الطريق إلى 30 .. (11) .. السيناريو الباكستانى
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
كانت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور سامح مهران تستعد لعقد مؤتمر حول أحوال المسرح المصرى ، و كان المؤتمر قد مر بفترة إعداد طويلة تقرب من عام ، انتقلت تبعيته خلال ذلك العام بين عدة جهات ، ففى البداية كانت فكرة المؤتمر و الإعداد المبدئى له قد جرت على يد المخرج ناصر عبد المنعم أثناء توليه رئاسة المركز القومى للمسرح بعد الثورة ، ثم انتقلت مسئوليته إلى البيت الفنى للمسرح مع انتقال عبد المنعم إليه ، و بسبب رفضه لسياسات بعض قيادات وزارة الثقافة فى ذلك الحين ، تقدم باستقالته .
فلقد كانت تلك السياسات تتشابه – بل تتطابق – مع السيناريو الباكستانى فى الثمانينات الذى أدى لتدهور الحركة الثقافية مع صعود التيارات المتأسلمة هناك ، كان السيناريو قائم على حصار الفنون و الآداب ماليا دون الصدام معها ، و أدت فى النهاية إلى انعدام حركة الفن التشكيلى من تصوير و نحت فى باكستان و لم تتبق سوى لوحات الخط العربى فقط !!!!
و فى تطبيق مصرى خبيث لذلك السيناريو ، بدأت محاصرة فنون المسرح عن طريق زيادة نسبة ( حوافز و إضافى ) الموظفين الإداريين 20% خصما من ميزانية الإنتاج لضمان صمتهم و تصديهم لأى اعتراض من الفنانيين ، و زاد (الطين بله ) أن مسئولى وزارة الثقافة لم يطالبوا وزارة المالية بالمبالغ التى تحملتها ميزانية الثقافة سابقا فى سبيل تعيين فنانيين على بند عقود مؤقتة ( و هى تعيينات تمت قبل و بعد الثورة ) مما أنهى بند ( أجور من الخارج ) و قلص ميزانية الانتاج ، و عند معاتبة المسئول قال : يعنى الناس تاكل و لا نعمل فن ( !!! ) . إنها الثنائية الفجة التى يضعوننا فيها و كأن الدنيا ضاقت عن إيجاد حلول تحفظ وجود غذاء الجسد و الروح فى آن واحد . و نجحت وسيلة ( المسئول المتبرع بتنفيذ مخطط الإخوان ) فى غلق المسارح الواحد تلو الآخر فى نهايات شهر يناير بعد أن كان الموسم ينتهى عادة فى أبريل أو مايو من كل عام .
و بما أن المخطط كان واضحا – حتى قبل تولى وزير ثقافة إخوانى – فقد عُقدت عدة اجتماعات تحضيرية لمؤتمر المسرح بعيدا عن وزارة الثقافة و احتضنت الجلسات التحضيرية نقابة المهن التمثيلية – فى فترة النقيب الفنان أشرف عبد الغفور – و تمخض عن تلك الاجتماعات بيانا يقول : ( نحن الفنانين المجتمعين في نادى نقابة المهن التمثيلية علي مدار الأيام الماضية ، وقد هالنا وأفزعنا ما آل إليه حال المسرح المصري من تردي سوف تكون نتيجته الانهيار التام لما تبقى من الحركة المسرحية المصرية على عكس ما توقعناه من نهضة وإصلاح بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ممثلاً فيما يلي :
أولاً: سوء اختيار بعض القيادات المسئولة عن مسرح الدولة ، مما أدى إلي تراجع ملحوظ في أداء المؤسسة المسرحية بكافة وحداتها.
ثانياً: سوء الإدارة ممثلاً في عقد مسابقات رسمية لاختيار القيادات المسرحية – وفقا للقانون – دون أن يتم الإعلان عن نتائجها بل وتجاهلها.
ثالثاً: ضرب مبدأ استقلالية البيوت والفرق المسرحية – الذي طالما نادى به المسرحيون – بعد تمكين قطاع الإنتاج الثقافي من السيطرة عليها من خلال استحواذه على كافة السلطات المالية والإدارية والفنية مما أحدث شللاً تاماً في أدائها كما وكيفا. بالإضافة إلى سحب التفويض المالي والإداري من وكلاء الوزراة ( رئيس البيت الفني للمسرح ، ورئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية ) وإسناده إلى رئيس قطاع الإنتاج الثقافي بمجرد توليه مهام منصبه ليبدأ بذلك عهداً جديدا من الفوضى في المؤسسة المسرحية.
