بقلم : محمد حبوشة
يتعين على الممثل في المواقف التي تعبر عنه وهو يمثل مركز الحدث أن يعيش انفعالات الشخصية وأحاسيسها بصدق وإيمان، وأن يتحول من الممثل الشخص إلى الشخصية المسرحية.. فكيف للممثل أن يؤثر على الجمهور ويقنع المتلقي بانفعاله وشعوره، وبصدق أحاسيسه؛ إذا لم يكن هو مؤمناً ومقتنعاً إلى الحد الذي يصبح فيه إلى حد ما.. الشخصية التي يؤديها؟ نقول إلى حد ما لكي لا يفهم من هذا الكلام أن لا دور لعمل الوعي والنقد الذاتي، أو المراقبة الذاتية في عمل الممثل .. أو بتعبير آخر مفارقة الممثل الأساسية في أن يعيش الشخصية بصدق، وأن يكون في الآن، نفسه على وعي تام بأنه يمثل الشخصية ويقدمها للجمهور – مستعينا بمنهج المعايشة النفسية عند ستانسلافسكي – كما يتعين على الممثل الاستعانة بمنهج التغريب (البريختي) الملحمي في تشخيص الشخصيات التي يستعيدها عبر الذاكرة لوهلة أو للحظة قصيرة جداً في ذهنه، وهنا يظهر الاقتدار والتفرّد في إيجاد أسلوب يجمع بين الأسلوبية (الاستايلزم) وأسلوب المعايشة.
وضيفنا النجم الكبير (بيومي فؤاد) في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع، هو واحد من الذين يعنون جيدا بمنهج المعايشة النفسية عند ستانسلافسكي، ومنهج التغريب (البريختي) ومن ثم أصبح هو الممثل المقتدر والمقنع، وهو الذي يلعب بكيفية طبيعية، تلقائية وصادقة، مع قدرته على عدم الانغماس الكلي في الدور أو الانقياد الكلي لمشاعر الشخصية، بوصفه ممثلاً لصفة اجتماعية وليس ممثلا لذاته والفرق بين المعايشة وتشخيص الصفة الخارجية للشخصية هو فرق بين منهجين مسرحيين مختلفين في التمثيل فالصدق الاندماجي يستلزم المراقبة الذاتية، أما الصدق التغريبي أو غير الاندماجي فيستدعي الوعي ومراقبة الممثل لأدائه لمواقف أو صور من الشخصيات المستعادة؛ مستعينا بالأقنعة لتمثيل بعض الشخصيات في مواقف معينة.
وكل ذلك يبرز تماما في حالة (بيومي) في غالبية أعماله التي تميل إلى الكوميديا، ولهذا لم يكن غريبًا أن يلقب بـ (جوكر الدراما المصرية) لنشاطه الفني الواسع في سنوات وجيزة، حتى أن البعض كانوا يتندرون حينما لا يجدونه مشاركاً في عمل درامي أو تليفزيوني، فأينما تنقلت بين القنوات الفضائية وجدته، إما فى عمل درامى أو إعلانى، حتى أن برامج المقالب لم تخل من طلته الكوميدية، حتى أطلق عليه البعض لقب (الحوت) جراء غزارة إنتاجه الفني.
ورغم أن الكوميديا كانت السمة الغالبة على أعماله، إلا أن الفنان بيومي فؤاد وبعد اجتيازه مرحلة الانتشار أصبح أكثر قدرة على اختيار أدوار مؤثرة ومختلفة، وهذا ما يشاهده الجمهور من خلال مشاركته في الماراثون الدرامي الرمضاني 2021 بمسلسلي (النمر، وخلي بالك من زيزي)، وقد أبدى نوعا من البراعة في أداء دور الشرير والتراجيدي كما اتضح لنا من من حركاته وإيماءته وإشاراته وماكياجه وملابسه؛ ولأنه قادم من خلفية مسرحية فقد برع في أدائه لدور الشرير الكوميدي في مسلسل (النمر)، وكما هو معروف فإن جسد الممثل (بيومي فؤاد) في المسرح يتميز بقدرته على تقديم كل معقد من المعاني والرموز، باعتباره الرمز المادي الرئيس، حيث يقدم دلالاته من خلال مظهره الخارجي، وأفعاله، وسلوكياته على خشبة المسرح، فضلًا عن أنه ينم عن الهوية الجنسية العرقية أيضًا.
