مغامروا اليوتيوب يستحلون المال الحرام !
بقلم : محمد حبوشة
كتب الزميل أحمد السماحي تقريرا قبل ثلاثة أسابيع ذكر فيه وقائع محددة عن سرقة أفكار الآخرين ومجهودهم فى تعد صارخ ودون وجه حق ونشرها على قنوات تليفزيونية خاصة باليوتيوب وغيره من مواقع الإنترنت، وعرض منها نماذج لثلاثة أغنيات شهيرة للأطفال، الأولى: (أنا الفرخة واحنا الكتاكيت) التى قام بتلحينها المبدع الراحل (محمد قابيل) وغناء نجمتنا الكبيرة (صابرين)، ولاحظ أن لها أكثر من فيديو، لكن الملفت للنظر أن إحداها طرح عام 2018 وحقق 495.685.99 مشاهدة (أي حوالي نصف مليار فيو)، وهذا الفيديو كان مقرونا بغناء مطربة غير معروفة اسمها (نغم حدودي)، توزيع موسيقي (علاء الكردي)، رسومات مروى حسن، تحريك حسام الخطيب، ونورا فاكراني، وإخراج الكليب حسام الخطيب، والمدهش أن الفيديو الأصلي للأغنية بصوت الفنانة (صابرين) لم يحقق سوى أقل من مليون (فيو) بقليل، نظرا لقدمه وسوء صورته بالطبع.
الأغنية الثانية لعبقري مصر محمد فوزي (ذهب الليل وطلع الفجر)، والتي قام مطرب غير معروف ولا حتى مكتوب اسمه على الكليب مع مجموعة الأطفال بغناء هذه التحفة الفنية التى حقق الفيديو الخاص بها حوالي 268.652.578 مليون فيو، وحقق فيديو آخر لنفس الأغنية تغنية مطربة مجهولة مع مجموعة من الأطفال حوالي 47.772.679 مليون فيو، بينما حقق نفس الفيديو القديم لمطربنا الكبير (محمد فوزي) حوالي 950 ألف فيو، وربما جاء ذلك نظرا لسوء الصورة والصوت والفيديو.
الأغنية الثالثة هى (توووووت، توووووت) التى قام بغنائها المبدع الجميل (عبدالمنعم مدبولي) بالاشتراك مع نجمتنا الكبيرة الراحلة (هدى سلطان) فى مسلسل (لا يا ابنتي العزيزة)، من كلمات الشاعر المتميز (سيد حجاب)، وألحان عبقري النغم (عمار الشريعي)، وتلك أيضا قد حدث عليها اعتداء من نوع آخر، حيث قام المسئول عن الفيديو الخاص بالأغنية التي قام بغنائها مطرب يدعى (عبدالحق صحراوي)، وتوزيع علي أبو إسلام، بتغيير كلمات الأغنية وجعلها باللهجة الخليجية، حيث كتب كلمات الأغنية الجديدة التى تدور فى نفس المعنى، شاعر اسمه (بشير غريب)،و حقق هذا الفيديو حوالي 104 مليون فيو، ويوجد فيديو آخر للأغنية حقق حوالي 15 مليون فيو، قام بغنائه وتوزيعه مطرب يدعى (علاء الكردي)، رسوم نورا فكهاني، تحريك زاهر الحمصي، انتاج توت توت.
والكارثة فيما مضى أن منتجي هذه الأغنيات الثلاثة التي حتما بهذه الملايين من (الفيوهات) تدر عليهم ملايين الدولارات من اليوتيوب، لم يذكروا لا اسم المؤلف أو الملحن أو المطربة الأصليين حتى يعود جزء من إيرادات تلك الأغاني التيتدخل كلها في جيب الموزع الذي قام بإعادة توزيع الأغنية وحدها، ودون غيره دون أدني شعور بأن هذا الشخص المغامر يقوم بسرق أفكار الآخرين يقوم بنسب إبداعهم الفني لنفسه مع أنه لم يبذل أى جهد يذكر سوى النسخ بالمسطرة، فضلا عن إضافة بعض اللمسات الخاصة بالتوزيع فيما يوحى أنه بذل مجهودا من شأنه أن يغير شكل وملامح المصنف الفني.
ولأن هذا يعد تحديا صارخا أشرنا إليه في بوابة (شهريار النجوم) بعد أن اتضح أن هذه الفئة المحرومة من التفكير والإبداع تعيش فقط وتجني الملايين بالسطو على حقوق الملكية الفكرية للآخرين دون وزاع من ضمير أو رقيب على الفن الذي يقدمونه بغلاف جديد، كنت أتوقع ردة فعل قوية وتحركا سريعا من جمعية المؤلفين والملحنيين، أو جمعيات حقوق الملكية الفكرية المعنية برد حقوق الورثة الذين لم يتحركوا هم بالأساس.