رابعاً:عدم اتخاذ أية إجراءات جادة لدعم ميزانية البيوت الفنية في بنود الأجور الثابتة والمؤقتة مما أدى إلي تقليص إنتاجها وبالتالي فقر الحركة المسرحية وإشاعة الاضطراب والفوضى والبلبلة بين أرجائها.
خامساً: على الرغم من توقف مهرجان القاهرة الدولي للمسرح والمهرجان القومي للمسرح منذ عامين إلا أن الميزانية التي كانت مخصصة لهما – والتي تردد أنها حوالي خمسة عشر مليونا من الجنيهات – ظلت سرية حتى الآن لا يعرف المسرحيون شيئا عن وجودها أو كيفية إنفاقها وبنود صرفها رغم توقف الإنتاج المسرحي توقفا يستحيل إنكاره أو تجاهله .
سادساً: أنه على الرغم من تراجع وزير الثقافة عن قراره الخطير والغريب والمثير للتساؤلات بمشاركة أعضاء المحليات والأحزاب السياسية في مجالس أمناء تساهم في إدارة قصور وبيوت الثقافة في أنحاء مصر ، إلا أن هذا التراجع جاء فقط عبر وسائل الإعلام دون أن يصدر قرارا رسميا حازما بنفيه أو بتأكيده.
سابعاً: لم تجد الجماعة المسرحية تفسيراً لإقامة الوزارة مهرجانين للهواة والمستقلين من شباب المسرح – في ظل هذه الأزمة المالية – ودون وجود معايير أو ضوابط فنية، الأمر الذي دفعهم للمطالبة بإقرار مشروع يتضمن معايير وضوابط محددة ومعلنة لدعم مؤسسات المجتمع المدني المسرحية تشترك في وضعها لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة مع ممثلين للنقابة والبيت الفني للمسرح على ضوء مناقشة المشروع المقدم من مجموعة الفرق المستقلة لدعم هذه المؤسسات .
ثامناً: بناء على ما ذكرناه سلفاً قررت جماعة المسرحيين – التي هى في حالة انعقاد دائم بنادي نقابة المهن التمثيلية – الدعوة إلى حشد كل المهمومين والمهتمين بنهضة المسرح المصري من مسرحيين ومفكرين وأدباء وفنانين وإعلاميين ومثقفين حشدا كاملا في المؤتمر القومي للمسرح المصرى الذي تقيمه نقابة المهن التمثيلية ايام 17 و18 و19 من شهر نوفمبرالقادم بنادي النقابة – تدق فيه أجراس الخطر محذرة من الأيادي التي تعبث بالمؤسسة المسرحية المصرية بكافة أشكالها وانتماءاتها عامة ؛ وبالبيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الاستعراضية بصفة خاصة . كما سوف يقدم فيه مشروعاً وافياً لإعادة هيكلة مؤسسات المسرح بما يضمن تحقيق الخصائص النوعية لكل بيوتها وفرقها، وسيتم طرحه للمناقشة بحضور جميع المسرحيين المشاركين فى المؤتمر.
تاسعا: يعتبر المسرحيون المجتمعون في نادي النقابة أنفسهم في حالة اجتماع دائم حتى موعد المؤتمر ؛ حتى لا يذكر التاريخ أنهم تركوا مصير المؤسسة المسرحية المصرية عرضة للعبث بين يدي مجموعة من كبار الموظفين الدخلاء عليه . ولنعلن للجميع أننا لن نكف ولن نصمت حتى نحصل على كافة حقوقنا في إصلاح مسرحنا المصري العريق بكافة الوسائل المشروعة والقانونية .. (المسرحيون المصريون).
كان البيان يلخص سوء أحوال المسرح و المصير المنتظر نتاج لتلك الأحوال و يحتم عقد المؤتمر ، لكن الظروف السياسية التى تلت ذلك البيان أدت إلى تأجيل المؤتمر عدة مرات ، ففى الفترة التالية لهذا البيان أصدر مرسى الإعلان الدستورى ، بكل ما تبعه من أحداث ، ثم أحداث بورسعيد ، و ذكرى محمد محمود .
و عندما طال الوقت رأت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة أن يتم عقد المؤتمر تحت إدارتها لإحساس أعضائها بخطورة الوضع و مدى التردى الحادث فى حال المسرح ، و اختارت اللجنة الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلامونى لرئاسة المؤتمر ، فمضى فى التحضير له بدأب حتى اكتملت الإجراءات و الأنشطة التحضيرية ، و أصبح من المقرر افتتاح أعمال المؤتمر فى الأسبوع الأخير من شهر مايو .