كما أن بمقدرة (بيومي) التعبير عن المكان والزمان، والأهم من ذلك فهو كما يتفاعل مع لغات خشبة المسرح الأخرى من “سينوجرافيا” وصوتيات إلى المتلقي، يتفاعل (بيومي) أيضا في أدائه الجسدي مع كافة العناصر الدرامية، وهذا ما يؤكده (ميشيل فوكوه) بقوله: (إن الجسد هو السطح الذي تنقش عليه الأحداث نفسها والذي تقتفي آثاره اللغة، وتقوضه الأفكار) وأن الحركة تتدفق باستمرار لبث الدلالات من خلال أفعال وسلوكيات وتصرفات الإنسان الممثل على شاشة التليفزيون.
وربما ما شجعه على خوض تجربة (النمر وخلي بالك من زيزي) هو نجاحه في الأداء الدرامي الإنساني بمسلسل (خيانة عهد) ال ملىء بالتراجيديا، كما وصف البعض كونه دراما قاتمة بدءًا من الاسم قبل الأحداث، فهو يدور حول المشاكل الأسرية وخيانة أخوية وهذا أمر طبيعى أن تقدم ألواناً درامية تراجيدية وميلودرامية حزينة وأخرى كوميدية وثالثة رومانسية، فلا وجود للمبالغة فى وصف أحداث أقرب للواقع ولا ينكر هذا الأمر إلا من يريد إيهام الآخرين بوجود المدينة الفاضلة، وإذا لم تكن الدراما قريبة من هموم الناس وأوجاعهم فما هو دورها، خاصة أن هناك واقعا مشابها فى كراهية الإخوة أو بعض أفراد العائلة لشخص سواء حقدا أو طمعاً فى مال، وأخيراً فإن مهمة الدراما هى التسلية وتلك أحد أهم الجوانب وقد قام العمل بدوره فى ذلك بالإضافة إلى تقديم رسائل الوعى المتعلقة بالتعاطف مع جانب الخير ضد الشر.
ولا ننسى أنه عندما تجتمع كل عوامل النجاح من سيناريو وهو العمود الفقرى لأى عمل كذلك الإخراج المتميز وقدرات تمثيلية عالية فإن العمل يكون برهان تلك المعطيات، وبالنسبة لشخصية (منعم) في (خيانة عهد) فقد حققت نجاحا كبيرا لعدة أسباب، أبرزها تعاطف الجمهور مع (عهد) ومع من يقف سنداً لها وكما ورد على لسان (بيومي) فإن تغيير الجلد دائماً ما يفاجئ الجمهور والذى عبر عن ذلك بإعجابه وجاءت ردود الفعل قوية وقد لاحظ المقربون منى عبر تواصلهم على السوشيال ميديا هذه المكافأة التى تعد تشجيعاً جديداً لى لاستكمال انتقائى للأدوار ولا أبالغ إن قلت (استثنائية).
ولد (بيومي فؤاد) بمدينة القاهرة وهو من أسرة من الأسر المصرية التي يرث منها التفوق والتميز ونعمة المولى تعال بالقبول، التي ينعمها الله على الإنسان ويتميز بها وتجعل منه علامة من علامات مصر، في العمل، الصداقة، التفوق، فهو متفوق في دراسته حيث أنهى تعليمه الثانوي بتفوق، ودخل كلية الفنون والجميلة بالزمالك قريبا من بيته ، وهى كلية الفن والإبداع ، وبعد دخوله بالجامعة اشترك في فرقة أتيلية المسرح بالكلية، لينمى موهبته بالتمثيل ، ودرس في قسم الإخراج .
