كتب : محمد حبوشة
من بعد المسلسل الأردني (جن) الذي أثار بلبلة كبيرة ووجهت له انتقادات لاذعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ اليوم الأول لعرضه وحتى نهايته، يعود للواجهة مسلسل أردني جديد من بطولة نسائية ليعرض على (نيتفلكس) في إطار ماتسميه هذه المنصة بـ (دراما الجرأة) التي تخاطب من خلالها المراهقين، ومن المؤكد أن فترة المراهقة تصاحبها الكثير من الدراما، لكنها تجلب معها أيضا المزيد من الكوميديا والرومانسية وبعض الغموض، وتلك أمور ربما تكون مستساغة إلى حد ما، على الرغم من محتوى هذه المسلسلات الذي يتضمن إسقاطات جنسية وألفاظ بذيئة في إطار مجاراة الدراما الغربية والأمريكية وحتى الآسيوية منها (الصيني والهندي والتركي) وغيرها، كما توضح هذه العروض التلفزيونية المثيرة.
قد يقبل كثير من الشباب على تلك المسلسلات بدافع التمرد على القوالب التقليدية، خاصة في الدراما الأردنية التي تنحاز في غالبيتها لمعالجة الموضوعات البدوية، وعلى الرغم من زخمها على مستوى الصورة والغناء والملابس والبيئة الصحراوية بفطرتها الآسرة، لكنها على ما يبدو أنها لاتستهوى الشباب الأردني الحالي الذي يلامس أطراف التكنولوجيا مثله مثل كثير من الشباب حول العالم، لذا استغلت منصة (نتفيلكس) مساحة الفراغ الدرامي الذي يناقش قضايا الشباب الأردني وأقدمت على إنتاج نوعيات من المسلسلات التي تخاطب ذهنية الشباب المتطلع إلى آفاق جديدة من الحرية التي تؤدي للفوضى على الطريقة الغربية، كما جاء في مسلسلها الأول (جن) الذي أثار جدلا كبير وقت عرض، وبمزيد من الجدل أكثر جاءت بمسلسل (مدرسة الروابي للبنات).
صحيح أن المسلسل يناقش قضايا مهمة وحيوية وواقعية أيضا، مثل (التنمر، والتحرش، والظلم، وثقافة الواسطة)، وشخصيات نسائية قوية، ومن ثم فهي خلطة كانت كافية لتثير الجدل خلال الأيام الماضية، حيث يركز المسلسل في حلقاته الـ 6 على الطالبات في (مدرسة الروابي للبنات): (مريم ونوف ودينا، ورانيا، ورقية، وليان) إلا أننا لم ندرك الأسباب التي أدت بهن إلى تكوين هذه الشخصيات، فرانيا وليان هما فتاتان متنمرتان تريدان السيطرة على المدرسة، وتسييرها كما تريدان، ولكننا لم نفهم ما الذي دفع بهما إلى تكوين هاتين الشخصيتين، ومدى وجود مثلهما في المجتمع الأردني من عدمه، وخلال تطور الأحداث تتحول مريم، الفتاة الطيبة التي تسعى إلى التفوق في دراستها، إلى شريرة، تريد إلحاق الضرر بمن حولها، من دون وجود عوامل كافية لهذا التحول.
وهنا يأتي السؤال المهم: ألا توجد مشاكل حقيقية في العالم العربي يمكن طرحها وإيصالها لعدد مشاهدين أكبر، كون الشبكة عالمية وتترجم مثل تلك الأعمال إلى عشرات اللغات الأخرى؟، أو في حال كان على المسلسل طرح هذه القضية بالذات، لماذا تبدو لغة الحوار، في الكثير من اللحظات، بلا روح، وكأنها مترجمة، وليست اللغة الأصلية التي نفذ فيها العمل، إذ يتخلل المسلسل الكثير من الهفوات والأخطاء الدرامية، لتفقد الحكاية بعدها الواقعي والمنطقي في لقطات عديدة، رغم حساسية القضية التي يطرحها وأهميتها، خصوصاً بين المراهقين والشباب المتطلع بمزيد من الحماس لمثل تلك الأعمال التي تستهويه.
