحمن؟
رد الأبنودي: معاي.. الحمد لله.
كانت الكلمات التي قرأها عبدالحليم لأغنية سميت بعنوان (أحضان الحبايب) فيما بعد:
مشيت مشيت على الأشواك
وجيت لأحبابك لا عرفوا ايه وداك
ولا عرفوا ايه جابك
رميت نفسك فى حضن .. سقاك الحضن حزن
حتى في أحضان الحبايب شوك شوك يا قلبي
مشينا هناك ورحنا واللي هناك جرّحونا
جينا شايلين جرحنا وبكيننا وقلنا جينا
جينالكم يا اللي لينا مدّوا ايديكم خدونا
شيلو الشوك من صدرونا والدمعة من عينينا
اللى جينا لهم ياقلبي ياقلبي فى جراحنا جرّحونا
ابكي ابكي تحت الليالي والخوف ملو الضلوع
قلبي قلبي يا بلاد غريبة بتنورها الدموع
………
ويذكر أن هذه الأغنية من بين أغنيات عديدة هى التي صنعت مجد عبد الحليم حافظ الفني لكن تبقى (أحضان الحبايب) لها مكانة خاصة جدا .. هذه الرائعة الغنائية التي قدمها العندليب لأول مرة في آخر أفلامه السينمائية (أبي فوق الشجرة) سنة 1970 من إخراج حسين كمال وبطولة (عبد الحليم حافظ ونادية لطفي وعماد حمدي وميرفت أمين) لتشهد على كيف كان الأبنودي يصر على التحدي في كتابة الأغنية السريعة ومع ذلك تحمل في طياتها معان رومانسية جميلة تؤكد شاعريته.