(السرب) .. ملحمة مصرية لم ترى النور بعد !
بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن الأهمية القصوي للدراما العسكرية هى المرشحة الآن أكثر من أي وقت مضى لأن تستخدم على نطاق واسع في جهود بناء الهوية الوطنية والوعي العام والدعاية السياسية، كما كانت تفعل ذلك منذ وقت بعيد، حتي قبل ظهور الراديو والتليفزيون في مختلف أنحاء العالم، وتبقى هذه الدراما بالغة الأثر خاصة إذا كانت تستند إلى بطولات حقيقية مثل هى تلك المسجلة بحروف من نور في سجلات شرف جيش مصر على مستوى البطولات والأحداث والشخصيات التي ضربت أروع الأمثلة في التضحية والفداء من أجل الوطن، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر الشهداء (إبراهيم الرفاعي، إبراهيم عبد التواب، سيد زكريا خليل) وغيرهم نماذج مشرفة في سجلات الصاعقة والمدرعات والدفاع الجوي والبحرية والجوية، إضافة إلى المخابرات العامة والحربية اللتين أثبتتا براعتهما في مواجهة الإرهاب في سيناء وعلى الحدود الغربية في ليبيا.
ولعلنا نلحظ أن الجيش المصري ظل على مدار التاريخ جيشاً حضارياً عصرياً، لذا حرص ملوك مصر منذ بداية العصر الفرعوني علي تسجيل المعارك التي خاضوها في سبيل الدفاع عن وطنهم، ونقشوها على معابدهم ومسلاتهم، ولعل نقش لوحة توحيد مصر في عهد (الملك مينا) مؤسس الأسرة الفرعونية الأولي والمعروفة بـ (لوحة نارمر) تظهر كيف لعب الجيش المصري دوراً محورياً في توحيد مصر، بل كان لمصر جيش وطني في سنة 3200 قبل الميلاد، غير أن السينما المصرية عجزت عن تجسيد تلك البطولات القديمة على نحو صحيح، كما أنها عجرت في الشيئ ذاته عن بلورة بطولاتنا الحديثة في حربي الاستنزاف وأكتوبر المجيد من خلال عمل ملحمي يبرز جوانب من بطولة وشجاعة المقاتل المصري، حتى جاء فيلم (الممر) الذي غير مفاهيم الوطنية لدى شباب يتعطش للبطولات، شريطة أن يتم صناعته الفيلم بأسلوب عصري يخاطب خيالهم الطامح نحو إظهارالتفوق.
وها نحن اليوم نقف على أعتاب عمل سينمائي جديد هو (السرب) والذي يضم عددًا من النجوم، أبرزهم (أحمد السقا، وآسر ياسين، وكريم فهمي، وهند صبري، وقصي خولي، وأحمد حاتم، وغسان مسعود)، بخلاف عدد كبير من ضيوف الشرف، وهو من تأليف عمر عبد الحليم، وإخراج أحمد نادر جلال، ومن متابعتي لكواليس تصوير العمل يبدو لى أن تأثيره سيكون أكثر على الشباب بعد أن حقق البرومو الخاص أكثر من 5 ملايين مشاهدة فى أسبوع فقط من طرحه، عبر الحساب الرسمى للشركة المنتجة على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك)، وذلك على الرغم من أن الفيلم مازال في طور الإعداد للعرض قريبا، وكان من المرجح أن يتم طرحه بدور العرض السينمائى خلال موسم عيد الفطر المبارك الماضي، لكن انقطعت أخبار هذه الملحمة التي لم تكتمل بعد لأسباب غير معروفة.
ويقيني أن هذا الفيلم إذا تم عرضه قريبا سيكون له أثره البالغ في نفوس شبابنا خاصة أنه يتناول قصة حقيقية عن الضربة الجوية التى نفذتها القوات الجوية فى ليبيا ضد تنظيم داعش ، كما أنه يحكي بطولة معاصرة عاشتها الأجيال الحالية، وذلك بتعرضه لواحدة من أهم القضايا السياسية، بل الإنسانية التى تعرضت لها مصر في العقد الثانى من الألفية الجديدة فيما يختص بواقعة تفاصيل الضربة الجوية التي نفذها الجيش المصري في ليبيا ضد تنظيم (داعش)الإرهابي، آخذين بالثأر لـ 21 مصريا قبطيا تم ذبحهم على أيدي هذا التنظيم الإرهابي بمدينة سرت الليبية في 15 فبراير 2015، وفي هذه المناسبة تم عرض مسلسل (غسق) في رمضان 2021 عبر 10 حلقات فقط، تحكي جانبا من ملحمة للجيش الليبي تحت عنوان (البنيان المرصوص) والذي أخرجه المخرج الليبي المبدع (أسامة رزق) في واحدة من روائع الدراما المتقنة على مستوى الأداء والإخراج والموسيقى التصويرية، بعد مسلسه (الزعيمان) الذي عرض في رمضان 2020.