تخرج ضمن الدفعة الأولى لمركز الإبداع الفني، بعد التخرج عمل في مجال الإعلانات، موظف بقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة – قسم الترميم ، وأنطلق بمسيرته المهنية والفنية بشكل سريع وملحوظ، فقدم عشرات المسلسلات والأفلام ، وبدايته كانت من خلال المشاركة بأدوار بسيطة في بعض الافلام ، مثل (دكان شحاته ، دكتور سيلكون ، والرجل الغامض بسلامته)، ورغم أنها كانت أدوار صغيرة ولكن لها آثر بين المشاهدين، فهو عبارة عن الفلفل والشطة في العمل لولا وجدهم لا يصلح العمل.
توالت الأدوار وبدأ يتجه أكثر نحو السينما والمسلسلات والمسرح، وأصبح أسمه يذكر في كثير من الأعمال ، وزادت عملية انتشاره في أكثر من عمل، حتى ظن بعض المشاهدين أن أي عمل يعرض أن لم يكن فيه يكون من الاستحالة، ويعتبر المدة البسيطة التي مارس فيها العمل شارك في أكثر من فيلم ومسلسل بإنجاز، ومن أهم أعماله الذي منحة شهرة كبيرة وشعبية واسعة مسلسل (الكبير أوي) ، حيث شارك في التمثيل بأجزائه الخمس بإنجاز رائع، واستمر بأعماله الناجحة واحدة تلو الأخرى.
في عام 2014 مثل بيومي فؤاد في أفلام: (لا مؤاخذة ، عنتر وبيسة ، الدساس، جوازة ميري)، وفي العام التالي ظهر في أفلام (زنقة ستات، كابتن مصر، سعيكم مشكور، كما مثل في الجيل الرابع ويوم مالوش لزمة وأوشن 14)، وخلال سنة 2016 شارك في فيلم (البر التاني) وفيلم (حسن وبقلظ، والهرم الرابع)، كما ظهر في فيلم (سطو مثلث، وعمود فقري، وأبو شنت، وعسل أبيض).
وفي سنة 2017 مثل بيومي في فيلم (يجعلو عامر)، وفيلم (شنطة حمزة)، وفيلم (فوتو كوبي) وفيلم (ممنوع الاقتراب والتصوير)، كما مثل في فيلم (بشتري راجل) وفيلم (بنك الحظ)، وفي سنة 2018 مثل في عدة أفلام كفيلم (عقدة الخواجة) وفيلم (طلق صناعي)، وظهر في فيلم (علي بابا، وأولاد أبو اسماعيل)، ومثل أيضاً في فيلم (حرب كرموز) وفيلم (الكويسين) وظهر في فيلم (نورت مصر).
وعام 2019 كان حافلاً بمشاركاته الفنية فقد مثل في فيلم (الموقف) وفيلم (الزوجة 18) وفيلم (كازابلانكا)، كما ظهر أيضاً في مسلسل (بدل الحدوتة تلاتة، وكابتن عزوز)، وشارك أيضاً في فيلم (خيال مآتة وفيلم اللعبة الأمريكاني وفيلم نادي الرجل السري)، وظهر في مسلسل (سبع أبواب، ومسلسل سوبر بيرو ومسلسل اللعبة) بالاضافة إلى فيلم (سبع البرمبة) وفيلم (دكتور بسبس)، كما يعتبر مسلسل (الكبير أوي) من أهمّ إنجازاته حيث شارك في التمثيل في أجزائه الـ 5 وكان هو المسلسل الذي منحه شهرةً كبيرة وشعبيةً واسعة.