و لكن بعد تولى الدكتور علاء عبد العزيز كان بعض أعضاء لجنة المسرح 0 و انا منهم – ترى ضرورة تأجيل المؤتمر اعتراضا على وجود الوزير ، و بالفعل تحدثنا فى هذا مع الأستاذ السلامونى ، و لكنه أصر على عقد المؤتمر فى موعده . و فى اجتماع لجنة المسرح أثير موضوع التأجيل ، فتنحى الدكتور سامح مهران عن رئاسة الجلسة منعا للحرج ، و حتى تتم المناقشات بحيادية تامة ، و مضى المعترضون يعددون أسبابهم ، و أخذ الاستاذ السلامونى يرد عليها و يدافع عن وجهة نظره المطالبة بعدم تأجيل أو إلغاء المؤتمر . و عندما قلنا له أن الافتتاح لابد وأن يحضره الوزير وأننا بهذا نعترف بوجوده فى منصبه ، رد قائلا أنه أعد مشروع بيان باسم لجنة المسرح يعلن فيه رفضه لوجود الوزير سواء فى منصبه أو فى افتتاح المؤتمر ، وقرأ علي أعضاء اللجنة البيان الذى وافقنا عليه بالإجماع مع بعض تعديلات و اختصارات صغيرة و اتفقنا على إلغاء حفل الافتتاح و أنه فى حال حضور الوزير لأى فعاليات للمؤتمر أن نقوم جميعا بالانسحاب . و تم توزيع البيان على الصحف و تم نشره على صفحاتنا على الفيس بوك .
يقول البيان: ( إن لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة والتي تمثل أطياف المسرحيين المصريين وهى بصدد إعدادها للمؤتمر القومي للمسرح رأت أن التغيير الذي حدث في وزارة الثقافة قد أثار غضب واستياء جموع المثقفين المصريين للأسباب الآتية :
1- إن اختيار وزير الثقافة على هذا النحو يفتقر للمعايير الأكاديمية والمهنية والثقافية مما يعتبر تصغيراً لشأن الثقافة والمثقفين المصريين .
2- إن بداية عهد الوزارة بالإطاحة بأحد الرموز الثقافية وإطلاق التصريحات والاتهامات على بعض المؤسسات الثقافية بحجة تطهيرها من الفساد يعتبر امتداداً لسيناريو التشكيك والطعن في بقية مؤسسات الدولة للوصول إلى تفكيك مؤسسات وزارة الثقافة وضرب الهوية المصرية وقوتها الناعمة ، وكان الأجدى أن تبدأ الوزارة عهدها بالحوار الحضاري مع المثقفين والقيادات الثقافية .
3- إن تصريح الوزير بأن انتماءه لجماعة الإخوان ( شرف لا يدعيه ) أمر لا مبرر له ، خصوصاً وأنها جماعة ليس لها أدنى نصيب فى مجال الثقافة والفنون والآداب ، فضلاً عن معاداتها لكل فكر مستنير .
** وبناءً على ذلك فإن لجنة المسرح قررت بإجماع الحضور أن هذا الوزير لا يمثلنا كمثقفين، ورفضت رعايته للمؤتمر القومي للمسرح المصري أوحضوره، على أن يقام المؤتمر تحت رعاية المسرحيين أنفسهم بمقر المجلس الأعلى للثقافة باعتباره بيت المثقفين المصريين وملك الشعب المصري .
كما قررت اللجنة إلغاء مراسم افتتاح المؤتمر في مسرح الهناجر وأن تبدأ فعاليات المؤتمر بالمائدة المستديرة في موعدها الساعة الثانية عشرة ظهر الاثنين 27 مايو 2013 واستمرارها في اليوميين التاليين وهما 28، 29 مايو 2013 .
وبالفعل انعقد مؤتمر المسرح فى موعده و بدون جلسة افتتاحية و بدون حضور الوزير ، حتى أن الدعوات التى طبعها المجلس الأعلى للثقافة و التى كانت تحمل عبارة (تحت رعاية الدكتور وزير الثقافة) تم تمزيقها و لم توزع .
لكن ما بين يوم إصدار بيان لجنة المسرح فى 19 مايو و بين يوم انعقاده فى 27 مايو لم تتوقف العواصف . و لهذا حديث آخر ..