يبدو مسلسل مدرسة الروابي في ظاهره يركن إلى فكرة مناقشة قضايا مهمة، رافعا شعار: (نخاف من مناقشة مشكلات مجتمعنا علنا)، لكن في الباطن هنالك تحميلات وإسقاطات تسعى لضرب المنظومة القيمية داخل المجتمع الأردني، الذي يتمتع بالأصالة القبلية في سعيها الحثيث للحفاظ على القيم والتقاليد والعادات العربية، صحيح أن النمط الحياتي، وسلوكيات الطالبات، وحسب المدافعين عن المسلسل، موجودة داخل المدارس الحكومية والخاصة كلها، بالإضافة إلى مشكلات التنمر التي تحدث داخل الصفوف، لكنها ليست بتلك الحدة في الطرح، حيث تكثر السلوكيات (المرفوضة)، كالشتم بألفاظ تخدش الأخلاق، وهذه الزاوية تحديدا كانت أكثر ما انتقده الحلف المعارض للمسلسل – ومعه كل الحق في ذلك – لأن هذا النمط يعد غريبا على المجتمعات العربية خاصة في أدبياتها الدرامية، التي تراعى بعد الخصوصية والتأثير الضار على الأطفال والنشأ.
أيضا، أثير غضب هذا الحلف الذي انتقد المسلسل من الأغاني التي ظهرت ضمن الحلقات، ومنها أغاني فرقة (مشروع ليلى)، الممنوعة من دخول الأردن، والتونسية (آمال المثلوثي)، والمصرية (لوكا) مثل (حشرب حشيش)، وجميعها مصنفة ضمن الموسيقى البديلة، ولها جمهور كبير لدى فئة الشباب/ات الأردنيين/ات، وكان لعرضها في (مدرسة الروابي) نصيب من الإعجاب من جانب المؤيدين للمسلسل، حتى أن شباناً وشابات جمعوها على شكل (بلاي ليست) باتت متداولة بينهم.
ومن خلال مشاهدتي المتأنية للمسلسل بعد أن أثار موجة من غضب الأردنيين على السوشيال ميديا، أدركت كم هم معذورون في استنكارهم وتصديهم لمثل تلك الموجات من الأعمال الدرامية التي تستهدف القيم، وتجاري الفوضى في المسلسلات الغربية والأمريكية، لذا خرجت أصوات تعلن (تبرؤها) من العمل، مبررة غضبها بأنه لا يشبه المجتمع في الأردن، خصوصا ما تم تداوله على السوشال ميديا، من مشاهد تخللتها ألفاظ نابية، حتى أن آخرين اعترضوا على طريقة لباس الفتيات، وعدوها متنافية مع القيم والأخلاق
ولم يكتف (مدرسة الروابي) من نصيبه من انتقادات الحائط الافتراضي، فاعترض نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب عليه، عادا أنه يمس (اعتبارات أخلاقية ومهنية)، وشبه موقفه منه، بموقفه من المسلسل الأردني (جن) الذي عرض قبل أكثر من عامين على نتفليكس أيضا، وطالته حملات انتقاد وتشويه أثرت بشكل شخصي على طاقم العمل، ووصف الخطيب في تصريحات صحافية (شبكة نتفليكس) بأنها (اخترقت الهياكل الاجتماعية، وحتى الدينية، بالفن، بحجة أن الواقع على هذا النحو)، وفي تصريح آخر، طالب النائب حسن الرياطي الحكومة الأردنية بالعمل على وقف عرض المسلسل، وهو أمر خارج عن نطاق صلاحياتها، كون نتفليكس شبكة عالمية، واعتبر أن المسلسل (ينافي الأخلاق، والقيم، والدين، ويضرب بعرض الحائط ما نشأ عليه المجتمع الأردني).