وجاءت إنطلاقته الفنية في السنوات الأخيرة حيث قدم العديد والعديد من الأدوار سواء في التلفزيون أو السينما حتى أطلق عليه البعض لقب (النحيت) ذلك اللقب الذى لم يزعجه يوما فهو يرى أن جميع الأدوار التي قدمها مختلفة عن بعضها البعض فهو لم يكرر نفسه يوما في عمل، وبالرغم من موهبته الكبيرة التي أثبتها من خلال أعماله إلا أنه مازال يفضل تقديم الدور الثانى ويعتبره أفضل من البطولة المطلقة من وجهة نظره، وعرف بيومي فؤاد بالممثل الكوميدي ولكنه لم يحب أن يحصر في الكوميدي فقط فكانت المفاجأة في العام الماضي لتقديمه دور مغاير تماما عما رأه جمهوره من قبل ، حيث قدم أحد الأدوار الجادة في مسلسل خيانة عهد الفنانة يسرا ونال إعجاب الجميع.
اكتسب (بيومي فؤاد) محبة الجماهير العريضة دون نزاع، لعل سر المحبة والنجاح ليس فقط مبنيا على تميز أداءه، فما لا يعرفه الكثير عنه أنه أوسط خمسة إخوة، يتناوبون الإقامة جوار أبيهم القعيد في (الزمالك) في كل يوم، بينما قد يقيم بيومي مع والده شهرا كاملا مع زوجته وأولاده في أجازة الصيف، ليعوض أيام غيابه لأسباب عمله وانشغاله بالتصوير في يوم تناوبه جواره، فلو أصبنا القول أنه بار لأب بار، فتوارثوا الخير كما يتوارث الناس الأملاك، وتوارثوا محبة الناس في كل صوب سلكوه.
قدم بيومي فؤاد دورا ملفتا للغاية من خلال مسلسل (النمر) حيث شخصية (عنتر الحلق) في إطار من الشر الكوميدي لرجل يعمل تاجرا للذهب، ونظرا لأن الشخصية تجمع بين الكوميديا والشر، فهى التي دفعته للعب الدور قائلا: أن قوة الشر فى الدور هى التى دفعته للموافقة على الدور والتحمس له، خاصة أنه كان يتمنى أن يخوض نوعية أدوار جديدة غير الكوميديا وبالفعل حقق ذلك خلال السنوات الأخيرة وأبرزهم مسلسل (خيانة عهد) الذى عرض فى السباق الرمضانى الماضى وكانت الكوميديا فيه تعتمد على الموقف، بينما المشاهد الأخرى بها إنسانيات ورومانسية وتراچيديا، وهذا ما حدث فى مسلسل (النمر) فبالرغم من أن الشر هو أساس الدور، ولكن كوميديا الموقف ستكون من ملامح الشخصية.
ومن ناحية أخرى قدم بيومى فؤاد تصوير دورا آخر مختلفا فى مسلسل (خلى بالك من زيزي)، حيث جسد شخصية (فؤاد العوضي) والد أمينة خليل، وهو شخصية مهزوزة مطيعة في البيت، لكنه في المقابل عصبي بينما هى تمر بأزمة نفسية مما يصعب عليه التعامل معها، ومع ذلك فالعمل يحمل رسائل اجتماعية متنوعة، فهناك دائماً شخصيات مختلفة نجدها حولنا وفي واقعنا الذي نعيشه، قد يكون هذا الاختلاف ناجما عن الجينات والعوامل الوراثية، فيما يعود جزء كبير منه إلى التربية وطريقة تعامل الأهل والمجتمع مع تلك الشخصيات خلال مراحل طفولتها، وكلها عوامل ساهمت في براعة أداء بيومي فؤاد في هذا المسلسل الذي يبعد تماما عن منطقة الكوميديا، فضلا عن تألقه الكبير حاليا في فيلم (مام حامل) مع ليلى علوى والذي يعرض حاليا .. تحية تقدير واحترام لهذا المبدع الكبير الذي يظل فوق كل لقب انسحب عليه (فاكهة الدراما والسينما المصرية) بظرفه وقدرته على إدخال البهجة والسعادة في نفوسنا جميعا.