وظني أن مصدر قوة فيلم (السرب) تكمن في مصداقية قصته التراجيدية من نوع المأساة، فهو لايعتبر واقعة أو حادثة في حد ذاتها مثل أى حادث إرهابى عاشته مصر في السنوات الأخيرة، بل هو حادث تسبب فى أن يخيم الحزن والألم على وجوه المصريين جميعا بعد بث فيديو الذبح الشهير الذى تجرد من جميع كلمات الرحمة والإنسانية، ليتخذ الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بالثأر ويعيد كرامة المواطن المصرى إلى القمة من جديد على جناح عمل بطولي نادر أثبت كفاءة القوات الخاصة بمشاركة جهازي المخابرات العامة والحربية اللتين تبذلان الغالي والنفيس من أجل رفعة هذا البلد الذي يتطور يوما تلو الآخر بفضل إنجازات غير مسبوقة من جانب قيادة سياسية تتمتع بالقوة والبأس في تنفيذ المهام الموكلة بها.
كل هذا وأكثر هو ما اتضح لي من خلال خيوط الدراما التي تعكس رؤية مؤلف وكاتب سيناريو الفيلم (عمرو عبد الحليم) في قوله : إن هناك العديد من البطولات المصرية لم تخلد حتى الآن لأسباب تتعلق بالأمن القومي، أو أنه لم يأت الأوان لنتحدث فيها، أو أنه لا توجد الجهات الإنتاجية المعنية بتقديم مثل هذه المشروعات، والحقيقة أن فيلم (السرب) يتعرض لمؤسسات كثيرة في الدولة المصرية وما تتعرض له من مؤامرات تحاك ضدها حتى الآن، لذلك وجدنا الدعم من جميع الجهات المعنية في إنجاز هذا المشروع الوطنى الضحم، رغم أنه لم يرى النور بعد.
ويضيف (عبد الحليم) : كان هذا دافعا قويا لفريق العمل كي نحكى حدوتتنا دون تضليل وتشويه، ومن ثم نؤكد من خلال تلك الحدوتة على قيمة الانتماء التي قلت تدريجيا مع الزمن وهو واجب وطني قبل أن يكون فنيا، حيث يظهر الفيلم التأكيد على حس الانتماء لدي المقاتل المصري الذي ترسخ لديه عقيدة قتالية قائمة على الزود بالنفس وبذل الدماء في سبيل الثأر لشقيقه على ذات التراب المقدس، ومع ذلك يبرز داخل هذا الشريط السينمائي كثير من المشاهد التي تركز على الجانب الإنساني للضابط والمقاتل والمسئول، لأنهم في النهاية أشخاص مثلنا من (دم ولحم)، لكن عزيمتهم القوية تبقى هى الدافع الأساسي لتسجيل تلك تفاصيل ملحمة تحكي عن بطولات المخابرات العامة والحربية على حد سواء.
وعلى الجانب الآخر من رؤية المؤلف نجد أن (السرب) قد تعرض للإرهابي المتطرف ليس بالشكل المعتاد الذي يظهر فيه، بل حاول التعمق والغوص في نفسية الإرهابي المتطرف، من خلال ما يسمى بـ (علم نفس الإرهاب) ، والذي يبحث في مسألة وصول المتطرف لهذا الفكر اللإنساني، لذلك سوف يظهر العمل شخصيات التكفيرين والإرهابيين بشكل مختلف وغير تقليدي، وهذا ما أثار حفيظ الجماعة الإرهابية في هجومها الذي شنته في بداية الإعلان عنه على صفحات جرائدها وقنواتها القبيحة التي تحاول التشكيك في بطولة خير أجناد الأرض، أما الجانب النسائي فهو بالتأكيد موجود في نسيج الفيلم، ولا يمكن إغفاله، وهو ما نلحظه في أن هنالك كثير من الأدوار النسائية لنجمات مشاركات في هذا العمل الملحمي الذي يحكي أسطورة المقاتل المصري في ساحة الوغى.
بقي لنا أن نكشف عن أن اسم (السرب) مشتق من دور القوات الجوية المعتاد، وهو يوثق الحالة العامة التي عاشتها مصر إبان هذه الفترة من عمليات إرهابية واغتيالات وانفجارات، وما جرى على الحدود الغربية ودور القوات المسلحة ومهامها الحربية بكل فئاتها، وأهم ما في ثنايا هذا الشريط السينمائي الوطني – كما جاء على لسان بطله (أحمد السقا) – أن (فيلم السرب) مصنوع بحرفية شديدة، ويؤكد على دور الفن في أن يوثق الأحداث لو كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، أو كما هى عليه في الظروف الحربية ضد الإرهاب، والتي كانت بمثابة حرب حقيقية ويكفي أن الرئيس وقتها وعد بالقصاص، ولم يمر 24 ساعة حتى انطلقت الطائرات فجرا لتدك مراكز تدريب الإرهابيين في ليبيا ومخازن للذخيرة الخاصة بالدواعش .. وكل هذا سنشاهدا موثقا حول هذه الواقعة التي نتمنى أن تكون قريبا إن شاء على شاشة السينما كعمل وطني يرسخ مفهوم الانتماء لتراب هذا البلد المحروس بإذن الله بفضل سواعد أبنائه المخلصين.