ولا حتى هنالك حس ولاخبر لنقابة الموسيقيين حتى من باب التصدي لعمليات متعمدة لتشويه تراثنا الغنائي ناهيك الحقوق المادية الكبيرة التي تضيع على الجميع من وراء هذه الأغنيات، والأمر المؤكد أن هؤلاء المغامرين من رواد اليوتيوت لم يستأذنوا من الورثة أو لديهم مستندات للتنازل بمقابل مادي فقط هم يجنون الملايين دون وجه حق ويعتدون بهذا المال الحرام على شعراء وملحنيين ومطربين مصريين، وكأن الأمر أصبح عاديا أن تنتهك حقوق الآخرين في وضح النهار بوقاحة وتقوم بوضع اسمك عليها وتتلقي ملايين الدولارات التي هى من حق المؤلف والملحن وباقي أطراف لعبة الانتاج الفني.
ويبدو لي أن هؤلاء المغامرين يسيرون على مبدأ (من أمن العقاب أساء الأدب)، فقوانين سرقة الملكية الفكرية لا تحوي شقا جنائيا، لذلك لا تنظرها محاكم الجنايات أو الجنح، إنما تنظرها المحكمة الاقتصادية أو المحاكم المدنية المختصة بالتعويضات والحقوق المادية والأدبية، وعادة لا تتضمن عقوبة من يثبت سطوه على ملكية فكرية لمشروع أو إبداع معين بعقوبات سالبة للحرية، إنما تجرى معاقبته بغرامات وتعويضات مالية يتصور البعض أنها تكون حاكمة وكفيلة كعقاب للمتجاوز، وتقدر المحكمة قيمة ذلك حسب حجم الضرر وكذلك حجم الربح الذى عاد على المتهم بسرقة الفكرة حال ثبوت إدانته.
الأمر المؤكد أننا في حاجة ماسة إلى قانون رادع لوقف مثل تلك السرقات (عيني عين) بحيث يكفل في الوقت ذاته رد حقوق الورثة والمتضررين من هذا الانتهاك الواضح لحقوق المصنف الفني، فلايكفي أبدا أن ينص القانون رقم 82 لسنة 2002، على أن يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه: كل من وضع بغير حق على المنتجات والإعلانات أو العلامات التجارية أو أدوات التعبئة أو غير ذلك، بيانات تؤدي إلى الاعتقاد بحصوله على براءة اختراع أو براءة نموذج منفعة، والغريب في هذا القانون أنه في حالة العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن أربعين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه.
وعلى الرغم من أن القانون يمنع السرقة والقرصنة أو تشويه الابداع بصفة عامة إلا بإذن صاحبه، على اعتبار أن المؤلف هو سيد الموقف، إذ له الحق في أن يصرح أو يمنح أو أن يعطي انتاجه مجانا أو بأجر، إلا أنه أصبحت السرقات الفنية أو الاقتباس الناتج عن إعادة بعض الأغاني أو الألحان مثار العديد من النقاشات التي لاتفضي إلى نتيجة منطقية، على اعتبار أن ما يخلفه هذا الفعل هو مس واضح وصريح بحقوق المبدع الأصلي، ربما نسمع بين الحين والآخر عن رفع دعوى ضد فنان أو فنانة، أو ضد شركة إنتاج بسبب سرقة لحن أو أغنية أو استغلالهما دون علم أصحابها، لكن هذا الوباء الفني يستفحل كلما كثر الانتاج وهذا دليل على فشل وإفلاس بعض الفنانين والملحنين وعدم معرفتهم بثقافة المستهلك والتراث.
وأحب أن أقول في النهاية أنه مع ظهور الإنترنت والتكنولوجيات الرقمية المعقدة، اتسع كثيرا نطاق عمليات النسخ والتلاعب الرقمي بالأداء سواء بتصريح أو بدون تصريح، واكتسبت هذه الصناعة القذرة صفة العالمية، وذلك رغم أنه في عام 1996، اعتمدت الويبو معاهدة حق مؤلف جديدة تلائم عصر الإنترنت (معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف)، وأيضا معاهدة أخرى للأداء الموسيقي والتسجيلات الصوتية (معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي)، لكن أعضاء الويبو أخفقوا في التوصل إلى اتفاق بشأن معاهدة مماثلة لفناني الأداء في المصنفات السمعية البصرية.
وفي حين يوجد لدى بعض البلدان تشريعات محلية تمنح بعض الحقوق لفناني الأداء في المصنفات السمعية البصرية، بما فيها الحق في تقاضي مقابل مالي عند نسخ هذه المصنفات أو توزيعها أو بثها، لا توجد معاهدة دولية تعطي فناني الأداء سلطة الرقابة على كيفية وتوقيت استخدام أعمالهم في الخارج، أو أي حق قانوني في الحصول على مقابل مالي.
القضية إذاً شائكة وخطيرة وتتعلق بالحقوق الضائعة وسط غابة من ذئاب اليوتيوب وغيره من مواقع تتيح سرقة وانتهاك حقوق الغير في وضح النهار، ولعل هذه النماذج الثلاثة للأغنيات التي ذكرتها ربما تكون نقطة في بحر عميق من الانتهاكات التي تتم دون أدنى وازع من ضمير، أو وجود قانون رادع يوقف جرأة ووقاحة استحلال المال الحرام لهؤلاء الغامرين الذين حصلوا على أموال طائلة دون وجه وعلنا، وكأنهم يخرجون ألسنتهم لنا ليلا نهار بينما نحن في غفلة من وعينا ونكتفي فقط بأن نتندر على تراثنا الجميل!.