لفت نظري ما قالته (تيما الشوملي) مؤلفة ومخرجة المسلسل في معرض رفضها الرد على منتقدي المسلسل: أن نغرد خارج سرب تلك الضجة، ونبحر في المسلسل نفسه، وفكرته، ورسالته، هو الأجدى من عدم التعليق على حملات الانتقاد، مضيفة: (مدرسة الروابي للبنات) هو المشروع الذي لطالما حلمت به، واستغرق سنوات من الالتزام، والعمل الجاد، ما بدأ كأفكار كتبناها بالطبشور على سبورة المكتب، أصبح اليوم مسلسلا أصليا على نتفليكس، ومن ناحيتي أرى أنه ربما يكون العمل جيدا من ناحية الإخراج، والتصوير، والإنتاج، لكن النص يمتمع بالركاكة، إذ شعرت أن الأبطال كانوا يفتقدون جملا حوارية مشبعة، وغنية، حول المسألة المطروحة، بطريقة تدلل على أن الكتابة الفنية مهمة جدا، بينما هنا في (مدرسة الروابي للبنات)، رأينا نصا نقل بترجمة حرفية من الدراما الأميركية إلى العربية.
صحيح أن المسلسل لم يعمم ما يحدث داخل مدرسة الروابي على المدارس كلها، ولا ينفي وجودها، وهى حالة لا يمكن إنكارها، لكن يمكن أن يتم تناولها بعيدا عن تقليد الغرب، فكان ينبغي بذل جهد أكبرعلى النص الذي جاء مهلهلا ضعيفا للغاية، وخاصة في الحوار بقدر الجهد الذي بذل على بقية الزوايا الفنية، كان ينبغي أيضا الاستعانة بكتاب كبار كان يمكن أن يثروا القصة معرفيا، ويكون تأثيرها أكبر على المتلقين، بعيداعن الارتجالية التي سادت العمل، في إطار الاستناد إلى فكرة التغريد خارج السرب بحسب ما قالته (تيما الشوملي).
حاولت (تيما الشوملي) أن تعوض فشلها في تجربتها الكوميديا السابقة رغم متابعتها العالية من الجمهور، وهذا طبيعي كونها انتاجات بمواصفات اليوتيوب ومواقع التواصل، وقد بذلت مجهود أكبر على الصعيد الفني والانتاجي، لكن هنا في مسلسل (مدرسة الروابي للبنات) لم تبد (تيما) متمكنة بشكل كبير من معظم أدواتها كمخرجة تخطو خطواتها الأولى خارج عالم السوشال، كما أن المسلسل في شكله العام يستهدف ضرب منظومة القيم لدى الشباب وخصوصا فئة فتيات المدارس، ويسعى لضرب العادات والتقاليد عبر مشاهد وإيحاءات جنسية وصفت بأنها جريئة، لكنها في الحقيقة لا تمت بصلة إلى المجتمع الأردني المحافظ.
اندهشت كثيرا لموقف بعض النقاد العرب في معرض كلامهم عن أن المسلسل ممتاز على مستوى الفكرة والأداء والإخراج، خاصة أن يتمتع بجرأة شديدة ويتطرق إلى المسكوت عنه في المجتمعات العربية، ونجح في الطرح ومخاطبة الشباب الأردني في هذا اللحظة، ولقد سعى بعض هؤلاء إلى التهليل للمسلسل رغم موجة الغضب الشعبية الأردنية وأيضا على المستوى الرسمي، وهذا في ظني ما يؤكد المثل القائل (خالف تعرف)، فالمسلسل لايعبر أبدا عن البيئة الأردنية بوصف الأردنيين أنفسهم، وهو ما لايعرفه هؤلاء الذين انجرفوا وراء تيار مؤيدي (نتفلكس) وغيرها من منصات تسعى لإنتاج كل ما يتناقض مع عاداتنا وتقاليدنا بدعوى الحرية، ولكنها حرية الفوضى والضجيج الذي لايجدي شيئا سوى تخريب عقول شبابنا الطامح إلى تقليد الغرب في كل شيئ.